ولمن لا يعرف، "عطر مَنْشِم" فهو مثل عربي من الجاهلية يطلق على الشؤم، وأساسه أن امرأة في الجاهلية كانت تبيع العطر تسمى مَنْشِم. وكانت فرقة من المحاربين ذاهبة للقتال، مروا عليها فتعطروا بعطرها وماتوا جميعا في الحرب، وهكذا أصبح هذا المثل "عطر مَنْشِم" يضرب في الشؤم والشر العظيم.. وهكذا فإن عشر حوادث للقطارات في أقل من سبعة أشهر، مات فيها مائة قتيل غير الجرحى، حيث عمارات تنهار ويموت تحتها العشرات، وغلاء في الأسعار لم تره مصر من قبل، وانخفاض في سعر الجنيه إلى أقصى درجة ربما في تاريخه كله، وما زالت حالة الانخفاض مستمرة، وانهيار اقتصادي مخيف ينبئ عن كارثة على وشك الوقوع، وتدني في جميع النواحي الحيوية في البلاد.. و.. و.. و.. إلى آخر ذلك كله، والذي لو عُدّد كله ما استطاعت مساحتي في الكتابة استيعابه.. كل هذا جعل البعض يخرج من حيز المعقول إلى اللا معقول ويعتبر النظام الجديد شؤما حلّ على مصر، أو بالأحرى كما كان يطلق عليه العرب "عطر مَنْشِم".. إلا أن هذا سخرية وتبسيط للأمور يكادان يفقداها جديّتها، فبالإضافة إلى كوننا لا يجب أن نقتنع ولا أن نؤمن بالشؤم، حيث إن رسولنا صلى الله عليه وسلم قال: "لا فأل ولا طيرة".. فإن ما يحدث يجب أن يظل بقوة تحت البند الأهم وهو سوء الإدارة، ولن أتحدث هنا عن سوء النية.. فقد وضع كل مسئول في الدولة في غير مكانه المناسب، من أكبر رأس فيها إلى أصغر رأس.. فهناك عشرات الأشياء التي لا تحتاج إلى موارد ضخمة أو قروض دولية مختلف عليها، يمكن فعلها لتحسن الأحوال الضرورية بالبلاد بدلا من سقوط المصائب علينا واحدة تلو الأخرى.. ففكر ولو للحظة.. ماذا لو كنت مكان مرسي، وأصبحت رئيسا للجمهورية في مثل هذه الفترة؟ هذا سؤال أطرحه على نفسي، بل وعلى كل من يقرأ هذه المقالة، ولكل فرد في الشعب أيضا، كيف كنت ستتعامل حتى يخرج بلدنا من هذه الورطة الطاحنة؟ وتعالى بنا بشكل منطقي نحاول أن نجيب.. فلو فكّرنا سنجد أن الأسلوب الاستعماري القديم لكي يقهر أمة كان يجعلها تغرق في ثلاثة أشياء: الفقر، المرض، الجهل. إذن حتى ترتقي بأمة اقلب الآية واجعل هذه الكلمات الثلاث هي الهدف الأوحد للرقي..
يمكن ببساطة الاستعانة بخبراء حقيقيين لوضع خطط سريعة لن تكلف الدولة قدر ما تكلّفته في عمل دساتير واستفتاءات وبطاقات و.. و.. و.. وهذا حتى نتغلب على كل هذا بحسب طاقتنا.. فالجهل يحتاج إلى عقول لتغلب عليه أكثر من المادة.. ولذا يمكننا أن نقطع مساحات أوسع في التغلب عليه.. ولكننا في النهاية سنسير في كل الجهود معا في خط واحد لا يتأخر هدف فيه عن الآخر..
فأجعل التعليم يعتمد على التفكير لا الحفظ.. ولتوضع مناهج تنمي قدرات الشباب لا تكبتها.. وليكن الاستثمار الحقيقي في الجيل الجديد. أما المرض.. فبدلا من مهاجمة الأطباء وتعليق الإضراب بلا وضع حلول، فكان يجب الوقوف السريع بجانب الأطباء بخطة ترفع مستوى الأداء العلاجي والدوائي بصورة ملحوظة، لا تجعل المرضى وخصوصا الأطفال يموتون في المستشفيات، بسبب فقد الرعاية والنقص الرهيب في الأدوية، داخل المستشفيات وفي الصيدليات خارجها، حيث إن نقص الدواء بدا واضحا بصورة ملحوظة مخيفة.. بدلا من الصرف لشراء برمجيات لأجهزة الكومبيوتر في الدولة بأسعار مبالغ بها.. زد من رواتب الأطباء وإمكانات المستشفيات. وأخيرا: الفقر.. وأبدأ برغيف العيش بداية حقيقية وليست على غرار الأفلام العربية، بأن يقوم المسئولون بالتصوير أمام رغيف خبز صنع خصيصا لهم.. فالفقير عندما يجد لقمة العيش سيشعر بالانتماء إلى هذا الوطن.. فبكل تأكيد هناك علاقة عكسية بين الانتماء والجوع. وبدلا من تلك المهزلة التي لم نرها في أي دولة من دول العالم، وهي إعطاء كل مواطن ثلاثة أرغفة في اليوم، بدعوى وصول الدعم لمستحقيه فكان على حكومتنا أن تفعّل قوانين الغش والاحتكار والسرقة.. لا أن تحرم الفقير قوته. فالحكومة التي ستستخرج بطاقات ذكية لصرف الخبز والبوتجاز و.. و.. أعتقد أن دعم الرغيف حتى يصير رغيفا يستحق أن يؤكل، لن يكلف أكثر من تكلفة تلك البطاقات الذكية. لو ركّزت الحكومة جهودها طوال ستة أشهر الماضية على هذه المحاور ووضعت الرجال المناسبين في أماكنهم، وأحسنت إدارة هذه الفترة، فتضع حجارة أساس حقيقية لهذه الأهداف، وفي اليوم الذي يجد فيه المواطن كارثة أو حادثة سيجد كل العذر لمن يحكمونه، فهو يراهم يبذلون الجهد لتحسين أهم أمور حياته. سيجد لهم الأعذار على ما لم يتم بعد، لأنه يرى أمامه شيئا حقيقيا يحدث، ولن يلجأ إلى أقوال كالتشاؤم والتفاؤل.. بل كنا اليوم سنحتفل بتمام عامين على ثورة 25 يناير بصورة مختلفة.. تؤكد أن البلاد تسير للأمام وليس للخلف.