الحديث لا يتوقف داخل عربة السيدات بمترو أنفاق خط حلوان - المرج، اللمعان بدا واضحا على وجوه الراكبات من أثر الرطوبة، البعض يتحدّث إلى البعض الآخر، والبعض يتأمل من النوافذ المفتوحة، والقطار لا يتوقف عن "رجرجة" الجالسات في صورة رتيبة متكررة. وفي أحد المقاعد المتقابلة لبعضها تجلس فتاتان في منتصف عِقدهما الثاني، تحتضنان حقائبهما المدرسية، وشعر إحداهما منسدل على كتفيها، ونظارتها الطبية مستقرة فوق أنفها الدقيق المدبب، لا تكفّ تلك الفتاة عن المرح مع صديقتها بعد يوم طويل ومرهق بمدرستهما الثانوية. وفي المقابل جلست سيدة منتقبة تنظر لها شزرا، وقد لاحظت الفتاة ذلك ولكنها تجاهلته، بعد قليل من الوقت خرجت السيدة المنتقبة عن صمتها قبل أن تقول: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، فلم تفهم الفتاة معنى الجملة وصمتت، كرّرت السيدة الآية ولكن بصوت أعلى أثار رعب الفتاة، وهنا قررت أن تخاطب المنتقبة الفتاة بشكل مباشر. السيدة المنتقبة: كل شعرة بتبان من راسك هتتعلقي بيها في نار جهنم سنين طويلة.. الفتاة: حضرتك بتكلميني؟ السيدة المنتقبة: مافيش غيرك كاشفة شعرها عشان أقول لها كده. الفتاة: حضرتك أنا مش..... السيدة المنتقبة: بلاش دفاع ونقاش وسفسطة مالهاش لازمة، أنا مش باكلمك في نقاب أنا باكلمك في إنك تستري شعرك. الفتاة: يا ستي إنتي مش فاهمة.. أنا...... السيدة المنتقبة وقد أخرجت غطاء شعر من حقيبتها: البسيه ربنا يهديك وماتضطرنيش لتطبيق شرع ربنا بإيدي. الفتاة: إنتي اتجننتي، شرع إيه اللي هتطبقيه علي؟؟ بقول لك أنا......... السيدة المنتقبة وقد أخرجت مقصّا من حقيبتها وهمّت بقص شعر الفتاة: مافيش فايدة انتي اللي اضطرتيني لكده. الفتاة وهي تصرخ وزميلتها تحاول مساعدتها: إنتي مجنونة؟؟ ابعدي عني، بقول لك أنا..... السيدة المنتقبة: ولا كلمة.. لقد قضى الله أمرا كان مفعولا. ظلّ كل الحاضرين يشاهدون الموقف ما بين مبتسم موافقة على ما يحدث، وما بين رافض ولكن دون أن يتكلم، وهنا دفعت صديقة الفتاة المتحجّبة السيدة المنتقبة بكلتا يديها قائلة: إنتي اتجننتي؟؟ دي مسيحية مش مسلمة، مالهاش علاقة بينا. صُعِقت السيدة المنتقبة وبقايا شعر الفتاة بين كفّيها، وصمتت وصمت كل الموجودين بينما تواصل الفتاة نحيبها. يا ترى لو كنت مكان الموجودين كنت اتصرّفت ازاي، بصرف النظر عن ديانة الفتاة، كنت هتوافق ولا تعارض ولا تسكت؟؟