لماذا أطلقت هذه الصرخة؟!... ألقى الرجل سؤاله، في صراحة غاضبة، على (إيناس) التي واصلت تراجعها بعينين متسعتين، وهي تقول في خوف عصبي: - ملامحك سألها، وقد غلب غضبه صرامته: - ماذا عنها؟! ارتجف صوتها في شدة، وهي تقول: - تصورت أنك... أنك... صاح فيها: - أنني ماذا؟! صرخت في عصبية: - أنك ستقتلني... اتسعت عينا الرجل، في دهشة كبيرة، وحدق فيها لحظات غير مصدق، وهو يغمغم مستنكراً: - أقتلك!! واصلت تراجعها في خوف، في حين خفض هو عينيه، وبدا مستغرقاً في التفكير لحظات، قبل أن يقولا في لهجة، استعادت الكثير من الهدوء والحزم: - سيدة (إيناس)... من الواضح أنك قد أسأت فهم ما يحدث هنا. قالت في حدة: وهل حاول أحدكم تفسيره لي؟! - هز رأسه لحظات، وتمتم: - أنت على حق. ثم رفع عينيه إليها مرة أخرى، وقال متابعاً: - أظن أن ما ننشده في زوجك، يعطيك الحق في معرفة الحقيقة... أو جزءاً منها على الأقل. سألها في توتر شديد: - وماذا تريدون حقاً في (جو)؟! صمت لحظات، وكأنه يجري بعض الحسابات في ذهنه، ثم لم يلبث أن قال في حزم: - سأخبرك.. "لست أصدق هذا!!! ..." غمغم (جو) بالعبارة في اللحظة نفسها، في تلك القاعة التي حوت المركبة الفضائية الطائرة، وهو يحدق فيما بدا أنه حجرة زجاجية كبيرة، وضع بها ما يشبه بعض الأثاث، واستقر فيها ذلك الكائن... وكان أشبه كثيراً بالبشر... ولكنه لم يكن حتماً بشرياً... وكانت له ملامح عجيبة، أشبه بملامح إنسان نايندرثال*، مع عينين واسعتين، وجبهة عريضة بارزة... وكان يبدو يائساً بائساً، يرتدي شيئاً، أشبه بحلة فضائية من قطعة واحدة، ذات لون برتقال زاهٍ، ولقد استدار إليه في بطء، وحدق فيه وفي ذلك الرجل لحظات، قبل أن تتحرك شفتاه بشيء ما... شيء لم يسمعه (جو)، ولم يهتم حتى بمعرفته، وهو يسأل الرجل في دهشة شديدة التوتر: - ما هذا؟! أشار الرجل بيده، مجيباً: الناجي الوحيد من الحادث. غمغم (جو) وكأنه لم يفهم ما قيل: - الحادث؟!... أشار الرجل بيده مرة أخرى، وقال: - الحادث الذي شاهدته أنت... أو الذي شاهدت بداياته على الأصح. * هامش: اسم يطلق على إنسان ما قبل التاريخ، والذي تمت العثور على بقاياه وجمجمة وبعض أدواته، منذ أكثر من قرن من الزمان، لتشير إلى ما كان عليه التكوين البشري، في عصور ما قبل التاريخ. إنهم حتى لا يعلمون بوجود هذا الكائن أو حتى مركبته الفضائية غمغم (جون) في لهجة تجمع بين الذهول واللهفة: - أتقصد ذلك ال... قاطعه الرجل قبل أن يكمل، وقال في حزم: - لقد طاردته قواتنا، ونجحت في إسقاطه على الرغم من مناوراته المدهشة، وعند سقوطه لقي اثنان من طاقم الثلاثي مصرعهما، وبقي هذا. اتسعت عينا (جو) وهو يقول: - أتعني أن هذا... قاطعه الرجل مرة أخرى: - كائن من الفضاء الخارجي... أجل. مرة أخرى، حدق (جو) في ذلك الكائن، غير مصدق ما تراه عيناه... أهذه حقيقة؟! أما رفض طيلة عمره تصديقه، هو حقيقة فعلية؟!... أتوجد بالفعل كائنات عاقلة أخرى في الكون؟!... كائنات ذكية... متقدمة... تستطيع الوصول إلينا... أهذه حقيقة؟! ظل يردد ذلك التساؤل الأخير في أعماقه، وهو يواصل التحديق في ذلك الكائن، الذي نهض من مكانه والتصق بالجدار الزجاجي لغرفته، مسنداً راحتيه شبه البشريتين عليه، وهو يواصل تحريك شفتيه بكلمات، لم يسمح بها الجدار الزجاجي بالعبور... "لهذا نحتاج إليك"... قالها الرجل، فانتفض (جو) وكأنما أيقظته العبارة من غيبوبة ما، وقال في توتر: تحتاجون إليّ؟! أجابه الرجل: نعم... نحتاج إلى تخصصك النادر، ودراساتك المتميزة في عالم الصوتيات. غمغم (جو)، ولم يستوعب عقله الأمر بعد: - ولماذا؟! عاد الرجل يشير إلى ذلك الكائن، قائلاً: - حتى يمكننا التفاعل معه، وفهم ما يحاول قوله طوال الوقت. غمغم (جو): - هل تعني... مرة أخرى قاطعه الرجل، وكأنما يعرف كل أسئلته مسبقاً، وقال: - دراساتك حول كيفية استخدام الأصوات، التي يصدرها أي كائن، لمعرفة متطلباته، جعلتنا ندرك أنك الشخص الوحيد هنا الذي يستطيع مساعدتنا في هذا. بدا ذاهلاً غير مصدق لحظات، وهو ينقل تحديقه من ذلك الكائن إلى الرجل، قبل أن يغمغم: - وهل تعلمون عنها؟! أجابه الرجل في حسم: - بالتأكيد... دراسات هامة كهذه، لا يمكنها أن تمضي مرور الكرام... إننا نتابع عملك منذ البداية. ثم ابتسم، قائلاً: - ولكنني أصدقك القول، إننا لم نتوقع قط أن نستخدمها في أمر كهذا. وصمت لحظة، ثم لوح بذراعه كلها، مضيفاً: - بل لم نتوقع قط حدوث الأمر نفسه. ظل (جو) يحدق فيه لحظات، في صمت ذاهل، ثم لم يلبث أن أدار عينيه إلى ذلك الكائن مرة أخرى، قائلاً: - وأين الأمريكيون؟! سأله الرجل في دهشة: - وما شأن الأمريكيين بهذا؟! هز (جو) كتفه، قائلاً في تردد وتوتر: - المفترض أن لديهم خبرة كبيرة في هذا المجال. سأله الرجل في اهتمام: - مجال علم التمييز الصوتي؟! هز (جو) رأسه نفياً في بطء، وهو يقول في خفوت: - بل في التعامل مع الكائنات الفضائية. بدت دهشة كبيرة على وجه الرجل، قبل أن تتحول إلى ضحكة رصينة، وهو يقول: - من أين جئت بهذا؟! أجابه (جو)، في تردد أكثر: - من ...من أفلامهم. أطلق الرجل ضحكة صاخبة، قبل أن يميل نحوه، قائلاً: - أستاذ(جوزيف)... إنها مجرد أفلام. غمغم (جو) وكأن المعلومة أدهشته: - حقاً؟! اعتدل الرجل، وهو يقول مبتسماً: - حقاً... إنهم حتى لا يعلمون بوجود هذا الكائن هنا، أو حتى مركبته الفضائية. قالها بكل الثقة، دون أن يدري أن عبارته لم تكن حقيقية في الواقع... وأن تطورات الأمور ستفوق كل توقعاته... كلها... على الإطلاق يتبع اقرأ أيضاً: أكشن: القادم (8) لقاء أكشن: القادم (7) علامة استفهام أكشن: القادم( 6) حصار أكشن: القادم (5) من؟! أكشن: القادم (4) أرض غريبة أكشن: القادم (3).. مفقود أكشن: القادم (2).. الشائعة أكشن: القادم (1).. دوي