توافد الملايين علي الميدان للاحتفال بعيدها الأول.. ثورة25 يناير تلك الثورة التي اتسمت بالمفاجأة وعدم التوقع لا في بدايتها وأيضا نهايتها التي لا يعرف أحد كيف وأين ومتي. وبينما اكتظت أرض الميدان بالأجساد, ازدحمت سماؤه بأرواح آلاف الشهداء التي جاءت ترفرف لتشارك في العيد الأول للثورة التي قدموا من أجلها حياتهم راضين فرحين, ماتوا لكي تحيا مصر, واستشهدوا كي ينعم إخوانهم في الوطن بالكرامة والحرية والعدل والمساواة. تستطيع بوضوح تبينهم وسط جموع أرواح الشهداء, فملامحهم انطبعت في ذاكرة وقلب وعقل كل مصري حيث جاء موت الأول ليكون سببا رئيسيا في اندلاع ثورة25 يناير المجيدة وكان موت الثاني وقودا لاستمرارها وتواصل اشتعالها لتظل جذوتها متقدة في النفوس. خالد سعيد ومينا دانيال ملامح مصرية أصيلة نبتت من رحم هذه الأرض وارتوت من نيلها لتشكل أيقونة الثورة المصرية, تراهما يتهامسان في حوار جانبي لعله الأول بينهما حيث لم يقدر لهما اللقاء بأجسادهما في الدنيا ليكون ارتباطهما روحانيا خالدا وأبديا في تاريخ مصر وذاكرة المصريين. ابتسما حين استمعا إلي هتاف الحشود' اقتل خالد.. اقتل مينا.. كل رصاصة بتقوينا', وعادا إلي استكمال الحوار, فاقتربنا منهما نسترق السمع وننظر كيف هي رؤيتهم لما حدث بعد رحيلهم ورؤيتهم لمصر الثورة. مينا: بتضحك ليه؟ خالد: مش غريبة إننا لأول مرة نتقابل رغم إننا نعرف بعض من مدة, اسمع الهتافات هتلاقي أسامينا بقت شابكة في بعض. مينا: رصاصات الغدر وقسوة الظلم مبتفرقش يا خالد, بندقية الذل والخوف كانت فوق رءوس كل المصريين' مسلم, مسيحي, من بحري أو من الصعيد, الفقير خايف من بكره, والغني خايف من امبارح', القهر وحد كل المصريين وجمعنا في هتاف واحد يا خالد. خالد: أنا عمري ما فكرت إن موتي ممكن يبقي رمزا ويكون شرارة تقوم بيها ثورة بالحجم ده ويخرج فيها المصريون ليسقطوا الطاغية ويكسروا تماثيل الذل والعبودية, يمكن عشان كل يوم كنت بشوف غيري كتير بيموتوا من التعذيب والظلم ومحدش بيتحرك وكله بيقول أنا مالي, هو إيه اللي حصل, ايه اللي اتغير في الشعب دا بعد موتي؟. مينا: تصدق لو قلتلك مفيش حاجة اتغيرت, هو هو الشعب المصري, طول عمره يستحمل كتير ويصبر كتير, شيال حمول, يسامح ويغفر ويتهاون في حقه بكرم زايد حتي للي مايقدرش, بس في الآخر لما صبره ينفد, تكتشف فيه جبروت وقوة وغضب غير متوقعة ولا يمكن تصورها, كل اللي حصل إن كل مصري من خلال أسبابه الخاصة اللي شايلها جواه صبره نفذ, اللي زهق من الظلم, واللي تعب من الجوع, واللي عاوز يتنفس ويحس بحريته, واللي اتخنق من الفقر, كل دول اتوحدوا في لحظة اختبار حقيقية وشافوا إن خوفهم من الموت واستسلامهم خلاهم بيموتوا كل يوم مليون مرة, فنزلوا وقالوا, هي موته ولا اكتر, وعلي رأي المثل' يا نعيش عيشة فل, يا نموت احنا الكل'. خالد: طاب ايه اللي حصل, كل زمايلنا اللي حوالينا هنا ماستشهدوش في تاريخ واحد,' مصطفي' في28 يناير, وانت في أحداث ماسبيرو, و' علي' في أحداث شارع محمد محمود, ومحمد في أحداث مجلس الوزراء, أنا كنت فاكر إن الثورة حققت أهدافها وإن مفيش حد هيموت تاني بعد جمعة الغضب وموقعة الجمل وإن بعد التنحي بلدنا هتبقي أحسن؟ مينا: يااه يا خالد, كلنا كنا فاكرين زيك كده, لكن تقول إيه..30 سنة من الذل والخوف والفقر والقهر والفساد, لا تعليم ولا ثقافة ولا دور للبيت والمدرسة, سلبية ولامبالاة وكل واحد بيفكر في مصلحته الخاصة, حاجات كتير وأصحاب مصالح دايما بيحاولوا يفشلوا الثورة ويكسروها ويخرجوها عن مسارها, تصدق لحد دلوقتي دمنا ماتدفعش تمنه, محدش اتحاسب عليه, كل المحاكمات مؤجلة ومعطلة, يا إما مفيش أدلة كافية وبراءات للقتلة, عشان كده كان لازم نرجع للميدان عشان الثورة تستمر وتحقق أهدافها, وناخد حقنا من اللي قتلونا وباعونا, وباعوا البلد ولسه بيخربوا فيه لحد دلوقتي. خالد: طاب واحنا هنفضل كده كتير, مش خلاص بقي فيه انتخابات وبرلمان والشعب اختار ممثليه, والمجلس وعد يسلم السلطة, يا تري هتكون دي البداية إننا نتحول من مرحلة الثورة للبناء, وبلدنا تقوم من تاني ولا لسه في ثمن للثورة هيتدفع؟. مينا: يا خالد الثورة مش حالة وتنتهي, الثورة دي روح لازم تفضل عايشة جوا كل مصري, صحيح, حصلت انتخابات وبقي فيه برلمان والمجلس وعد يسلم السلطة, لكن الثورة مش معناها الوصول للحرية بس, بالعكس الحفاظ علي الحرية أصعب بكتير ومحتاج ملايين الثورات في كل يوم, ثورة مواقف يغير فيها كل واحد من نفسه للأفضل ويقول كفاية للسكوت علي الظلم والفساد والإهمال, مينفعش نسكت ولازم زي ماختارنا اللي يمثلنا نحاسبهم ونجبرهم يكونوا أصواتنا ويحققوا أهدافنا, مش لازم نسمح لحد يسلبنا صوتنا ويتكلم باسمنا ويحقق أهدافه الخاصة, يا يعمل اللي يرضينا يا يمشي ونشوف غيره. خالد: صحيح يا مينا.. سكوتنا هو اللي بيصنع طواغيتنا وزي مابيقولوا' الحكام صنيعة شعوبهم', فكرتني بمقطع شعري بيقول' فرعون ما كنت لتطغي.. لو لم تر ذل الجباه.. يا دمية قد كنت قبلا.. فمنحت من دمنا الحياة.. صغناك فوق العرش كسري.. وثنا أجاد الوهم صنعا.. خلناك من جبن إله'. مينا: الله عليك يا خالد.. تصدق يا أخي صحيح الموت راحة, داحنا كنا شقيانين أوي في الدنيا دي, عند ربنا أحلي بكتير, الله يكون في عون إخوانا ويكون في عون البلد, لسه المشوار طويل. خالد: سامع يا مينا, دول بيغنوا.. بقولك إيه ماتيجي نغني معاهم.