السلام عليكم.. بداية أحب أن أشكركم على مجهودكم في حل المشكلات التي تواجهنا, هذه المرة الثانية التي أرسل فيها مشكلتي وأرجو أن تردوا عليّ سريعا. أنا متزوج منذ ما يقارب سنتين ولديّ طفلة بعمر سنة، زوجتي كانت قبل الحمل هادئة واجتماعية وتحب الخروج والنزهات، لكن بعد الحمل والوضع أصبحت انطوائية وتثور من أتفه الأشياء، لا تحب الزيارات العائلية وتختلق الحجج حتى لا تزور أحدا وتغضب بشدة عندما يزورنا أحد. أصبحت عصبيتها لا حدود لها ودائما تحاول إخفاء طفلتنا عن الأعين، وإذا عزمَنا أي قريب لنا لا تلبي الدعوة بحجة أن قريبنا يريد رؤية الطفلة لا رؤيتنا، ومن يريد رؤية الطفلة عليه أن يأتي بنفسه حتى لو كان شخصا مريضا أو كبير السن. باختصار كنت أمتص غضبها في البداية ولكن بعد مرور سنة وهو عمر الطفلة أصبحت لا أحتمل ما تفعله، وأصبحت أريد أن أخرج من حياتي ولا أريد الاستمرار، ولكني متأكد من حبها لي وأن ما هي فيه بسبب ضغط المسئولية المتعلقة بالطفلة، ولكني تعبت وأصبحت أخشى أن أتكلم معها في أي موضوع حتى لا ينتهي بشجار فأصبحت لا أعلم كيف أتعامل معها. آسف على الإطالة فقد كنت أحتاج إلى الفضفضة وأرجو الرد سريعا وشكرا.
h.eed
أخي الكريم.. بارك الله لك في قرة عينك، وحفظ لك زوجتك من كل سوء، أعلم أنك في غاية الضيق من هذا التحول في شخصية زوجتك، ولكن دعنا نتحدث بالمنطق والعلم، فالعلم أكد أن الضغوط النفسية تؤثر على جهازنا النفسي والعصبي، فالضغط النفسي إن لم يتم التعامل معه بطريقة صحية سليمة يتطور إلى إجهاد نفسي له أعراض كثيرة منها التوتر والقلق والعصبية، وكذلك تعتبر الضغوط النفسية عوامل تساعد على إظهار أي قابلية عند الشخص لمرض نفسي معين. فهناك مثلا شخصيات لديها القابلية للاكتئاب، ولكن في حالات عدم الضغط النفسي تكون شخصية جيدة سهل التعامل معها، ولكن حين تتوافر العوامل والتي تعرف علميا باسم العوامل المرسبة (أي العوامل التي تساعد على ظهور تلك الأمراض) تظهر على الشخصية المرض التي كانت تحمل القابلية له.. والحقيقة أن علميا هناك ما يُعرف بسيكولوجية الحمل، وسيكولوجية الولادة، وسيكولوجية النفاس، واكتئاب ما بعد الولادة، وغيره من التغيرات النفسية والجسمانية التي تحدث للمرأة نتيجة مرورها بتجربة الحمل والولادة والنفاس، وما يتبعها من مشاعر خوف وتوتر من المسئولية وغيرها من العوامل النفسية والاجتماعية، لذا فإنه كلما كانت الزوجة مستقرة نفسيا وعاطفيا مع زوجها وكانت علاقتها بأنوثتها علاقة سوية، وكلما كانت درجة نضوجها جيدة، تمكنت من تنسيق وتنظيم واستقرار علاقتها بالحمل وبالتالي الطفل، وبالتالي باعي علاقتها الاجتماعية. فلو الزوجة تعتز بأنوثتها وتعلم أن من تمام الأنوثة هو التعايش مع غريزة الأمومة، نجدها تتعامل مع الحمل بتقبل وراحة وانتظار للمولود رغم وجود تعب ومشقة، وكلما كانت مثلا من النوع "المسترجل" أو التي تعتبر أن الحمل يأخذ من حقها كإنسان ويكلفها مسئوليات وأعباء كان الرفض لتلك المسئولية أكبر وزادت العصبية والتوتر وغيرهما من الأعراض، كذلك مدى احتواء الزوج وتفهمه لتلك الصراعات التي تحدث داخل نفسية الزوجة، فتتصارع بين رغبتها في العيش كفتاة مدللة يتم رعايتها وتنعم بالحرية والاستقلال والتمتع بالطعام والنوم والراحة، وبين واجباتها كأم ومسئولة عن طفل يتطلب منها أن تقوم بتدليله ورعايته كلما مرت تلك الأمور بسلام. إذن من المهم أن تكون أكثر وعيا ونضجا من زوجتك، خصوصا لو كانت صغيرة السن فلا تهرب فورا بالحل السهل وهو الاستسلام ورفع الراية البيضا للخروج من تلك الحياة. فأنت نفسك من ذكرت أنها كانت مرحة واجتماعية ولطيفة، فهل حين تتأثر نفسيا بسبب طريقة تفكيرها أو مفاهيمها تجاه الأمومة تتركها نهبا لذلك؟! أتتنصل من مسئوليتك كزوج وأب؟! لا يا أخي الكريم، ولكن لكل أمر علاج فلا تتعجل ولا تيأس، وستبدأ أولا من خلال إدراكك وقلت إدراكك وليس معرفتك، فالإدراك يعني أن تستوعب وتصدق وتشعر، فسيبدأ دورك حين تدرك أن لديها صراعا داخليا يجعلها في تلك الحالة، فهي متألمة مثلك وخائفة ومتوترة؛ لا تعرف كيف تتصرف، فبدلا من أن تتواصل وتتعايش مع وضعها الجديد بسلاسة انزوت على نفسها وزادت ضغطها نفسي على نفسها، فظهر ذلك في شكل عصبية وشجار وكآبة، بعد أن تدرك ما تمر به عليك أن تفكر في علاج هذا الأمر لأنه من صميم سعادتك أنت قبلها. فمساعدتك لها سيعيدها إلى سلامها وهدوئها من جديد، فتسعد أنت من جديد، ومساعدتها من المفترض أن تكون مساعدة متخصصة على يد متخصص حتى يتمكن من معرفة سبب عصبيتها وتصرفاتها وإخفائها لطفلتها، فلعلها تعاني من بعض الوساوس، أو تعاني من رفض شديد لفكرة أنها الضعيفة المقهورة من وجهة نظرها، أو لا زالت تعاني من آثار اكتئاب ما بعد الولادة، فلم يذهب وحده كما يحدث مع أكثر من 60% من النساء. لعله يجد لديها مفاهيم خاطئة تحتاج إلى تعديل حول المسئولية أو الحمل أو الأمومة أو غيره، ومن الأفضل أن يكون طبيبا نفسيا يمارس العلاج المعرفي السلوكي حتى لا يعتمد فقط على أدوية مضادة للقلق والاكتئاب، ولكن يناقش أفكارها الخاطئة ويعلمها مهارات مثل مهارة رصد الأفكار السلبية وتغيرها لأفكار إيجابية، وغيره من المهارات، وكذلك يعالجها من الناحية النفسية فيكشف مواطن الخلل النفسي لديها، ويعينها بسلوكيات جديدة تكتسبها لتعود كما كانت، أو تتعامل مع نفسها ومع أمومتها ومعك بشكل أفضل، وحتى تقوم بتلك الخطوة التي أراها مهمة، وقد لا تأخذ منكما سوى بعض الجهد لفترة شهور، يمكنني أن أقترح عليك تلك الأمور لتقوم بها: * شاركها وجدانيا، بمعنى أن تضع نفسك مكانها وتشعر بما تشعر هي به وليس أنت، وشجعها على التعبير عما يزعجها، حتى لو كانت مشاعر سلبية لا تتوقعها، فلا توقفها ولا تقيّمها ولا تنتقدها، فقط اشعر بمشاعرها واسمعها واظهر لها مدى تأثرك وتقديرك لمخاوفها وقلقها وانزعاجها، فالبوح من أهم الخطوات. * الطمأنة.. ستتعرف على مخاوفها وتعرف كيف تفكر وكيف تستقبل الأمور، فعليك أن تطمئنها بأنك موجود معها دوما ووجودك ليس جسمانيا، ولكنك موجود حين تحتاج إلى شيء وأنك ستعاونها بكل جهدك، فلا داعي لحمل الهم بشكل كبير، ولا داعي للقلق، لأنكما معا تتبادلان المسئولية وتتعاونان وتريحان بعضكما البعض. * الحوار، عدّل من طريقة حديثك معها، واختار الكلمات الأقل حدة، واهتم بلغة جسدك التي تفضح ضيقك وكربك دون أن تشعر، اجعل الحوار هادئا لينا ليس فيه رغبة في الإقناع كهدف، ولكن الهدف أن نسمع بعضنا ونعبر عن حقيقة ما نشعر به، ونصرّح به ولا نحتفظ به داخلنا وكأن الطرف الآخر فهم كل شيء وهو لم يفهم، ولكن تحدثا وزللا العقبات. * حسّن العلاقة بينكما على المستوى العام، في التواصل في الفراش في النقاش.. إلخ. * تحمل معها بعض أعباء الابنة، وطمئنها أنك ستفعل كما تحب هي معها. * وضّح لها أنك تحتاج أن تعود زوجتك التي تحبها وتتمنى أن تحيا معها عمرك كله، وأنك مستعد لعمل ما يجعل هذا يحدث، ولكنك تحتاج أن تساعدك بأن تلين معك، وتعمل لك ما ترغبه وأنت كذلك. إذا وجدت من خلال تلك الخطوات أن لديها أفكارا تحتاج إلى تدخل متخصص فلا بد أن تقنعها بأنها تحتاج إلى من نستشيره معا، وقد تجد أن الموضوع كان بسيطا جدا وأنها لم تكن تحتاج منك إلا أن تقترب وتظهر المودة والتعاون والحب، فتختفي كل المنغصات بعد وقت طال أو قصر.