الوزارة تبدأ فحص ملفات العديد من الضباط والأفراد لبيان مدى صلتهم بالجماعة تواطؤ عدد من القيادات فى مذبحة كرداسة يفتح ملف الاختراق الإخوانى ل«الداخلية»
مدير أمن الجيزة الأسبق ونائب مدير الأمن الوطنى السابق أبرز خلايا الإخوان فى عهد مرسى.. وقرار إحالتهما إلى ديوان الوزارة أقرب للإقالة
لم يعد الأمر يتعلق بمجرد تكهنات أو مخاوف من خطر اختراق إخوانى لأجهزة ومؤسسات الأمن، وفى مقدمتها وزارة الداخلية. تحقيقات مذبحة قسم شرطة كرداسة كشفت أن مأساة التوغل الإخوانى فى عدد من كيانات الدولة الحساسة غادرت مرحلة المخاوف وتحولت إلى اليقين، ومن ثم لم يتردد نفرٌ من قيادات الوزارة فى غض الطرف بصورة تصل إلى حد التواطؤ مع جرائم الإخوان فى «30 يونيو» وما بعدها.
بوضوح أصبحت «الداخلية» اليوم فى مواجهة حقيقية مفجعة، تتمثل فى الكشف عن خلايا نائمة لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة داخل بعض المديريات والقطاعات، وكان آخرها الكشف عن ضابط بمديرية أمن الغربية أفادت التحريات انتماءه للتنظيم، بل ومشاركته فى إحدى مسيراتها بمركز كفر الزيات، مما دفع الوزارة لوقفه عن العمل.
بينما بدأت الوزارة فحص ملفات عدد آخر من الضباط والأمناء لمعرفة مدى صلتهم بالجماعة، والتى سعت إبان حكم رئيسها المعزول لمدة عام مضى، للسيطرة على مفاصلها، مما انعكس ساعتها فى تنامى الدعوات عن هيكلة الوزارة وتطهيرها، وفقا لما سمته الجماعة وقتها بضرورة إصلاح وتطهير جهاز الشرطة، وهو شعار مستتر لخطة التمكين الإخوانية من الأمن..
ولعل أبرز من طالتهم الشبهات بكونهم واجهات للإخوان فى وزارة الداخلية، هما اللواءان عبد الموجود لطفى مدير أمن الجيزة الأسبق، واللواء أحمد عبد الجواد، نائب مدير قطاع الأمن الوطنى السابق، وتم نقلهما إلى ديوان عام الوزارة، وكان القرار أشبه بإقالتهما من منصبيهما، بعدما رفعت أجهزة سيادية تقريرا إلى مكتب الوزير جاء فيه رصد مكالمات بين لطفى وعدد من قيادات الإخوان، كان ذلك سببا فى تأخر تدخله فى مذبحة بين السرايات التى قادتها ميليشيات الجماعة وحلفاؤها ضد الأهالى.
أما اللواء أحمد عبد الجواد نائب مدير قطاع الأمن الوطنى السابق فجاء قرار نقله بعدما أشارت التحريات إلى وجود علاقة بينه وبين قيادات الجماعة الإسلامية، فضلا عن علاقته بالتنظيم الدولى للإخوان، والتى كانت السبب فى استبعاده من الجهاز ونقله لديوان الوزارة. وهو الأمر الذى تكرر مع اللواء محمد شكرى الذى كان يشغل منصب مدير الإدارة العامة لمباحث الضرائب والرسوم وتم نقله أيضا.
خبراء أمنيون أجمعوا ل«الدستور الأصلي» على وجود خلايا نائمة بالفعل للإخوان داخل وزارة الداخلية، قامت الجماعة بتجنيدهم عقب التحاقهم بكلية الشرطة من خلال لغة المال أو علاقات المصاهرة مع أعضاء الإخوان، لضمان ولائهم لأفكارها والإيمان بتوجهاتها، وطالب الخبراء بضرورة إعادة تثقيف العاملين بجهاز الشرطة من ضباط وأفراد وأمناء، بما يناسب التطورات التقنية وفتح وتطوير مناهج العلاقات الإنسانية لعاملى الجهاز، حتى من يعمل منهم فى الوظائف الإدارية بالوزارة.
اللواء رضا يعقوب مساعد وزير الداخلية الأسبق ومؤسس إدارة مكافحة الإرهاب الدولى فى مصر، قال إن لجماعة الإخوان المسلمين خلايا نائمة ومنتمين لها متوغلون فى كل قطاعات ومرافق الدولة، بما فيها وزارة الداخلية، مشيرا إلى أن الجماعة منظمة إرهابية دولية وهى «الأم الشرعية» لتنظيم القاعدة فى مصر، وكان المخطط الأمريكى هو القضاء على الإخوان بعد تقديم الدور المطلوب منهم فى سيناء، بتسليم قطعة من سيناء للفلسطينيين، وأضاف أن الشعب المصرى شعب حمى أرضه ووطنه وأحبط مخطط الغرب والإخوان فى مصر.
بينما برر يعقوب وجود ضباط وأفراد ينتمون لفكر الجماعة داخل جهاز الشرطة بقدرة الإخوان وتفوقهم فى علاقاتهم من خلال تنمية قواعدهم الظاهرية وكوادرهم فى شتى المحافظات والتى تسعى لإيجاد تعاطف مع أصحاب السلطة فى مصر، ومن بينهم عاملون بوزارة الداخلية. فى حين طالب بأن تبعث مصر برسالة عبر مجلس الوزراء ووزارة الداخلية عبر مندوبها فى لجنة الأممالمتحدة إلى لجنة مكافحة الإرهاب الدولى بمجلس الأمن، والتى يترأسها المغربى محمد لولشكى منذ يناير 2013، تطلب اعتبار جماعة الإخوان منظمة إرهابية، واللجنة ستتولى الباقى، على حد قوله.
الخبير فى الإرهاب الدولى يرى أن هذه الخطورة ستكون بمثابة القضاء على فكر الجماعة وعدم سعيها لتجنيد عملاء لها داخل وزارة الداخلية وباقى قطاعات الدولة بعد إحكام القبضة الأمنية عليهم. واستشهد بالضباط الملتحين والذين تصدروا المشهد عقب تولى الرئيس السابق محمد مرسى حكم البلاد، فى إشارة إلى نمو وظهور فكر الجماعة داخل الوزارة على الملأ بعد مجىء مرسى حاكما، وكان الهدف من ظهور مجموعة الضباط الملتحين وقتها، كما يرى يعقوب، هو إحداث نوع من القلقلة والإزعاج فى صفوف وزارة الداخلية لكسب متعاطفين معهم.
يعقوب ربط بين ظهور فكر أولئك الضباط الذين لم يعلنوها صراحة أنهم ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وبين تربع مرسى على سدة الحكم بعد أن أعطى لهم الفرصة وقوَّى شوكتهم، فى الوقت الذى ظهرت فيه 24 منظمة إرهابية فى سيناء خلال عام، حكم الرئيس السابق.
وعن طريقة اكتشاف فكر الجماعة والخلايا النائمة لها فى صفوف جهاز الشرطة، ألمح يعقوب إلى أن «الداخلية» تجرى تحرياتها عموما على كل ضباطها وأمنائها وأفرادها، بسرية من خلال جهاز الأمن الوطنى، والذى يتمكن من خلال رصد مكالمتين هاتفيتين أو مقابلتين شخصيتين لأى من عاملى الوزارة، أن يتأكد من انتمائه لفكر الجماعة وتوجهاتها، وعليه تقوم بعدها الجهة المختصة برفع تقرير مباشر لوزير الداخلية، الذى يقرر إبعاده عن أى اتصال بالجمهور، لأنه فى تلك المرحلة يكون، الضابط، قد أصبح مؤثرا فى صفوف من حوله، وبعدها يخضع هذا الضابط للمراقبة الدورية والمكثفة، فإذا ثبت انتماؤه بالفعل للجماعة يقرر الوزير نقله لشغل وظيفة إدارية فى ديوان الوزارة، أو إحالته للتقاعد إذا لزم الأمر.
وتابع بأن جماعة الإخوان المسلمين لديها من المقومات المالية ما يتيح لها التأثير على فكر ضباط وأفراد الشرطة، ودائما ما يركزون، إذا فشلت لغة المال، على وتيرة الخطاب الدينى لكسب تأييده وتعاطفه، وفى النهاية يسقط الضابط فى فخ الجماعة تحت تأثير أموالها وأفكارها، لأنه فى نهاية الأمر إنسان يتأثر بما يتأثر به باقى أفراد الوطن.
اللواء يعقوب طالب بتشديد عمليات البحث والتحرى حول ضباط «الداخلية»، وتوسيع دائرة الاشتباه فى أى ممن يبدو عليهم انتماؤه فكريا للجماعة، فضلا عن مراجعة مكاتبات وأفكار الضباط والأمناء، ومتابعة مقابلاتهم لرصدهم بشكل دورى، حتى الموظفون المدنيون بوزارة الداخلية.
من جانبه قال الخبير الاستراتيجى اللواء أركان حرب عبد الرافع درويش، إنه يستبعد أن يلتحق أحد بكلية الشرطة وهو ينتمى أو يتبع فكر الجماعة، نظرا لأن وزارة الداخلية تجرى تحرياتها على أقارب الطالب المتقدم للالتحاق بالكلية حتى أقارب الدرجة الرابعة لضمان عدم انتماء أىٍّ من أفراد عائلة الطالب لأى توجه سياسى أو حزبى، موضحا أنه من الجائز أن تقوم الجماعة أو غيرها من أى منظمات غير قانونية أخرى بتجنيد الطالب عقب التحاقه بالكلية، من خلال عرض أموال باهظة عليه لاستقطابه.
درويش أضاف أنه يوجد ما يسمى بفرع الأمن فى وزارتى الداخلية والدفاع، تكون مسؤولية هذا الفرع استجلاء المعلومات عن ضباط الوزارة وتتبع أخباره بشكل سرى، وإبلاغ المسؤولين فورا بأى بوادر تظهر على الضابط أو الأمين أو الفرد، يكون من بينها انتماؤه لفكر الجماعة، وذلك لضمان عدم وصول الضابط لتقلد مناصب عليا فى «الداخلية»، وبعد اكتشاف فكر الضابط تتم إحالته لمحاكمة تأديبية مباشرة.
كذلك طالب اللواء عبد الرافع بضرورة تحسين المستوى المعيشى للضباط، نظرًا لغلاء المعيشة، ولضمان عدم ارتماء الضابط أو الأمين فى أحضان أموال جماعة الإخوان القادرة على تجنيد تابعين لها من خلال لغة المادة، كما شدد على ضرورة انتقاء الطلبة المتقدمين لوزارتى الداخلية والحربية، وباقى الكليات العسكرية، بعناية شديدة من خلال النظر للمستوى الأسرى والاجتماعى والثقافى والدينى للطالب خلال فترة الاختبارات التى يجريها قبل التحاقه بالكلية، كما طالب باحتواء الضباط والأمناء وباقى العاملين بالوزارة ثقافيا، وتغيير الثقافة العقائدية من خلال فن القيادة ومناهج العلاقات الإنسانية، لإحباط مخطط الجماعة الساعية لإقامة الجيش الحر فى مصر على غرار سوريا.
أما اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق لشمال ووسط الصعيد، فأشار إلى أن «الداخلية» لها أعين داخل صفوف الجهاز فى كل مكان تستطيع من خلالها رصد أى ضابط يظهر عليه فكر الجماعة والتى تسعى دائما لتجنيد ضباط وأفراد الوزارة من خلال الاقتناع بالفكر أو ميل بالهوى، وتركز على ضرورة السعى لعلاقات المصاهرة، وأضاف أن جميع العاملين ب«الداخلية» لديهم فكر وسطى، وطالب بمتابعة دقيقة يومية من قادة الضباط ومفتشى المباحث الجنائية، وفحص أى شكوى بحيادية ترِد للوزارة بشأن انتماء أى ضابط للجماعة، وإجراء تحقيق سريع فى الأمر.
نور الدين طالب أيضا بنشر الفكر الصحيح للإسلام وتفعيل الدرس الأسبوعى «الطابور» للعاملين بالجهاز وإشراف قطاع التفتيش والرقابة على انتظام عمل تلك الطوابير الأسبوعية لتوعية الضباط، ونشر صحيح الدين الوسطى الأزهرى، مشددا على تنشيط دور الأجهزة الرقابية فى وزارة الداخلية على ضباطها وأفرادها.
من ناحيته أوضح اللواء فادى الحبشى مساعد وزير الداخلية الأسبق ومدير مباحث العاصمة الأسبق، أن لكل مدير أمن مفتشا ونائبا له يتابع سلوكيات ضابط الشرطة، مشيرا إلى أن هناك متابعة دورية للضباط من خلال جهازى الأمن الوطنى والأمن العام، وتتابع الأجهزة الرقابية عمل الضباط من حيث انتماءاتهم، لضمان عدم وجود انتماء سياسى أو حزبى أو طائفى لدى أىٍّ من الضباط.
مضيفا أنه لا يمكن ل«الداخلية» أن تتستر على أىٍّ من تلك النوعيات فى صفوفها، لأن كل منصب قيادى فى مكانه مسؤول عن مرؤوسيه، وتوجد مسؤولية إشرافية لكل مدير أمن على مستوى الجمهورية، ورأى «الحبشى» أن ضباط «الداخلية» بخير والوزير قادر على اقتلاع من يظهر عليهم أى انتماءات لصالح الجماعة وغيرها من أىّ أفكار متطرفة أو ممن تم تجنيدهم بالفعل.