عبر العامين الماضيين تعددت الأوصاف التي أطلقها المصريون على يوم الجمعة، بدأت بيوم جمعة الغضب الذي وافق 28 يناير 2011، وبعدها بأسبوعين كانت جمعة الرحيل 11 فبراير 2012، التي أكرم الله بلادنا فيها برحيل الطاغية إلى غير رجعة إن شاء الله، وبين يومي الجمعة هذين؛ كان ميدان التحرير (الله يرحمه) مثار إعجاب واستغراب العالم كله، نظاما ونظافة، واستعدادا وسَعَة، ووطنية متدفقة، وحناجر ولافتات، وتضحيات ونكات، ورسوم ولوحات، وأياد وأصوات متلاحمة مسلمين ومسيحيين، كلها ترتفع في وحدة عجيبة، لم نشهدها ولم يشهدها جيل آبائنا من قبل. بعدها تعددت الاعتصامات والمظاهرات في ذات الميدان، ولكن بصورة مختلفة قاتمة، وكلما مر أسبوع؛ ازدادت قتامتها، واكتشفنا بعد أسابيع من رحيل مبارك وجود فئة من المجتمع المصري، لم نكن ندري عن نشاطها شيئا قبل الثورة، هؤلاء هم الأناركيون، أو اللاسلطويون، ورأينا في برامج (التوك شو) من تكتب صفته تحت صورته (خبير الأناركي)، ونسب بعض نشطاء الثورة إلى هذا المذهب الفكري الفوضوي.
هؤلاء الأناركيون نسبوا إلى أنفسهم نجاح ثورة 25 يناير، فقط لأنها كانت بلا قائد ! وهم يُنسبون إلى اليسار السياسي، منهم أسماء شباب برزت بعد الثورة، ومنهم حركات تتمتع بانتشار إعلامي دون أي قاعدة شعبية، وهم يدعون إلى التخلص من كل سلطة في الدولة، ومن أي حكومة ومن أي مؤسسة ومن أي رئيس، ولا يعترفون بأي انتخابات تجري في البلاد، وهم مقتنعون أن البلاد تستطيع أن تدير أحوالها، وتدبر شئونها دون الحاجة إلى حكومة أو رئيس أو وزارات أو محافظات، وإنما يدير الناس أمورهم بأنفسهم من خلال النقابات المهنية والجمعيات الأهلية والتحالفات والعمل التكاملي التطوعي !
وستعرف عزيزي أي فوضى يسعى إلى إحداثها هؤلاء الفوضويون، حين تنزل إلى ميدان التحرير هذه الأيام، فالباعة المتجولون في كل مكان، و(غرز) الشاي وغيره بالعشرات، وعربات الفول والحمص والبطاطا منتشرة كالبراغيث في الميدان، والبلطجية والمتشردون يبيتون على الأرصفة وفي حديقة مسجد عمر مكرم، وفي أنفاق المترو وعلى طرقات مجمع التحرير، فإن امتدت زيارتك إلى شارع طلعت حرب، فستصدم بالعدد الهائل من الباعة الذين احتلوا نهر الطريق ببضاعتهم، ملابس وأحذية وأكسسوارات، وأسلحة بيضاء وسوداء، وصواعق كهرباء وعصي مكهربة ووسائل للدفاع عن النفس، كل شيء يباع في وسط البلد، ويا ويل وسواد ليل من يفكر في التعدي أو حتى محاولة فهم ما يحدث، فجأة يجد نفسه محاطا بالبلطجية والمسجلين، ليعود من حيث جاء، أما الشرطة؛ فلا وجود لها في وسط البلد !
وفي وسط هذه الصورة المحزنة لميدان التحرير، يخرج علينا الأناركي (المناضل) اليساري ليدعو الطلاب والعمال واليساريين والناصريين والشعب المصري كله، إلى النزول إلى ميدان التحرير في مظاهرات يوم الجمعة القادم 25 يناير 2013، ليكون شعارها وهتافها الموحد: الشعب يريد إسقاط النظام ! وخلع الرئيس مرسي، أي العودة إلى مربع صفر، بل مربع ما تحت الصفر !
إذن فأنتم تريدون خراب البلاد أيها الأناركيون ! لا سلطة للجيش.. لا سلطة للشرطة.. لا سلطة للبرلمان.. لا سلطة للرئيس أو للمؤسسات.. هذا ما تريدون؛ لا سُلطة، فوضى يعني ! وبدلا من أن تزرعوا أشجارا جديدة؛ تقلعون الواعدة القديمة، وبدلا من السعي إلى استقرار الأوضاع بالعمل الجادّ؛ تدعون إلى الانفلات والفوضى، وبدلا من دعوة الشعب إلى الهدوء ليبدأ في التفكير في المستقبل؛ تشعلون النار في كل مكان، وتتسربون كالوباء تحت أرض مصر. ولكن.. (وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) - آل عمران 54، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما تسرون وما تعلنون، وسيغير إن شاء الله ما حل بأهل مصر، لأننا أردنا أن نغير ما بنا.
أما نحن؛ من نحب بلادنا، ولا نريد لها أن تسقط في براثن الفوضى، فدعوتنا لجماهير مصر وشعبها العظيم أن يخرجوا يوم الجمعة 25 يناير للاحتفال بالعيد الثاني للثورة بالدعاء، وليكن يومُها (جمعةَ الدعاء)، فالله تبارك وتعالى وعد عباده بإجابة دعائهم إن استجابوا له فقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) - البقرة 186
اللهم الطف بنا في قضائك وقدرك.. اللهم اقصف عمر كل من يريد ببلدنا أو بنا سوءا.. اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.. اللهم انتقم لنا ممن سرقونا.. اللهم انتقم لنا ممن أفسدوا حياتنا.. اللهم أرنا أيام ذلهم كما أذلونا.. ومهانتهم كما أهانونا.. اللهم يا ربنا اجعل كيدهم في نحورهم.. اللهم لا تذيقنا شماتتهم.. اللهم قوّنا على أنفسنا لنغير ما بها فتغير سبحانك ما نزل بنا.. أصلح أمورنا، ووسع ببركات من عندك ضيق صدورنا، وفرج همومنا وكروبنا، اللهم قنا شر أنفسنا وشر من يحيط بنا، وشر القوى التي تريد إهلاكنا.. اللهم وفق قادة بلادنا لما تحب وترضى.. واسلمي يا مصر.