في مثل هذه الأيام في الحادي عشر من فبراير عام 1979 نشبت الثورة الإيرانية، وحوّلت إيران من نظام ملكي دستوري، تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي لتصبح جمهورية إسلامية عن طريق الاستفتاء، ويعد آية الله الخميني مؤسس الجمهورية الإيرانية. أسباب الثورة كانت أغلب سياسات الشاه مكروهة من جانب الشعب الإيراني؛ حيث انتهج سياسة التغريب، وكانت علاقاته وطيدة بإسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية، فضلا عن التنكيل بحركات المعارضة الإيرانية من جانب جهاز الأمن "السافاك" الذي لم يترك الفرصة لظهور أي منافس ذي كفاءة للشاه، ثم جاءت عملية انتهاك الدستور الإيراني الذي وُضِع عام 1906 من جانب جهاز الأمن أيضا، لتؤكد كراهية الشعب الإيراني لنظام الشاه. أضف إلى ذلك زيادة معدل التضخم، وسوء الأحوال الاقتصادية، ومنع لبس الحجاب في إيران، والإسراف والتبذير الذي اشتهر به الشاه. الطريق إلى الثورة وصل الشاه محمد رضا بهلوي إلى السلطة عام 1941 وكان معارضا للشيوعية، وظهرت المعارضة لحكومته من قبل اليساريين والقوميين والجماعات الدينية، الذين اعترضوا بشدة على عملية انتهاك الدستور الإيراني والفساد السياسي ووحشية القمع للمعارضة من خلال البوليس السري "السافاك"، وكان لرجال الدين تأثير كبير على الشعب الإيراني، خاصة الفئات الفقيرة منهم التي رفضت سياسة التغريب بشدة.
ظهور الإمام الخميني أعلن الشاه عما يعرف "بالثورة البيضاء" عام 1963 فمنح الحصانة السياسية للخبراء والمستشارين الأمريكيين، وكان هدفه من ذلك إخضاع علماء الدين للدولة من خلال سحب جزء كبير من أراضيهم، وإعطاء حق التصويت للمرأة، فاستغل الخميني هذه الأحداث، ودعا الجماهير إلى التظاهر والإضراب أثناء احتفالات الشيعة بذكرى استشهاد الإمام الحسين، وكان هذا أول ظهور له، واستجابت الجماهير لنداءاته، وانقلبت مواكب عاشوراء إلى تظاهرات اصطدمت بقوات الأمن وسقط ما يقرب من 2000 قتيل من المتظاهرين، ونجح الشاه في قمع المظاهرات، وألقى القبض على الخميني، وأمر بنفيه خارج البلاد. تبعت ذلك فترة من الهدوء الساخط استطاع من خلالها "السافاك" قمع المعارضة وظهر بعض التنويريين، مثل: "جلال آل أحمد" و"علي شريعتي" و"تفسير مرتضى"، وحازوا على قراء ومريدين ومؤيدين عارضوا نهج حكومة الشاه في كتاباتهم، وقام الخميني بالترويج لنظرية مفادها أن الإسلام يتطلب حكومة إسلامية يتزعمها ولي فقيه، من خلال سلسلة محاضرات عام 1970 صدرت في كتاب فيما بعد كما أوضح الخميني أن المذهب الشيعي يتطلب الانصياع للشريعة، لذا يجب أن يقود الفقهاء الحكومة والمسلمين معا كما استخدم فريق العلماء خطب المساجد وأشرطة تسجيلات للخميني من أجل زيادة قاعدة المعارضة وتقويتها. مقدمات الثورة كانت هناك بعض الأحداث التي مهّدت لقيام الثورة حيث قام الشاه بعمل احتفال لإحياء ذكرى إنشاء الإمبراطورية الإيرانية أنفق عليه ما قرب من 100 مليار دولار في وقت كانت هناك بعض المدن مثل "مدينة فارس" تحت وطأة الفقر والجوع، وفي عام 1974 دقت أجراس التضخم، وفي عام 1976 غيرت حكومة الشاه بداية السنة الإيرانية من سنة الهجرة النبوية إلى سنة اعتلاء "سايروس" العرش الفارسي، وفي عام 1977 تولى جيمي كارتر رئاسة أمريكا، وأدان أوضاع حقوق الإنسان في إيران، وقامت المعارضة الليبرالية آنذاك بتأسيس منظمات وجهت رسائل تدين النظام.
وكان السفير الأمريكي يوهم الشاه دائما أن الولاياتالمتحدة ستدعمه عسكريا، إثر اندلاع المظاهرات المتتالية التي كانت تعارض سياسة النظام، ثم غادر الشاه إيران في يناير 1979، وعاد الخميني إلى البلاد عام 1979، واستقبلته الجماهير التي فاقت الملايين، وقام رئيس الوزراء شابور بختيار بحل البوليس السري "السافاك"، وأفرج عن السجناء السياسيين ووعد بانتخابات حرة. وسيطر الخميني مع أتباعه على السلطة وعين مهدي بازرخان رئيسا للوزراء، لكن بقيت السلطة الأقوى في البلاد في يده وهو "المجلس الثوري"، وكان مخولا له سلطة اتخاذ القرارات النهائية، ولاقت الثورة معارضة من جانب بعض الليبراليين، ولكن الخميني استطاع قمع كل محاولات التمرد على الثورة. الثورة الإيرانية والدول العربية وقد أزعجت الثورة الإيرانية حكومات العراق والكويت والسعودية ودول الخليج عموما؛ خوفا من تسرب مبادئها إلى شعوب هذه الدول المَلَكية، وخاصة أن زعماء الثورة الإيرانية طلبوا تقديم الدعم لقضايا الشعوب العربية والإسلامية وغير الإسلامية، ودعت الثورة إلى القضاء على الظلم الاجتماعي والملكيات والتأثير الغربي، وفي عام 1982 بدأت الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات؛ بسبب محاولة الرئيس العراقي صدام حسين إلى القضاء على الثورة. واستطاع الخميني في كشف هذه المؤامرة، وأعلن الحرب لإسقاط نظام الملكية في العراق. أما العلاقات الخليجية الإيرانية فقد شهدت توتراً دبلوماسياً؛ بسبب الجزر الإماراتية الثلاث "أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى" التي احتلتها إيران، وأثناء حرب الخليج الأولى دعمت دول الخليج العراق، الأمر الذي دفع إيران لمهاجمة ناقلات النفط الخليجية، وعلى الرغم من هذا فإن علاقات إيران بدول الخليج تحسنت نسبيا، وخصوصا بعد حرب الخليج الثانية 1991، وعن علاقة مصر بإيران فهي سيئة منذ اندلاع الثورة، وازداد الأمر تعقيدا بسبب استقبال الرئيس السادات لشاه إيران، وتقوم إيران بدعم "حزب الله"، وبعد حربه الأخيرة مع إسرائيل عام 2006 عقدت إيران مع سوريا اتفاقية الدفاع المشترك، وفي الفترة الأخيرة زاد التوتر بين معظم البلاد العربية وإيران (بخلاف سوريا) بعد قيام إيران بتطوير برنامجها النووي خشية من أن يهدد هذا البرنامج أمن الدول العربية والشرق الأوسط، فضلا عن دور إيران البارز في دعم الحوثيين في اليمن. وقد أثار تخوف المجتمع الدولي وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية من البرنامج النووي الإيراني محاولات وقف تخصيب اليورانيوم سواء من خلال فرض عقوبات دولية أو عن طريق الحوار، ولكن الواضح أن إيران لا تخشى أحدا مع استمرارها في تخصيب اليورانيوم، وخاصة بعد التهديدات التي توعد فيها الرئيس أحمدي نجاد بالقضاء على إسرائيل نهائيا، وأكد الدكتور مصطفى اللباد الخبير بالشئون الإيرانية أن إيران تمتلك أكبر الفرص للنجاح الإقليمي عام 2020، وأن الملف النووي الإيراني يمكن أن يحقق مصالح لأمريكا في الشرق الأوسط كما قد يجعل إيران القوة الإقليمية الأولى إذا دخلت في مفاوضات ناجحة مع الولاياتالمتحدة من أجل تبادل المصالح.