الغلاء نتيجة من نتائج النزعة المادية والظلم والاستعباد سعود بن علي الحارثي شعور الإنسان بالخوف والقلق المدعوم بالمؤشرات الموجبة له مسألة طبيعية نحس بتناميها كلما تأزم الموقف وضاقت الحلقات وتعقدت المشكلات وكانت التداعيات والمخرجات مبررة لنشوء الخوف وتناميه, وينشأ الخوف من الواقع المعاش بتشكيلاته وعناصره ومتعلقاته بما تحمله من متناقضات ومستجدات تصل حد المفاجأة أحيانا, والتي قد يتنبأ بها الإنسان مسبقا وفقا لمؤشرات ومعطيات متوفرة وقد تفاجئه بما لا يتوقعه, وقد تنعكس مشاهد هذا الواقع عليه شخصيا لأسباب مرتبطة به كنتيجة طبيعية لسلوك منحرف أو ظروف قاهرة أو قرار خاطئ أو خطوة تنم عن الجهل وانعدام الوعي ... أو لأسباب مفروضة عليه لا علم ولا دخل له بها ولكنه يتحمل أوزارها وتجري عليه أعباؤها وآثارها, وقد تتسع نتائج الواقع ومشكلاته وتحدياته فتنعكس آثارها على شريحة من الشرائح تصغر أو تكبر بحسب الموضوع ودرجة ارتباطه بالإنسان ومستوى التأثير الذي يحدثه على المحيط بما فيهم أفراده وعناصره, وحياة الإنسان منذ الأزل ومستقبل أيامه المجهولة حافلة بالمفاجآت السارة منها والكئيبة, أما مبررات الخوف من المستقبل , ففي هذه الأيام باتت حقيقية والمفاجآت غير السارة التي تسبب القلق والألم والحزن للإنسان تأبى أن تتوقف, والدواعي والمؤشرات والأسباب تعزز الشعور بالخوف وتعمل على تناميه, وتؤرق حياة الإنسان وتقلق راحة يظل عمره يبحث عنها فلا يجدها. فالحروب المستعرة في أكثر من مكان والتناطح والاختلاف المفضيان إلى القطيعة والهوة التي تتسع يوما بعد آخر بين الأغنياء والفقراء والجهل القاتل والفقر المدقع والأمراض المستعصية والديون الخانقة والنزعة المادية والاستعباد وانعدام الاستقرار والتخريب الممارس ومسببات الاحتباس الحراري وغير ذلك الكثير تحكم قبضتها بنتائجها وآثارها الكارثية على البسطاء من البشر الذين تسلب حياتهم وتراق دماؤهم وتخنق سعادتهم وتؤكل حقوقهم وتحتقر آدميتهم وتهدر كرامتهم . والمؤشرات العالمية والإحصاءات البحثية التي تتضمنها تقارير المؤسسات المتخصصة وتستعرضها وسائل الإعلام ومواقع الانترنت عن عدد القتلى والمشردين والجائعين والمنهكين والمحرومين من الغذاء والماء الصالح ومن التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات من الكثرة والتناسل والانتشار بحيث أنها تؤكد على هذا الواقع الخطير الذي تعيشه البشرية في مقابل ما يتمتع به ثلة صغيرة من البشر من تخمة وإسراف وتبذير وامتيازات وحقوق لا محدودة في كل شيء حتى في رقم فردي يتجاوز سعره الملايين ليزين به مقدمة ومؤخرة سيارة فارهة في سلوك مقيت يؤكد خلو الإنسان وهو في كرسيه الوثير من الأحاسيس المستشعرة لمآسي الآخرين وهمومهم وانعدام المسئولية وتراجع القيم الأخلاقية إلى مرحلة خطيرة للغاية تهدد مستقبل البشرية. إن الإنسان الذي يواجه تلك التحديات والمشاكل والصعوبات والأخطار والتي لم يألف الكثير منها بهذا المستوى وبهذه الكثافة التي تتكشف من خلال الخسائر الهائلة التي يمنى بها البشر في الأرواح وفي الممتلكات وفي القيم وفي المنجزات والمكتسبات , هذا ( الإنسان) أضحى في مواجهة كارثة أخرى هي الأنكى والأشد خطورة والأعظم أثرا على الحياة لأنها مرتبطة بقوت يومه ورغيف خبزه الذي يرتفع سعره ويتناقص حجمه وتتلاشى قيمته الغذائية وكل أمر عويص يهون وقعه إذا ما توفر رغيف الخبز الذي يكفل للإنسان الحياة والبقاء . فعندما يفقد الإنسان رغيف خبزه لأن الأثرياء يلتهمون حقه في هذا الرغيف وتتحول العناصر والمواد الأساسية التي يتكون منها غذاؤه حقل تجارب في مصانع الدول العظمى ووقودا لآلة الأغنياء فلن يظل هذا الإنسان متفرجا أمام مشاهد أبنائه وهم يموتون أمامه من الجوع واحدا بعد الآخر , ولن يظل غضبه محبوسا في صدره ولن ينأى بنفسه في ركن قصي ينتظر تنفيذ الحكم بالإعدام عليه وأسرته بل سيثور وسينتفض, لأنه يفقد رغيف الخبز الذي أبقاه صامتا هادئا خوفا من أن ينتزع منه , فليس لديه بعد الرغيف ما يخسره أو يخاف عليه.. والتاريخ حافل بالثورات الهادرة والقلاقل المدمرة التي يحركها رغيف الخبز, لقد أطلقت المؤسسات العالمية نداء استغاثة وتحركت الضمائر الحية تحذر من القادم فيما لو تفاقمت المشكلة ولم تتخل الدول الكبرى عن أنانيتها ولم تتوقف عن مشاريعها وبرامجها وممارساتها المفضية إلى المزيد من التجويع وإلى سحب أرغفة الخبز من أفواه الجياع , فقد قال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي أن( تكلفة إطعام الجوعى في العالم ارتفعت بنحو 40% مع تصاعد تكاليف الغذاء وأسعار الوقود), وحذر روبرت زوليك رئيس البنك الدولي من أن( ارتفاع المواد الغذائية يمكن أن يؤدي إلى وقوع 100 مليون شخص بين براثن الفقر), وقال الأمين العام للأمم المتحدة: إن( ارتفاع أسعار الغذاء تحول إلى أزمة عالمية), وحذرت الولاياتالمتحدة من أن( أسعار المحاصيل الرئيسية التي يحتاجها الفقراء في العالم تزداد ثمنا), وسببت أزمة ارتفاع الأسعار العالمية للأغذية انتشار الفوضى في أنحاء العالم النامي وساد القلق والخوف نفوس ملايين الفقراء والمحاصرين في دائرة الجوع, إنه ناقوس خطر يدوي في كل مكان, وخوف يملأ النفوس من القادم في ظل المؤشرات المخيفة الصادرة عن المؤسسات المتخصصة وعجز هذه المؤسسات عن الوفاء بالتزاماتها وفي ظل تقافز أسعار المواد الاستهلاكية وعجز الدخول عن ملاحقتها, وإن استمرت الدول الغنية وأثرياء العالم في التغافل عن الخطر المحدق وتداعياته وفي التزام الصمت أمام التحذيرات الصادرة فلن يسلموا من آثار الكارثة المحدقة التي بيدهم دون شك مفاتيح معالجتها. عن صحيفة الوطن العمانية 11/5/2008