كثرت الجوائز التي يمنحها الحكام العرب ورجال الأعمال الأثرياء للكتاب والأدباء والمفكرين تحت مسميات مختلفة، كلها تهدف إلي ربط اسم الزعيم أو الشهبندر بالفكر والثقافة. البعض يري أنه من الخطأ ألا نرحب ببادرة طيبة يقوم بها طاغية مستبد فربما تكون هي الحسنة الوحيدة في حياته، ويرون أيضاً أن تشجيع رجال الأعمال علي الارتباط بالفكر والثقافة ربما يصرف أنظارهم عن هوايتهم المحببة في اقتناء الساقطات ثم نحرهن بعد ذلك!. وأنا شخصياً لا أدين قبول الكتاب والمفكرين للجوائز حتي ولو كانت ممنوحة من حكومات تريد أن تتزين وتتشرف بهم أو من رجال أعمال يحاولون تحسين صورتهم لدي الناس. ومع هذا فلا أنكر أنني أشعر بسعادة بالغة كلما ظهر رجل عظيم قادر علي أن يتجاهل جائزة يتمناها الكثيرون ويعلن ببساطة رفضه لها. في هذا الخصوص أسعدني كثيراً موقف الأديب الإسباني العظيم خوان جويتيسولو الذي رفض قبول جائزة القذافي في الآداب وحقوق الإنسان وأعلن في كلمة مكتوبة نشرتها صحيفة البايس الإسبانية في 14 أغسطس 2009 رفضه للجائزة وقال: «ولكن نجد أن قيمة الجائزة 150 ألف دولار مصدرها الجماهيرية الليبية الشعبية الديمقراطية.. النظام السياسي الذي ظهر عام 1969 بعد الانقلاب العسكري للقذافي.. وبعد حوار داخلي وموجز مع نفسي بين قبول الجائزة ورفضها لأسباب سياسية وأخلاقية قررت الخيار الثاني». وبالطبع لا يمكن أن أنسي السعادة التي سأظل مديناً بها للأديب الفنان صنع الله إبراهيم عندما رفض قبول جائزة ملتقي القاهرة الثاني للإبداع الروائي عام 2003 وكلمته التاريخية أمام الحضور، وأسترجعها كلما ضاقت الدنيا في وجهي.. قال صنع الله بعد أن شكر لجنة التحكيم: «في هذه اللحظة التي نجتمع فيها هنا تجتاح القوات الإسرائيلية ما تبقي من الأراضي الفلسطينية وتقتل النساء والأطفال وتشرد الآلاف لكن العواصم العربية تستقبل زعماء إسرائيل بالأحضان. وعلي بعد خطوات أخري يحتل السفير الأمريكي حياً بكامله بينما ينتشر جنوده في كل ركن من أركان الوطن الذي كان عربياً. ولا يراودني شك في أن كل مصري هنا يدرك حجم الكارثة المحيقة بوطننا. لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم.. لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات وصندوق أكاذيب، لم تعد لدينا صناعة أو زراعة أو صحة أو عدل.. تفشي الفساد والنهب ومن يعترض يتعرض للامتهان والضرب والتعذيب.. انتزعت القلة المستغلة منا الروح.. الواقع مرعب، وفي ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب أن يغمض عينيه أو يصمت. لن أطالبكم بإصدار بيان يستنكر ويشجب، فلم يعد هذا يجدي. كل ما أستطيع هو أن أشكر أساتذتي الأجلاء الذين شرفوني باختياري للجائزة وأعلن اعتذاري عن عدم قبولها؛ لأنها صادرة عن حكومة لا تملك في نظري مصداقية منحها. ملحوظة: لا علاقة لكل ما سبق بفوز الدكتور جابر عصفور بجائزة القذافي العالمية (تلك التي رفضها خوان جويتيسولو) وحصوله علي 150 ألف يورو، فالرجل للحق صادق مع نفسه بصورة تدعو للاحترام، فهو لا يرفع شعارات ولا يزعم أنه مناضل أو مناهض للاستبداد، وهو صديق لكل الحكومات العربية الشقيقة ولا يستحيي أن يعرفه الناس بحسبانه رجلاً طيبًا يأكل عيشًا.