رئيس أكاديمية الشرطة: نطبق آليات لمكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر    وزيرة الهجرة: آلية جديدة من التعليم العالي بشأن توثيق أوراق الطلاب العائدين من روسيا    البحوث الإسلامية يعقد ندوة مجلة الأزهر حول تفعيل صيغ الاستثمار الإنتاجي في الواقع المعاصر    الأنبا بشارة يشارك في صلاة ليلة الاثنين بكنيسة أم الرحمة الإلهية بمنهري    بحضور وزير الخارجية الأسبق.. إعلام شبين الكوم يحتفل ب عيد تحرير سيناء    التعاون الاقتصادي وحرب غزة يتصدران مباحثات السيسي ورئيس البوسنة والهرسك بالاتحادية    مرصد الأزهر يستقبل سفير سنغافورا بالقاهرة لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب    وزارة العمل تنظم ورشة لمناقشة أحكام قانون العمل بأسوان    بحث التعاون بين مصر وإندونيسيا في صناعة السيارات الكهربائية والوقود الاخضر    انخفاض غير متوقع في سعر الذهب مع بداية تعاملات اليوم الاثنين.. وعيار 21 مفاجأة    محافظ أسوان: مركز البيانات والحوسبة السحابية عمل قيادي يليق بالدولة    بقيمة 30 مليون جنيه.. «تنمية المشروعات» يوقع عقدا لتمويل المشاريع متناهية الصغر    المشاط: تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري يدعم النمو الشامل والتنمية المستدامة    9 مايو.. آخر موعد لتلقي طلبات استثناء «المنشآت والمطاعم السياحية» من دفع الحد الأدنى للأجور    وزيرة التعاون الدولي: التطورات الجيوسياسية بالمنطقة أثرت سلبًا على ميزان المدفوعات    أبرز تصريحات رئيس الوزراء خلال المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض| إنفوجراف    بدء مباحثات الرئيس السيسي ورئيس البوسنة بقصر الاتحادية    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    عبد الواحد السيد يكشف سبب احتفال مصطفى شلبي ضد دريمز    مولر يهدد ريال مدريد بالجحيم الأحمر    بعد الصعود لنهائى الكونفدرالية.. الزمالك يقرر صرف جزء من مستحقات اللاعبين المتأخرة    برشلونة أبرزها.. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    كولر يحاضر لاعبي الأهلي بالفيديو استعدادا لمواجهة الإسماعيلي    تطور عاجل في مفاوضات تجديد عقد علي معلول مع الأهلي    بنزيمة يغيب عن الكلاسيكو ضد الهلال    ضبط 87 مخالفة متنوعة في حملات على المخابز البلدية والأسواق بالمنيا    إصابة عامل بطلقات نارية في ظروف غامضة بقنا    موعد إعلان أرقام جلوس الصف الثالث الثانوي 2023 -2024 والجدول    احالة 373 محضرًا حررتها الرقابة على المخابز والأسواق للنيابة العامة بالدقهلية    أمن القاهرة يضبط عاطلان لقيامهما بسرقة متعلقات المواطنين بأسلوب "الخطف"    ولع في الشقة .. رجل ينتقم من زوجته لسبب مثير بالمقطم    طارق الشناوي ينعى عصام الشماع: "وداعا صديقي العزيز"    منهم فنانة عربية .. ننشر أسماء لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائى فى دورته ال77    «ماستر كلاس» محمد حفظي بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.. اليوم    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    قافلة طبية مجانية بالتعاون بين أورمان الشرقية والمستشفى الجامعي بالزقازيق    «كلبة» سوداء تتحول إلى اللون الأبيض بسبب «البهاق»    احتفاء بفوز باسم خندقجي بالبوكر: فلسطين ملء العين والسماء دائما    تعرف على الجناح المصري في معرض أبو ظبي للكتاب    أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على طلاقها من أحمد العوضي    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    خسائر جديدة في عيار 21 الآن.. تراجع سعر الذهب اليوم الإثنين 29-4-2024 محليًا وعالميًا    اتحاد الكرة: قررنا دفع الشرط الجزائي لفيتوريا.. والشيبي طلبه مرفوض    مطار أثينا الدولي يتوقع استقبال 30 مليون مسافر في عام 2024    رئيس كوريا الجنوبية يعتزم لقاء زعيم المعارضة بعد خسارة الانتخابات    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    مصرع عامل وإصابة آخرين في انهيار جدار بسوهاج    من هي هدى الناظر زوجة مصطفى شعبان؟.. جندي مجهول في حياة عمرو دياب لمدة 11 سنة    "استمتع بالطعم الرائع: طريقة تحضير أيس كريم الفانيليا في المنزل"    مفاوضات الاستعداد للجوائح العالمية تدخل المرحلة الأخيرة    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    علييف يبلغ بلينكن ببدء عملية ترسيم الحدود بين أذربيجان وأرمينيا    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات رجل قرأ هوامش الهزيمة وساهم في كتابة أسفار النصر‏(2)‏
فؤاد هويدي‏:‏ أكتوبر ليست آخر الحروب لأن إسرائيل لم تلق السلاح بعد
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 10 - 2011


محمد حربي :
كان هناك أكتوبران أحدهما بدأ فعليا في السادس من يونيو‏67‏ بعد صمت الفجيعة إثر الهزيمة المروعة التي حاقت بنا وانتهي في التاسع من أكتوبر بعد نجاح قواتنا في عبور القناة وتحطيم خط بارليف الحصين وإقامة رؤوس كباري علي الضفة الأخري للقناة أما الأكتوبر الثاني فيبدأ بصمت السلاح منذ التاسع من أكتوبر, ثم تحرك القوات في ما سمي بتطوير الهجوم بدون مبرر تعبوي أو استراتيجي, ما تسبب بعد ذلك في الثغرة.
أكتوبر الأول شهد نجاحا لافتا في التحول من العشوائية العسكرية في الخامس من يونيو إلي الحداثة واستيعاب روح العصر أو كما يقول اللواء فؤاد هويدي الخبير الاستراتيجي ورجل المخابرات الحربية في أثناء الحرب, وأحد قلائل كانوا في غرفة العمليات الرئيسية في السادس من أكتوبر لأنه كان مسئول الملف الإسرائيلي في المخابرات الحربية المصرية و أكتوبر الأول يحق لكل مصري أن يفخر به لأنه شهد وأثبت قدرة المصري حين يمتلك روح المبادرة والإبداع أما أكتوبر الثاني فلم يخطئ العسكريون فيه بل أخطأ الساسة مرة أخري عندما لم يستثمروا النصر الذي تحقق, ولم يوظفوه في التفاوض كما كانوا يخططون فأصبح الحل بعد الحرب أسوأ مما كنا عليه في الخامس من يونيو اللواء هويدي_ الذي خبر الحرب والسلام وقرأ ملفاتهما وساهم في كتابتها_ يواصل في الجزء الثاني من حواره كشف المشهد المصري غداة الحرب وما بعدها.
كيف تقوم الوضع بين مصر وإسرائيل لحظة وقف إطلاق النار في يونيو1967 ؟
{{ سياسيا:صدر قرار مجلس الأمن242 طبقا للنص البريطاني الذي يطالب- بعد إقرار وقف إطلاق النارعلي الخطوط التي انتهت إليها الحرب- إسرائيل بالانسحاب من أراض احتلتها- وليس الأراضي التي احتلتها- في يونيو.67
وأعلنت مصرأن تفسيرها للقرارهوإنسحاب إسرائيل من كل الأراضي التي احتلتها.ويعني قبولنا للنص التسليم بأن تنسحب إسرائيل عن بعض الأراضي وإلي حدود جديدة. والسؤال هنا هو حول قيمة تفسيرنا وتفسيرهم للقرار الانجليزي؟ والمعروف أن الأقوي أو المنتصر هو من يفرض تفسيره!!
فالقوي يمكنه أن يتجاهل النص أصلا, كما فعلت إسرائيل من قبل في قرار التقسيم عام1947, أو يفرض تفسيره لأي قرار كما فعلت إسرائيل في قرار وقف إطلاق النار في67 وحتي الآن
و علي الجانب العسكري: فرضت طبوغرافية مسرح العمليات خطط الجانبين علي الجبهة المصرية...فكان أمام إسرائيل خياران: إما أن تركز دفاعاتها الرئيسية علي الحد الأمامي( القناة) أو أن تقيم نظاما أمنيا بين القناه وخط المضايق في وسط سيناء مركزة دفاعاتها الرئيسية علي الميول الغربية لخط المضايق. وقد اختارت الدفاع الرئيسي علي خط القناة مستفيدة من القناة كمانع مائي, ومن المسافة بين القناه والحدود الإسرائيلية التي تبعد أي تهديد عسكري مع قدرة قواتها الجويه علي تأمين ودفع قواتها من العمق عند الضرورة.
أما مصر فلم يكن أمامها إلا التركيز علي الدفاع علي ضفة القناه الغربية مستفيدة أيضا من القناه كمانع وبمهمة حتمية لقواتها هي منع احتمالات اختراق إسرائيل إلي غرب القناه,
وقد وفرت المساحة بين شرق الدلتا والقناة بطبيعتها شبه الصحراوية قليلة الكثافة السكانيه المجال لتعميق الدفاع بالأنساق التالية, وتمركز الإحتياطيات التي تكفل توازن وفعالية الدفاع.
كيف بدأت مصر رحلة مواجهة المستقبل واستعادة ما فقد في67 عسكريا وسياسيا.؟
{{ لهذه الفترة مستويان متوازيان للتناول: الأول: مستوي رئاسة الدولة وقمة الحزب الواحد الحاكم( الاتحاد الاشتراكي) وقد شهد هذا المستوي عملية انتقال السلطة إلي الرئيس السادات بعد وفاة عبد الناصر.
أما المستوي الثاني فهو مستوي القوات المسلحة التي نجحت في النهوض من كبوتها في67 لتحقق نصر أكتوبر.1973
فعلي مستوي القمة في رئاسة الدولة والحزب مرت مصر بفترة من البلبلة, وعدم الاستقرار استمرت ملآي بالاحتمالات منذ وفاة الرئيس عبد الناصر إلي أن استقر الأمر للرئيس السادات, بعدما أطاح برجال عبد الناصر في الدولة والحزب فيما عرف ب تصفية مراكز القوي وهي فتره لم تلق مايستحق من الدراسة والبحث حتي الآن ربما لأن الرئيس المخلوع حسني مبارك كنمط للرئاسة كان أحد إفرازاتها.
وعلي مستوي القوات المسلحة فإن أمرها كان قد حسم وتوجهها نحو مهمتها كان قد ترسخ بما جعلها محصنة ضد محاولة استغلالها في أي أمر داخلي وإن كانت الإطاحة بما سمي مراكز القوي المعادية للرئيس السادات شمل الفريق أول محمد فوزي وزيرالحربيه والقائدالعام للقوات المسلحه الذي كان يعتبر من الحرس القديم, والذي كان السادات يخشي من احتمال سعيه للزج بالقوات المسلحة في هذا الصراع.
وبين عبدالناصروالسادات تغيررجال ومواقف وسياسات ولكن إعداد القوات المسلحة لحرب تحرير الأرض ورد الكرامة كان خطا ثابتا وهكذا مضت القوات المسلحة المصرية في طريقها إلي.1973
ماذا حدث للقوات المسلحة من تطوير بعد كارثة يونيو67 ؟
.{{ ويهمني كأحد أبناء القوات المسلحة أن أبرز هنا المسلمات التي استعدناها لترتكز عليها مسيرة القوات المسلحة من كارثة67 إلي نصر.73
تحقق أولا وقبل كل شيء استقامة وضع القوات المسلحة باتخاذها مكانها الطبيعي في نسيج الدولة خضوعا للسلطة السياسية الشرعية وكأداة لتحقيق الأمن القومي والأهداف الوطنيه, ولم تعد مركز قوه ولا قلعة لشخص يتحصن وراءها ويهدد بها.
تصحيح أوضاع القيادات وتوظيف القدرات والكفاءات في مكانها الصحيح اعتمادا علي الولاء المطلق لكل جندي لوطنه وشعبه وأمته.
تحقيق التوازن العضوي بين القوات إستيعابا لحقائق التطور في التسليح والتنظيم وإستخدام القوات في معركة حديثة بأسلحة مشتركة والكل يوزن بمقياس دوره في المعركة المرتقبة.
تكثيف عملية احتراف المقاتل وصقل خبراته القتالية بإيقاف التسريح من الخدمة العسكرية منذ يونيو67 حتي.73
استكمال التسليح ورفع مستواه وتحسين أداء الأسلحة والمعدات بامكانيات ذاتيه خلاقه.
التدريب المستمر والمكثف من الفرد إلي مستوي القيادة العامة.
بناء الثقة بعمليات التطعيم للمعركة وهي عمليات تدريبية تشبه أوضاع القتال الفعلية, والاحتكاك والاشتباك مع العدو علي حده الأمامي وفي عمقه.
توفير المعلومات الصحيحة والدقيقة والكاملة عن العدو التي تتيح وضع خطط دقيقة لهزيمته عبر إشاعة الدراية به إلي كل مستوي في القوات المسلحة..
التخطيط ومتابعة تطوير المخططات وتدقيقها وتجربة تنفيذها وصولا الي أفضل استخدام للقوات, وتحييد لقدرات العدو مع أفضل إستخدام لطبيعة ومعالم وخصائص مسرح العمليات.
ورغم أن هذه أمور بديهية تقوم بها كل الجيوش إلا أن تحقيقها كان إنجازا رائعا لأنها تمت في وقت قياسي حيث انتقلت قواتنا المسلحة في ست سنوات فقط من عثرتها في1967 إلي الحداثة والاحترافية التي كان بداية النصر ولذلك يمكنني القول أن نصر أكتوبر بدا في السادس من يونيو من عام1967
لكل حق حقيقة فما حقيقة هذا الإنجاز الذي تتحدث عنه مادام الأمر بداهة عسكرية ؟
{{ حيث أن الأمور تقاس بنتائجها فان ما تحقق علي الأرض يجيب عن سؤالك ولن احكي لك تفاصيل كثيرة إذ يمكن الرجوع إلي أوضاع القوات الجوية علي سبيل المثال في67 ومقارنتها بما فعلته هذه القوات في73 لنعرف حجم الانجاز فهذه القوات التي تعرضت الكثير من طائراتها للتدمير علي الأرض في هجمة جوية مفاجئة من إسرائيل في67 في6 اكتوبر73 خرجت أسرابها من مطارات متعددة لتلتقي وتتجمع وتعبر القناة فوق رؤوس قواتنا المستعدة للعبور, وتفاجئ العدو بهجمة حققت أهدافهاوعادت إلي قواعدها بأقل خسائر
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فخلال الحرب لم تفاجأ قاعدة جوية واحدة بأي هجمة إسرائلية ووجد العدو قواعدنا الجويه جاهزه ومستعده لصده محققه كل ما طلب منها من إختراقات خطره للإستطلاع وناقله قواتنا الخاصه وعناصرالعمل في عمق العدو إلي مواقع عملها بكل دقه وكفاءه وأمان.
وهل سمع أحد بحائط صواريخ مضاده للطائرات مثل الذي أقمناه, ويمثل شبكه كثيفة متعددة الأنواع من الصواريخ المضاده للطائرات مستعصيه علي التشويش, تحمي المنطقه الدفاعيه للجيوش الميدانيه, وتمد حمايتها إلي شرق القناه مؤمنة رؤوس الكباري التي ستعد يوم الحرب سلاح دفاعي بحت وهل سمع أحد عن صاروخ أرض جو مضاد للطائرات يؤدي مهمة دفاعية بكفاءة كامله ويقلل عبء استخدام الطائرات المقاتلة في الدفاع الجوي, ثم يؤدي مهمة هجومية رائعة بتأمين شرق القناة وصد كل محاوله للقوات الجوية الإسرائلية لمنع العبور الأمر الذي اضطر القيادة الإسرائلية بعد تزايد خسائر قواتها الجوية أن تسحب هذه القوات من محاولة وقف الهجوم هذا إبداع يخلد من فكروا فيه وخططوا له..ونفذوه من أبناء..الدفاع الجوي وقادته.
كيف وصل المصريون إلي هذا المستوي من الإبداع في ست سنوات, وما دور حرب الاستنزاف في ذلك؟
{{ قدر خبراء عسكريون حاجة مصرإلي جيل كامل قبل أن تقوم لها قائمة عسكريا وكانوا علي خطأ وكل استنتاج مبني علي القراءة السطحية ل1967 كان خاطئا.
فقد مر النشاط العسكري المصري علي جبهة قناة السويس بثلاث مراحل:
الصمود: وذلك من يونيو1967 إلي أغسطس68 حيث تم إعادة بناء وهيكلة الدفاع علي الضفة الغربية لقناة السويس وتطلب هذا التهدئة وتسكين الجبهة, ثم مرحلة: الدفاع النشط: وسماهاالفريق أول فوزي( مرحلة المواجهة) ونشطت فيها قواتنا بالاشتباك مع العدو بالنيران وتغيير تحركاته علي الخطوط الأمامية وتكبيده بعض الخسائر, واستمرت هذه المرحلة من سبتمبر68 حتي فبراير69. ثم انتقلت قواتنا إلي مرحلة ثالثة هي حرب الأستنزاف: استمرت من مارس1969 حتي إطلاق مبادرة روجرز وزير الخارجيه الأمريكي في أغسطس1970.
وقد افتتحت مرحلة الاستنزاف في8 مارس1969 بقصف مركز من المدفعية المصرية ضد تحصينات العدو ومواقعه علي خط دفاعه شرق القناه- خط بارليف- استمر لمدة خمس ساعات تمكنت فيه قواتنا من إحداث خسائر مؤثره في مواقع العدو ومدفعيته, واستمرالتصعيد بين الجانبين وتعددت الإغارات والكمائن إلي جانب الاشتباكات المستمره بالنيران وبلغت عمليات عبور قواتنا ذروتها في ليلة10/9 يوليو1969 عندماعبرت كتيبة صاعقة إلي لسان بورتوفيق شرق السويس وهاجمت قوة العدو وقتلت أفراده ودمرت معداته وعادت إلي قاعدتها سالمة.
وقد تصاعد رد الفعل الإسرائيلي من الردع المحدود بنيران القوات البريه إلي توسيع نطاق الرد إلي عمق الجمهوريه وأحداث أكبرخسائر ممكنه بإقحام قواتها الجوية وبكثافة في المعركة.
ولم تكن القوات الجويه المصريه وقوات الدفاع الجوي تملك من الأمكانيات كما ونوعا ما يمكنها من التصدي للقوات الجويه الإسرائيلية المهاجمة.
وقد سافر الرئيس عبدالناصرإلي موسكو في1970/1/22 وعاد مدعما من الاتحاد السوفييتي بما يرفع ويدعم كفاءة القوات الجوية والدفاع الجوي المصري,وكان هذا تصعيدا خطيرا اضطر أمريكا في النهاية إلي أن تعيد تقييم موقفها وعبرعن ذلك الرئيس الأمريكي نكسون في لقاء مع وزير الخارجية الإسرائيلي أباإيبان في مايو1970 بقوله ليس أمامنا خيار, يجب أن نلعب اللعبة بحيث لا نفقد كل شيء في الشرق الأوسط.. إننا نريد مساعدتكم وعليكم أن تساعدونا, ودون أن يقع ضرر عليكم أو علينا.. إننا نقف إلي جانبكم عسكريا ولكن التصعيد العسكري إلي مالانهاية لايمكن السماح به يجب أن نقوم بعمل سياسي
وهكذا تقدم روجرز وزيرالخارجية الأمريكي بمبادره قبلتها مصروإسرائيل لوقف إطلاق النار في الثامن من أغسطس1970.
ماذا جنينا من حرب الاستنزاف؟
{{ كانت هذ الحرب ضرورة ليشعرالعدو وتشعر قواتنا أيضا بأننا في ساحة حرب, وأن دورة الجندي الإسرائيلي علي جبهة القناه ليست أجازة مدفوعة الأجرعلي الشاطيء ولكنها دورة قتال يجب أن يتحسب لها ويعد أيامه فيها.
وكانت ضرورة لإعداد الجندي المصري ليوم العبور.. فهذا المانع يمكن عبوره وهذا العدو يمكن قهره وهذا الخط الدفاعي يمكن اختراقه.. كانت حرب الاستنزاف ورقة في يد صناع القرار السياسي يساوم بها في وقت عزت فيه أوراق المساومة بعد الهزيمة.
كيف تقرأ سفر النصر في أكتوبر وتحولاته ؟
{{ في الخامس من أكتوبر3791, قرر رئيس الجمهورية القائد الأعلي للقوات المسلحة أنور السادات في توجيه استراتيجي إلي الفريق أول أحمد إسماعيل علي وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة تكليف القوات المسلحة بتنفيذ المهام الإستراتيجية الآتية:
}إزالة الجمود العسكري بكسر وقف إطلاق النار اعتبارا من يوم6 أكتوبر3791
} تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والأسلحة والمعدات
العمل علي تحرير الأرض المحتلة علي مراحل متتالية حسب نمو وتطور إمكانات وقدرات القوات المسلحة.
كنت في مركز العمليات الرئيسي للقيادة العامة للقوات المسلحة( المركز01) منذ أيام مركزا, وكل من معي, علي أي إشارة أو تصرف ينبئ بمعرفة إسرائيل بنوايانا حجما وتوقيتا.
وفي تقاريري ورسائل المعلومات العاجلة التي أخطرت بها القيادات( القائد الأعلي, القائد العام, رئيس أركان حرب هيئة العمليات, رؤساء أفرع القوات المسلحة, قيادات الجيش الميدانية) حتي الخامس من أكتوبر, أبلغت أن العدو يرقب بقلق الجبهتين: المصرية السورية, وأنه كثف نشاطه الاستطلاعي وعبأ بعض وحداته الاحتياطية, وأن قواته الجوية اعتبارا من5 أكتوبر تعتبر علي جاهزية تامة لتنفيذ مهام العمليات.
في حرب تقليدية لا توجد مفاجآت, فكيف فاجأنا إسرائيل بالحرب؟
{{ في مساء5 أكتوبر أخطرت الجميع بأن إسرائيل في حالة تعبئة شاملة طارئة وأنها اكتشفت نوايانا الحقيقية, مهنئا الجميع لأن الوقت متأخر بحيث لن تتمكن إسرائيل من تغيير الأوضاع علي الجبهة المصرية بصورة فعالة. وبذلك تحققت أول مفاجأة واقتحمنا خط بارليف والعدو في أضعف أوضاعه التعبوية وقدراته. في اقل مستوي لها
وفي فجر6 أكتوبر, في غرفة العمليات الرئيسية, تم طي خرائط المشروع التدريبي, الذي تم تحت ستاره نشاطنا واحتلال مراكز القيادة في الأيام القليلة السابقة, ونشرت خرائط العمليات الهجومية في صمت رهيب..
في الساعة الواحدة وصل رئيس الجمهورية والقائد العام إلي غرفة العمليات, وفي الساعة الثانية عبرت القناة فوق رؤوس قواتنا002 طائرة مصرية إلي أهدافها في سيناء وبعبورها بدأت مدفعيتنا القصف التحضيري المكثف علي خط بارليف, مع عبور عناصر الاستطلاع وعناصر الصاعقة إلي غرب القناة. وفي الساعة الثانية والنصف بدأت الموجة الأولي من جنود المشاة في عبور القناة واقتحام خط بارليف.
أطلقت الحرية ورفعت كل القيود علي استخدام كل أفرع وتشكيلات القوات المسلحة لعناصر استطلاعها وتنفيذ خططها للحصول علي المعلومات عن العدو الذي تواجهه, ورفع عن كاهلي هذا العبء الذي كانت إدارة المخابرات الحربية تحمله طوال فترة وقف إطلاق النار. وبدأت في تلقي معلومات وتقارير رؤساء استطلاع الجيوش الميدانية والقوات البحرية والجوية والدفاع الجوي.
ووجهت جهودي وموارد القيادة العامة إلي العمق والموقف الاستراتيجي ومراقبة بناء القوات الإسرائيلية والاحيتاطيات الإسرائيلية التعبوية والإستراتيجية, إلي جانب مراقبة ومتابعة الموقف السياسي في إسرائيل والمنطقة والموقف الأمريكي.
بحلول الثامنة من صباح7 أكتوبر كانت قواتنا في81 ساعة قد عبرت أصعب مانع مائي في العالم وحطمت خط بارليف, وكبدت إسرائيل آلاف الأرواح, ومئات الدبابات, وعشرات الطائرات, وأصبح للقوات المسلحة المصرية علي الشاطئ الشرقي للقناة5 فرق مشاه كاملة مدعمة ومعها0001 دبابة وكانت هذه هي المفاجأة الثانية لإسرائيل, التي تحدث عنها الجنرال ديفيد بن اليعازر رئيس الأركان الإسرائيلي في مذكراته قائلا لقد كانت الإشارات تتوالي بشكل مذهل. كنا بقدر الإمكان نحاول المحافظة علي هدوء أعصابنا, لكن بعد وصول إشارة بأن المصريين تمكنوا من إنشاء عشرة كباري مشاه وأن الدبابات والعربات المجنزرة والمعدات الثقيلة بدأت في العبور إلي الضفة الشرقية للقناة, لم نستطع أن نتوازن بشكل دقيق أو نفكر في شيء, بل سيطر علينا الذهول المقرون بخيبة الأمل..
وكانت المفاجأة الثالثة لإسرائيل هي حائط الصواريخ المضاد للطائرات المصري, الذي أفشل كل محاولات إسرائيل في استخدام قواتها الجوية عنصر تفوقها الأساسي والتي كانت في حالة استعداد كامل للقتال فشلت بما تكبدته من خسائر في إصابة أهدافها في منع العبور أو تدمير كباري العبور, أو دعم القوات التي بدأت في الهجمات المضادة المبكرة.. الأمر الذي أدي إلي سحبها من المواجهة المباشرة مع عناصر الدفاع الجوي المصري وحرمان قوات إسرائيل الرئيسية من دعمها وهكذا فإن عدم توقع المفاجأتين الثانية والثالثة في إسرائيل- التي كانت تؤمن باستحالة عبور مصر للقناة- تسبب في وقوع المفاجأة الأولي وهو تحرك القوات المسلحة المصرية للهجوم وشن الحرب..
وفي اليوم الرابع للقتال9 أكتوبر كانت قواتنا المسلحة قد حققت المهمة المباشرة علي الجبهة المصرية, وأنشأ كل من الجيشين الثاني والثالث, كل رأس كوبري بعمق5121 كيلومترا, يشمل خطوطا مدعمة جعلت منه صخرة تكسرت عليها كل الهجمات المضادة الإسرائيلية.
وعلي الجبهة السورية كانت القوات الإسرائيلية تمكنت من صد الهجوم السوري, وانتقلت المبادرة إلي إسرائيل التي تمكنت من التفوق علي القوات السورية, وردها إلي موقعها, ثم بدأت إسرائيل في قصف دمشق.
وبعد تحقيق المهمة المباشرة علي الجبهة المصرية, توقفت قواتنا علي الخطوط التي وصلت إليها في ما سمي بوقفة تعبوية, مدعمة دفاعاتها ومحققة توازنا تعبويا واستراتيجيا بالأنساق والاحتياطيات, وذلك في ظل حائط الدفاع الجوي القوي.
وماذا حدث بعد ذلك هل فقدنا السيطرة بسبب ما سمي ب تطوير الهجوم؟
{{ لست أدري كيف ولماذا يتكفل حكامنا بمبادرات شخصية منهم ضد كل منطق وتقدير سليم, بجلب الكوارث وإفساد الإنجازات! فكما قرر عبد الناصر إغلاق خليج العقبة وطرد القوات الدولية من سيناء وتعبئة وحشد القوات المصرية إلي سيناء من دون مبرر عام7691, ليشن حربا لم يكن مستعدا لها ولتحل كارثة لا زلنا نعاني منها حتي الآن, قرر السادات يومي11 و21 أكتوبر3791 تطوير هجوم قواتنا من رؤوس الكباري شرقا, لتخفيف الضغط عن سوريا.
وبينما تحمس المشير عامر لقرار ناصر, وألقي بنفسه وبمصر إلي التهلكة في76, فإن اقتراح السادات في أكتوبر37 لقي معارضة شديدة من قيادات عسكرية مسئولة
وأجمع الجميع وأنا منهم علي أنه كان من الضروري تطوير الهجوم متابعة لتحقيق قواتنا لمهمتها المباشرة يوم التاسع من أكتوبر, استغلالا لكل الظروف الميدانية والإستراتيجية التي كانت متوفرة يومئذ, مع تقليل تأثير التفوق الجوي الإسرائيلي خارج رؤوس الكباري بالتلاحم والتداخل بين القوات المهاجمة والعدو المدافع الأمرالذي يفقد طيرانه القدرة علي التدخل لعدم تمكنه من تمييز العدو من الصديق في هذا الوضع, والمناورة السابق التخطيط لها بوسائل الدفاع الجوي شرقا لمد مظلة الدفاع الجوي الصاروخي إلي عمق المهمة التالية.
تطوير الهجوم تم كما روج لتخفيف الوضع علي سوريا ؟
{{ الأمر يوم41 أكتوبر كان مختلفا تماما.. فلا تطويرنا لهجومنا يمكن أن يؤثر علي الموقف في سوريا, وكل الظروف الميدانية لم تكن تعطي لمثل هذه المغامرة أية فرصة للنجاح. وكان الثبات والصمود والتوازن علي خط المهمة المباشرة كفيلا بإيقاع أكبر خسائر في العدو وإطالة أمد الحرب إلي ما لا تستطيع إسرائيل تحمله
ولكن الأمر صدر ونفذ وفشل, فقد بدأ الهجوم في السادسة والنصف صباح41 أكتوبر علي اربعة محاور.:. اثنان منها في قطاع الجيش الثاني واثنان في قطاع الجيش الثالث وتوقف هجوم قواتنا بعد أن خسرنا052 دبابة. في يوم واحد ولكن القتال استمر يوم51 أكتوبر حيث بدأت ثغرة الدفرسوار...
كيف وقعت الثغرة وهل كانت مفاجأة عسكرية للجيش المصري ام كانت امرا متوقعا ؟
{{ بصرف النظر عما كتب من جانب من حاولوا حفظ ماء الوجه من القادة الذين نشرت مذكراتهم أو الموقف المضاد للفريق الشاذلي في مذكراته..
فإنه اعتبارا من51 أكتوبر, ومع ارتداد القوات التي كانت قائمة بتطوير الهجوم إلي رؤوس كباري الجيوش بعد خسائرها, امتلك العدو زمام المبادرة ووجد منفذا إلي الغرب في نقطة اتصال الجيشين الثاني والثالث منطقة الدفرسوار وبعد أن أزاح الجانب الأيمن للجيش الثاني شمالا في معركة دبابات طاحنة, بدأ في دفع قواته إلي الغرب مستخدما قوارب وعائمات, ثم تطور المعبر إلي كوبري أصم( بردم المجري الرئيسي لقناة السويس في موقع الكوبري).
وقد عبرت إلي الغرب مجموعتا عمليات: الأولي بقيادة ارييل شارون والثانية بقيادة الجنرال آدان, هددا مؤخرة الجيش الثاني بالعمل في اتجاه الاسماعيلية, بينما كان المجهود الرئيسي هو الاتجاه شمالا لقطع طريق السويس وعزل الجيش الثالث وقد تم ذلك بالتزامن مع إبرار جوي علي جبل عتاقة وبحري في منطقة الأدبية.. وذلك دون اعتبار لقرار وقف إطلاق النار رقم833 الذي صدر في22 أكتوبر37, ثم القرار933 في32 أكتوبر الذي أكد علي عودة القوات إلي الخطوط السابقة.. وبذلك توقف القتال فعليا في82 أكتوبر3791.. وبدأت المفاوضات
وقد شهدت هذه الفترة اختلافات بين القيادات الميدانية والقادة داخل القيادة العامة.. وساهم ذلك كله في تقليل فعالية وحسم الأعمال العسكرية المضادة والاستخدام الأمثل للاحتياطيات ضد القوات الإسرائيلية التي اخترقت القناة غربا. الأمر الذي مكن القوات المندفعة جنوبا لقطع طريق السويس أن تقوم بذلك اعتمادا علي حركة دباباتها وانعدام ردود الأفعال من الجانب المصري.
ولا يغير من الواقع شيئا أن أذكر هنا إن إدارة المخابرات الحربية شاهدت معدات العبور الإسرائيلية تلك في بداية تحركها من بئر سبع ورصدت مناطق تشوينها وأخطرت القادة بذلك. كما أننا رصدنا العبور الإسرائيلي حيث كانت لنا نقطة ملاحظة في منطقة الدفرسوار علي إحدي السفن الغارقة في القناة كنا نتابع منها ونخطر عن تطور العبور غربا..
كيف تقوم آداء السادات في المعركة وما قبلها؟
{{ منذ تولي السلطة كرئيس لمصر في1971, أعتقد أن الرئيس السادات كان قد حسم أمره بالتوجه إلي أمريكا والإبتعاد عن السوفيت والألتحاق بحلفاء أمريكا في المنطقه.
وكان يعلم أن التفات أمريكا إليه واستعداد إسرائيل لتغيير أوضاع1967 لن يتحقق إلا بعمل عسكري يقوض الثوابت الذي بنت عليها أمريكا وإسرائيل والعالم مواقفها من إسرائيل التي حققت بنصرها في67 السلام والأمن في المنطقة.
وهكذا كان الرجل يمشي علي حبل رفيع يعد للحرب بمساعدة السوفيت ويتلمس مدخلا إلي الولايات المتحدة ليضمن التفاتها إليه, ووصل إلي عام73 وقد حقق الممكن في هذا المجال, فقد وصلت القوات المسلحة المصرية بالأسلحة السوفيتية والإعداد إلي ما يمكنها من عمل عسكري يتحدي نظريات الأمن الإسرائيلي, كما حقق السادات اتصالا مباشرا مع البيت الأبيض ممثلا في هنري كسنجر مستشارالرئيس الأمريكي نيكسون للأمن القومي عن طريق حافظ اسماعيل مستشار السادات للأمن القومي.
ونقرأ هذا في الأسلوب الذي أدار به السادات هذه المرحلة التاريخية في عدد من الأمور:
الوقفه التعبويه يوم9 أكتوبر, والثبات علي رؤوس الكباري12 15 كم شرق القناه.
في البرقيه التي أرسلها السادات إلي كيسنجر يوم7 أكتوبربعد حوالي20 ساعه فقط من بدء القتال يطمئنه بأن مصر لا تعتزم تعميق مدي الاشتباكات أو توسيع مدي المواجهة.
من الرسائل المتبادله مع كيسنجر بين7 أكتوبر و6 نوفمبر( يوم وصل كيسنجرإلي مصرتلبية لدعوة السادات في أول زيارة له للمنطقة) والتي تتناول المستقبل وتحقيق السلام في المنطقة.
ولم يقبل كسينجر زيارة مصرإلا بعد وقف إطلاق النار و بعد أن حققت إسرائيل أهدافها العسكرية غرب القناة.
واستقبله الرئيس السادات يوم7 نوفمبر73 ملقيا بنفسه وبمصر بين يديه قائلا بعد اللقاء أنه يثق به وأنه كما لوكان صديقا منذ زمن طويل, وهكذا قاد العزيز هنري مصر ورئيسهافي طريق التنازلات حتي كامب ديفيد.
هل كنا فعلا نحارب أمريكا كما قال السادات؟
{{ منذ بدء الحرب في6 أكتوبر قررت الولايات المتحدة الأمريكية وضع الشرق الأوسط علي رأس أجندتها, لأن الوضع الذي ساد المنطقه منذ1967 لم يعد ممكنا أن يستمر وتوقعت هزيمة للقوات المصرية والسورية ما يجعلها بعد ذلك قادرة علي إقامة سلام باتفاق متبادل بين الأطراف بدلا من القهرالعسكري والاحتلال سلام يحقق أهداف إسرائيل ومصالح أمريكا. ولكن النصرالذي حققته مصر لم يجعل إمكانية تحقيق ماتستهدفه أمريكا في المنطقه ممكنا, فكان القرار الأمريكي بضرورة تمكين إسرائيل من تحقيق وضع عسكري علي الجبهة المصرية يمكن من تحييد النصر المصري وآثاره علي النتائج السياسية.
ولذلك وصل إلي إسرائيل المسئولون العسكريون الأمريكيون والخبراء بالمنطقه وساهموا في التخطيط لإدارة الحرب. كما تم تزويد إسرائيل فورا بالمعلومات والصورالجوية التي تمكنها من متابعة دقيقة لموقف القوات المصرية وتطور نشاطها في العمق, وفتحت أمريكا الباب وأرسلت المتطوعين العسكريين للمشاركة في القتال ثم أمدت إسرائيل بأسلحة حديثه تمكن من قصف وإصابة الأهداف من خارج نطاق أسلحة الدفاع الجوي المصري
وبذلك بدأت القوات الجوية الإسرائيلية في تكبيد القوات والمواقع والمعدات والأسلحة المصرية خسائر مؤثرة من مدي لا تستطيع وسائل الدفاع الجوي المصرية بلوغه. وباستغلال خطأ تطوير الهجوم والعبور الإسرائيلي إلي غرب قناة السويس, كان العمل العسكري الإسرائيلي المضاد الذي تدعمه أمريكا لتحقيق موقف علي الجبهه المصريه يوازن النصر العسكري المصري يتحقق.
وقامت أمريكا بتأجيل قرارات مجلس الأمن لوقف إطلاق النار إلي يوم22 أكتوبر حيث صدر القرار338 وسمحت لإسرائيل أن تواصل إستغلال نجاحها حتي تمكنت من قطع طريق القاهره السويس مع تدمير أكبر قدر من قواعد الصواريخ غرب القناه, ولم يتوقف القتال فعلا إلا يوم28 أكتوبرولم تنفذ إسرائيل قرارات مجلس الأمن بالارتداد إلي خطوط يوم22 أكتوبر.
هل كانت أكتوبر أخر الحروب فعلا ؟
{{ بالنسبة لنا فقط, أما إسرائيل فلم تلق السلاح بعد, لأنها أطمأنت إلي أن الجبهة المصرية لم تعد تهددها
كيف بدأت المفاوضات التي شاركت فيها ؟
{{ كان الرئيس السادات هو المفاوض الأوحد مع كيسنجر تقررت وفق مباحثات جنيف كل خطوة في مسار العلاقات المصرية/ الإسرائيلية منذ وقف إطلاق النار.
بدأت مفاوضات الكيلو101 بأول لقاء رسمي بين وفد مصري برئاسة اللواء الجمسي وعضوية العقيد أركان حرب فؤاد هويدي والمستشار عمر سري من وزارة الخارجية, مع وفد إسرائيلي برئاسة الجنرال أهارون ياريف في الواحدة والنصف بعد منتصف الليل يوم82 أكتوبر3791, تحت علم الأمم المتحدة وبحضور ممثل لقوات الطوارئ الدولية لنتفيذ القرار833 لمجلس الأمن بوقف إطلاق النار علي الخطوط التي كانت عليها القوات يوم22 أكتوبر. وهكذا كان اللقاء يستهدف تطبيق هذا القرار الذي كان يسمح, لو تم تطبيقه, بتحرير طرق إمداد الجيش الثالث الميداني وتحويل الثغرة الإسرائيلية إلي جيب صغير محاصر.. لكن الحقيقة أن الأمر كان قد استقر بين السادات وكيسنجر علي قبول خطوط82 أكتوبر, وعلي البدء في التعاطي مع مشروع فض الاشتباك مع ترتيب قوافل إمداد إلي مدينة السويس والجيش الثالث الميداني بالاحتياجات غيرالعسكرية, وقد شاركت في مفاوضات الكيلو101 علي طريق مصر/السويس ثم في مؤتمر سلام دولي في جنيف الذي, انبثقت منه لجنة عسكرية ثم في لقاء ميناهاوس في القاهرة.
كما جري لقاء مع وزير الدفاع الإسرائيلي عيزرا وايزمان في زيارة قضيناها في جناكليس, وكان الوفد المصري برئاسة اللواء الجمسي وعضوية اللواء حسن الجريدلي وأنا, وشاركت مع اللواء الجريدلي في لقاء السادات ومناحم بيجين في الإسماعيلية.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية خلف الرئيس كارتر نيكسون, وخلف سايروس فانس كيسنجر كوزير للخارجية.
تغيرت الوجوه ولم تتغير الأحداث الاستراتيجية لإسرائيل وأمريكا.. فهي مصالح عليا يلتقي عليها الحكام والمعارضة, كما أن الرئيس السادات واصل توثيق علاقته بنظام حكم كارتر في أمريكا, ومناحم بيجين ووزرائه في إسرائيل.
فكانت المفاوضات تجري لوضع تفاصيل ما اتفق عليه الرئيس السادات أو كمجال لاختبار استعدادات كل طرف لقبول مقترح أو للمرونة في موقف.
ماذا كان دوركم كمفاوضين عسكريين؟
{{ تركزت جهود المفاوضين العسكريين علي تحقيق أفضل تفاصيل, وتجنب سلبيات كل قرار إلي أقصي مدي ممكن.
فمثلا في الكيلو101 اتفقنا علي عدد السيارات التي تدخل السويس في أول قافلة إمداد للمدينة والجيش الثالث, ولم تذكر الحمولة, فكانت قافلة من أقصي الحمولات الممكنة, إذ لم نكن نعلم ماذا يمكن أن يحدث غدا, فزودنا المدينه والجيش بأقصي ما يمكن.
وفي زيارة عيزرا وايزمان وزير الدفاع الإسرائيلي الأولي, وفي جناكليس حيث دارت المفاوضات, أطلق وايزمان بالون تبادل الأرض مع مصر حفاظا علي مستعمرة ياميت قرب الشيخ زويد بين العريش ورفح لتأخذ مصر جزءا من النقب, ويكتمل حصار إسرائيل لقطاع غزة وتنقطع أية صلة برية بالقطاع, ولقي وايزمان الرد الذي قضي علي الفكرة.
وفي القدس خلال المرحلة الخاطفة للوفد المصري المرافق للوزير محمد إبراهيم كامل, وحفل العشاء, كان يجلس إلي جواري الجنرال شارون الذي أسهب في الحديث عن أمن إسرائيل ومدي تعرضها للتهديد وحاجتها إلي مساحة آمنة حولها تؤمنها ورددت عليه بما أعرفه عن تاريخه الدموي منذ8491 باللياقة التي يستدعيها الموقف ومتسائلا عمن يحتاج إلي المساحة الآمنة..
وفي اللجنة العسكرية المنبثقة عن مؤتمر جنيف, وكنت أتولي مناقشة القوات التي يسمح بها في جنوب سيناء, وكنا طبقا للتعليمات نستهدف وضع كتيبة.. هب قائد الجبهة الجنوبية الإسرائيلية معترضا بأنه قبل76 لم يكن فيها أكثر من001 جندي, فأجبته بأن هذا صحيح, وأنك إذا وضعت001 جندي في الوردية الواحدة تحتاج إلي003 لثلاث دوريات بالإضافة إلي001 في الإجازة.. وبنص العناصر الإدارية يصبح الأمر في حاجة إلي كتيبتين, فصدم الرجل ودون وعي قال انت كاذب.. فأقمت الدنيا ولم أقعدها, ورفعت الجلسة وطلبت من مندوب الأمم المتحدة استدعاء راعيي المؤتمر المندوب الأمريكي والسوفييتي وذهبنا إلي غرفة الوفد المصري انتظارا للنتائج بعد أن هددنا بالعودة إلي القاهرة. وهرع الجميع في محاولة لتهدئتي, وقدم الإسرائيليون الاعتذارات, وشطب من محضر الجلسة ما قيل, و فزع الأمريكيون من دعوتي لراعيي المؤتمر, فلم يكونوا يودون أن يكون للسوفييت دور في الشرق الأوسط أو مفاوضاته أبدا..
ثم توليت مناقشة نقل آبار البترول من إسرائيل إلي مصر, وكان النص يقول بالإنجليزية ما ترجمته: تتعهد بإسرائيل بأن تنقل إلي مصر كل الآبار والمنشآت الخاصة بالبترول سليمة. وكنت أعلم أن آبار البترول البحرية إذا أطفئت ليعاد تشغيلها فقد لا تعمل كلها مرة أخري, وأصررت علي أن كلمة سليمة تعني عاملة أيضا. وطال النقاش واحتد, لكن تجربتهم السابقة معي حدت من تطور الأمر.. ومنعا لتصعيد الموقف تم قبول الطلب المصري.
وحيث إننا كنا نتفادي التعامل المباشر بين مصريين وإسرائيليين تم إدخال شركة إيطالية لتتسلم الآبار من إسرائيل وتسلمها إلي مصر.
وكان هناك نمط ثابت في الأسلوب الإسرائيلي, فهو دائما يسهب في وصف الفوائد التي تعود علينا من مقترحه, ويستقبل كل مقترح لنا باهتمام وتفهم ويعتذر دائما بأنه بالرغم من منطقية ما نقترحه وقناعته به إلا أن لديهم معارضة تتربص بهم وتتهمهم بالخضوع لمصر وتسعي للإطاحة بحكومتهم المعتدلة. ولم يعط مسئول إسرائيلي مهما علا مركزه أبدا موافقة علي شيء في جلسة مناقشة, وكان دائما يعد بالرد بعد الرجوع إلي مراجعة رؤسائه أو الكنيست أو اللجان المختصة الوزارية.. المهم أن يأخذ الوقت لمراجعة نفسه ولتحسين موقفه.
ماذا استفادت مصر من هذه التجربة ؟
قدم السادات العسكريين لأول لقاء رسمي مباشر مع إسرائيل, ثم تابع وضعهم في مقدمة الصورة كواجهة لإدارته المنفردة لعلاقة مصر بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في هذه الفترة التاريخية التي أعقبت حرب أكتوبر3791. فها هم محققو النصر يتفاوضون ليجنوا ثماره وهم أحرص الناس علي تحقيق الأفضل.
وفي كامب ديفيد لم يكن هناك عسكريون فلم تعد هناك حاجة إليهم, فهذه هي آخر الحروب, وقد تم الاتفاق علي سلام استقال وزير الخارجية المصري رفضا لشروطه, وعارضه معظم الوفد المصري المرافق له
انسحبت إسرائيل من سيناء ولم تدخلها القوات المسلحة المصرية, وصار لنا عدو في الغرب اسمه ليبيا, استدعي تدعيم المنطقة العسكرية الغربية وحشد قوات بها علي مسافة0001 كيلومتر من إسرائيل, وهاجمنا مساعد وجغبوب الليبيتين, وصار لقواتنا المسلحة تمركز دائم في مرسي مطروح والسلوم بدلا من العريش ورفح وأبو عجيلة.. وبدأ السلام.. يا سلام!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.