جاءني صوت الرجل في رسالته الصوتية التي تركها لي: «أنا طه يا أستاذة، من المعتصمين تبع مشروع مبارك للإسكان، لو سمحت كلميني ضروري... فيه تطورات». بالطبع لم أكن متفائلة أو بمعني أدق لم أكن ساذجة حتي أظن أن هذه التطورات قد تكون أن مشكلة هؤلاء المواطنين ومنهم طه قد تم حلها مثلاً بعد أن كتبت مقالاً الأسبوع الماضي بعنوان «الله يسترك يا ريس..مشروعك القومي اتسرق». لم أظن لوهلة أن هناك صحوة قد دبت في ضمائر المسئولين أو نواب مجلس الشعب أو المحافظة أو مسئولي بنك مصر المتميز - فرع 6 أكتوبر، ومن المؤكد أنني لم أصب بضلالات حتي أظن أن الرئيس نفسه أو حتي من ينوب عنه في قراءة الأخبار التي تتعلق بسيادته قد همس له قائلاً: الحق ياريس، المواطنون يستنجدون بك، مشروعك القومي الذي وعدت به في برنامجك الانتخابي... بخ!!.. بيتاجروا بيه علي حساب «الغلابة»، ولم أتوقع أن الرئيس هب غاضباً وأصدر قراراً لوقف هذه المهزلة وإنهائها. كنت واثقة أن صوت المواطن طه بجملته «فيه تطورات»، لم يقصد بها أن يخبرني بأن المشكلة قد تمت تسويتها أو أنهم ذاهبون لاستلام مفاتيح شققهم التي رفض البنك تسليمها لحوالي أربعة آلاف مواطن دفعوا المقدم، ثم قرر البنك إضافة شروط تعجيزية غير واردة في التعاقد، ومن المستحيل تنفيذها، منها استلام الشقة في حالة وجود ضامن (موظف حكومي لا يزيد عمره علي 40 عاماً، وراتبه لا يقل عن 500 جنيه، ولا يكون قريباً لصاحب الشقة، أو دفع 30 ألف جنيه كاش لاستلام الشقة )!!!! قلت في نفسي من المستحيل أن تكون تلك التطورات التي يقصدها المواطن أن البنك تراجع عن شروطه الجزافية غير القانونية لتعجيز أصحاب الشقق التي لا تزيد مساحتها علي 63 متراً، الذين اقترض أغلبهم مبلغ الخمسة آلاف جنيه لدفعها مقدماً لشقة تأويهم هم وأسرهم بدلاً من السكن المشترك عند الأهل أو بدلاً من إيجار الشقق الذي أثقل وكسر ظهورهم. لم تكن التطورات التي يقصدها طه أن استغاثاتهم لقيت رد فعل إيجابيًا مثل قبول البنك لبعض اقتراحاتهم مثل أن يضمن كل متعاقد زميله المتعاقد الآخر.. لكن البنك رفض، اقترح بعض المتضررين ومنهم السيدة سعاد وهي أرملة لثلاثة أطفال التي قالت لي: قلت لهم في البنك «اعملوا شروطًا بموجبها يكون للبنك الحق في استرداد الشقة وسحبها في حالة عدم الالتزام بدفع الأقساط المستحقة، لكن البنك رفض، وكانت الإجابة: لا!!! كل هذه التطورات لم ترد بذهني، لكنه لم يرد بذهني أيضًا أن تكون هذه التطورات بمثل هذه المأساوية التي أراد أن يخبرني بها طه بصوته المنزعج: «يا أستاذة.. اتنين من زمايلنا خبطتهم عربية، كانوا علي موتوسيكل بس الحادثة كبيرة، واحد منهم عمل عمليات وشرايح واتكسر والتاني حصل له بتر في رجله. إحنا إمبارح كنا معتصمين عند بنك الإسكان في أكتوبر، وزمايلنا راحوا يلموا بعضهم علشان نجتمع ونحاول نتكلم مع المسئولين في البنك علشان نشوف حل في المصيبة إللي إحنا فيها، ركبوا الموتوسيكل علشان يلحقونا عند البنك، «حصل إللي حصل». أكمل المواطن: «الناس دول مش ناقصين مصايب ومصاريف.. مش كفاية إللي هم وإللي إحنا فيه»!! هذه هي التطورات العبثية التعيسة التي لحقت بمواطنين يحاولون جاهدين أن يحصلوا علي حقهم المكتوب والمنصوص عليه في عقد حكومي رسمي ضمن مشروع يحمل اسم رئيس الدولة.. رئيس الدولة نفسه وعد مواطنيه... ثم ضاع الوعد بموجب قرارات جزافية للبنك أو لرئيس المشروع أو من المسئول عن هذه المهزلة.. لا أحد يعلم !! فقط... كل ما يحدث هو أن المتضررين ينتقلون من رقعة اعتصامهم أمام مجلس الشعب للاعتصام أمام البنك، لمحاولة مقابلة رئيس المشروع، ولا يحدث شيء سوي أن يكمل القدر لعبته بحادث أليم لكيميائي شاب ولموظف بسيط أرادا أن ينضما لزملائهم المتضررين متصورين أنه كلما زاد العدد، زاد الضغط، كلما علا الصوت، زاد التأثير، كلما زادت أيام اعتصاماتهم، كلما اقتربوا من هدفهم، كلما ألحوا بالمطالبة بحقوقهم، تمكنوا من الحصول عليها، كلما اتحدوا، كلما عرف المسئولون في هذا الوطن أن البلد دي لسه فيها رجالة وستات قادرين علي الصمود. نسيا هذان المواطنان اللذان يرقدان الآن في مستشفيات في حالة صحية لا يحسدان عليها، أننا نعيش مع الفساد متوحدين معه، متكيفين عليه، يمارسه المسئولون ويتنفسونه، لدرجة أعمت أعينهم وبصيرتهم عن رؤية الظلم الواقع عليكم، أو حتي عن الشعور بتحميل القدر لكم ما لا تطيقونه. أراهنكم أن أغلب المسئولين عن المأساة والظلم الذي تعيشونه لن يتخيلوا لحظة مدي المعاناة التي تعيشونها ولن يرسموا في أذهانهم سيناريوهات لتفاصيل الحياة اليومية التي تعيشونها للتحرك من أمام مجلس الشعب، للذهاب إلي المحافظة، ثم اللحاق بالبنك لمحاولة التفاوض مع رئيسه، ثم لحادث أليم يقطع المشهد، للانتقال إلي سيناريو جديد كئيب لرحلة علاج هذين الشابين، وهل هناك من سيتكفل بعلاجهم، وما هو حال أسرهم.... كلها تفاصيل لا تهمهم. عفواً... مضطرة أقولها... مَن مِن هؤلاء المسئولين سيهتم إن كانوا لم يهتموا أساساً وقاموا بتشويه وإفساد مشروع مكتوب عليه اسم الرئيس مبارك نفسه؟! ولكن السؤال الأهم - رغم سذاجته: هو بجد الرئيس بتاعنا ما يعرفش؟ بصراحة... ما دفعني لطرح ذلك السؤال الأخير هو أن المعتصمين والمتضررين من مشروع مبارك لإسكان الشباب يرددون في استغاثاتهم - بمنتهي الثقة التي لا أعلم مصدرها وأحسدهم عليها - قائلين: «محدش ح يجيب لنا حقنا غير الرئيس مبارك.. لو صوتنا وصل له ح يحلها». لا أعلم لماذا لا تصل أصوات الملايين من المعتصمين والمقهورين والمظلومين في بلدنا للرئيس !! عفوًا... الهاتف الذي طلبته ربما يكون مغلقاً أو خارج نطاق الخدمة... أوربما لا يمكنكم الاتصال.. لقد نفد رصيدكم.!!!