تشكيل باريس سان جيرمان لمواجهة نيس في الدوري الفرنسي    وزارة النقل تنعى الدكتور هشام عرفات وزير النقل السابق    الحكومة تكشف تفاصيل جديدة عن وصول 14 مليار دولار من أموال صفقة رأس الحكمة    وكلاء وزارة الرياضة يطالبون بزيادة مخصصات دعم مراكز الشباب    بعد تشغيل محطات جديدة.. رئيس هيئة الأنفاق يكشف أسعار تذاكر المترو - فيديو    أبومازن: اجتياح قوات الاحتلال رفح الفلسطينية كارثة يدفع ثمنها الأبرياء    وزارة النقل تنعى هشام عرفات: ساهم في تنفيذ العديد من المشروعات المهمة    مخاطر الإنترنت العميق، ندوة تثقيفية لكلية الدعوة الإسلامية بحضور قيادات الأزهر    صحفي يحرج جوارديولا ويسأله عن رد فعله لحظة انفراد سون بمرمى مانشستر سيتي    رئيس المعاهد الأزهرية يتفقد بيت شباب 15 مايو لاستقبال طلاب ثانوية غزة    المشدد 7 سنوات لمتهم بهتك عرض طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بكفر الشيخ    «جوزي الجديد أهو».. أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على ظهورها بفستان زفاف (تفاصيل)    طاقم عمل A MAD MAX SAGA في العرض العالمي بمهرجان كان (فيديو)    «الشعب الجمهوري» يهنئ «القاهرة الإخبارية» لفوزها بجائزة التميز الإعلامي العربي    أمير عيد يكشف ل«الوطن» تفاصيل بطولته لمسلسل «دواعي السفر» (فيديو)    هل الحج بالتقسيط حلال؟.. «دار الإفتاء» توضح    أمين الفتوى يحسم الجدل حول سفر المرأة للحج بدون محرم    خالد الجندي: ربنا أمرنا بطاعة الوالدين فى كل الأحوال عدا الشرك بالله    رئيس جامعة المنصورة يناقش خطة عمل القافلة المتكاملة لحلايب وشلاتين    يكفلها الدستور ويضمنها القضاء.. الحقوق القانونية والجنائية لذوي الإعاقة    "الزراعة" و"البترول" يتابعان المشروعات التنموية المشتركة في وادي فيران    الكويت تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي للامتثال إلى قرارات الشرعية الدولية    محافظ مطروح: ندعم جهود نقابة الأطباء لتطوير منظومة الصحة    زياد السيسي يكشف كواليس تتويجه بذهبية الجائزة الكبرى لسلاح السيف    بث مباشر مباراة بيراميدز وسيراميكا بالدوري المصري لحظة بلحظة | التشكيل    رغم تصدر ال"السرب".. "شقو" يقترب من 70 مليون جنية إيرادات    جامعة قناة السويس ضمن أفضل 400 جامعة دولياً في تصنيف تايمز    الطاهري: القضية الفلسطينية حاضرة في القمة العربية بعدما حصدت زخما بالأمم المتحدة    إصابة 4 مواطنين في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    رجال أعمال الإسكندرية تتفق مع وزارة الهجرة على إقامة شراكة لمواجهة الهجرة غير الشرعية    مدعومة من إحدى الدول.. الأردن يعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة من ميليشيات للمملكة    الزراعة: زيادة المساحات المخصصة لمحصول القطن ل130 ألف فدان    فرحة وترقب: استعدادات المسلمين لاستقبال عيد الأضحى 2024    إصابة عامل صيانة إثر سقوطه داخل مصعد بالدقهلية    «تضامن النواب» توافق على موازنة مديريات التضامن الاجتماعي وتصدر 7 توصيات    الحكومة توافق على ترميم مسجدي جوهر اللالا ومسجد قانيباي الرماح بالقاهرة    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    تحديد نسبة لاستقدام الأطباء الأجانب.. أبرز تعديلات قانون المنشآت الصحية    صور.. كريم قاسم من كواليس تصوير "ولاد رزق 3"    إسرائيل تتحدى العالم بحرب مأساوية في رفح الفلسطينية    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    الصحة: تقديم الخدمات الطبية ل898 ألف مريض بمستشفيات الحميات    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    قطع الكهرباء عن عدة مناطق بمدينة بنها الجمعة    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    ضبط 123 قضية مخدرات في حملة بالدقهلية    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    بعد الصين.. بوتين يزور فيتنام قريبا    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    وزارة العمل: 945 فرصة عمل لمدرسين وممرضات فى 13 محافظة    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل عامر يكتب: السد الإثيوبي تاثيره علي الأمن القومي المصري
نشر في الدستور الأصلي يوم 01 - 05 - 2013

لا يقل أمن المياه أهمية عن الأمن القومي حيث أن التفسير المصري لمفهوم الأمن القومي لم يعد قائمًا على الجانب الإستراتيجي وحده, بل امتد ليواكب ويتلاءم مع الأمن المائي ولقد كانت المياه محلاً للصراعات منذ أمد بعيد فلقد كانت بداية تمثل صراع على مياه البحار نظرًا لأهميتها في مجال التجارة وتوزيع مناطق النفوذ إلا أنه ظهر مؤخرًا على المسرح العالمي أن المياه العذبة هي محل الصراع القائم, بعد أن تم حسم الصراع على المياه المالحة (بحار ومحيطات بموجب اتفاقيات عقدتها الدول وبعضها البعض).

و يعتبر عقد التسعينيات هو عقد الصراع على موارد المياه, وفي منطقة الشرق الأوسط حيث المصادر المحدودة للمياه والتي تتركز في أحواض الأنهار الرئيسية مثل نهر النيل.

ومع التطور التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم وبخاصة عقد التسعينيات تزايدت معدلات التنمية, ومن ثم تزايدت الحاجة على الموارد وبخاصة الطبيعية منها, وتأتي في مقدمتها المياه, واتلي أصبحت سلعة إستراتيجية نظرًا لعدم وجود بدائل لها في الوقت الذي يوجد للطاقة بدائل أخرى, ومن ثم فقضية الحفاظ على الموارد المائية وتعظيم الاستفادة منها تتصدر قضايا الأمن القومي وتزداد حدة في تلك الدول التي تقع منابع مصادرها خارجها, وبالتالي عدم القدرة على السيطرة عليها ومن بينها مصر, فمصر تعتمد على المياه بدرجة يبلغها اعتماد شعوب من قبل على مصادر المياه مثل اعتمادها على نهر النيل وبدونه تصبح مصر صحراء جرداء, وتشارك مصر في نهر النيل تسع دور وهي " السودان – أثيوبيا – أوغندا – كينيا – تنزانيا – روندا – بوروندي – الكنغو ".

وتتفاوت هذه الدول من حيث اعتمادها على مياه نهر النيل حيث تعد مصر الأكثر اعتمادًا على مياهه وبالتالي كان طبيعيًا أن يمتد مفهوم الأمن المائي إلى المنابع الرئيسية في حوض النيل ليعتبر أي عمل يجري في هذا الحوض يهدف للتأثير على حصة مصر المائية المقررة سنويًا وهي 55.5 مليار م3. عملاً يمس الأمن القومي المصري بشكل مباشر ومع التسليم بوجود اتفاقيات قانونية تنظم حصول مصر على حصتها المقررة سنويًا. وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي تمت من خلال التطورات المتلاحقة التي شهدها العالم منذ نهاية الثمانينيات والتسعينيات فأن مصر تواجه تحديًا حقيقيًا وهو دخول فاعلين جدد إلى منطقة حوض النيل ( إسرائيل – الولايات المتحدة ) و (البنك الدولي ) وما أطلقه من مفاهيم جديدة منها ( تسعير المياه وخصخصة المياه وبورصات المياه ) بما قد يعنيه من نشوء صراع بين تلك الدول خلال السنوات المقبلة إذا يمكن أن تخرج القضية عن النطاق الإقليمي ويصبح للأطراف الخارجية دور تجاهها ومن ثم ظهور أعباء إضافية على عاتق صانع القرار المصري وتهديد للأمن القومي المصري. وتلعب القوى الخارجية دورًا فاعلاً ومؤثرًا في أنشطة وتفاعلات النظم الإقليمية وذلك من خلال تأثيرها في أنماط تفاعلات النظم الإقليمية ويتجلى الدور الذي تمارسه القوى الخارجية في نمط تفاعلات النظم الإقليمية في أحد أمرين, فقد تلعب دورًا منشأ لتلك التفاعلات (صراعات – تعاون) وقد تلعب دروًا محفزًا لتلك التفاعلات, وقد تلعب الدورين معًا.أن مياه النيل تمثل 95% من جملة الموارد المائية المتاحة لمصر، وهى عبارة عن كميات من المياه التي تأتى من خارج الحدود وتصل إلى السد العالى بقيم متفاوتة من عام لآخر، ويستخدم السد العالي"ذو التخزين القرني" فى الموازنة بين الإيراد المائى الواصل عند أسوان والمياه المنصرفة خلف الخزان، وهو ما تستطيع مصر من خلاله توفير كميات مناسبة من المياه العذبة لاستخدامها فى الأغراض المختلفة من زراعة وصناعة واحتياجات بيئية، وكذلك تحصل مصر على نسبة ضئيلة من مواردها المائية من خلال الأمطار وهى تمثل (5%) من موارد مصر المائية وبعضاً من المياه الجوفية غير النيلية العميقة بالصحراء الشرقية والغربية وشبه جزيرة سيناء، حيث وصل نصيب الفرد من المياه فى مصر حسب إحصائية عام 2010م 700 متر مكعب فى السنة، ومن المتوقع انخفاض هذه النسبة إلى 350 متراً مكعباً فى السنة عام 2050 م فى حالة بقاء معدلات الزيادة السكانية على وضعها الحالي حيث يبلغ معدل الزيادة السكانية حاليا 2% سنويا فى الوقت الذى ظلت فيه حصة مصر من مياه النيل حصة ثابتة عند 55.5مليار متر مكعب سنويا. تبني الأمم نهضتها ومستقبلها بدوافع تنبع من واقعها الحالي أو ما مرت به في الماضي، من أجل هذا تضع الخطوط العريضة لرسم خارطة المستقبل لأوطانها، وهذه الخارطة تعتمد على حصر موارد الدولة، سواءٌ للحفاظ عليها أو تنميتها، ولكن قد تتقاسم بعض الدول نفس المورد خاصة الموارد الطبيعية وأهمها المياه العابرة عبر الأنهار الدولية. ويدفعنا هذا الحديث عن نهر النيل أحد أهم الموارد المائية لدول شرق ووسط إفريقيا فيما يسمى بدول حوض النيل، ويلعب عدد من الدول دورا رئيسيا في السياسة المائية للنهر hydro-Geopoltique ، أهمها دول المنبع خاصة إثيوبيا ثم دول المصب؛ السودان ومصر، وتعتمد مصر كليًا على حصتها من نهر النيل، لذا تضغط بعض الدول ذات المصالح المضادة على مصر للحصول على تنازلات إقليمية من خلال تعميق فكرة أن مصر تستغل 85 % من مياه النيل البالغ قدرها 55.5 مليار م3 سنوياً ولا تساهم بقطرة ماء واحدة من ميزانية النهر. وفي أبريل 2011 حينما كانت مصر تمر بتغيرات سياسية دراماتيكية، تحركت إثيوبيا سراً لكشف النقاب عن مشروع سد النهضة لتبدأ تنفيذه، ويتوقع الانتهاء منه عام 2015، وهو يعد أخطر العقبات المحدقة بالأمن القومي لمصر لتحجيم مائية النهر. إن هناك ستة أحواض جوفية مختلفة فى مصر وهى (خزان حوض وادى النيل والدلتا الخزانات الساحلية الخزان الجوفى بتكوين رمال المغرة الخزان الجوفي بالصخور الجيرية الخزان الجوفي الرملي النوبي الخزان الجوفي بصخور القاعدة) علما بأنه لايمكن اعتبار المياه الجوفية بخزان حوض وادي النيل والدلتا مصدراً مائياً مستقلاً حيث أنها تتكون من المياه المتسربة من النيل وفرعيه وشبكات الري وصرف الأراضي الزراعية. أما الخزانات الجوفية الساحلية فهى تعتبر خزانات جوفية متجددة خارجيا، ولكن إمكاناتها محدودة ويتم استغلال معظمها فى أغراض الشرب والزراعة، مع الأخذ فى الاعتبار أن السحب من الخزانات الجوفية الساحلية يزيد من أثر تداخل مياه البحر، وعليه فإنه يجب تحديد كمية السحب الآمن والتي تتناسب مع معدل التغذية الرئيسي، وتنقسم المياه الجوفية فى مصر إلى عذبة ومالحة وتتعدد مصادر المياه الجوفية وفقا لنوع الأحواض ومعدلات التغذية، ويعد من مصادر المياه الجوفية العذبة "الخزان الجوفي بالوادي والدلتا" وهو عبارة عن المياه المتسربة من نهر النيل وفرعيه وشبكة الري ومن الأراضى6,2 مليار متر مكعب وهذه الكمية فى حدود السحب الآمن للخزان الجوفى الضحل بالوادي والدلتا والذى يقدر بحوالى 4، 8 مليار متر مكعب سنويا، ومن مصادر المياه الجوفية العذبة أيضا "خزان الحجر الرملى النوبي" وهو يعد من أهم خزانات المياه الجوفية بالصحراء الغربية وأكبر خزان بمنطقة شمال إفريقيا، وتعتبر كميات المياه بالخزان الجوفى بالصحراء الغربية شاملة الداخلة والخارجة والفرافرة وسيوة وشرق العوينات ودرب الأربعين وتقدر السعة التخزينية للخزان الجوفى بحوالى 240 ألف مليار متر مكعب لكن الحجم القابل للاستغلال الاقتصادى منها محدود حيث تكونت المياه الجوفية الموجودة بالخزان قديما فى فترات العصور المتغيرة المتعاقبة وتغذيته الحالية محدودة وهو خران غير متجدد، وتبلغ الإمكانات الكلية للسحب السنوى من المياه الجوفية بالصحراء.- من الناحية الطبيعية، يبنى السد في منطقة بني شنقول على بعد 30 كم شرق الحدود السودانية وقد تم اختياره لاعتبارات جغرافية وجيولوجية واقتصادية، وهذا المكان على النيل الأزرق هو الأكثر توافرا وتدفقا للمياه حيث يسهم بنحو 80 % من حجم المياه القادمة لمصر، ومن المتوقع أن يحجز خلفه 74.4 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يعد تقريبا ضعف بحيرة تانا, ونحو نصف السعة التخزينية لبحيرة السد العالي في مصر، مما يعني نقل المخزون المائي من أمام بحيرة ناصر إلى الهضبة الإثيوبية وتحكم إثيوبيا في كل قطرة مياه تأتي إلى مصر، مما سيؤثر على الاحتياجات المائية لمصر خلال فترة ما بعد إنشاء هذا السد وانخفاض السعة التخزينية لبحيرة ناصر. ويوجد عدد من الآثار السلبية منها ماهو على مصر حيث بعد ملء خزان سد النهضة لن تصل مياه النيل إلى مصر عامًا كاملاً، مع احتمالية تحويل بحيرة ناصر إلى بركة خلال سنوات من بدء تشغيل هذا السد، كما أن له تأثيرا سلبيًا على السودان الذي سوف يُحرم من الطمي مثلما هو الحال في مصر الآن وتدهور التربة فيه، لكن يبقى هناك عامل غاية في الأهمية وهو المؤشر الاقتصادي وكيف يؤثر على استغلال مياه النهر ويخضع المؤشر الاقتصادي إلى عدة عوامل منها الفقر ونسبة السكان وهو ما سوف يتم التعرض له.

طبقًا لتقرير التنمية الصادر عن البنك الدولي في عام 2004, تعتبر دول حوض النيل من أفقر الدول النامية, فهي جمعيًا – عدا مصر- تقع في فئة الدول الأقل دخلاً, وتعتبر مصر هي الدولة الوحيدة التي تقع في فئة الدول ذوات الدخل المتوسط ( ), وقد انعكست حالة الفقر الشديد التي تعتبر السمة الرئيسية لدول حوض النيل – عدا مصر – على قدرات تلك الدول على توفري البنية الأساسية ذات الصلة بالمياه.

تفتقر هذه الدول إلى بنية أساسية لازمة لنقل وتوصيل المياه إلى كافة مواطنيها فضلاً عن عدم وجود تغطية معقولة لشبكات الصرف الصحي في معظم تلك البلدان. ويلاحظ أن جميع دول حوض النيل باستثناء مصر تعجز عن إيصال إمدادات المياه بصورة دائمة لنسبة كبيرة من مواطنيها وهو ما يجعلنا نستطيع القول أن دول حوض النيل تعاني من (فقر مائي) بالمفهوم الاقتصادي بمعنى عدم توافر الموارد المالية اللازمة لتشيد البنية الأساسية ذات الصلة بمنظومة نقل وتخزين وتوصيل المياه إلى القطاعات العريضة من شعوب تلك الدول.

وبعد استعرض المؤشرات الثلاث لقياس " محدودية الموارد المائية " يتضح أن حوض نهر النيل غنى كميًا ونوعًا بموارده المائية, بيد أنه فقير جدًا بموارده الاقتصادية, وفقير في قدراته التنظيمية اللازمة لإدارة تلك الموارد المائية, ويترتب على ذلك أن المحصلة النهاية هي توفر المياه مع عدم استطاعة نسبة كبيرة من شعوب تلك الدول على استخدام المياه في الشرب أو للصرف الصحي, ومن ثم فأن النتيجة النهائية لهذه العملية على وجه العموم هي محدودية الموارد المائية في حوض نهر النيل وذلك نظرًا لضالة القدرة على استخدام المياه من ناحية, وسوء إرادتها والتخطيط لها من ناحية ثانية وإذا كنا قد وصلنا إلى نتيجة مؤداها محدودية في الموارد المائية في حوض النيل استنادًا إلى تفاعل المؤشرات الثلاثة (الكم والنوع والموارد الاقتصادية) معًا فأن هذه " المحدودية " قد تزداد حدتها مع الوقت وذلك بسبب تأثير عدد من العوامل منها : التغيرات المناخية التي يترتب عليها ارتفاع في درجة الحرارة بشكل عام, التأثيرات الناتجة عن التلوث البيئي, بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في أعداد السكان مع ما يترتب عليها من ضغوط اقتصادية وخصوصًا في مجال الزراعة, للوفاء بالاحتياجات الغذائية المتزايدة.

وبعد تحليل المؤشرات التي يمكن من خلالها تحديد ما إذا كان هناك محدودية في الموارد المائية في النهر أما هناك وفرة في تلك الموارد وقد خلصنا أنه نتيجة تفاعل المؤشرات الثلاثة المحدودية فأن تلك الدول تعاني من محدودية في الموارد المائية بالإضافة إلى عدة متغيرات تؤثر على الوضع المائي في حوض النيل مثل المتغيرات البيئية والمناخية وما يصحب ذلك من دورات الجفاف, بالإضافة إلى التغيرات الديمغرافية الناتجة عن تزايد أعداد السكان في دول حوض النيل, بالإضافة إلى عدم التوازن الإقليمي في توزيع الموارد المائية علاوة على الفقر الشديد في الموارد الاقتصادية.

وقد تفاعلت هذه العوامل هذه العوامل والمتغيرات في منظومة واحدة في حوض نهر النيل خلال الفترة محل البحث (1990 - 2010) لتفضي إلى قيام ظاهرة الصراع المائي الدولي بين دولتي المصب والتي تعاني من محدودية المياه مع دول المنبع التي تتمتع بوفرة المياه وتعاني من فقر الموارد الاقتصادية لاستغلال المياه.

فمصر تعتمد على أكثر من 95 % من احتياجاتها للمياه في حين تحتاج أثيوبيا 1 % من مياه النهر وكينيا 2 % تقريبًا وتنزانيا 3 % والكونغو 1 % وبوروندي 5 % والسودان 15 % ذلك لأن كثافة هطول الأمطار في هذه الدول تجعلها غير محتاجة إلى النهر, وهو ما يفضي في النهاية إلى عدم التوازن في توفير المياه مما يخلق صراع على المياه.

لقد تم عقد العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بين دول حوض النيل وإن كان معظمها ثنائيًا. حيث يوجد ما يزيد على عشر وثائق واتفاقيات دولية قائمة على تنظيم واستغلال المياه في النهر منها ما تم توقيعه في الفترة الاستعمارية بواسطة القوى الاستعمارية كدول متعاقدة نيابة عن مستعمراتها في ذلك الوقت ومنها ما تم توقيعه بعد حصول تلك الدول على الاستقلال كاتفاق 1959 الموقع بين مصر والسودان.

أولاً : بروتوكول 1891

وقعت بريطانيا وإيطاليا في 15 أبريل 1891 بروما بروتوكولاً يحدد مناطق نفوذهما في دول الحوض الواقع في شرق أفريقيا حتى مشارف البحر الأحمر ويقضي البند الثالث منه ألا تقوم إيطاليا بتشييد أي أعمال على نهر عطبرة من شأنها أن تعمق انسيابه إلى النيل على نحو محسوس وهي الفقرة الوحيدة التي تعني بتنظيم استغلال المياه ( ).

وجوهر هذه الاتفاقية هو التزام أطرافها بعدم إقامة أو تنفيذ أي مشروعات مائية على حوض نهر عطبرة الأثيوبي – السوداني, بغير التشاور مع مصر مسبقًا.

ثانيًا : معاهدة 1902

في 15 مايو 1902 تم توقيع في أديس أبابا على معاهدة بين بريطانيا والإمبراطورية الأثيوبية لترسيم الحدود بينها وبين السودان.

تنص بصراحة على تنظيم استغلال مياه النيل والأزرق وبحيرة تانا ونهر السوباط وضرورة الأخطار المسبق قبل الشروع في أية مشروعات من قبل أثيوبيا من شأنها أن تؤثر على انسياب المياه ( ).

ثالثًا : اتفاق 1906 بين بريطانيا والكونغو

وقعت كل من بريطانيا ودولة الكونغو على اتفاق بلندن في 9 مايو 1906 تعهدت فيه حكومة الكونغو بألا تقيم أو تسمح بإقامة أي اشغال على نهر " سمليكي" أو نهر " سانجو " أو بجوار أي منهما, يكون من شأنها خفض حجم المياه التي تتدفق في بحيرة ألبرت, ما لم يتم ذلك بالاتفاق مع الحكومة السودانية ( ).

رابعًا : اتفاق 1906 بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا

ينص البند الرابع منها على أن تعمل هذه الدول معًا على تأمين دخول مياه النيل الأزرق وروافده إلى مصر ( ).

خامسًا : اتفاقية عام 1925

مجموعة من الخطابات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا وتعترف فيها إيطاليا بالحقوق المائية المكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل الأزرق والأبيض وتتعهد بعدم إجراء إشغالات عليهما من شأنها أن تنقص من كمية المياه المتجهة نحو النيل الرئيسي.

سادسًا : اتفاقية 1929

عبارة عن خطابين متبادلين بين كل من رئيس الوزراء المصري آنذاك محمد محمود وبين المندوب السامي البريطاني لويد, وكان الخطابين موقعين بتاريخ 7 مايو 1929 ومرفق بهما تقرير للجنه المياه الذي سبق إعداده في عام 1925 وكان توقيع بريطانيا على هذه الاتفاقية نيابة عن كل من السودان وأوغندا وتنجانيقا (تنزانيا حاليًا), وأهم ما ورد في تلك الاتفاقية :

‌أ- ألا تقام بغير اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية أعمال ري أو توليد قوى أو أي إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التي ينبع منها سواء في السودان أو في البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها انقاص مقدار المياه الذي يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أي وجه يلحق ضررًا بمصالح مصر.

‌ب- وتنص الاتفاقية أيضًا على حق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل ( ).

سابعًا : اتفاقية لندن 1934

بين كل من بريطانيا نيابة عن تنزانيا وبين بلجيكا نيابة عن روندا وبوروندي وتتعلق باستخدام كلا الدولتين لنهر كاجيرا.

ثامنًا : اتفاقية 1953

موقعة بين مصر وبريطانيا نيابة عن أوغندا بخصوص إنشاء خزان أوين عند مخرج بحيرة فكتوريا وهي عبارة عن مجموعة من الخطابات المتبادلة خلال عامي 1949 و 1953 بين حكومة مصر وبريطانيا, وأهم نقاطها هي :

‌أ- أشارت الاتفاقيات المتبادلة إلى اتفاقية 1929 وتعهدت بالالتزام بها ونصت على أن الاتفاق على بناء خزان أوين سيتم وفقًا لروح اتفاقية 1929 .

‌ب- تعهدت بريطانيا في تلك الاتفاقية نيابة عن أوغندا بأن إنشاء وتشغيل محطة توليد الكهرباء لن يكون من شأنها تخفيض كمية المياه التي تصل إلى مصر.

تاسعًا : اتفاقية 1959

وقعت بالقاهرة بين مصر والسودان وجاءت مكملة لاتفاقية 1929 وليست لاغية لها, حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان في ظل متغيرات جديدة ظهرت على الساحة آنذاك وهو الرغبة في إنشاء السد العالي وتضم اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل على محدد من البنود من أهمها :

‌أ- احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل وقدره 48 مليار متر مكعب سنويًا وكذلك حق السودان المقدر بأربعة متر مكعب سنويًا.

‌ب- موافقة الدولتين على قيام مصر بإنشاء السد العالي وقيام السودان بإنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق وما يستتبعه من أعمال تلزم السودان لاستغلال حصتها.

‌ج- كما نص هذا البند على أن توزيع الفائدة المائية من السد العالي والبالغة 22 مليار متر مكعب سنويًا, توزع على الدولتين بحيث يحصل السودان على 14 مليار متر مكعب وتحصل مصر على 7.5 مليار متر مكعب ليصل إجمالي الحصة السنوية لمصر 55.5 مليار متر مكعب و 18.5 مليار متر مكعب للسودان.

‌د- قيام السودان بالاتفاق مع مصر على إنشاء مشروعات زيادة إيراد النهر بهدف استغلال المياه الضائعة في بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال وفروعه ونهر السوباط وفروعه على أن يتم توزيع الفائدة المائية والتكلفة المالية الخاصة بتلك المشروعات مناصفة بين الدولتين.

‌ه- إنشاء هيئة فنية دائمة مشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان.

عاشرًا : اتفاقية 1991

بين مصر وأوغندا التي وقعها الرئيس مبارك والرئيس الأوغندي موسيفني, ومن بين ما ورد بها :

‌أ- أكدت أوغندا في تلك الاتفاقية احترامها لما ورد في اتفاقية 1953 التي وقعتها بريطانيا نيابة عنها وهو ما يعد اعترافًا ضمنيًا باتفاقية 1929.

‌ب- نصت الاتفاقية على أن السياسة المائية التنظيمية لبحيرة فيكتوريا يجب أن تناقش وتراجع بين كل من مصر وأوغندا دخل الحدود الأمنة بما لا يؤثر على احتياجات مصر المائية ( ).

ومن خلال هذه الاتفاقيات نلاحظ أنه لا يوجد اتفاقية جماعية تجمع كل دول حوض النيل وأن الموجود الآن هو اتفاقيات قديمة كانت ذات طابع ثنائي ( ), لذلك فهي لا تحظى بالقبول العام من جميع دول الحوض.

إن مياه النيل المشتركة بين عشر دول ليس هناك قانون دولي يحكمها, كما أنه ليس هناك اتفاقية مشتركة بين جميع دول حوض النهر بشأنها, ومن ثم تصبح الحاجة ملحة لاتفاق جماعي بين دول حوض النيل.

فغياب الإطار القانوني الحاكم له الجامع لدول حوض النيل قد ترك أثاره حتى الآن على العلاقة بين دول حوض وذلك نظرًا لأن هذه الاتفاقيات هي اتفاقيات ثنائية في غالبها, فأنها لا تشكل إطار قانونيًا جامعًا لحوض النيل وقد بادرت دول الأحباس العليا لحوض النيل بإعلان رفضها وتبرئها من تلك الاتفاقيات بعد حصولها على الاستقلال, ومن ناحية أخرى فأن الإطار القانوني الذي يتم التفاوض بشأنه في إطار مبادرة حوض النيل (NBI) والتي مرت بجولات تفاوض كثيرة نجد أن الخلاف بات حادًا على الإطار القانوني الحاكم لهذه المبادرة حتى الوقت الراهن وبخاصة بعد مفاوضات شرم الشيخ 14 أبريل 2010 ولم تستطيع دول حوض النيل التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الإطار القانوني وانقسمت دول الحوض في اختلافها إلى فريقين, دولتي المصب مصر والسودان ومن ناحية اخرى دول " المنبع النهائية " فلا تعترف دول المنبع بحقوق مصر التاريخية في حصتها فيحوض النيل والاتفاقيات المبرمة في فترة الاستعمار وقد بدأت أزمة بين مصر ودول حوض النيل عندما طالبت أوغندا وكينيا وتنزانيا التفاوض مع مصر بشأن حصتها من مياه النيل عام 1964 ووقعت تنزانيا مع روندا وبروندي اتفاقية عام 1977 تنص على عدم الاعتراف باتفاقية 1929 كذلك اثيوبيا التي قام عام 1984 بتنفيذ مشرع سد " فيشا " أحد روافد البحر الأزرق مما يؤثر على حصة مصر بحوالي 5 مليارات متر مكعب وتدرس أديس أبابا حاليًا مشروعات مشتركة مع إسرائيل على النيل مباشرة يفترض أنها ستؤثر على حصة مصر ( ) وهو سوف يتم شرحه تفصيليًا لاحقًا.

من خلال التحليل السابق يلاحظ أن اتفاقيات نهر النيل عانت منذ مدة طويلة بل وحتى الآن ولو على نحو غير مباشر معاناة شديدة ومزمنة ناتجة عن الموجات العاتية من الاعتراضات التي تعصف بها بين الحين والآخر ونستطيع أن نجزم بأنه لم يلق اتفاقيات نهر دولي أخر معاناة مثل اتفاقيات نهر النيل التي مثلت دومًا (بؤرة حساسة) في العلاقات بين دول حوض النيل بعضها البعض أو علاقاتها مع الدول الأخرى. وكان الخلاف دومًا على الاتفاقيات التي عقدت في الحقبة الاستعمارية ( ).

ومن ثم فأن هذه الاتفاقيات الثنائية لا تحظى بالقبول الكامل من دول حوض النيل. ولذلك فأن الوضع القانوني أدى إلى أن أصبح النظام الإقليمي لحوض النيل يخلو من أي إطار قانوني مؤسس عام وشامل ويحظى بقبول مختلف الدول النامية.

وساهم ذلك الوضع في خلق بيئة ملائمة لإمكانية ظهور منازعات مائية في حوض النيل وبالتالي فن الوضع القانوني يمثل محدد لإمكانية وجود صراع في حوض النيل. وهو ما يعني أن الوضع القانوني في حوض النيل قد شكل محددًا للصراع المائي بين دول المصب من ناحية ودول المنبع من ناحية أخرى.

وقد خلق هذا الوضع مجالات للخلاف والصراع بين هذه الدول حول :

1- الصراع حول تقاسم المياه المشتركة في حوض النيل, والدعوة إلى إعادة توزيع الحصص والأنصبة المائية بين الدول.

2- الصراع حول مدى (مشروعية) الاتفاقيات السابقة التي وقعت في نهايات القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ومدى مرجعيتها كإطار قانوني ينظم المسائل الإجرائية والهيدرولوجية المتعلقة بالنهر.

3- الصراع حول مدى (لزومية) شرط الإخطار المسبق عند القيام بمشروعات مائية قطرية من قبل دول منابع النهر.

إذا نظرنا إلى النظام الإقليمي لحوض نهر النيل, فسنجده خاليًا من اتفاق عام يحدد معايير تقاسم مياه النيل. وعدا اتفاقيتي عام 1929 وعام 1959 الموقعتان بين مصر والسودان (دولتي المصب) بشأن تحديد عملية إيرادات نهر النيل المائية, فأنه لا يوجد أي اتفاق ينظم ذلك, لذلك بقيت مسألة (تقاسم مياه النيل إحدى القضايا الخلافية والصراعية في ملف العلاقات بين دول حوض النيل).

إما الصراع حول مشروعية الاتفاقيات فهو يمثل أحد مجالات الصراع ويتمحور في الجدل السياسي والقانوني بين دول الأحباس العليا لنهر النيل من ناحية والتي تطرح مسألة عدم مشروعية الاتفاقيات نظر لكونها لم تكن عضو فيها أو لم تكن حصلت على استقلالها ومن ناحية أخرى دول المصب تقابل ذلك بالتمسك في هذا الصدد بقاعدتي : " التوارث الدولي للمعاهدات " و " الحق التاريخي المكتسب ".

فيما يخص شرط الإخطار المسبق فأن دولتي المصب وخصوصًا مصر تصر على إعمال شرط الإخطار المسبق بشأن جميع المشروعات المائية في حوض النيل. في حين تصر دول المنبع على عدم التقييد بالإخطار المسبق لأية مشروعات مائية تزعم على إنشائها.

ومن خلال ما سبق نرى أن كل ذلك يفضي إلى توترات بين دول المصب ودول المنبع وبالتفاعل مع الوضع المائي فأن حدة التوتر تزداد مما يؤدي إلى زيادة احتمالات عدم الاستقرار في العلاقة بين دولتي المصب ودول المنبع وعاد التوتر مرة أخرى في عام 2006 عندما أعلنت كينيا عن نيتها الانسحاب من اتفاقية 1929 واستمرت التوترات حتى الآن وتدور الخلافات بين مصر ودول حوض النيل على ثلاث بنود تصر مصر والسودان على تضمنيها في الاتفاق الإطاري فيما تتحفظ بقية الدول عليها وهي ( ).

1- الاعتراف بحقوق مصر والسودان في استخدامات مياه نهر وفقًا للمعاهدات التاريخية المنظمة لها بصرف النظر عن أنها وقعت في خلال فترة الاستعمار.

2- ضرورة الأخطار المسبق لدول المصب بأي مشاريع تقام على مجرى النهر وفروعه وتؤثر على تدفق المياه وكميتها.

3- التزام الدول جميعًا باحترام قاعدة التصويت بالإجماع عند النظر في تعديل أي من البنود الأساسية للاتفاقية التي تمس مصالح دول حوض النيل وأمنها أما البنود الأخرى الأقل أهمية فيمكن التصويت عليها وفق قاعدة الأغلبية المطلقة على أن تكون دولتي المصب فيها.

الاتفاقيات المنظمة لاستخدامات المياه في النهر أكدت على ضرورة الاستغلال لمياه النهر بما يعود بالنفع على كل دول حوض النيل من دون الإضرار بالحقوق التاريخية لمصر في هذه المياه, وانطلاقًا من أهمية هذه الاتفاقيات كونها تضمن الحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل تصر القاهرة والخروط على ضرورة تضمين بنود هذه الاتفاقيات في أية اتفاقية جديدة تنظم مياه النهر واستخداماتها غير أن هذا التوجه يقابل برفض من دول المنبع ولاسيما كينيا وأوغندا وتنزانيا على اساس أن هذه الاتفاقيات تم توقيعها في عهد الاستعمار ولا تمثل إرادة شعوبها وهكذا مثلت هذه الاتفاقيات مصدر لعدم المتوافق بين دول المنبع ودول المصب وتزايد فرص الصراع بدلاً من التعاون مع تداخل عوامل أخرى مع الإطار القانوني من شأنها زيادة حدة التوترات بين دول المصب والمنبع.

مقترحات للخروج من الأزمة

- إنشاء وزارة مختصة بشئون نهر النيل، تهتم به طبيعياً واقتصادياً وسياسياً، ودمج المراكز والمعاهد البحثية المختصة بشئون نهر النيل في هذا الكيان.

- تحسين علاقة مصر الإستراتيجية بدول القرن الإفريقي المحيطة بإثيوبيا خاصة العربية منها؛ الصومال وجيبوتي وإطلاعها على مخطط إثيوبيا للإضرار بمصر، لإحداث توازن ضد النفوذ الغربي والإسرائيلي في إثيوبيا، ومساندة القضية الصومالية لتحرير أوجادين من إثيوبيا، وهي منطقة تمثل نصف إثيوبيا ويعيش فيها صوماليون "عرب مسلمون سُنَّة"، ولهم مطلب قديم بالانضمام إلى الصومال الأم والتحرر من الاحتلال الإثيوبي، لذا يجب أن يكون لمصر موضع متقدم هناك بالقرب من منابع النهر لمراقبة الوضع المائي هناك. - أن تكون مصر وسيطا بين دولة السودان وجنوب السودان للتصالح بينهما، من أجل استقرار الوضع الأمني هناك لتيسير إقامة مشروعات أعالي النيل وجونجلى بجنوب السودان. - التوجه نحو تنمية المنابع الاستوائية لنهر النيل، فإذا كان سد النهضة متوقَّعًا أن يحرم مصر من 10- 15 مليار متر مكعب من المياه، فإذا تم تنفيذ مشروعات أعالي النيل الاستوائية سوف يزيد الإيراد المائي عند أسوان 12 مليار متر3، فتنمية مصر تأتي من تنمية الموارد المائية في منابع النهر وليس بإعادة استخدامها في مصر. - بدء حوار جاد مع إثيوبيا بشأن الآثار السلبية على الأمن القومي المصري والإقليمي بعد إنشاء هذا السد، وسرعة التحرك مع المجتمع الدولي واللجوء للتحكيم الدولي، وأن نكون الفعل وليس رد الفعل، من أجل ضمان حصة مصر من ماء النهر بعد إنشاء سد النهضة. أن حالة " العجز المائي الإسرائيلي " ليست نتاج متغير واحد فقط وهو محدودية الموارد المائية المتجددة سنويًا في إسرائيل, وإنما هي محصلة تفاعل جملة من المتغيرات كالزيادة السكانية الطبيعية, والتدفق المستمر للمهاجرين اليهود, والتوسع الزراعي, وتزايد معدلات التنمية الصناعية والتلوث البيئي وتتفاعل تلك العوامل مع بعضها البعض ( ).

ب) إستراتيجيات الدور الاسرائيلي في الصراع المائي في حوض نهر النيل :

ينتج عن تفاعل المحددين (المكانة المحورية للمياه في الفكر السياسي والإستراتيجية وندرة المياه في إسرائيل), لجوء السياسة الإسرائيلية إلى تبني إستراتيجية عسكرة المياه (Water militarization strategy), وذلك على الصعيدين الداخلي والخارجي فعلى الصعيد الداخلي تزداد سيطرتها على مصادر المياه التي احتلتها بالقوة. وعلى الصعيد الخارجي, يمتاز سلوكها السياسي بالسعي إلى السيطرة المباشرة أو غير المباشرة على مصادر المياه السطحية بها, لسد احتياجاتها المحلية المتزايدة ( ). وفي سياق تحقيق أهداف السياسة الإسرائيلي في حوض نهر النيل, تتبنى إسرائيل إستراتيجيتين متباينتين رغم أنهما متزامنتين لتحقيق أهداف سياستها المائية التوسعية.

الإستراتيجية الأولى : إستراتيجية محاصصة مصر في مياه النيل :

تستند المطامع الإسرائيلية في نهر النيل إلى نص التوراة القائل " فقطع مع إبراهيم ميثاقًا بأن يعطي لنسله هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات ".

وعلى هذا الأساس تحددت الأطماع الصهيونية في نهر النيل عبر تاريخها الطويل, فلم يكن هناك حلم استعماري ارتبط بالمياه كما كان الحلم الصهيوني وارتباطه بمياه النيل وحتى الفرات, مرورًا بدجلة والأردن واليرموك والليطاني وقد شكلت نظرة إسرائيل تجاه مياه النيل جزءًا من النهج الإسرائيلي تجاه المياه المشتركة بينها وبين الدول العربية والتي قامت بترجمته من خلال طرح العديد من المشروعات حول اقتسام " محاصصة ", مياه النيل مع الدول النامية ( ). والحصول على حصة مائية من نصيب مصر من مياه النيل. وقد قامت إسرائيل بمشاريع تطلعيه لاستغلال مياه نهر النيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.