بحضور نائب المحافظ.. افتتاح مسجد "السلام" بمدينة سوهاج الجديدة    تعزيز إدماج ذوي الإعاقة في مصر.. من الالتزامات العالمية إلى العمل الوطني    بدء الحملة التنشيطية لتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية بدمياط على مرحلتين    رئيس مياه القناة: الانتهاء إصلاح كسور الشبكات المفاجئة بالمحافظات الثلاث    هل تعتزم الحكومة بيع المطارات المصرية؟.. اعرف الحقيقة    الكرملين ردا على مقترحات زيلينسكي: الدونباس كلها تابعة لروسيا    إعلام إسرائيلي: سلاح الجو يبدأ بقصف أهداف لحزب الله في لبنان    سلوت يواجه صلاح.. ماذا قالت صحف العالم عن جلسة الحسم فى ليفربول؟    أحتاج للحديث معه .. آرني سلوت يحدد طريقة إنهاء أزمة محمد صلاح في ليفربول    نانت «مصطفى محمد» ضيفًا على أنجيه في الدوري الفرنسي    لعدم الالتزام والتراخيص.. ضبط 7 منشآت مخالفة وتحرير إنذارات لها بالجيزة    أخبار مصر.. الأرصاد: تدفق السحب وأمطار بعدة مناطق وهذا موعد وصولها القاهرة    إصابة طفلة بحالة إعياء بعد تناولها قطعة حشيش في الجيزة    ياسمين عبد العزيز عن فترة مرضها: شوفت الموت ورجعت    10 أعمال تشارك في مسابقة الأفلام العربية بالدورة السابعة من مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    فصل سورة الكهف....لا تتركها يوم الجمعه وستنعم ب 3بركات    الصحة: 7.8 مليون خدمة طبية قدمت بمحافظة القليوبية خلال 11 شهرا    تفشي الكوليرا في الكونغو الديمقراطية يصبح الأسوأ خلال 25 عاما    مباحثات لتدشين خطين شحن جديدين Ro-Ro بين مصر واليونان    موعد ومكان صلاة الجنازة على الناشر محمد هاشم    6490 جنيها لهذا العيار، آخر تطورات أسعار الذهب اليوم    يحمل جنسية عربية.. مصرع مسن اختل نوزانه وسقط من الطابق الرابع في الهرم    تقارير إعلامية: 3 أندية أوروبية تهدد حلم برشلونة فى ضم جوهرة الأهلي    مصر وقبرص تمضيان قدمًا في تعزيز التعاون الإستراتيجي بين البلدين في قطاع الطاقة    "قصة حقيقية عشتها بالكامل".. رامي عياش يكشف كواليس أغنية "وبترحل"    خبير ضخ الفيدرالي الأميركي 40 مليار دولار شهريًا خطوة استباقية لضمان السيولة وتجنب اضطرابات السوق    أحمد كريمة: «اللي عنده برد يصلي الجمعة في البيت»    سلوت: أرغب في بقاء صلاح مع ليفربول    ما حجم التطوير في مستشفى قصر العيني وأهم التحديات؟..رئيس جامعة القاهرة يجيب    جامعة المنصورة تشارك في المعرض الدولي لتسويق مخرجات البحوث والابتكار    القوات الروسية تعلن تدمر 90 طائرة أوكرانية مسيرة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أنت صوفى ?!    28 لاعبًا في قائمة نيجيريا استعدادًا لأمم إفريقيا 2025    الأهلي يراقب 4 لاعبين في مركز الظهير الأيسر    وزير الثقافة يعلن موعد انطلاق فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر ال37 بالعريش    الحصر العددي لأصوات الناخبين في دائرة المنتزه بالإسكندرية    انطلاق انتخابات مجلس إدارة نادي محافظة الفيوم وسط انضباط وتنظيم محكم    «الصحة»: H1N1 وRhinovirus أكثر الفيروسات التنفسية إصابة للمصريين    «المجلس الأعلى لمراجعة البحوث الطبية» ينظم ندوة لدعم أولويات الصحة العامة في مصر    ترامب يوقع أمراً تنفيذيا لمنع الولايات من صياغة لوائحها الخاصة بشأن الذكاء الاصطناعي    أمريكا تغرق.. فيضانات عارمة تتسبب في عمليات إجلاء جماعية بولاية واشنطن    انطلاق القافلة الدعوية بين الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء إلى مساجد شمال سيناء    الأعلى للجامعات يجري مقابلات للمتقدمين لرئاسة جامعة بني سويف    رئيس جامعة العاصمة: تغيير الاسم لا يمس الهوية و«حلوان» تاريخ باق    وزيرة التنمية المحلية تناقش مع محافظ القاهرة مقترح تطوير المرحلة الثانية من سوق العتبة    جوائز مهرجان البحر الأحمر السينمائي في نسخته الخامسة    طريقة عمل الأرز بالخلطة والكبد والقوانص، يُقدم في العزومات    كيف أصلي الجمعة إذا فاتتني الجماعة؟.. دار الإفتاء تجيب    القطري عبد الرحمن الجاسم حكما لمباراة بيراميدز وفلامنجو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 12-12-2025 في محافظة قنا    مصرع تاجر ماشية وإصابة نجله على أيدى 4 أشخاص بسبب خلافات في البحيرة    ياسمين عبد العزيز: خسرت الفترة الأخيرة أكثر ما كسبت.. ومحدش يقدر يكسرني غير ربنا    أبرزهم قرشي ونظير وعيد والجاحر، الأعلى أصواتا في الحصر العددي بدائرة القوصية بأسيوط    تزايد الضغط على مادورو بعد اعتراض ناقلة نفط تابعة ل«الأسطول المظلم»    فيديو.. لحظة إعلان اللجنة العامة المشرفة على الانتخابات البرلمانية الجيزة    جوتيريش: غارات إسرائيل المستمرة فى غزة ما زالت تتسبب بخسائر كبيرة    رد مفاجئ من منى زكي على انتقادات دورها في فيلم الست    رئيس الطائفة الإنجيلية: التحول الرقمي فرصة لتجديد رسالة النشر المسيحي وتعزيز تأثيره في وعي الإنسان المعاصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثروت الخرباوي يكشف.. «2» فلسفة الثعبان المقدس «أئمة الشر.. الإخوان والشيعة»
نشر في الدستور الأصلي يوم 17 - 05 - 2013

الثورة الإيرانية لم تنطلق من مساجد طهران لكنها بدأت من معهد «تايفيستوك» البريطانى للعلوم السلوكية وتصنيع الرأى العام
متى بدأت إرهاصات الثورة الإيرانية؟ لم تبدأ من الشارع الإيرانى، ولم تبدأ من المساجد، إذ كانت الاحتجاجات خافتة الصوت والأثر، ولكن بدأت إرهاصات الثورة الخمينية من معهد «تافيستوك» البريطانى، الذى يضم نخبة متميزة من علماء «السلوك» وقد كان هذا المعهد من خلال خبرائه متخصصا فى تصنيع الرأى العام، وتشكيل الوعى فى الاتجاه الذى يريدون، وذلك من خلال وسائل غسيل مخ جماعية، وخلق حالات اجتماعية وسياسية يسهل من خلالها السيطرة على الجماهير، إذن ماذا فعل معهد «تافيستوك» بخصوص ثورة إيران؟


(بدأت فرق من الإخصائيين النفسيين الاجتماعيين من معهد تافيستوك فى تحديد خصائص «الثورة»، معتمدين فى ذلك على تجارب سابقة تخص عملية الغسل الشامل للأدمغة، وجد هذا المعهد إجابات لأسئلة كثيرة، كيف سيستجيب الإيرانيون إلى دعوة تصدر من ملا عاجز طاعن فى السن تحركهم للثورة؟ كيف سيستجيب لذلك أهل الريف، أو العمال المهرة أو الطبقة الوسطى، أو المفكرون؟ وأى أسلوب أنفع للطلاب للزجّ بهم فى الثورة؟ وما نقاط الضعف لدى الشرطة والقوات المسلحة؟ كل ذلك كان لا بد من تحليله ووضعه فى الاعتبار، وقد كان الفريق الذى أسندت إليه تلك القضية رجالا مخضرمين فى أساليب الحرب النفسية المتقدمة، وقد استقدموا فى معهدهم الخبير «مارفن زونيس» الأستاذ بجامعة شيكاغو الذى ألف كتاب (النخبة السياسية فى إيران) لوضع تقارير إيضاحية لطريقة التصرف التى يمكن أن تسلكها الطبقات الإيرانية ومجموعات معينة من الشعب تجاه تفعيل الاحتجاج ونقله إلى خانة الثورة).


لا بد أن غطرسة الشاه وثقته بقوته وظنه أن إيران فى عهده هى جزيرة الاستقرار فى المنطقة، كان لها أكبر الأثر فى نجاح الثورة، كما أن ثقته التى كانت فى غير محلها فى جهازه الأمنى «السافاك» كانت هى التربة الخصبة التى تحركت فوقها الثورة، وكان اغترار الرجل بأمريكا هو المسمار الأخير فى تابوت جنازته! ولأن «السياسة خداع» فقد مارس الرئيس الأمريكى كارتر عملية خداع الشاه على أعلى مستوى، إذ قال فى عام 1978 وهو يناصر الشاه: إن إيران هى جزيرة الاستقرار فى الشرق الأوسط المضطرب، فهل من بعد تصريحات كارتر هذه مكان للقلق؟! فى السياسة يجب أن يتحول جسدك كله إلى عيون، فلا أمان للدول العظمى، ولا أمان للأصدقاء والرفاق، ولكن بهلوى كان يجهل هذا، لذلك غفل عن الذى كان يجرى فى السر، ووضع فى بطنه «بطيخة أمريكانى». ومن الغريب أن فريق بريجنسكى كان ينفذ على قدم وساق وقت تصريحات كارتر المطمئنة للشاة خطة (why not?) التى كانت تستهدف الإطاحة بالشاه صاحب التاج من فوق الحافة واستبدال العمائم السوداء به.


وحين لا تحسب حسابا لشعبك فإنك مغادر بلا شك، لذلك فإن أمريكا ومخابراتها لم يكن فى إمكانها التخلص من الشاه لو كان متحصنا بشعبه، لو كان عادلا وشريفا، ولكن الحكام فى معظم دولنا يتحصنون بأمنهم وجيشهم، ومن فوق هذا وذاك «أمهم أمريكا»، فإذا تآمر عليه جيشه وجهازه الأمنى، وتخلت عنه أمريكا، فإن الشعب الذى ضج منه سيخلعه كما يخلع الرجل خاتمه، لذلك أخذ موقف الشاه بهلوى يزداد سوءا بعد سوء قبل عام من الثورة حين سكت عن الفساد، وأصم أذنيه عن استقبال أصوات شعبه المطحون، ثم عمد إلى تغيير ببعض الوزراء من أصحاب الكفاءة والشعبية آخرين، كما كان الحال مع رئيس الوزراء عباس أمير هويدا، ليعين بدلا منه جمشيد أموزيجار الذى شغل من قبل مناصب وزارية متعددة، وحين وضع أموزيجار قدمه على رأس الوزارة اتبع سياسة تحويل الاستثمارات إلى الزراعة بعيدا عن الصناعة والتكنولوجيا المتطورة، وفوق ذلك كله اتخذ أموزيجار موقفا معاديا مستفزا تجاه رجال الدين الملالى، كأنه يريد إثارتهم وتحريك مشاعرهم ضد الشاه!


وكان من سياساته الغريبة التى انتهجها هى وقف الأموال التى كان يدفعها النظام آنذاك إلى رجال الدين، وعلى ما يبدو كان أموزيجار مصمما على إدخال الشاه فى عش الدبابير! وبذلك خرج رجال الدين من كهوفهم وسراديبهم، وهجروا تحالفهم السرى مع الشاه الذى أخذ يناصبهم العداء من خلال رئيس وزرائه، وبهذا ضمنت المخابرات الأمريكية ومعها معهد تافيستوك البريطانى دخول رجال الدين إلى رقعة الثورة التى بدأت تزداد اتساعا، ولعل الصورة واضحة الآن، فرئيس الوزراء الجديد أموزيجار البهائى ذو الأصول اليهودية، الذى تلقى تعليمه فى أمريكا، والذى تخرج فى جامعة «كورنيل» بنيويورك، كان مبعوثا خفيا لتأجيج حالة الغضب ضد النظام، كانت تصرفاته الظاهرة تبدو للذى يرى الصورة الخارجية كأنه يدافع عن نظام سيده الشاه ضد «القوى الظلامية»، فى حين أن الصورة الخفية تختلف كثيرا فى تفاصيلها، ويبدو أن معهد تافيستوك «السلوكى»، كان بارعا فى توجيه أموزيجار لاتخاذ قرارات بعينها، من شأنها أن تزيد من حالة الغضب وتوسع من رقعته، وكان أسوء ما فعله أموزيجار ضد الشاه، وأفضل ما فعله لصالح الثورة، هو قيامه عام 1978 بإصدار أوامر للشرطة بالإغارة على منزل الزعيم الدينى «آية الله شريعتمدارى».


كان هذا الزعيم الدينى صاحب شعبية كبيرة، وهيمنة روحية على الشيعة، فقد كان مرجعا دانت له بالتبعية شيعة إيران والعراق ولبنان وباكستان والهند، فإذا بأموزيجار البهائى يوجه إهانة شديدة للشيعة باقتحام منزل رجل دين من طراز رفيع! كانت تصرفات أموزيجار دافعا كبيرا للثورة عن طريق إثارة سلوك المتدينين ودفعهم إلى الغضب، وكان أن أقال الشاه أموزيجار فى أغسطس عام 1978، إلا أن هذه الإقالة لم تساعد على تهدئة الشارع ولا تهدئة الملالى وتسكين ثائرتهم.


كل ذلك كان مدعاة لتفجر السخط العارم، وقد بدا الشاه مع ذلك كأنه غير مبال بالبركان الذى ينشط على مقربة منه شيئا فشيئا، يكفيه اطمئنانا أن صديق طفولته حسين فردوست، هو الذى يدير جهاز المخابرات الإمبراطورية «السافاما» وقد كان قبلها وكيلا للجهاز الأمنى الخطير «السافاك» وفردوست رجل أمن من طراز رفيع، ومعه لا يمكن أن يخشى الشاه على ملكه، ولكن فى عالم السياسة لا ينبغى لحاكم أن يثق بصديق طفولته ثقة مطلقة، بل ينبغى أن يسير معه بعيون مفتوحة، فالقلب قُلَّب، والنفس قلابة، إلا أن الشاه لم يكن عارفا بعلوم النفس البشرية وخباياها، فظل على حاله يثق ثقة كاملة بجهاز السافاك، وجهاز السافاما، وكان ذلك هو أكبر أخطائه جميعا، ولا شك أن آلام الشاه كانت مضنية إلى حد كبير، لم يكن ألم الجسد الذى استشرت فيه الأورام السرطانية هو الذى يقض مضجعه ويسهر لياليه، ولكن ألم الخيانة هو الذى يدوم ولا ينقطع، تهون آلام الجسد أمام آلام النفس، فآلام الجسد مهما كانت تخدرها المسكنات، ولكن آلام النفس لا مُسكن لها.


كان الخائن الآخر الذى اغتنم الفرصة وطعن الشاه هو صديقه بهبهايان، الذى كان يستثمر له أمواله فى أوروبا، كانت ثروة الشاه طائلة، وكان بهبهايان رجل تجارة حاذقا، وتابعا أمينا للشاه، ولكن هذا الصديق المخلص انتهك صاحبه.

إذ بعد الثورة وفقا لشهادة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل قال للشاه: لقد ضاع من ثروتك سبعين مليون دولار، صرخ الشاه: ويلك، أين ذهبت؟ هل وقعت فى بلاعات المجارى! ولم يتلق الشاه إجابة فقد هرب صديقه بهبهايان وسكرتيرته وهو يحمل معه الملايين والمجوهرات، كأنه وقع على كنز «على بابا»، ولكننا لم نكن نعلم أن على بابا لص، نعم كان على بابا لصا ولكننا فرحنا بسرقاته لأنه كان يسرق من لصوص.



هل التاريخ يكرر نفسه؟ لا أظن، ولكننا لا نعتبر من أخطاء السابقين فنقع فى مثل ما وقعوا فيه، فنكرر نحن التاريخ ولا يكرر هو نفسه، فى مسرحية «يوليوس قيصر» لشكسبير يقع قيصر مضرجا بدمائه من طعنات المتآمرين الذين دعوه إلى اجتماع فى مجلس الشيوخ، وكانت لحظة فارقة، ودهشة مذهلة أصيب بها قيصر عندما تقدم منه صديق عمره «بروتس» فيطعنه الطعنة القاتلة، تحشرج صوت يوليوس قيصر وهو ينظر بأسى وألم إلى صديق عمره، وأغمض عينيه حتى لا يرى الحقيقة وهو يقول: حتى أنت يا بروتس!! «Even you، Brutus» أراد بروتس أن يبرر لنفسه فعلته فقال: إنى أحبك ولكننى أحب روما أكثر، فارتسمت ابتسامة ساخرة على وجه قيصر الحزين وقال: إذن فليمت قيصر.
ليس قيصر فقط هو الذى تعرض للخيانة، بل ظل البشر يكررون قصص الخيانة، ولا يزالون يكررون، فنظن أن التاريخ يُعيد نفسه، ولكننا نحن الذين نستعيده ولا يستعيد هو نفسه.
ترى هل كان حسين فردوست صديق العمر للشاه هو بروتس العصر الحديث؟ ولد فردوست عام 1918 فى طهران من أسرة عريقة فى المجال العسكرى، إذ كان والده ضابطا فى قوات الدرك وكان هو مولعا منذ صغره بالعسكرية، وعندما حل عام 1925 التحق فردوست ابن السبع سنين بمدرسة «نظام» الابتدائية، وهى مدرسة كانت مخصصة لأبناء الصفوة، وفى العام نفسه التحق الطفل الصغير محمد رضا بذات المدرسة، ولأن الطفل الصغير رضا لم يكن له أصحاب، وكان والده قد أصبح إمبراطورا لإيران وأعطى لنفسه لقب «بهلوى»، وابن الإمبراطور ينبغى أن يكون له أصدقاء من أبناء «طبقة النبلاء والعسكريين الكبار»، فلذلك وقع الاختيار على الطفل حسين فردوست كى يكون صديقا لابن الإمبراطور، وكان من ضمن معايير اختيار فردوست لكى يكون صديقا لابن الإمبراطور أنه كان من أذكى تلاميذ المدرسة، ومنذ ذلك الحين أصبح فردوست صديقا لمحمد رضا ومخزنا لأسراره.


ولأن لا شىء يبقى على حاله فى هذا العالم، والله سبحانه وتعالى يُغيّر ولا يتغير، جاء عام 1941 المؤلم للإمبراطور الأب رضا بهلوى، ففى هذا العام دخلت قوات الحلفاء إلى إيران فقامت هذه القوات بنفى الإمبراطور رضا خان بهلوى من البلاد، وحولت مسؤولية الجيش إلى الابن محمد رضا بهلوى، الذى قام بتشكيل لجنة عسكرية عليا لدراسة تقدم الحلفاء، وكان من الطبيعى أن يكون فردوست الصديق الصدوق لمحمد رضا عضوا رئيسيا فى هذه اللجنة العليا.

كان نفى الإمبراطور مقدمة لخلعه من الحكم وتولية ابنه الشاب الصغير، وحدث هذا بالفعل، وأصبح الابن محمد رضا إمبراطورا لإيران، وحين نظر الإمبراطور حوله وقع فى حيرة، بمن يستعين؟ وعلى من يستند فى رحلة الحكم؟ إلا أن حيرته لم تدم طويلا، فقد كان برفقته الصديق المخلص حسين فردوست فكان أن جعله مديرا لمكتبه ومستشارا له وأنيسا لوحدته، ولم يخيب فردوست ظن الشاه الجديد فاضطلع بدور كبير فى رفع معنوياته ودعم نفسيته، ثم ارتقى لدور أكبر من ذلك فكان أن أصبح بين ليلة أو ضحاها همزة وصل بين الشاه قليل الخبرات وبين البريطانيين.

ولم يمر عام على تولية الشاه الشاب الجديد حتى قام فردوست بتأسيس الحرس الملكى لحماية الشاه وقصوره، ومع مهام حراسة الشاه وقصوره وحكمه كله وضح أن ثقة الشاه بفردوست أصبحت متنامية فوصلت إلى مدى لا سقف له، وكان من ناتج هذه الثقة أن أسند له الشاة ملفات أخرى فأصبح ممثلا له إبان حركة تأميم النفط، وبعد انقلاب عام 1953 أدرك الشاه بتوصية من بريطانيا أن تأسيس جهاز أمنى سرى سياسى له أهمية قصوى للحفاظ على حكمه، فكان فردوست هو أحد الكبار الذين قاموا بتأسيس «السافاك».

وتلقى من أجل ذلك هو وآخرون تدريبات مكثفة فى المخابرات البريطانية، ومن وقتها أصبح فردوست وكيلا ل«السافاك» وأصبحت المخابرات البريطانية هى المشرفة المباشرة على «السافاك»، وعندما استشعر الشاه أن الأمور فى إيران سريعة التأزم ففكر ودبر، ثم طلب من صديق عمره فردوست أن ينشئ جهازا مخابراتيا تكون سلطاته أعلى من «السافاك» نفسه، على أن تكون مهمته الرئيسية التجسس على الملالى والطبقات العليا فى المجتمع بكل أشكالها السياسية، فأنشأ فردوست جهاز السافاما، الذى كان بمثابة السياج الأمين للشاه، كان هذا الجهاز هو أعلى قمة الهرم الإدارى لجميع المؤسسات الأمنية والمخابراتية فى البلاد بما فى ذلك «السافاك»، لذلك كان «السافاما» هو عين وأذن محمد رضا بهلوى.

ولكن من الذى قال إن حسين فردوست كان بروتس الذى طعن قيصر العصر الحديث محمد رضا بهلوى؟

أدرك الشاه متأخرا الدور الذى قام به صديقه فردوست فى تأجيج الثورة، عرف متأخرا أن فردوست كان يؤلب عليه كبار ضباط الجيش والمخابرات، وكان يقول لبعض من يثق بهم من تلك القيادات «لقد قرر الأمريكان التخلص من الشاه، علينا أن ننجو بأنفسنا، أتراك تلحق بنا؟».


أدرك الشاه وأخته الأميرة «أشرف» بعد قيام الثورة أن الجنرال فردوست كان هو الخائن الأكبر، كان هو يهوذا الذى سلمهم لثورة الخمينى، وقد ذكرت الأميرة أشرف فى كتابها «وجوه فى المرآة»، الذى سجلت فيه أحداث الثورة وأسبابها: أن المساجد قبيل الثورة مباشرة كانت هى المسرب الذى تخرج منه المظاهرات المناوئة للشاه، ثم أضافت الأميرة أشرف وهى تبدى تعجبها: «الغريب أن (السافاك)، وهو البوليس السرى الذى يعمل لمصلحة الشاه، والمفترض أن يكون المصدر المخابراتى الذى على دراية ومعرفة بكل شىء، فضلا عن (السافاما)، الذى كان تحت قيادة مباشرة من فردوست لم يعد أى منهما تقارير عن المدى والأسلوب الذى اتبعه الملالى فى استغلال المنابر لتقويض العرش، وكان فردوست هو القناة التى تصل من خلالها المعلومات الحيوية العليا إلى أخى، وإننى على قناعة بأن فردوست كان يخفى معلومات حيوية على الشاه، وأنه إلى ذلك كان يجرى مداولات مكثفة مع الخمينى خلال السنوات الأخيرة للنظام».


سقط الشاه، خرج من الرقعة، ومن سقوطه عرفنا أنه كان مجرد قطعة يحركها لاعب خارجى، وإذ خرج الشاه من اللعبة كان لا بد أن يدخل «الفيل صاحب اللحية» بدلا منه ليحركه أيضا ذات اللاعب ولكن بطريقة مختلفة، ففى كل حين تتغير قواعد اللعبة وقوانينها، ومن لا يدرك تلك القواعد لا بد أن يخرج، وقد يخرج حتى ولو كان مدركا ما دام دوره الذى كان يؤديه قد انتهى.


لم يكن فردوست وحده هو أداة أمريكا والمخابرات البريطانية فى تنفيذ خطة «بريجنسكى»، فقد عرف الشاه وشقيقته القوية الأميرة أشرف أن بلاط الحكم كان قد امتلأ عن آخره بنسخ متكررة من بروتس، أو يهوذا، ولم يكن فى طوق الإمبراطور أن يتجنب طعناتهم، حتى بهبهايان الصديق الذى كان يستثمر الأموال كان أحد الطاعنين، إذن فليمت القيصر رضا بهلوى.


فى ليلة مظلمة بينما الشاه فى منفاه ببنما، أخبره أحد الأصدقاء بأن محكمة أمريكية قد تم استدعاؤها ليلا على عجل لتحكم بتسليم الشاه للخمينى كى تساومه أمريكا على قضية الرهائن، تحير الشاه، كيف يتصرف؟! هو الآن فى بيت عتيق سمحت له به أمريكا، وبنما حليف تابع للأمريكان «الصديق الغادر» ألا يوجد صديق وفىّ فى هذا العالم؟! برق فى ذهنه خاطر، هناك أنور السادات رئيس مصر، هو رجل وفىّ وصديق مخلص، وله أخلاقيات نادرة فى هذا الزمن، أظنه لن يتوانى عن مساعدتى.


توجه الشاه وأسرته إلى المطار فورا، وركب الطائرة إلى القاهرة بعد أن كان قد اتصل بالسادات، وفى المطار التقى السادات وبكى فى حضنه وهو يقول: هل تصدق أن أمريكا كانت تعتبرنى خازوقا، لقد عرفت هذا فى الطائرة التى أقلتنى إلى هنا، حيث أطلقوا على طريقة خروجى من إيران بعملية خروج الخازوق (من مقال لهيكل).

دخل الشاه مستشفى المعادى، وخصص له السادات قصر القبة الرئاسى ليقيم فيه وأسرته، ولكن القدر لم يمهله ليرى ما الذى سيحدث فى بلاده، كان عمره قد انتهى فى الموعد والطريقة التى حددها الله سبحانه وتعالى، وكان الفيل الأسود صاحب اللحية والعمامة قد دخل إلى الرقعة، ليحركه اللاعب الخارجى بالطريقة التى يشاء، وليثير أشد القلاقل فى الخليج العربى، وليجعل القوس الخليجى فى احتياج دائم لشرطى العالم الذى لا يتحرك إلا بالوقود والمال، ليحميه من بلطجى المنطقة الذى يرفع راية «الشيعة»، فتقع قلوب العالم السنى ومركزه المملكة العربية السعودية خوفا من حيل الشيعة ودهائهم ورغبتهم العارمة فى تشييع أهل السنة، وفى الخليج أدرك أهلها أن الجيش الأمريكى سيتخذ الخمينى ذريعة لتوسيع وجوده فى المنطقة، ولكن ما قيمة الإدراك وقواعد اللعبة لا تحفل بالشعوب ولا الحكومات، ما قيمة الإدراك وخريطة العالم لا تهتم إلا بالقوى، فالرأى رأى القاهر الغلاب كما قال أبو القاسم الشابى فى قصيدته الرائعة «فلسفة الثعبان المقدس»، التى قال فيها:

لا رأى للحق الضعيف ولا صدى *** والرَّأى رأى القاهر الغلاب


كان تنصيب الخمينى والملالى على إيران بمثابة أنبوبة اختبار، كان فى أفكارهم أن الخمينى سيؤدى إلى تفسخ الشرق الأوسط بأكمله، ومن بعده يأتى الإخوان فى مصر ودول ثورات الربيع من السجن إلى القصر، فتستحيل المنطقة إلى حلبة مصارعة حرة دموية، فإذا ما تم لهم ذلك كان من السهل على الثعبان المقدس أن يبتلع الشحرور المغرد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.