خلينا نحسبها الصدام.. الثلاثون من يونيو يوم عادي، من أيام السنة.. يوم اختارته فئة من الشعب، لتعلن غضبها على نظام الحكم.. غضبها، ليس من طبيعة من يحكم.. ولكن من سياسة من يحكم.. وهذا حق لكل الشعوب.. وكل الأمم.. في كل زمان.. وكل مكان.. حق يكفله الدين.. والقانون.. والدستور.. فكل إنسان خلقه الله سبحانه وتعالى حرا.. حر في أن يعتنق ما يشاء.. ويؤمن بمن يشاء.. ويفعل ما يشاء، ما دام لا يؤذي غيره.. ثم إلى الله سبحانه وتعالى وحده مرجعه.. وحده عز وجل دون سواه.. ومن عمل مثقال ذرة خيرا يره.. ومن عمل مثقال ذرة شرا يره.. وهناك فئة أخرى من الشعب، ترفض فكرة الغضب من الحاكم.. وترفض الخروج لإعلان هذا الغضب.. وهذا حقها.. حق يكفله الدين.. والقانون.. والدستور.. ولكن المشكلة أن تلك الفئة الثانية لا ترفض فحسب.. ولا تعلن رأيها الحر وكفى.. إنها غاضبة بشدة.. وبعنف.. غاضبة غضبا يسيطر على عقولها.. ويغشي أبصارها.. ويطلق لأسوأ مشاعرها العنان.. لقد اعتبروا الأمر حربا.. والأسوأ، أنهم صبغوا هذه الحرب الوهمية بصبغة دينية.. وبدلا من أن يعلنوا غضبهم، أعلنوا الحرب.. هددوا.. وتوعدوا.. ونادوا بالعنف.. واستباحوا الدم.. وكل هذا أطلقوا عليه اسم "حماية الشرعية"! ولكن أهو بالفعل من أجل حماية الشرعية؟! جواب السؤال يحتاج إلى طرح فكرة افتراضية.. ماذا لو كان الفريق أحمد شفيق هو من فاز برئاسة الجمهورية، وبنفس الفارق، الذي لا يزيد عن واحد ونصف في المائة؟! وماذا لو أصدر -عفوا- عمن صدرت ضدهم أحكام، في قضايا قتل وإرهاب؟! ماذا لو فشل في إدارة البلاد؟! ماذا لو أوشك الاقتصاد على الانهيار في عصره؟! ماذا لو انشغل ببسط سيطرته ونفوذه، ونسي شعبه ومتاعبه ومشكلاته وآلامه وعذاباته، وأحاط نفسه بمؤيديه دون سواهم، وأصدر قراراته لصالحهم وحدهم دون غيرهم؟! ماذا لو عادى القضاء؟! والإعلام؟! والثقافة؟! والصحافة؟! وشباب الثورة؟! والمعارضة؟! وبعد أن طرحنا هذه الفرضية الجدلية، دعونا نكملها.. فماذا لو ظهرت في عصر حكم الفريق أحمد شفيق، حركة "تمرد"؟! وماذا لو دعت لتظاهرات الثلاثين من يونيو؟! هل كانت تلك التيارات الرافضة ستتصدى لها، وستهدد وتتوعد، تحت شعار "حماية الشرعية"؟! وهل كانوا سيرون أن الفريق أحمد شفيق يمتلك الشرعية حينذاك؟! لو كان جوابك بنعم، فهم صادقون.. ولو كان جوابك بلا، فهم كاذبون.. مخادعون.. متجاوزون.. والجواب، في كل الأحوال، سيكون جوابك أنت.. بعقلك أنت.. وحساباتك أنت.. لاحظ قبل أن تجيب، أن كل شئ مطابق تماما للواقع.. فيما عدا أمر واحد.. أنه في فرضيتنا الجدلية، الفريق أحمد شفيق هو من يحكم.. وهو الذي فاز بالصندوق.. وهو الذي سيحمل الشرعية.. المشكلة الأكبر -من وجهة نظري- أن تلك الفئة من الشعب تؤكد دوما أنها تسعى إلى المشروع الإسلامي.. وإلى ما أطلقوا عليه اسم الإسلام الحقيقي.. والسؤال هو: لماذا يعادون الشعب إذن؟! لماذا الغضب.. والعنف.. والشدة؟! لماذا؟! أليس سبيل الدعوة، كما جاء في أمر إلهي صريح، هو الحكمة والموعظة الحسنة؟! ألم يخبرنا الله عز وجل، أنه لو كان من يدعُ إلى دينه فظّا غليظ القلب، لانفض الناس من حوله؟! وماذا لو أن المسلمين الأوائل قد عادوا الكفار بنفس الأسلوب؟! ماذا لو أنهم كانوا يتحدثون دوما بالتهديد والوعيد، والويل والثبور وعظائم الأمور؟! أكان الاسلام سينشر؟! أكان كافرا واحدا سيؤمن؟! لو كان جوابك بلا، فحاول أن تفهم ما يفعلونه.. حاول.. واحسبها.. وسل نفسك: هل يمكن أن يعلي الله المعز المذل قوما، لا يطيعون أمرا إلهيا صريحا؟! هل يمكن أن يعلي شأن من هو فظ غليظ القلب؟! هل يمكن أن ينصر من لا يدعو إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسنة؟! احسبها أنت.. احسبها مرة.. وعشرة.. ومائة.. وألف.. وسل نفسك: لماذا الصدام؟! متى يحدث؟! وكيف سينتهي؟! وحاول أن تبحث عن جواب.. إن استطعت.