مختار جمعة: العمالة للكيان الصهيوني خيانة عظمى وصاحب العقيدة السليمة لا يبيع وطنه أبدًا    آخر تطورات سعر صرف الدولار في البنك المركزي والبنوك المصرية    مقتل 6 جنود إيرانيين في هجوم إسرائيلي    هل يرحل مصطفى شلبي عن الزمالك..مصدر يوضح    انقلاب سيارة محملة بالكارتون بطريق الإسماعيلية الزقازيق الزراعي (فيديو وصور)    السيطرة على حريق محدود أعلى عقار سكني بالإسماعيلية    انطلاق مهرجان مشروعات تخرج قسم الإذاعة والتليفزيون بإعلام القاهرة السبت المقبل    عميد قصر العيني ل رئيس وزراء صربيا: سترون جهودنا الدؤوبة لتحديث التعليم والرعاية الصحية    قيادات تموين الأقصر يقودون حملات للتفتيش على أسطوانات البوتاجاز.. صور    محافظ قنا يفتتح المرحلة الثامنة من مشروع «سترة» لتأهيل منازل الأسر الأولى بالرعاية    شيخ الأزهر: الأزهر يولي طلاب باكستان عناية خاصة لنشر المنهج الوسطي    المبعوث الأمريكي لسوريا يحذر حزب الله من دخول الصراع بين إسرائيل وإيران    نوفاك: ارتفاع حجم التبادل التجاري بين السعودية وروسيا بنحو 62%    شبكة برازيلية تختار ياسين بونو العربى الوحيد بتشكيل أولى جولات المونديال    وزير خارجية إيران: قواتنا دمرت مقرا للقيادة والاستخبارات الإسرائيلية    بنسبة 96,5%، الوادي الجديد تتصدر المحافظات بمبادرة سحب الأدوية منتهية الصلاحية من الأسواق    الذكاء الاصطناعي يتوقع تأثير موجة الطقس السيئ على لقاء الأهلي وبالميراس.. وكيفية التعامل معه    ليفربول يستهدف صفقة دفاعية في الصيف    فوز شباب اليد على البحرين في بطولة العالم ببولندا    محافظ الجيزة يعقد أولى اجتماعات اللجنة التيسيرية لتطوير «الكيت كات» والمناطق المحيطة بمساكن عزيز عزت    وزير الرى: طرح عقود تكريك نهاية ترعة السويس أول يوليو    ضبط المتهمين باختطاف شخص بسبب تجارة العملة    إزالة 4 مزارع سمكية مخالفة على أملاك الدولة شمال سهل الحسينية ببورسعيد    حين تنقشع الحرب، هبة الأغا تنقل صورة معاناة غزة لصالون إبداع المرأة المصرية    مينا مسعود ضيف معكم منى الشاذلي..اليوم    ملك أحمد زاهر تطمئن الجمهور على حالتها الصحية: "بقيت أحسن"    تفاصيل حفل وائل جسار فى موازين بقيادة المايسترو عادل عايش    برنامج "مصر جميلة" لقصور الثقافة يختتم فعالياته بمدينة أبوسمبل.. صور    أسعار سلندرات الألومنيوم اليوم الخميس 19-6-2025 في الأسواق    نائب رئيس الوزراء يترأس اجتماع المجلس الوطني للسياحة الصحية    فوائد الكركديه البارد، مشروب سحري مدر طبيعي للبول ويخفض الوزن    الأمين العام للاونكتاد: الاستثمار الأجنبي المباشر عالميا تراجع للعام الثاني على التوالي نتيجة للتوترات الجوسياسية    وفاة معلمة بالفيوم أثناء أعمال تصحيح أوراق امتحانات الدبلومات التجارية    السجن المشدد 15 عاما لعاطل يروج المخدرات في الإسكندرية: 500 طربة حشيش في حقيبتين    إسرائيل تقر باستمرار قدرة إيران على إطلاق الصواريخ    محافظ القاهرة: أعلى قيمة لساعة انتظار السيارات 10 جنيهات    الصحة": نستهدف المشاركة في مبادرة الاتحاد الأفريقي لتوفير 60% من احتياجات القارة من اللقاحات البشرية مُصنعة محليًا بحلول عام 2040    إسرائيل: قصفنا مفاعل آراك ومواقع نووية في بوشهر وأصفهان ونطنز    الرقابة النووية: نرصد الإشعاع عالميا ومصر على اتصال دائم بالوكالة الذرية    موعد التقديم وسن القبول في رياض الأطفال وأولى ابتدائي بالأزهر 2025    هل هناك مؤشرات إشعاعية علي مصر؟.. رئيس الرقابة النووية يجيب    مسابقة لتعيين أكثر من 4 آلاف معلم مساعد مادة الدراسات الاجتماعية    فاتتني صلاة في السفر كيف أقضيها بعد عودتي؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما حكم تشغيل صوت القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب    ننشر نتائج الطلبة المصريين بالخارج من مرحلة الابتدائي وحتى تانية ثانوي    «منخفض الهند الموسمي» | ظاهرة جوية تلهب ثلاث قارات وتؤثر على المناخ    ضبط 7 قضايا مخدرات وتنفيذ 818 حكمًا قضائيًا خلال حملات أمنية بأسوان ودمياط    "مبنقفش على حد".. مدرب الزمالك السابق يطلق تصريحات قوية: قادمون    هل يؤثر مرض السكري على الجنين في بطن الأم؟ تفاصيل صادمة    محمد الشناوي: نحلم بالفوز أمام بالميراس وتصدي ميسي لحظة فارقة.. والظروف الآن في صالحنا    الرزق ليس ما تملك..بل ما نجاك الله من فقده    حمدي فتحي: نسعى لتحقيق نتيجة إيجابية أمام بالميراس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    خارجية أمريكا: نطالب جميع موظفى السفارة فى تل أبيب وأفراد عائلاتهم بتوخى الحذر    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    خالد الغندور يكشف صدمة للأهلي بسبب مدة غياب طاهر    كوريا الشمالية عن الهجمات الإسرائيلية على إيران: تصرف غير قانوني.. وجريمة ضد الإنسانية    تامر حسني وهنا الزاهد يتألقان في دور السينما المصرية ب "ريستارت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الشهداء
نشر في بص وطل يوم 30 - 01 - 2012


"دم الشهدا شمس المغرب، يا نايم في الليل تتقلب
مابينفعش نوم ولا صبر، صوت الشهدا آذان الفجر
صوت الشهدا يقول لك اصحى
أسامينا في حبات السبحة
عد صوابعك على أسامينا:
خالد، أحمد، ماجد، مينا
شهدا يغنّوا وشهدا يطيروا
شهدا اعتصموا، وشهدوا شهود
شهدا بيجوا من ماسبيرو، ويروحوا محمد محمود".
أمين حداد
كان اليوم جمعة، الجو هادئ والنسيم رطب، أنهار من عسل تقطر على الجانبين، وأشجار فاقع لونها تسر الناظرين.
جلس مصطفى الصاوي والطيور والحيوانات متحلقة من حوله يستمعون إلى قراءته العذبة لسورة الكهف، وحين وصل إلى الآية: {ولولا إذ دخلت جنتك}، قاطعه شاب ذو لباس أزهري، ولحية خفيفة مردفاً: {قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله}. نظر مصطفى للرجل الأزهري مستوضحاً هيئته، والدماء المتحجرّة على صدره، والنور المشع من وجهه. كان الزائر الأزهري يرمق مصطفى في استيضاح أيضاً، عرفه من الوهلة الأولى، هو الشاب الذي استشهد في 28 يناير على كوبري قصر النيل، وكان محفّظاً للقرآن. بادر مصطفى الشيخ قائلاً:
- مش أنت الشيخ عماد؟ أنا كنت باشوفك في التلات أيام اللي نزلتها قبل ما الجبان يضربني بالنار.
- وأنت مصطفى، أنا عارفك كويس، كنت بتحفّظ قرآن للأطفال في الحوتية.
جلسا معاً، أخذ الشيخ عماد يشرح لمصطفى ما حدث بعد وفاته، وكيف أن الوضع لم يتغيّر كثيراً، بل تفاقم للأسوأ، فما زالت الدماء تنزف والأرواح تُردى، والكرامة تُهدر.
أثناء حديثهما لمحا شابا يقوم بإجراء تمرينات رياضية، وثمة رضوض تنتشر بجسده لا تؤثر على حيويته، استفسر مصطفى عنه فأجابه الشيخ عماد، أن ذلك هو المهندس محمد مصطفى، عضو في تنظيم الألتراس الأهلاوي، ويلعب التنس. أثناء حديثهما عن محمد وجدا علاء عبد الهادي طالب الطب ينضم إليهم، بنظارته السوداء وابتسامته الرائقة لا تفارقه. بُهت مصطفى الصاوي، وطالبهم بأن يحكوا له جيداً ما الذي جلبهم لرفقته، وهو الذي ظن أن موته ومن معه في البداية سيحقن دماء البقيّة، وفي كل شهر تأتي لهم دفعة جديدة تأخذ غرفاتها. ضحك الشيخ عماد؛ إذ انضم إليهم أحمد بدوي الذي أُصيب بطلقتين أثناء إسعافه أحد المصابين في شارع محمد محمود، وقال بأسى لا يتناسب مع الضحكة:
- دولة الظلم طول ما هيّ موجودة يا مصطفى، الدم عمره ما هيختفي.
طلب الشيخ عماد من أحمد بدوي أن يذهب به إلى رفاقه في جناحهم الأثير، حيث يريد أن يحييهم على ما فعلوا من دور بطولي في شارع محمد محمود. ساروا على مهل، بين مروج خضراء، وعصافير زاهية، وشمس صافية، تبعث في أوصالهم بخدر ممتع، لكن الخدر لم يشغلهم عن الانشغال بسبب وصولهم لتلك المحطة. قابل الشيخ عماد رجل اسمه بدري محمد يبلغ من العمر 46 عاماً، وقنصه الرصاص، وجد بدري قانطاً أن أحد لم يذكر أسماء رفاقه عاطف داوود وعلي صلاح خضر وأحمد محمد الذي فارق أمّه ولم يتم عقده الثاني بعد. أسف الشيخ، وقال له:
- أنت عارف يا بدري، حتى في دي عندنا خيار وفاقوس.. أنا علشان شيخ ولابس عمة عملوا لي زفة.. يمكن لو كنت سمكري ماكانش حد عمل لي كل ده، أصل البلد دي بلد شهادات، أنت لو نازل التحرير ودبلوم هتبقى بلطجي، ولو نازل ولابس حظاظة هتبقى عميل، أمّا لو نازل وحاطط جيل في شعرك تبقى مش فارقة معاك البلد ونازل تتسلى، وبعدين شهاب أحمد يحضرنا هو ليه في النت، مش فاكر يا شهاب تدوينة "الفقراء أولاً يا أولاد الكلب؟". الوطن بتاعنا ده عنصري.
- بس ازاي يا شيخ عماد ناس تانية بتقع، ده إحنا قلنا بعد المعارك اللي خضناها في محمد محمود، هيتلمّوا وماحدش هيستجري يمدّ سلاحه على مصري مهما حصل.
وجم الشيخ عماد، نظر لمصطفى الصاوي، ورفاقه في مجلس الوزاء، ثم أجاب:
- علشان نكون هنا. وبعدين إحنا ولا حاجة جنبكم، عارف فيه ناس من اللي كانت معاكم فقدت عيينها الاتنين زي أحمد حرارة اللي فقدها يوم 28 يا مصطفى لو تفتكره، عينه التانية اتفرغت هي كمان في نوفمبر. وفيه اللي مكمّل بعين واحدة. كلها تضحيات. كل ما اللي أنت عاوزه بيكون كبير، تضحياتك لازم تكون هي كمان كبيرة.
في خضمّ الحوار، قدم شابان سحنتهما مألوفة، أحدهم يترك شعره متطايراً في هيئة جيفارا، والآخر ذو وجه بيضاوي كالأيقونة. ابتسم مصطفى، حين رأى الشيخ عماد ورفاقه يندفعون ناحيتهم ويحييونهم في حرارة. كان الأول مينا دانيال، والثاني خالد سعيد، لا يفارقان بعضهما في الممشى، قال الشيخ عماد لخالد، إنّ اسمه على مسمى، فقد خُلّد للأبد، وأرسل إليه تحيات والدته، افتر ثغر خالد عن ابتسامة أخفت ما في وجهه من حروق، وقال:
- يا مولانا أمي لها رب بيبعتني ليها في المنام كل يوم أطمنها عليّ، أنا كل اللي بيجي هنا بيقول لي قد إيه هي قوية ومش خانعة، أنا باقول لها دايماً إنّها لو سلّمت يبقى أنا فعلا مُتّ.
تدخّل مينا بالحديث وجلاً، وعبّر للشيخ عماد عن هواجسه من أن ينسى الشعب ما حدث، فها هي ذكرى شرارة الاندلاع تحلّ، و 25 يناير 2012 يبزغ فجره من جديد، ويداخله شعور أن البعض ممن لم يسمع عنهم من قبل سوف "يطرمخوا" على دمائهم التي تنزّ من عروقهم حتى الآن، لهثاً وراء كراسي أو عرض زائل في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا، فدم الشهيد يبرد عندما يُقتل قاتله، والقصاص هو أساس عدل كل دين، ولاّ إيه يا مولانا؟
همّ الشيخ عماد بالإجابة، لولا أن رأى شابا غامق السمرة، يطلق أهازيج تشي بصعيدية لهجته، عرّفه مينا لهم قائلاً:
- ده محمد محسن يا جماعة، اللي واحد قال كلمة، خلّته رغم نيته السودا، في مكان أي حد يحلم بيه.
اصطبغ وجه محمد بالاحمرار، فلطالما أحس بأنّه أقل من كل الموجودين، فنضاله لم يكن على قدرهم، لكن الشيخ عماد طرد من داخله تلك الأفكار، وبيّن له أن المكانة ليست بصنائع تُعدّ، بل بغاية نبيلة، وفعل يؤجج، وهدف يثمر، صفّق الجميع للشيخ، وعلى أنغام التصفيق، حضر فتى صغير، لم يتم الخامسة عشرة من عمره، ويطيل في نهاية الكلام، كعادة أهل بني سويف.. عرّف الكثيرين ممن يجهلونه بنفسه، خاصةً أنّه منزوٍ على نفسه طوال الوقت:
- علي ماهر طالب في أولى ثانوي، من بني سويف، والضعفا غدروا بيّ في إبريل، ونفسي والنبي يا عم الشيخ أنا حاسس الكل بيحترمك، تجمعنا كلنا، إحنا بتاع 900 واحد، وفيه كتير مننا مايعرفش بعض، ومتقسمين شهور، دول بتوع يناير ودول بتوع فبراير، ودول نوفمبر، وكل شهر ليه المشهورين بتوعه.. أنا نفسي أعرف كل إخواتي اللي كان هدفهم هدفي، هو مش الإخوة دم برضه يا مولانا؟ وآدي الدم جمّعنا.. سنة بحالها عدّت ومحدّش قادر يحصينا، مش حتى ياخد لنا حقّنا، ده أنا سمعت كمان واحد كان بيقول عننا إنّنا مش أحياء، واللي عملناه ده كان غلط ومش من الدين، طب بالذمة فيه دين يقول إن الإنسان يفارق أهله من غير ذنب، آدي سنة بحالة عدّت، وبسبب حقنا اللي أهدروه، مش قادرين يعيشوا في كرامة.
صدمهم رصانته، وعدم تلجلجه في الحديث الذي خالوه علة ابتعاده عنهم.. صعد الشيخ لربوة عالية، يتدفّق من أسفلها نهر ذو لون غريب، صاح بالأباة أن اجتمعوا فإن وقت لمّ الشمل قد آن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.