الأسباب التى أدت إلى نشأة الجماعة الإسلامية وحالة السخط العام التى تبعت توقيع أنور السادات لمعاهدة كامب ديفيد (اتفاقية العار) كما رأتها الجماعة وقتها، وما تلى ذلك من أحداث بلغت ذروتها باغتيال السادات، وسجن على إثرها معظم قيادات الجماعة هى ما تحدثنا عنه فى الحلقة السابقة، وعرضنا أيضا للتكوين الفكرى لأعضاء الجماعة، ومواقفها من بعض الهيئات والتيارات السياسية، وآراءها فى بعض الأشخاص والمواقف. ونستعرض فى حلقة اليوم أهم القضايا التى عرضتها رسالة الماجستير التى قدمها الباحث محمد أبو عطية إلى جامعة الأزهر، وحملت عنوان: «التحول الفكرى للجماعة الإسلامية وأثره فى ميزان الإسلام»، ومنها موقف الجماعة من اليهود والمسيحيين أو النصارى، كما يقول الكاتب، وكيف نشأت «إمارة إمبابة الإسلامية»، وحرمة الفن فى فقه الجماعة، وما تبع ذلك من أحداث حرق دور العرض السينمائى ونوادى الفيديو، ولماذا اعتبرت الجماعة الأزهر أساسا للبدعة، كما سنسرد تفاصيل محاولات اغتيال الرئيس مبارك التى خططت لها الجماعة. الجماعة واليهود فى العصر الحديث أصبح اليهود هم العدو الأول للأمة بعد احتلالهم للأرض المقدسة، وهذا موقف المسلمين عموما، أما موقف الجماعة الإسلامية فأنه لا يختلف عن موقف المسلمين بل هو أشد من ذلك، ومع ذلك فإن هذا الموقف «نظرى» لا عملى، بمعنى أن الجماعة الإسلامية قامت بكثير من العمليات المسلحة ضد أهداف أمنية فى مصر، وضد كثير من السياح لم يكن من بينهم أى سائح يهودى، مع وجود كثير من وفود السياح اليهود، مما جعل البعض يشكك فى الجماعة، ويدعى وجود علاقة خفية بين الجماعة الإسلامية وإسرائيل. ولكن الحقيقة غير ذلك. فالجماعة ترى وجوب قتال العدو القريب قبل قتال العدو البعيد، ونستطيع أن نرى ذلك من خلال أهم كتبهم. ففى كتاب الفريضة الغائبة وتحت عنوان «العدو القريب والعدو البعيد»: هناك قول بأن ميدان الجهاد اليوم هو تحرير القدس كأرض مقدسة والحقيقة أن تحرير الأراضى المقدسة أمر شرعى واجب على كل مسلم، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصف المؤمن بأنه «كيّس فطن» أى أنه يعرف ما ينفع وما يضر، ويقدم الحلول الحازمة الجذرية، وهذه نقطة تستلزم توضيح الآتى: أولا: أن قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد. ثانيا: أن دماء المسلمين ستنزف، وإن تحقق النصر، فالسؤال الآن: هل هذا النصر لصالح الدولة الإسلامية القائمة؟ أم أن هذا النصر هو لصالح الحاكم الكافر وهو تثبيت لأركان الدولة الخارجة عن شرع الله؟ الموقف من المسيحيين اتخذت الجماعة الإسلامية موقفا عدائيا شديدا من المسيحيين مثل اليهود ولكن الفرق بينهما أن موقف الجماعة من المسيحيين لم يكن موقفا نظريا فحسب بل تم ترجمة هذا الموقف إلى أحداث فعلية تمثلت فى عمليات عسكرية وأحداث عنف وشغب وقتل. استعرض محمد أبوعطية بعض الأحداث التى ترسم موقف الجماعة من المسيحيين، بداية من أحداث الزاوية الحمراء عام 1981 وكانت الجماعة فى ذلك الحين متحدة مع تنظيم الجهاد، مرورا بأحداث الفتنة الطائفية فى سوهاج بعد أن اتهم أعضاء الجماعة الإسلامية المواطنين المسيحيين بحرق مسجد القطب بمدينة سوهاج، وحرضوا المواطنين على حرق كنيسة السيدة العذراء الملاصقة للمسجد وذلك فى مارس 1987. ثم أحداث الفتنة الطائفية فى أبى قرقاص، حيث تم حرق عدد من الكنائس والصيدليات والمحلات التجارية بمحافظة المنيا فى مارس 1990. فضلا عن حوادث السطو على محلات الذهب بعين شمس والزيتون وشبرا. وعن أسباب تشدد الجماعة مع المسيحيين يقول أبوعطية: «كان هناك اعتقاد بأن وجود النصارى فى مصر من أهم الأسباب التى تحول دون تطبيق الشريعة الإسلامية. ففى كتاب حتمية المواجهة نجد الجماعة تقول إن الرئيس حسنى مبارك صرح فى إحدى خطبه سنة 1984، أنه لا فارق مطلقا بين المصريين بسبب الدين فليس هناك ما يميز المسلم عن المسيحى. فكلاهما مصرى، وسخر من مقالة أن الذمى لا ولاية له على المسلم، وكانت دعوة السادات وتصريحات زوجته، وغيرها على لسان وزير الإعلام الأسبق عبدالمنعم الصاوى فى رحلاتهم بأوروبا وأمريكا، كلها تحمل تأكيدا للبابا شنودة بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية أبدا فى البلاد». هذا فضلا عن اعتقاد الجماعة أن النصارى يقومون بعمليات تبشير داخل مصر. ضد الشيوعية موقف الجماعة الإسلامية من الشيوعيين هو الصدام دائما ولا يوجد أى مجال للتفاهم، والسبب فى ذلك أن قادة الجماعة الإسلامية فى ذلك الوقت كانوا من الشباب المتحمس الذين سمعوا العلماء الذين يحاضرونهم فى المعسكرات التدريبية أن الشيوعى ما هو إلا «كلب»، كما كان يقول ذلك شيخ الأزهر الأسبق د.عبدالحليم محمود الذى نذر نفسه لمحاربة الشيوعية. وكانت مجلة الدعوة التى كانت تصدر عن الإخوان المسلمين تعتبر أن أعداء الإسلام أربعة هم: اليهود، والصليبيون، والشيوعيون، والعلمانيون. العلمانية البغيضة وكانت الجماعة الإسلامية تنظر لنفسها على أنها وحدها المسئولة عن هذا الدين، فقد دخلت فى صراعات متعددة مع كل الطوائف العلمانية بداية من الطلاب المنتمين إلى التيارات العلمانية كبعض الأسر فى الجامعات، ثم الاحتكاكات الساخنة مع الكتاب العلمانيين، لدرجة وصلت إلى قتل بعضهم، ومنهم الكاتب فرج فودة. ولم يكن للجماعة قبل المبادرة صوت مسموع أو معتبر، ولم يكن لديهم أى وقت كاف للرد على العلمانيين فكرا بفكر، وحجة بحجة، بل كانت لغة الحوار فى ذلك الوقت هى العنف وهى اللغة الوحيدة التى كان أفراد الجماعة الإسلامية يعرفونها فى ذلك الحين. والباعث على ذلك ما ذكر فى كتاب الميثاق «إن العلمانية البغيضة دست علينا وغرست قسرا فى تربيتنا فأنبتت هذه الأنظمة الجاهلة الكافرة التى تستبدل بشرع الله شرع الشيطان». صراع مع الإخوان وبالرغم من أن الجماعة استقت الكثير من أفكار الإخوان نقلا عن «سيد قطب» و«على جريشة» و«الهضيبى» وغيرهم إلا أن العلاقة لم تكن على ما يرام بعد ذلك، فقد وقعت بين الجماعة وبين الإخوان الكثير من الصراعات. فقد قام الكثير من أبناء الجماعة فى كثير من المؤلفات بنقد الإخوان واتهامهم بالتخاذل، ولننظر إلى بعض النقول عنهم، ففى بحث تحقيق التوحيد بقتل الطواغيت يقول معرضا بالإخوان: «إما أن يعقد وينكص ويهادن ويناور ويساور ويناقض ويبيع دينه جزءا جزءا والذين يدخلون الانتخابات ليحققوا الشرعية عن طريق الديمقراطية الكافرة». وفى كتاب «حتمية المواجهة» الذى يعتبر من أهم الكتب عند الجماعة فى المرحلة الأولى، حينما حكموا على كل الجماعات بالضلال، نجد ما نصه «بعض الإخوان المسلمين يشيدون بحسنى مبارك»،كما أشادوا بالسادات من قبل! وفى سياستهم لدخول مجلس الشعب تحالفوا مع حزب الوفد العلمانى، صاحب مبادئ الكفر والضلال، ومدحوا زعماءه (النحاس وسعد زغلول وسراج الدين) الذين كانوا حربا على الإسلام، وفى سبيل الانتخابات عقدت المؤتمرات المشتركة مع النصارى وعمل الجميع تحت شعار الوحدة الوطنية (الهلال والصليب). وتحت عنوان «وجاءكم النذير»، يقول تعريضا بالإخوان: وشهدت سجون الليمان والاستقبال وأبى زعبل أعلام الدعوة الإسلامية مكبلين بالأغلال يواجهون مصيرا مجهولا حالك السواد، وفتحت الزنازين وقيدت الأيدى وكممت الأفواه.. حتى تلك التى هادنت وسالمت ودعت لل«رئيس المؤمن» بطول العهد والبقاء. يقول قادة الجماعة الإسلامية عن الإخوان فى تلك الأثناء: «إنهم جبناء ضعفاء ومقصرون وإنهم يفترون على الإسلام لجعله ضعيفا ناقصا مبتورا ليوافق ما جبلوا عليه هم، وذلك مما لا يسكت عليه». تحالف مع الجهاد عن طريق «محمد عبدالسلام فرج» استطاع تنظيم الجهاد أن يستقطب قيادات التيار الإسلامى فى صعيد مصر التى كانت تمارس نشاطها من خلال ما عرف «بالجماعة الإسلامية» التى تولت العمل داخل الجامعات خاصة فى محافظات الصعيد، وهو ما جعل بعض الباحثين يشير إلى امتداد نشاط تنظيم الجهاد الذى أسسه عبدالسلام فرج إلى فرع الصعيد الذى تزعمه «كرم محمد زهدى» أحد قادة الجماعة، وقد اتحد تنظيم الجماعة مع الجهاد فى تنظيم واحد تحت إمارة عمر عبدالرحمن. وبذلك اعتبر الشيخ عمر بمثابة «الأب الروحى» للتنظيم، وبهذا أصبح موقف الجماعتين متحدا حتى بدأ التميز التنظيمى للجماعة بالانفصال عن جماعة الجهاد، وكان السبب فى ذلك، كما يروى أحد المعتقلين القدامى فى قضية الجهاد، حول قضية الإمارة، والعذر بالجهل. فكانت الإمارة سببا فى انشقاق الجماعة الإسلامية عن الجهاد، بسبب إرادة الجماعة تولية عمر عبدالرحمن أميرا عاما للتنظيم. فرفضت قيادات القاهرة والجيزة والإسكندرية ذلك ورأوا أنه لا يصلح شرعا تولية «الضرير» أميرا، وأن «عبود الزمر» هو الأحق بالإمارة لدرايته بفقه الواقع، الذى من المفترض أن يحتل الأولوية فى المرحلة المقبلة، كما أن فقه الشرع يمكن توفيره من خلال قيادات أخرى. وعلى الرغم من انفصال جماعة الجهاد عن الجماعة الإسلامية منذ وقت مبكر إلا أن مظاهر التعاون والاشتراك فى الفكر ظلت قائمة بينهما، فنجد أنهم متفقون معا على الموقف من النظام السياسى والإطار الفكرى للنظام «العلمانية» والحكم والحكومة والنخبة الحاكمة موقفهم من مجلس الشعب والديمقراطية والعمل الحزبى، كذلك موقفهم المشترك من الجماعات داخل الساحة الإسلامية، فموقفهم يكاد يكون واحدا من الإخوان المسلمين، جماعة التكفير والهجرة وجماعة التوقف والتبيين، السلفيين والتبليغ والدعوة. وكان بعد ذلك وعلى امتداد فترة كبيرة إذا قامت الجماعة الإسلامية بأى عمل عسكرى كقتل أحد الضباط وتفجير لأى منشأة أو اغتيال لشخصية سياسية تقوم جماعة الجهاد بالمباركة للعمل، بعدما تعلن الجماعة الإسلامية مسئوليتها عن الحادث، وكذلك العكس. وظلت العلاقة على ذلك طول فترة التسعينيات حتى إعلان مبادرة وقف العنف من جانب الجماعة الإسلامية يوم 5/7/1997 فى قضية الاغتيالات الكبرى بدا الشرخ يظهر بوضوح كبير. واشتد النزاع والصراع بينهما بعد إعلان المبادرة من جانب واحد. وتحول أفراد الجهاد إلى جلادين للجماعة الإسلامية، والسبب وراء ذلك أن أفراد الجماعة كانوا يزايدون على أفراد الجهاد بكثرة العمليات العسكرية، فإذا بهم فى يوم وليلة يعلنون توبتهم وندمهم، وإن سميت بغير هذا الاسم المبادرة، وأعلن «أبو حمزة المصرى» من لندن أنه يجب على الجماعة الإسلامية أن تحل نفسها فلم يعد لبقائها فائدة.