كتب: محمد حسين تعوّدنا دائما في مجلس الأمن أن نسمع عن كلمة فيتو، الكلمة التي ترددها دائما الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما يتعارض أمر ما مع مصالح إسرائيل أو مع مصالحها، والفيتو باختصار هو عبارة عن اعتراض دولة من التي تملك هذا الحق على قرار الأغلبية دون إبداء أسباب منطقية. ولكننا هنا نواجه الفيتو البلدي (أي على الطريقة المصرية)، فمنذ بدأت الثورة ونحن نجد الثوار يحاولون استخدام حقهم في الاعتراض على رأي ما، سواء كان للنظام السابق أو للفلول أو للمجلس العسكري أو أي شيء يخالف مسار الثورة، وهنا في الفيتو المصري نجد أنه في غالب الأحيان يكون حقا مشروعا؛ أي أنه يختلف عن الفيتو الأجنبي؛ لكونه مستندا إلى سبب منطقي يجعلك تحترم هذا الفيتو. فعلى سبيل المثال، عندما نزل الشعب إلى ميدان التحرير وشتى ميادين مصر، وقال لمبارك ونظامه "فيتو"، كان هذا حقا يراد به حق وأسقط به الباطل، وعندما قيل "فيتو" في إبريل لبطء المحاكمات لتسريعها كان أيضا فيتو على حق، ونجد عندما اجتمع الجميع في 8 يوليو وقالوا "فيتو" على التراخي في كل شيء سواء من المجلس أو الحكومة كان ذلك مقبولا.. وحتى عندما قيل "فيتو" في 18 نوفمبر كان الفيتو هذه المرة مربكا، ويجعلك تتساءل لماذا في مثل هذا التوقيت، ونحن على مشارف أول خطوة في الديمقراطية وانتخابات مجلس شعب حقيقية تقود البلاد إلى الأفضل، ولكن تكتشف أن الفيتو هذه المرة رغم شكله المربك إلا أنه قد حقق في النهاية هدفاً سامياً، ودماء الشهداء لم تضِعْ هباء وحققت ما كنا نريده جميعا في الآونة الأخيرة، وهو جدول زمني لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية والذي تحقق بإعلان العسكري تسليمه السلطة في يونيو 2012 وأتى بحكومة الجنزوري التي اختلف عليها الشعب والقوى السياسية بين موافق ومتردد ورافض قطعيا، لكن نجد أن الغالبية العظمى أعطوا مهلة لهذه الحكومة؛ ليروا ماذا ستفعل، حتى وإن كانوا غير راضين عنها بشكل واسع، إلا أنهم قد استسلموا للأمر الواقع, وانحازوا إلى الجانب الذي قبل بهذه الحكومة. ونجد القول الذي أشيع في الفترة الأخيرة: "عصام شرف التحرير جابه وماعملش حاجة.. أما نشوف اللي العسكري جابه هيعمل إيه"، ولكننا أيضا نجد أن المجموعة الرافضة لهذه الحكومة متمسكة بالفيتو الخاص بها، ومعتصمة أمام مقر رئاسة مجلس الوزراء، وهذه المرة الفيتو من فئة قليلة من الثوار لا يزيدون على ألف شخص تقريبا، والسؤال الآن يطرح نفسه هل هذا الفيتو حق مشروع أم غير مشروع؟ هل تحوّل الفيتو المصري الذي بدأ مع 25 يناير إلى فيتو على الطريقة الأجنبية بأن مجموعة قليلة تقول لا، وتصر على فرض رأيها على معظم الشعب؟ لن أشكك أبدا في وطنية هؤلاء المعتصمين، وسأفترض أن من كانوا أمام مجلس الوزراء هم حقا المخلصون جدا لهذه الثورة، ولكن هل الحياة في البلاد ستستمر ثورة إلى الأبد، هل للثوار أن يدركوا الفرق الكبير بين ألاعيب السياسة والثورة؟؟ فالثورات تقوم للشيء الجلل، مثلما حدث في يناير الماضي وتم إسقاط مبارك، ثم تدخل السياسة بعد ذلك لتلعب دورها.. ولكن اعتصام مجلس الوزراء من قِبل عدد قليل من القوى السياسية؛ للمطالبة برحيل الجنزوري وعمل حكومة إنقاذ كان يمكن أن تحلّ بشكل سياسي وتفاهمي، فعمر هذه الحكومة هو ستة أشهر، فما المانع من الصبر واللعب بالسياسة حتى نصل لهدفنا، بالطبع سأجد من يهمس بأذني ويقول إن هذه هي الديمقراطية، أن كل شخص يعبر عن رأيه مثلما يشاء، وهو حقه المكفول، ولكنني أهمس أيضا في أذنه بأنه في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد يجب أن تكون الديمقراطية أكثر مرونة من شكلها الطبيعي، وألا نجعل اعتصاما مثل اعتصام مجلس الوزراء أرضا خصبة لأي من فلول أو دولة أو غير ذلك ممن لا يريدون لهذا البلد انصلاح الحال، ويجعلنا نتساءل أين القوى السياسية العاقلة التي تريد حقا إصلاح حال هذا البلد، ليقدموا النصح والإرشاد لهؤلاء المعتصمين؛ حتى لا يكونوا الحطب الذي مع الأسف يشتعل بيد كارهي هذا الوطن لينتج لنا هذه الأحداث المؤسفة التي نراها الآن. لذلك أطلب من كل أصحاب العقول الراجحة أن يستوعبوا حقا ما هو الفرق بين الثورات والعمل السياسي، وأين ومتى تقول "فيتو" عندما لا تجد مفرا إلا هو ويجمع الجميع عليه.. حتى لا نصطدم كل يوم بأحداث جديدة، ونجد فئة قليلة ومع الأسف هم حقا من أكثر الثوار إخلاصا لهذا البلد والذين يقدّمون أرواحهم دفاعا عن ثورتهم، ولكن -مع الأسف أيضا- في مثل هذه الظروف نجدهم يقومون بدور آخر هم أنفسهم لا يشعرون به؛ وذلك لشدة الروح الثورية لديهم، ولكنهم يجعلون أنفسهم حطبا لأصحاب الأحقاد الدفينة على هذا الوطن ويستخدمونهم شر استخدام؛ لإشعال فتنة جديدة واستمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار. وفي النهاية أرسل تحياتي لأرواح الشهداء الذين استشهدوا على حق، وأيضا لأرواح الشهداء الذين كانوا -دون أن يعلموا- حطبا لمن لا يريدون الخير لهذه الأمة؛ فهم مع الأسف ينظرون للحياة نظرة ثورية بحتة، وهم حقا صادقون فيها، ولكنهم لا يعلمون أنهم بهذه الثورية يتحوّلون لحطب يستغله البعض ليُشعل به البلاد بدلا من أن نستغله في البناء.