علي مبروك: لا بد من التفرقة بين «الدين» و«التدين».. فالأول إلهي مطلق ثابت والثاني ممارسة بشرية متغيرة ومتطورة رغم برودة الجو القارس والأمطار التي أغرقت شوارع القاهرة، إلا أن لقاء الدكتور المستشار عبد الجواد ياسين بقرائه في مكتبة تنمية في وسط البلد، بمناسبة مناقشة وتوقيع كتابه الجديد «الدين والتدين التشريع والاجتماع والنص» الصادر عن دار التنوير بالقاهرة، قد شهد حضورا لافتا جمع بين مختلف الاتجاهات والتيارات الفكرية، في نقاش حماسي وساخن حول أفكار الكتاب الجديد.
المفكر الدكتور علي مبروك، أستاذ الفلسفة الإسلامية، بجامعة القاهرة، أدار الندوة وقدم للكتاب والمؤلف بمقدمة موجزة تناول فيها التنويه والتعريف بمشروع عبد الجواد ياسين الفكري، مع الإشارة إلى مؤلفه السابق «السلطة في الإسلام» باعتباره مؤلفا تأسيسيا في مسيرة ياسين الفكرية، وتمهيدا ضروريا لكتابه الجديد «الدين والتدين».
مبروك أشار إلى بعض الأفكار التمهيدية التي تمثل مدخلا ضروريا لقراءة الكتاب، والتركيز على الفصل بين المصطلحات والمفاهيم بشكل دقيق، ومنها كشف الفارق بين «الدين» باعتباره مطلقا وجوهريا وخارج دائرة الاجتماع، وبين «التدين» باعتباره ممارسة بشرية متعددة ومختلفة ونابعة من قلب الاجتماع البشري، وكذلك الفصل الدقيق والواضح والمحدد بين ما هو إلهي مفارق مطلق متعال متجاوز وبين ما هو بشري متعين محدود وقابل للتغير والتطور زمانيا ومكانيا.
المفكر عبد الجواد ياسين، مؤلف الكتاب، أوضح أنه ينطلق في أطروحته الأساسية التي دار حولها مؤلفه الجديد «الدين والتدين» من التساؤل التالي: هل الدين كله إلهي مطلق، أعني بالدين كما نتدين به اليوم، وأتكلم عن الدين عند المسلمين والمسيحيين واليهود، السياق التوحيدي العام، وما يتدين به البشر اليوم، هل ينتمي كله إلى الإلهي المطلق، أم ينتمي كله إلى الاجتماعي المطلق والكامل، أم أن فيه إلهيا مطلقا واجتماعيا نسبيا؟
متابعا طرح أسئلته وفرضياته حول موضوعه قائلا: وفي هذه الحالة الأخيرة فما مقدار الإلهي فيه وما مقدار البشري؟
ياسين أكد أهمية هذا السؤال الأخير؛ لأنه يعني بعبارة مبسطة ما مقدار الثابت الذي لا يتغير، وما مقدار النسبي القابل للتغير والذي يتيح للإنسان أن يمارس حريته، وأن يغير دون يخرج من قاعدة الدين والإيمان.
وللإجابة عن هذا السؤال، قال عبد الجواد ياسين إن لدينا رؤيتين كبريين، الأولى هي رؤية العقل الديني، والتقليدية والوارثة لنمط التدين من قديم، وعندنا في المقابل، رؤية أخرى وهي رؤية علم الاجتماع التقليدي أيضا.
وبالنسبة للعقل الديني وهو يجيب عن هذا السؤال، قال ياسين إن الدين كله «وحي إلهي مطلق»، لا شيء فيه ينتمي إلى الاجتماع، ولا إلى البشر، كل الدين بما فيه عقديا ومن الطقوس والشعائر والتشريعات، حتى على مستوى الفقه، وهو علم الفروع التفصيلية، حينما يتكلم الفقهاء عن الأحكام الفرعية فهم ينسبونها إلى الله، فالحكم هو حكم الله، ولا يشار عادة إلى أن الفقه «اجتهاد بشري» يعبر عن رؤية لأحد من الناس، ولتيار من التيار، إنما ينسب الأمر إلى الله تعالى، حتى على مستوى التفاصيل.
شهد اللقاء العديد من المداخلات والنقاشات الحيوية التي أثرت الحوار وكشفت عن شغف حقيقي من الحضور لفهم وتفهم أفكار الكتاب في محاولة للتعاطي مع الأوضاع السياسية والدينية الحالية في مصر والعالم العربي ككل.