انشغل العالم طوال الفترة الماضية بالإعلانات المتوالية عن جوائز نوبل لهذا العام، وطالما صاحب جوائز نوبل الكثير من الجدل فيما يتعلق بمصداقيتها أو وجود توجهات سياسية وأخلاقية معينة تخضع لها عملية منح الجوائز، ولكن هذا الجدل لم يؤثر على مكانة الجائزة في جميع أرجاء العالم، ولم تكن جوائز هذا العام استثناء عن قاعدة الجدل المعتادة، ولكن أهم ما أثار اهتمام وتعاطف العالم هذا العام كانت وفاة رالف ستاينمان قبل أيام قليلة من إعلان اسمه ضمن 3 فائزين بجائزة نوبل في الطب لهذا العام. وفي السطور المقبلة سنستعرض أهم 10 جوائز نوبل إثارة للجدل على مرّ تاريخها: 1- باراك أوباما (نوبل للسلام- 2009) صاحب اختيار الرئيس الأمريكي أوباما لجائزة نوبل للسلام لعام 2009 الكثير من الجدل، وأصاب العديد من المراقبين بالحيرة؛ نظرا لأن الاختيار جاء بعد 12 يوما فقط من توليه مهام رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولم يكن وقع المفاجأة عالميا فقط؛ بل إنه وصل إلى داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو ما أشارت إليه جريدة نيويورك تايمز من خلال المانشيت الرئيسي للجريدة، والذي كان كلمتين فقط "مفاجأة مذهلة". منح الجائزة للرئيس الأمريكي أوباما فتح العديد من جبهات الهجوم على لجنة جوائز نوبل (المسئولة عن اختيار الفائزين بالجوائز)؛ حيث تمّ اتهامها بتبني أفكار وتوجهات سياسية معينة تتحكم في اختيار الفائزين، وهو ما نفته اللجنة في بيان لها اعترفت فيه بأن الجائزة المقدمة للرئيس أوباما تقديرا له على جهوده الاستثنائية لدعم الدبلوماسية، وأوجه التعاون المختلفة بين البشر في شتى بقاع أرجاء العالم، وليس لإنجازاته الفعلية على الأرض.
***********************
كورديل هل كان يشغل منصب وزير الخارجية الأمريكي قبل حصوله على جائزة نوبل 2- كورديل هل (نوبل للسلام- 1945) أحد أبرز الجوائز المثيرة للجدل في تاريخ جوائز نوبل، الأممالمتحدة كان كبيرا للغاية؛ فإن هذا لا يُسقط عنه تهمة فبالرغم من أن دور كورديل هلّ في تأسيس هيئة أخلاقية تلاحقه حتى الآن؛ فقبل حصوله على الجائزة بنحو 6 سنوات كان يشغل منصب وزير الخارجية الأمريكي في فترة حكم الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ساهم بدور كبير في أزمة S.S. St. Louis. بدأت الأزمة عندما وافق روزفلت على استضافة نحو 950 لاجئا يهوديا من ألمانيا على الأراضي الأمريكية هربا من معسكرات النازيين، وبالفعل أبحر اللاجئون على متن السفينة الألمانية MS St. Louis من ميناء هامبورج متجهين إلى الولاياتالمتحدة، وعندها تدخل "هل" ومجموعة كبيرة من أعضاء الكونجرس المنتمين للحزب الديمقراطي في العديد من الولايات الجنوبية، وأبدوا اعتراضهم الشديد على استضافة هذه المجموعة من اليهود، مهدّدين روزفلت بالإحجام عن دعمه في الانتخابات التالية إذا لم يرضخ لضغوطهم. وفي الرابع من يونيو 1939 أعلن روزفلت عن رفضه لاستقبال سفينة اللاجئين، فأجبرتها السلطات الأمريكية بالفعل على العودة مجددا إلى أوروبا، وهو ما تسبب في موت نحو ربع هؤلاء اللاجئين بعد ذلك؛ نتيجة لوقوعهم ضحايا في محارق النازيين.
***********************
هناك من يرى ياسر عرفات إرهابيا وهناك من يراه زعيما قوميا 3- ياسر عرفات (نوبل للسلام- 1994) بالرغم من اختلاف وجهات النظر حول الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات؛ فإن هناك من يراه إرهابيا، وهناك من يراه زعيما قوميا ناضل كثيرا من أجل حرية شعبه، ولكن الحقيقة الأكيدة أن هذا الرجل استطاع نيل جائزة نوبل للسلام عام 1994 بالمشاركة مع إسحاق رابين -رئيس الوزراء الإسرائيلي- وشيمون بيريز -وزير الخارجية الإسرائيلي في ذلك الوقت- وذلك نتيجة لتمكّنهم من التوصل إلى اتفاقيات أوسلو للسلام. وكان الكثير من الانتقادات قد وُجّهت لجائزة نوبل للسلام في ذلك العام، وتركّزت معظمها في التاريخ الإرهابي لجميع الفائزين وتحريضهم على العنف تجاه الآخر، خاصة أنهم وضعوهم في مقارنة مع المناضل الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا وأسلوبه في المقاومة.
***********************
وانجاري ماتاي أول امرأة من إفريقيا تنال جائزة نوبل للسلام 4- وانجاري ماتاي (نوبل للسلام- 2004) نالت وانجاري ماتاي شرفا عظيما؛ لكونها أول امرأة من إفريقيا تنال جائزة نوبل للسلام؛ وذلك نتيجة لجهودها وإسهاماتها الواضحة في مجال تنمية، ودعم المرأة في كينيا، وخاصة في الأماكن الريفية، وبالرغم من ذلك؛ فإنها اتُّهمت بالعنصرية وهو ما دفع البعض بالتشكيك في صحة قرار منحها الجائزة؛ حيث زعمت إحدى الصحف في كينيا أنها أقامت حوارا مع ماتاي، وفيه أشارت إلى اعتقادها أن مرض الإيدز تمّ تطويره على يد العلماء البيض من الغرب؛ بغرض القضاء على الملايين من السُود في القارة الإفريقية وتقليل عدد سكانها. أنكرت ماتاي لاحقا تلك المزاعم؛ إلا أنها أشارت في حوار لها مع مجلة TIME عن اعتقادها التام بأن مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لم يأتِ من القرود كما يُعتقد، بل تمّ تطويره على يد إنسان ما في مكان ما، وبعيدا عن الجدل الذي صنعته ماتاي ببعض آرائها حول مرض الإيدز، فقد تمكّنت من مواصلة العمل بقوة في مختلف المشروعات التنموية والبيئية، وتمّ تعيينها كنائبة لوزير البيئة والموارد الطبيعية الكيني. يُذكر أن ماتاي توفيت يوم 25 سبتمبر الماضي؛ نتيجة لإصابتها بمرض سرطان المبيض.
***********************
نال ناش جائزة نوبل للاقتصاد بالمشاركة مع كل من رينهارد سيلتين وجون هارساني 5- جون فوريس ناش (نوبل للاقتصاد- 1994) قد يكون مجهولا بالنسبة للكثيرين؛ إلا أنه نفس الشخص الذي جسّده الممثل العالمي الشهير راسل كرو في رائعته الشهيرة A Beautiful Mind، الفيلم الذي نال 4 جوائز أوسكار بعد أن ترشّح ل8 منها، وبعيدا عن الفيلم يعتبر ناش -البالغ من العمر الآن 83 عاما- من أبرز الحالات المثيرة للجدل في تاريخ جوائز نوبل. نال ناش جائزة نوبل للاقتصاد بالمشاركة مع كل من: رينهارد سيلتين وجون هارساني؛ إلا أن الجدل انصبّ عليه هو بالتحديد؛ نظرا لأنه بالرغم من عبقريته فإنه كان يعاني اضطرابا عقليا، وتلقى العلاج لفترة طويلة من مرض الفُصام (انفصام الشخصية)، وهو ما أثار الكثير من الجدل حول مصداقية أعضاء لجنة الاختيار، وقد ساهمت هذه الانتقادات في تغيير المدة المتعلقة باختيار أعضاء لجنة التحكيم، واقتصارها على ثلاث مدد، ولم تعد المدة غير محددة كما كان من قبل، وبخلاف الفُصام فقد تمّ اتهام ناش أيضا بمعاداته للسامية، ولكنها ظلّت في إطار المزاعم غير المؤكدة؛ إلا أنه تمّ نفيها تماما في وقت ظهور الفيلم.
***********************
يعتبر أوسيتزكي من أبرز معارضي هتلر ومن أبرز ناشطي السلام في ألمانيا وأوروبا 6- كارل فون أوسيتزكي (نوبل للسلام- 1935) يعتبر أوسيتزكي من أبرز معارضي هتلر، ومن أبرز ناشطي السلام في ألمانيا وأوروبا بشكل عام، تعرّض للتنكيل الشديد من قِبل الحكومة الألمانية؛ لنشره سلسلة من المقالات تتحدث عن انتهاك ألمانيا لمعاهدة فرساي بإعادة بناء قواتها المسلحة سرا، وهو ما عرّضه للمحاكمة والإدانة بتهمة التجسس والخيانة العظمى وتمّ سجنه بالفعل، وفي خلال تلك الفترة أصيب أوسيتزكي بمرض السُلْ، ودخل أحد المستشفيات تحت مراقبة الجيستابو (البوليس السري الألماني) حتى توفي يوم 4 مايو 1938. تمّ الإعلان عن نيله جائزة نوبل للسلام أثناء فترة الاعتقال، وهو ما عرّضه لضغط أكبر من حكومة ألمانيا النازية ليعلن رفضه للجائزة، ولكنه رفض التفريط في الجائزة غير مكترث بالخطر الذي يهدّد حياته نتيجة تحديه لهتلر شخصيا، وهو ما دفع الديكتاتور الألماني لإصدار قرار بمنعه من السفر لحضور حفل تسليم الجائزة في أوسلو بالرغم من صعوبة الأمر؛ نظرا لوجوده في المستشفى، ولم يكتفِ هتلر بذلك بل أصدّر قانونا جديدا يمنع أي ألماني من استلام أي جائزة نوبل على الإطلاق، وهو القانون الذي حرم ثلاثة ألمان بعد ذلك من نيل جوائزهم؛ إلا أنهم نالوا التكريم بالفعل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
***********************
فليمنج هو أول إنسان تمكّن من فصل البنسلين وإنتاجه 7- أليكساندر فليمنج (نوبل للطب- 1945) بالرغم من أن البنسلين يعتبر من أعظم اكتشافات الإنسانية على الإطلاق؛ فإن صاحب اكتشافه ألكسندر فليمنج عانى كثيرا الاتهامات التي شككت في صحة نسب اكتشاف البنسلين إليه، في إشارة إلى بعض المراجع العلمية التي تعود إلى سنة 1870 وما تلاه من سنوات تتحدث عن فطر Penicillium notatum وقدراته العالية على مقاومة البكتيريا. وما عزّز من الشكوك هو اعتراف فليمنج نفسه بأن اكتشافه للبنسلين جاء بشكل كامل عن طريق الصدفة، كما أنه اعترف بأن مزامير داوود يعتبر المرجع الأول في تاريخ الإنسان الذي يتضمن إشارة شبه واضحة للبنسلين وتحديدا المزمور 51، ولكن بغض النظر عن الشكوك التي حامت حول ألكسندر فليمنج، والتي أرجعها البعض إلى حقد بعض زملائه من العلماء؛ فإن هذا لا ينكر حقيقة أن فليمنج هو أول إنسان تمكّن من فصل البنسلين وإنتاجه، وهو ما ساهم في إنقاذ حياة الملايين في جميع أنحاء العالم.
***********************
تمكّن تسور هاوزن من نيل جائزة نوبل للطب عام 2008 8- هارالد تسور هاوزن (نوبل للطب- 2008) تمكّن العالم الألماني تسور هاوزن من نيل جائزة نوبل للطب عام 2008؛ نتيجة لاكتشافه فيروس الورم الحليمي البشري أو HPV الذي يعتبر المسبب الرئيسي لسرطان عنق الرحم، ولكن هذا الاختيار صاحبه فتح تحقيق شامل من قِبل الشرطة السويدية، وترك الكثير من علامات الاستفهام على منظمة نوبل بشكل كامل حتى الآن. أثار الاختيار بعض الشكوك لدى وحدة مكافحة الفساد في الشرطة السويدية، وفتحت تحقيقا بالفعل حول وجود تأثير كبير من شركة Astra Zeneca على منظمة نوبل لتفرض اسم تسور هاوزن على اللجنة وتجبرها على اختياره كفائز لجائزة نوبل للطب عام 2008 لتسلط الضوء على مرض سرطان عنق الرحم؛ حيث إن Astra Zeneca هي شركة أدوية عالمية تقوم بإنتاج لقاحين لفيروس HPV المسبب للمرض، إذ رصدت الشرطة وجود علاقات قوية بين مسئولي الشركة واثنين من أهم أعضاء لجنة اختيار جائزة نوبل للطب في ذلك الوقت. وبالرغم من عجز الشرطة عن توجيه اتهامات لأي من الأطراف لعدم ثبوت أي شبهات؛ فإن الشكوك ازدادت بعد ذلك؛ حيث تمّ الإعلان بعد ذلك عن قيام شركة Astra Zeneca برعاية الموقع الإلكتروني لمنظمة نوبل.
***********************
المعترضون على هذه الجائزة يؤكّدون أن أيدي كيسنجر ملوثة بالدماء وبقوة 9- هنري كيسنجر (نوبل للسلام- 1973) وُصف قرار منح هنري كيسنجر -وزير الخارجية الأمريكي- جائزة نوبل للسلام عام 1973 بأنه القرار الأكثر غرابة على الإطلاق؛ المعترضون على هذه الجائزة يؤكّدون أن أيدي كيسنجر ملوثة بالدماء وبقوة؛ نظرا لمشاركته في التخطيط للعديد من العمليات القذرة للسياسة الأمريكية وأبرزها العملية كوندور، التي أسفرت عن قتل أكثر من 60 ألف شخص في أمريكا اللاتينية؛ حيث استهدفت العملية القضاء على أي وجود للأفكار والقيادات الشيوعية في دول القارة، علاوة على قيام قوات أمريكية بقصف معسكرات في كمبوديا أسفرت عن قتل آلاف من الأبرياء. تمّ منح الجائزة لوزير الخارجية الأمريكية بالمشاركة مع القائد الفيتنامي لي دوك سو، والذي رفض بعد ذلك الجائزة؛ اعتراضا على فكرة أن يتشارك الجائزة مع شخص مثل كيسنجر، ويرى العديد من المراقبين أن هذه الجائزة كانت تهدف في الأساس إلى إنهاء حرب فيتنام ضمن جهود عدة جهات كانت تقوم بها في نفس الوقت؛ لإخراج الولاياتالمتحدة من مستنقع فيتنام الذي تورّطت فيه، وهو ما لم يحدث إلا بعد ذلك بعامين، وتحديدا في 30 إبريل من عام 1975.
***********************
استطاع باولنج في نصف حياته الأول أن يبرع في علم الكيمياء وينال جائزة نوبل 10- لينوس باولنج (نوبل للكيمياء- 1954، نوبل للسلام- 1962) أحد شخصين فقط تمكّنا من الحصول على جائزة نوبل في أكثر من مجال (مع مدام كوري)، استطاع في نصف حياته الأول أن يبرع في علم الكيمياء، وينال جائزة نوبل للكيمياء عام 1954، وقد كرّس خبراته وقدراته لخدمة بلاده، فساهم في مساعدة الولاياتالمتحدةالأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية في العديد من المشروعات المرتبطة بتطوير متفجرات وصواريخ؛ إلا أن إلقاء القنبلة النووية على اليابان أثر فيه كليا، ودفعه لتغيير اهتماماته ليركز جهوده على مكافحة انتشار السلاح النووي. قرّر باولنج وزوجته أن يشاركا علماء آخرين أبرزهم ألبرت أينشتاين في عمل حملة عالمية للتوعية بخطورة السلاح النووي والدعوة على إخلاء العالم من أسلحة الدمار الشامل؛ إلا أن هذه الحملة لم ترُقْ للحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي أيضا؛ حيث قرّرت الحكومة الأمريكية سحب جواز سفره بشكل مؤقت والتضييق عليه بشدة، وتمّ اتهامه بالانتماء للمعسكر الشيوعي وخيانته لبلاده، وما زاد من حدّة تلك الشكوك قبوله بجائزة لينين للسلام العالمي من الاتحاد السوفيتي عام 1970.