اتّقوا مواطن الشبهات.. كلنا يحفظ هذه العبارة عن ظهر قلب.. ومعظمنا يرددّها.. وكثيرون يضعونها موضع التنفيذ.. سلباً فحسب.. فالواقع أننا لو طبقنا كل ما جاء في المقالات السابقة، على هذا المبدأ بالتحديد، لوجدنا أننا لا نضعه موضع التنفيذ في الواقع.. إننا أمام أمرين شديدي الأهمية والحيوية.. أن نتعامل مع معتنقي الديانات الأخرى في رفق، وندعوهم إلى ديننا بالحسنى والحكمة.. أو أن نتعامل معهم بعنف، ونمنعهم من ممارسة شعائرهم، التي تخالف شعائرنا.. وهناك احتمال لهذا أو ذاك، بغضّ النظر عن النسب.. فهناك من يرى أنه لا بديل عن الرفق.. ومن يرى أنه لا بديل عن العنف.. والبعض يرى نسبة الرفق تفوق نسبة العنف.. والعكس بالعكس.. ولدينا احتمالان لا ثالث لهما.. إما أن نتعامل برفق، ونكون بهذا قد خالفنا المطلوب.. أو نتعامل في عنف، ونكون قد خالفنا المنشود.. وفي بساطة، يمكننا أن ندرس الاحتمالين.. لو أننا اعتمدنا الرفق سبيلاً، ثم اتضح أننا قد أخطأنا، فإننا لن نكون من خلال خطئنا، قد آذينا الآخرين، أو أسأنا إليهم.. وبمعنى أدق، لم نرتكب ذنوباً، ونحن نسير في منهج، تبيّنا خطأه فيما بعد.. ولكن ماذا لو اعتمدنا العنف سبيلاً؟! لو كشفنا بعدها أننا قد أخطأنا السبيل، فقد تركنا خلفنا كومة من ضحايا وذنوب.. عنفنا حتماً أساء إلى الكثيرين.. وآذى الكثيرين.. وربما أراق الدماء.. ويتمّ أطفالاً.. ورمّل نساءاً.. وقضى على أسر.. وحطّم مجتمعات.. وكل هذا، مهما كانت نوايانا، سيحمّلنا ذنوباً لا طاقة لنا بها.. هناك شبهات إذن، أن يكون عنفنا خطأ.. أو أن يكون رفقنا خطأ.. ولكن خالقنا عزّ وجلّ أمر بالحكمة والموعظة الحسنة.. الرفق والحكمة إذن هما الأقرب إلى الصواب.. أما العنف، ففيه شبهات.. فلنتّقِ إذن موطن الشبهات.. هكذا يقول العقل.. والمنطق.. وهكذا تقول الحكمة.. أما عن الموعظة الحسنة، فهي أمر لو تعلمون عظيم.. عظيم أن تعِظ.. والأعظم أن تكون موعظتك حسنة.. والموعظة الحسنة تبشّر ولا تهدّد.. تدعو للحب، لا للكره والبغضاء.. الموعظة الحسنة تنتقي كلماتها.. وعباراتها.. وحتى ابتسامتها.. ورفقها.. الموعظة الحسنة ليست غاضبة.. أو ثائرة.. أو مشتعلة.. أو مغتاظة.. إنها موعظة من ليس فظاً أو غليظ القلب؛ لأنه لو كان كذلك لانفضّ الناس من حوله، ولما أحبّوه، أو التفوا حوله.. ولما آمنوا بما يدعو إليه.. هل ترى فداحة هذا؟! هل تدرك سوء أن تكون عنيفاً، متعصباً، شرساً؟! هل تعلم كم يخسر دينك، إذا ما أسأت أسلوب الدعوة إليه؟! إن لم تكن تعلم، فأنا أدعوك إلى أن تفكّر.. وتراجع.. وتبحث.. وتقرأ.. أدعوك إلى أن تطيع، ليس بشراً مثلي ومثلك، ولكن خالقي وخالقك وخالق البشر كله عزّ وجلّ.. أدعوك إلى أن تطيع ما أمر به.. أن تدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.. وأن تكون في حديثك ليّنا.. وفي حوارك هادئاً.. وفي تعاملك سهلاً.. وفي مواجهتك باسماً.. وفي حكمك عادلاً.. وفي حديثك واعظاً.. وفي تعاملك أميناً.. ومع غيرك رفيقاً.. ومتسامحاً.. ورحيماً.. أن تكون من الكاظمين الغيظ.. ومن العافين عن الناس.. أدعوك إلى ألا تكون فظاً أو غليظ القلب.. ألا تتعامل مع غيرك بالعنف.. أو الغضب.. أو الشراسة.. أو الحقد.. أدعوك ألا تمنع الآخرين من ممارسة شعائرهم.. وألا تغضب حينما يفعلون.. أدعوك إلى أن تنظر للجميع باعتبارهم بشراً.. وبأن ربك خلقهم.. ويرعاهم.. ويرزقهم.. وإذا ما اختلفت معهم، فادعُ لهم بالهداية.. وادعُ ربك أن يرشدهم السبيل.. وينير طريقهم.. ويهديهم من عنده.. وعندما يراك الناس هادئاً، متسامحاً، عادلاً رحيماً حكيماً، ويسألونك كيف هذا، قف وسطهم مبتسماً واثقاً، وأخبرهم أن دينك هو الإسلام.. وثق في أن هذا سيكون له عظيم الأثر.. يوم الحساب،،، اقرأ أيضاً: الدين الجديد: التفكير نتيجته التكفير (1) جميعنا نخشى يوم الحساب.. كل بطريقته (2) لماذا نقهر أصحاب الديانات الأخرى؟ (3) لماذا نقهر أصحاب ديانات الأقلية؟ (4)