أسوأ ما فى جر الدين إلى عالم السياسة أنه يفقد قدسيته ويتحول إلى واقع بشرى يختلف الناس عليه تبعا لمواقفهم السياسية المتغيرة، حسب الزمان والمكان والموقف والمصلحة. فإذا أخذنا الجماعة الإسلامية المصرية كمثال على ما فعلته بالإسلام سنجد مواقفا متعارضة ومتضاربة من قضية واحدة، تغير فيها الحكم والفتوى والاجتهاد، ويتضح هذا كأوضح ما يكون فى قضية الخروج على الحاكم.
فى عام 1981 توصلت الجماعات الإسلامية فى مصر، الجماعة الإسلامية والجهاد، إلى فتوى أصبحت يقينا عندهم مفادها أن الرئيس الراحل أنور السادات كافر، وبالتالي يجوز الخروج عليه وقتله، وقد فعلوا فى السادس من أكتوبر 1981، وتمادوا أكثر من ذلك فى قتال الفئة الممتنعة عن قتال الحاكم الكافر فهاجموا مديرية أمن أسيوط وقتلوا اكثر من 120 شرطيا، لأنهم امتنعوا عن قتال الحاكم الكافر.
وواصلت الجماعة الإسلامية والجهاد فى عام 1992 تكفير الرئيس السابق حسنى مبارك، بعد أن كانوا حلفائه وسهل لهم السفر للجهاد فى أفغانستان 1988، ودبروا عدة محاولات لقتله، أشهرها فى أثيوبيا 1996 من بين 17 محاولة قاموا بها لاغتيال مبارك، كما شنوا حربا على الشرطة وقتلوا منها المئات باعتبارها فئة ممتنعة، ثم زادوا على ذلك وكفروا المجتمع كله، وبالتالى وضعوا المتفجرات فى الشوارع وفى نفق الهرم ونفق شبرا وفجروا سينما بحلوان وغيرها من التفجيرات التى استهدفت مواطنين أمنين لا ناقة لهم ولا جمل فى تفسيرات الجماعة والجهاد للدين.
وتحت إشراف مباحث أمن الدولة أجرت الجماعة الإسلامية مراجعات فكرية، وأصدرت سلسلة بحوث أسمتها تصحيح المفاهيم شارك فيها جميع قادة الجماعة الإسلامية بما فى ذلك الإرهابي عاصم عبد الماجد الذى لا يتحدث الآن سوى عن القتل والدم، وخلصت الجماعة إلى أن شروط الخروج على الحاكم لا تتوافر فى مبارك وحكام المسلمين.. ووفقا لهذا الطرح الجديد لرؤيتهم الدينية ظلت الجماعة الإسلامية حتى يوم 10 فبراير 2011 تصدر بيانات تحرم فيها الخروج على الرئيس السابق حسنى مبارك، حتى تخلى عن سلطاته، فأصبحت ثورة 25 يناير ثورة إسلامية كما يقولون وأنها امتداد للعنف والقتل الذى قاموا به منذ ثمانينات القرن الماضى.
وحين تولى المجلس العسكرى الحكم تظاهر قادة الجماعة الإسلامية ضد المجلس، وحاصروا مقر وزارة الدفاع، وأفتوا بقتل طنطاوى وعنان، حتى جرت الانتخابات الرئاسية وانتخب محمد مرسي وتحالفوا معه، فأصبح الخروج على مرسي حراما برأى الجماعة الإسلامية، بينما طائفة أخرى من الإسلاميين وهى السلفية الجهادية ترى أن مرسي لا يحكم بما أنزل الله، بدليل أنه وافق على قرض صندوق النقد الدولى الربوى، وفى عهده تم الترخيص للكباريهات بالعمل لمدة ثلاث سنوات بينما كان الترخيص السابق يجدد كل عام، ولم تغلق مصانع الخمور حتى المملوكة للدولة.. إلخ
هكذا تحول وتبدل موقف الجماعة الإسلامية وتبدل من قضية واحدة فى الدين عدم مرات، لدرجة أنه أصبح علينا أن نرفع العملة ونتركها تسقط على الأرض لنرى إن كانت ملك أم كتابة.. وبختك يا أبو بخيت وما هى فتوى جهابزة الجماعة الإسلامية هذه الأيام؟
الدين السماوى مقدس من عند الله، يفترض به أن ينظم العبادات والمعاملات، لكن حين نأخذه معنا إلى معاركنا السياسية، يفقد قدسيته، ويصبح عرضة للتغيير والتبدل والاجتهاد والأراء المتعارضة والاختلاف، وهذا أسوأ ما تعيشه مصر الآن.. لأن كل شيئ فيها بفضل مرسي وأهله وعشيرته أصبح مرتبطا بالدين.. أو على الأخص بوجهة نظر الأهل والعشيرة فى الموقف السياسي، ومن ثم تلبيسه على الدين.. وهذه كارثة ما بعدها كارثة!