أعضاء النيابة العامة يقرِّرون التصعيد وتعليق العمل كليًّا فى النيابات من الثلاثاء حتى الخميس المقبل رغم التشديدات التى فرضها رئيس نادى القضاة المستشار أحمد الزند خلال عقد الجمعية العمومية لأعضاء النيابة العامة، حيث اختار أصحابها أن تكون مغلقة حتى يتسنى لهم اتخاذ القرارات المناسبة دون ضغوط، وفتح باب الحوار عما يدور فى الكواليس بعيدا عن الصحافة، فإن «الدستور الأصلي» تمكنت من رصد ما دار فى العمومية من مناقشات بشكل كامل.
المستشار أحمد الزند استعرض فى البداية تفاصيل الحوار الذى دار فى اجتماع الإثنين الماضى بينه وعدد من رؤساء أندية قضاة الأقاليم مع أعضاء مجلس القضاء الأعلى برئاسة المستشار محمد ممتاز متولى، وقال إن ما صدر عن المجلس يجب احترامه إلا أنه لا يوجد ما يجبر القضاة على الموافقة عليه، مؤكدا أن المجلس أخطأ حينما أرسل أوراق الأزمة لوزير العدل، لأنه بذلك أدخل القضاة فى لعبة الاحتمالات والتوقعات، مشيرا إلى أن مناشدة المجلس للنائب العام بمغادرة المنصب لم تكن بعد ضغط القضاة على أعضاء المجلس، وأن التحريض ليس السياسة التى يسير بها القضاة.
الزند قال لأعضاء النيابة العامة إن هناك محاولات لإفشال وحدتهم وضربها، وإن التوافق هو ما سينهى الأزمة، ويمنع الضربات المتلاحقة التى تستهدف المؤسسة القضائية قائلا: «القضاء الآن داخل غرفة العمليات، وإذا لم نتسلح بالوعى والقوة فسيموت القضاء وعليه رحمة الله»، مضيفا: «اعلموا أن خصمكم لن يرحمكم إن لم تجتمعوا على قلب رجل واحد». وعن توجُّه عدد من أعضاء نيابات الإسكندرية لوزير العدل المستشار أحمد مكى بناءً على طلبه، لمناقشة تطورات الأزمة معهم وكمبادرة لحلها، تساءل الزند «لماذا يطلب الوزير الآن فقط الالتقاء بأعضاء النيابة، وكيف يذهب بعضهم دون أن يتشاور مع بقية الأعضاء، ولماذا يتم عرض المبادرة فى الساعات الأخيرة قبل عقد العمومية؟»، مضيفا «المبادرات يجب أن تُعرَض على الجميع وليس البعض، وإلا سيكون مصيرها الفشل، وإذا أراد الوزير لقاء وفد من أعضاء النيابة فعلى الجميع المشاركة فى تشكيل هذا الوفد».
بينما رفض الزند اقتراح أحد أعضاء النيابة الذى دفع بتوجه الجميع إلى وزير العدل والاستماع إلى مبادرته، وقال «إذا وافقنا على ذهابكم جميعا إلى المستشار أحمد مكى فسيعتقد البعض أننا تعمدنا إرسالكم لمحاصرة الوزارة ومن بها، وهذا العمل سيضرنا أكثر مما يفيدنا، لا سيما وأن هناك فئات سوف تدفع بفكرة الحصار وتعلنها على الرأى العام بهذه الصورة لتقوم بتشويهنا»، وأضاف: «هل التناقش مع الوزير أهم من مساعى مجلس القضاء الأعلى ونادى القضاة لحل الأزمة؟»، وتابع «هم يرغبون فى زرع الخلاف بينكم فلا تسمحوا بذلك، ولا تتركوا أحدا ينتصر على القضاء».
الزند خاطب أعضاء النيابة العامة قائلا «عندما ننجح فى إعلاء الشرعية وإبعاد المستشار طلعت عبد الله عن منصب النائب العام الذى اعتلاه بشكل غير شرعى، لا تجعلوا أحدا يلهيكم ويقول إننا كسبنا المعركة، لأن ده جزء من المعركة الكبيرة لاستقلال السلطة القضائية، واعلموا أن وحدتنا على المحك ولا بد أن نتحلى بالصبر والعقل». بينما وجَّه خطابه للمستشار طلعت عبد الله قائلا «أيها النائب العام، لا القضاة ولا أعضاء النيابة خانوا الأمانة التى حملهم الله ثم الشعب إياها، بل أنتم من خُنتم الأمانة وأخونتم القضاة، بل وجعلتموه قضاء من أجل الإخوان المسلمين».
رئيس نادى القضاة قال إن مجلس الشورى يضع قوانين من شأنها تكبيل رجال القضاء، بل وإخراجهم من المؤسسة القضائية لإدخال الإخوان والسلفيين مكانهم، حيث إنه لديه أجندة ينفذها، حسب قوله، وسيبدأ فيها بخفض سن التقاعد إلى 65 عاما بدلا من 70، واستبدال قضاة ومحامى الإخوان المسلمين بالقضاة الحاليين، قائلا «أحمد أبو بركة قال للمستشار أشرف ندا (أنا جاى رئيس محكمة قريب)، تأكيدا لما ينوى الإخوان فعله فى القضاء»، وأضاف «أعضاء النيابة هايشتغلوا زى ما الإخوان والسلفيين عاوزين، وبدفتر حضور وانصراف، واللى مش عاجبه هايقولوا له دوَّر لك على بلد تانية، لأننا أصبحنا فى بلد يُجَرَّم فيها القانون والقضاء والعدل والحق»، وتابع «هناك بعض الزملاء فى النيابة العامة اعتذروا عن استكمال العمل بالنيابة، لأنهم لم يتكيفوا مع الوضع الجديد، وللأسف هذا ما يرغبه ذلك التيار الذى يريد أن يضع أعضاءه فى المؤسسات القضائية كافة».
الزند أشار إلى أن محاصرة القضاة والمحاكم أمر ممنهج، هدفه إفشال وإسقاط القضاء، مؤكدا أن القضاة لا يمكن ترهيبهم، لأنهم لا يخشون إلا الله، قائلا «السفالات والإرهاب والأجندات هدفها إذلال القضاة، إلا أن ذلك لن يحدث، والتذرع بالدين الذى أصبح تبعا للهوى لن نسمح باستخدامه معنا»، وتابع «علينا أن نتصدى بشجاعة للأزمات التى تضربنا، فعندما يجبُن القضاء ولا يتصدى للأزمات قل على مصر السلام». رئيس نادى القضاة استنكر تدخل السلطة التنفيذية فى أعمال القضاء، وقال «قضية الجاسوس الإسرائيلى الأخيرة يبدو أنه كان هناك نية لتسليم المتهم فيها لبلده، إلا أن المحامى العام لنيابات أمن الدولة العليا رفض، وأصر على التعامل مع القضية على أساس كونها قضية جاسوسية، وأضاف «أعتقد أن تسليمه أمر طبيعى فى ظل وجود نظام تجرأ أحد المنتمين إليه بدعوة اليهود للعودة إلى مصر». وقد تم إعلان توصيات حاسمة وقاطعة فى الاتجاه التصعيدى ضد المستشار طلعت عبد الله النائب العام، وجاءت كل التوصيات بإجماع الآراء. أولى تلك التوصيات، وتنصّ على تعليق العمل كليًّا فى كل نيابات الجمهورية ابتداءً من الثلاثاء، لمدة ثلاثة أيام الخميس 10 يناير، على أن يُعرَض الأمر على مجلس القضاء الأعلى يوم الأربعاء الموافق 9 يناير، على أن يتم عقد اجتماع آخر يوم السبت الموافق 12 يناير للوقوف على النتائج المترتبة على تلك الخطوة التصعيدية.
التوصية الثانية هى توافق الأعضاء على تقديم شكوى لمجلس القضاء الأعلى ضدّ النائب العامّ المستشار طلعت عبد الله لتدخُّله فى سير التحقيقات فى «أحداث الاتحادية».
أما التوصية الثالثة فهى تقديم شكاوى للقضاء الأعلى ضد كل من المستشار أحمد سليمان مساعد وزير العدل لشؤون مركز الدراسات القضائية، والمستشار حسن ياسين النائب العام المساعد ومدير المكتب الفنى، والمستشار مصطفى حسينى المحامى العام الأول لنيابات الأموال العليا لقيامهم بسبّ وقذف أعضاء النيابة العامة والهيئات القضائية المختلفة.
وتأكيدًا لالتزامهم بقانون السلطة القضائية، طالب أعضاء النيابة مجلس القضاء الأعلى بضرورة مباشرة عمله الخاص بالفصل فى الاستقالة المقدمة من النائب العام والمتضمنة طلب عودته للقضاء، وضرورة مطالبة المجلس لوزير العدل بتسليم الأوراق الخاصة بذلك الأمر لمجلس القضاء الأعلى كونه المنوط به قانونًا البت فى ذلك الأمر. كما قررت العمومية الطارئة لأعضاء النيابة العامة إقامة دعوى قضائية أمام دائرة طلبات رجال القضاء، للطعن على قرار المجلس إرسال تلك الأوراق إلى وزير العدل رغم عدم اختصاصه بنظرها، وإقامة دعوى أخرى أمام نفس الدائرة بمحكمة استئناف القاهرة تطالب ببطلان تعيين المستشار طلعت عبد الله فى منصب النائب العامّ استنادًا إلى انبثاق تعيينه عن إعلان دستورى باطل هو والعدم سواء.
وفى أول رد فعل له على قرارات أعضاء النيابة العامة خلال «عموميتهم» أصدر النائب العام المساعد حسن ياسين ، بيانا قال فيه إن أعضاء النيابة الذين اجتمعو مساء الأربعاء فى نادى القضاة لا يزيد عددهم على 250 عضوا، وأن نسبتهم من إجمالى أعضاء النيابة لا تتعدى ال8%، وطالبهم بالعودة إلى صفوف زملائهم الذين يباشرون العمل دون تعليق قبل فوات الأوان، وفقا لما ورد فى البيان الصادر عن المستشار حسن ياسين، والذى أشار فيه إلى أن السواد الأعظم من أعضاء النيابة العامة يدركون حجم المسؤولية، بعد أن تأكد لديهم أن الداعين إلى تعليق العمل، لم يتجاوزوا ال250 عضوا، وطالب البيان أعضاء النيابة المطالبين بتعليق العمل، ما وصفه ب«العودة إلى الحق، وعدم التمادى فى الباطل».