كتب: السنوسي محمد السنوسي لماذا ترفض الجلوس بجوار مريض مصاب بالجرب أو التينيا، أو أي مصاب بمرض ينتقل بالعدوى؟ هل توافق على الجلوس في غرفة واحدة مع مجنون فَقَد عقله تماما؟! ما هو شعورك إذا عَلِمت أن مَن يجلس بجوارك في كرسي الأوتوبيس مريض بمرض صدري ينتقل بالتنفُّس والاقتراب الشديد؟ الإجابة طبعا -التي لا أظنّ أن أحدا يختلف عليها- هي أن الإنسان سيُحاول بكل طاقته أن يبتعد عن مثل هؤلاء الأشخاص، وأنه سيسعى للحافظ على صحته، "فمافيش حد بايع روحه" كما يقال. أمال إيه الحكاية؟؟!! لماذا نرضى أن نخالط أصحاب الضمائر الفاسدة والذمم الخربانة والعقول الزائغة من أصحاب الحزب اللاوطني المنحل، بينما نحن نفرُّ من المجذوم فرارنا من الأسد؟! هل هانت علينا عقولنا وضمائرنا أكثر من أجسادنا، حتى نرضى أن نخالط الغشّاشين والمرتشين والفاسدين، ولا نخالط الذين هم بشر مثلنا، ولكن الله سبحانه قد ابتلاهم ليختبرهم ويختبرنا معهم؟! (طبعا الفارق واضح وشاسع بين المرضى وبين الفاسدين). الأولون هم بشر تجب لهم كل العناية والاهتمام، وهم امتحان لنا من الله ليرى كيف نصبر على حُسن معاملتهم ونهتمّ بهم.. وهذا لا يتعارض أبدا مع كوننا نأخذ الاحتياطات اللازمة فيما يُسمّى "الحجر الصحي"؛ فنحن كما قال سيدنا عمر بن الخطاب: "نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله". أما الآخرون من أعضاء الحزب المنحل الذي قامت الثورة نتيجة سياساته الحمقاء الخرقاء الرعناء.. وهلمَّ جرا، فهم ليسوا "ابتلاء" من الله بل "عقوبة"، نتيجة أننا رضينا وسكتنا عن ظلمهم وفسادهم أكثر من 30 سنة.. فهل يُعقَل أنه إذا جاءت ساعة الحساب، ونجحت الثورة بفضل الله ثمّ بفضل الذين حملوا أرواحهم على أكفهم.. هل يُعقل أن يوجد لهؤلاء مكان بيننا بدعوى التسامح واستيعاب تعدّد الآراء؟! لقد أخذوا فرصتهم وزيادة في المناصب وتولّي شئون الدولة، فماذا فعلوا؟ أفسدوا وضلّوا وأضلّوا.. وباعوا أوطانهم وشعبهم بثمن بخس دراهم معدودات وكانوا فيهم من النصَّابين!! ربما يعترض أحدهم ويقول: كان منّا شرفاء كثيرون، وكنّا نعارض الحكومة ولكن لا أحد يسمع لنا، وقد دخلنا الحزب الوطني حتى نتمكّن من خدمة أهالي دائرتنا!! وأقول لهم: هذه الحجج التي يبدو أن ظاهرها صواب، هي هراء في هراء في هراء.. وقُول من هنا لِبُكره!! • أولا أنا لا أعتبر أن كلمة "الشرف" مقصورة على مَن لم يختلس ويسرق فقط؛ لأنه ما قيمة الشرف إذا كان هناك شخص لا يسرق من مال الدولة ولكنه -مثلا- عندما يتمّ التصويت على التمديد لقانون الطوارئ فإنه لا يبدي أي اعتراض؛ بل يكون أوّل الموافقين؟! وما قيمة الشرف حين يشترك صاحبه في التمهيد لأكبر جريمة كانت ستحصل في تاريخ مصر وهي جريمة التوريث، حتى إن كانت ستتمّ بشكل قانوني وديمقراطي.. فكم من الجرائم تتمّ باسمك يا أيتها الديمقراطية؟! وما قيمة الشرف إذا كان صاحبه مجرد تِرْس سليم في ماكينة بايظة؟! هذه مجرد أمثلة فقط في أننا نختزل معنى كلمة "الشرف" في أشياء صغيرة، ونغفل عن المعاني الكبرى والأشد خطورة. • ثمّ مَن قال إن الذين كانوا يُعارضون الحكومة من أعضاء الحزب الوطني كانوا يعارضون عن اقتناع ورغبة حقيقية في التغيير والإصلاح ومقاومة الفساد؟! يكفي أن نعلم أن صاحب عبارة: "الفساد في المحليات للركَب" هو السيد النائب المحترم (أوي أوي!!) زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية.. لا ردّهما الله أبدا! فهي كانت معارضة شَكْلِية لاستكمال "الديكور" الديمقراطي من ناحية، ولتفويت الفرصة على أحزاب المعارضة بسحب بعض الملفات من يدها من ناحية أخرى، ولإظهار الحزب المنحل كما لو كان حريصا على مصلحة الناس، وكما لو كان يصحح نفسه بنفسه من ناحية ثالثة.. ولا عزاء للشرفاء! • أما أن البعض دخل الحزب الوطني ليخدم أهالي دائرته من خلال التيسيرات الممنوحة لأعضاء الحزب؛ فهذا عين الهراء، وهزل في موضع الجد. لأنه لو امتنع كل الشرفاء عن الانضمام لهذا الحزب الفاسد لما وجد أحد ينضمّ إليه إلا اللصوص وأصحاب الوجوه المرفوضة شعبيا، أما هؤلاء "الشرفاء" الذين كانوا في الحزب المنحل -وقد كانوا قلة قليلة جدا جدا- فقد كانوا يقومون من حيث لا يدرون بغسل وجه الحزب القذر أمام الشعب، فيبدو كما لو كان جميلا، وهو في الحقيقة قبيح في الظاهر والباطن. • العجيب أن قانون العزل السياسي الذي نادت به الثورة لم يصدر حتى الآن، وما زال القائمون على إدارة البلاد يُصرون على أن منع النواب السابقين للحزب الوطني المنحل سيكون من خلال القضاء!! (وموت يا شعب عقبال ما يصدر حكم قضائي بإدانة أحد بالرشوة أو الفساد). يا سادة يا كرام.. أي ثورة عندما تقوم فإنها تلجأ إلى المحاكمات الثورية وإلى عزل كل أعضاء النظام الذي قامت الثورة عليه.. وفي بعض الثورات كان يتمّ هذا بشكل دموي وعنيف. وإذا كنا رفضنا في مصر المحاكمات الثورة الاستثنائية واللجوء إلى القتل والعنف، وحرصنا على الثورة السلمية البيضاء؛ فأقل شيء هو العزل السياسي.. (أُمّال الثورة قامت ليه.. هل قامت لنرى نفس "الوشوش" الكالحة؟!). وأقول لهؤلاء الذين يقولون إنهم كانوا الشرفاء في الحزب الوطني.. لنفترض أنكم صادقون: يا أسيادنا نحن استغنينا عن خدماتكم، خلاص.. الشعب عايز وجوه جديدة، الإنسان لو بياكل لحمة كل يوم بيزهق (أنا عارف إن فيه واحد ناصح دلوقتي بيرد عليَّ ويقول: هي فين اللحمة دي؟!) الشعب بيشكر لكم خدماتكم طوال ال30 سنة، أرجوكم اتركوا الفرصة لدماء جديدة (هذه ليست دعوة للعنف بمناسبة الدماء الجديدة!!) اتركوا غيركم يجرّب حظه.. يمكن -لا قدّر الله- نقول: فين أيامك يا حزب يا وطني يا منحل. يا رب ما أشوفش اليوم ده ولا ييجي أبدا.. قادر يا كريم!!