أعده: كريم رمضان في مذكراته يدّعي السادات أنه قام بعزل الشاذلي من منصبه بعد عودته من الجبهة منهارا، بينما تؤُكِّد السجلات العسكرية أن إقالة الشاذلي لم تتم إلا في يوم 12 ديسمبر 1973، وخلال هذه الفترة شهد الشاذلي سلسلة من الأخطاء السياسية والعسكرية التي كانت سببا في تحوّل مسار الحرب بشكل درامي. بعد رفض السادات سحب أي جندي من الشرق لإنقاذ الموقف المعقّد غرب القناة تطوّر الأمر إلى حصار القوات الإسرائيلية للجيش الثالث الميداني، وهو ما يمثّل نحو 45 ألف جندي، ثمّ وافقت مصر على وقف إطلاق النار. واعتبارا من يوم 23 أكتوبر أحكمت القوات الإسرائيلية في الغرب سيطرتها على الجيش الثالث، وحاولت الاستيلاء على مدينتي السويس والإسماعيلية، وبدأت إسرائيل والولاياتالمتحدة -ممثّلة في وزير خارجيتها اليهودي هنري كيسنجر- الضغط على القيادة المصرية للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب، لقد أصبح الجيش الثالث رهينة في يد إسرائيل؛ حيث يتمّ إمداده بالمؤن الضرورية تحت مسمع وبصر وتفتيش القوات الإسرائيلية وفي أضيق الحدود، في الوقت الذي بدأت فيه مفاوضات الكيلو 101 التي شهدت تنازلات مهينة من الجانب المصري، لقد كانت إسرائيل ترسل تعليماتها يوميا كثمن للموافقة على تمرير الإمدادات للجيش الثالث المحاصر، هذه الإمدادات التي كان ينهبها الإسرائيليون خلال الطريق. وتحت ضغط هذا الواقع المعجز خضعت القيادة السياسية المصرية لأوامر إسرائيل والولاياتالمتحدة؛ فوافقت على اتفاقية فضّ الاشتباك الأول في يناير 1974، والتي تعهدت من خلالها بسحب قوات الجيشين الثاني والثالث من شرق القناة، ما عدا 7 آلاف جندي و 30 دبابة فقط. وقبل ذلك كانت قد وافقت على الإفراج عن مجموعة من الجواسيس الإسرائيليين المحتجزين في القاهرة، ثمّ طلبت إسرائيل إجراء تبادل لأسرى الحرب، ولمّا ردّت مصر بأنها ترى تأجيل هذه العملية إلى ما بعد الانسحاب الإسرائيلي أعلنت جولدا مائير في الكنيست يوم 14 نوفمبر 1973 أن كيلو جراما واحدا من احتياجات الجيش الثالث لن يصل إليهم قبل أن يعود الأسرى الإسرائيليين، وعلى الفور أذعنت مصر، وبدأ تسليم الأسرى في اليوم التالي مباشرة. وفي الرابع من ديسمبر 1973 أرسل كيسنجر رسالة إلى وزير الخارجية المصري طلب فيها من بين ما طلب إعادة ضخ البترول العربي إلى الولاياتالمتحدة، وعلى الفور طلب السادات من الدول العربية التي كانت قد أعلنت وقف تصدير البترول إلى واشنطن رفع هذا القيد فورا. وقبل ذلك وفي الأول من نوفمبر سمحت مصر بمرور ناقلة بترول إسرائيلية بالبحر الأحمر بعد سنوات من الحصار البحري لإسرائيل، وزيادةً في الضغط أعلنت إسرائيل على العالم أن السفينة الإسرائيلية ستتحدّى الحصار البحري وتبحر إلى إسرائيل، ودخلت السفينة ومرّت أمام القطع البحرية المصرية، وفي مرمى نيرانها لكن سُمح لها بالمرور؛ فقد كان إغراق الناقلة يعني التضحية بالجيش الثالث. وبينما كانت هذه الإجراءات المهينة تجري على المستويين السياسي والعسكري، كان الشعب المصري كالزوج المخدوع يصدّق ما تعلنه وسائل الإعلام المصرية، ووصل الأمر بالتضليل إلى كذب الرئيس السادات أمام مجلس الشعب؛ حيث نفى في جلسة عُقدت في فبراير 1974 أن يكون الجيش الثالث قد حُوصر أصلا. وعقد مسرحية أمام مجلس الشعب استدعى خلالها اللواء أحمد بدوي -الذي كان قائدا للقوة المحاصرة- وأخذ يوجّه له الأسئلة ويتلقّى الأجوبة؛ ليثبت أن الجيش الثالث لم يُحاصر. (شاهد بالفيديو هنا) يقول الشاذلي في مذكراته: "ما أغلى الثمن الذي دفعته مصر نتيجة حصار الجيش الثالث يوم 23 من أكتوبر، لقد أجهض حصار الجيش الثالث انتصارات أكتوبر المجيدة، وأجهض سلاح البترول، وأجهض الحصار البحري الفعّال الذي فرضته مصر على إسرائيل، وأفقد القيادة السياسية المصرية القدرة على الحركة والمناورة، وجعلها ألعوبة في يد إسرائيل وأمريكا.. في سبيل إنقاذ الجيش الثالث كانت مصر ترى إسرائيل وهي تنهب وتسلب ثرواتها وتقف مكتوفة الأيدي لا تستطيع الردّ.. من هو المسئول عن حصار الجيش الثالث؟ إذا رغبت مصر في أن تغسل شرفها العسكري من الشوائب التي أصابته نتيجة حصار الجيش الثالث؛ فإنها يجب أن تبحث عن المسئول عن هذه الكارثة، وأني أتهم السادات بهذه الجريمة".