موقع «الدستور» علي الشبكة الإلكترونية الجديد جذاب ومتابع ويقظ (أرجو أن يستمر كذلك). موقع «الدستور» تسبب في أن أكتسب عادة غريبة عليَّ وهي عادة قراءة أعمدتي بعد نشرها. نتجت عن هذه العادة مشكلة لم أكن أتوقعها، لأنني ببساطة اعتدت أن أتجنب قراءة ما أكتب بعد النشر، حتي عندما جمعت مقالات «الدستور» الإصدار الأول في كتاب لم أراجع المقالات تمهيدًا لجمعها في الكتاب. كنت معجبة بالنكتة التي حكاها لي صديق مسئول عن النشر (إن رجلاً اشتري كيلو تفاح من السوق لأول مرة في حياته بعد حصوله علي مكافأة أو علاوة، وحمل كيس التفاح بمنتهي الفخر وقدمه إلي زوجته بمنتهي السعادة، وبعد فترة لاحظ أنها لم تقترب من الكيس، فأرجع ذلك إلي رهبة التعامل مع التفاح كصنف يدخل البيت للمرة الأولي، فتشجع وفتح الكيس ومد يده فوجد فيه التفاح كله مصابًا بعفن شديد، كاد أن يصاب بسكتة قلبية، وبدلا من أن تواسيه لامته زوجته قائلة: ليه فتحت الكيس؟). كلما قرأت بعد النشر، إما أن أكتشف اكتشافًا متأخرًا أنني وقعت في أخطاء كان يمكن تجنبها، أو أن أكتشف أن الكلام كله كان لا يستحق النشر. وأعتقد أنكم ستدفعون ثمن هذه الاكتشافات أحيانًا، إما بأن أعيد كتابة الموضوع نفسه لمحاولة تجنب الأخطاء السابقة، أو أن أمتنع عن الكتابة أصلاً اعتقادًا مني بأن الموضوع لا يستحق كسابقه. عندما أعدت قراءة ما كتبته أمس وأمس الأول وتعليقاته وجدتني أضع نفسي مكان قارئ يعيش في الخارج منذ فترة طويلة (كحال أغلب قراء الصحف علي الشبكة الإلكترونية) لابد أن هذا القارئ سيتصور أن أحوال المواصلات العامة في البلد عظيمة بحيث يمكن لسيدة في مثل حالتي أن تختارها مفضلة إياها علي السيارة. ثم وجدتني أضع نفسي مكان قارئة تسكن في مدينة السلام مثلا وتعمل مدرسة في إحدي مدارس المطرية، وهذا واقعي جدًا، لابد أن هذه المدرسة تحتقرني وتكرهني لأنها تستغرق في رحلة الوصول إلي المدرسة ساعة ونصف الساعة علي أقل تقدير ولوكانت تمتلك سيارة لقطعتها في نصف ساعة، هذا غير البهدلة وقلة الأدب والمصاريف والإرهاق. أما إذا كان القارئ من سكان إسكان الشباب في السادس من أكتوبر ويعمل في شركة قطاع خاص في المعادي وهذا أيضًا افتراض يشبه الواقع جدًا، وزوجته تعمل في محكمة إمبابة مثلاً لابد أنه سيصفني بالجنون. أقدم أعتذاري لكل هؤلاء. وأؤكدأن وسائل الانتقال في القاهرة الكبري شديدة الصعوبة والقسوة واستخدامها اليومي يسبب ألمًا وإرهاقًا يؤثر في يوم الراكب كله بالسلب. أما وسائل الانتقال من البلاد القريبة من القاهرة والتي يعمل أبناؤها أو يدرسون في القاهرة (العياط أو القليوبية مثلاً) فمستحيلة، واستخدامها اليومي يسبب إهانة تولد لدي راكبها رغبة في الانتقام من المجتمع كله. صدقوني لأنني أكتب عن تجربة حقيقية! تجربة لمجرد المعرفة لا يمكن تكرارها.