تفترق سحابتان في منتصف سماء ميدان التحرير ليسمحان لشمس الظهيرة بإلقاء أشعتها على القابعين أسفلها لتكشف النقاب عن لوحات عديدة معلقة تدعم وتؤيد الثورة، فهذه نقابة المهن التمثيلية تدعم ثورة 25 يناير التي انقلبت على هذا النظام الفاسد، وهذه نقابة المهن التمثيلية تقف بجوار ثورة 25 يناير التي حررت المصريين جميعاً، والنقابة العمالية تلتحم مع ثورة 25 يناير وكلية العلاج الطبيعي تهلل للثورة نفسها التي رفعت رأس مصر عالياً. وأسفل اللافتات المعلقة جلس مجموعات من الشباب بعيون غارقة في الدموع من مختلف الأطياف، أغنياء وفقراء، سلف وإخوان، شباب وكهول وشيوخ، يشاهدون ثمار الثورة التي رووها بدمائهم وطرحت لهم الحرية، فكانت تتابع شاشة العرض العملاقة المعلقة بميدان التحرير تتابع مختلف القنوات الإخبارية التي حملت جميعها عنوان واحد "ثورة 25 يناير المصرية تجبر الرئيس على التنحي والجيش يتولى إدارة الأمور".
بالتأكيد بينما أنت تقرأ هذه السطور يجري تنافس رهيب بين جماعات وأطياف مختلفة رغبة في صعود الجيتسكي وركوب موجة الثورة، كي يحصل على نصيبه المفضل في التورتة، سواء كريمة وزارة المالية، أو شكوكولاتة وزارة الداخلية وكل واحد ونفسه.
المشهد نفسه ستجده بصورة أوضح على شاشات قنوات التليفزيون التي تتسابق من أجل استضافة رؤساء أحزاب لا تمثيل لها سوى في رئيسها، قبل أن يقدموا شباب يقولون أنهم متحدثون باسم التحرير في حين أنه لا يمثل سوى اسمه ونفسه. وتشارك فيها كل الأجيال قال الله وقال الرسول وانا اللي عن التحرير مسئول الجماعات الإسلامية والإخوانية هي الآخرى لعبت دوراً كبيراً في إبقاء الثورة على قيد الحياة في التحرير خلال الفترة الماضية عن طريق ما دعموه بها من بطاطين ومخيمات وملصقات عملاقة لصور الشهداء هذا واقع لا يمكن إنكاره.
ومما لا يمكن إنكاره أيضاً أن حضورهم في الميدان كان أمراً ملحوظاً ولافتاً سواء بالأعداد أو بالفاعلية من خلال بناء المراحيض العامة في قلب الميدان أو تبادل الحراسة على مداخل ومخارج الميدان المختلفة.
وبالتأكيد القيادات الإخوانية ستسعى خلال القادم من الأيام إلى الحديث في وسائل الإعلام عن ثورة التغيير وثورة التحرير وحضورها ونضالها وقد تسعى إلى اختطافها وسنبها إلى نفسها.
ولكن يجب على التيار الإسلامي (بشقيه السلفي والإخواني) أن يعلم أن هذا الوقت هو ليس وقت توزيع التورتة ويجب ألا يعجلوا بقطف ثمار الثورة وألا يحاولوا حتى أن يمسكوا بعجلة القيادة لأن ألف يد أخرى ستطال أياديهم وستختل العجلة وتنقلب العربة عن بكرة أبيها.
الأحزاب وسياسة: الثورة عليكو والتفاوض علينا موقف الأحزاب هو الآخر كان مفضوحاً بدرجة لا تنطلي على عقل طفل ساذج، فهذا الحزب الناصري يعلن عبر قياديه البارز سامح عاشور قبل يوم 25 أنه لن يشارك في ثورة لا أب لها، ثم يعود كي يعلن دعمه للثورة، وهذا حزب الوفد يرفض أن يشارك في الثورة بشكل رسمي مع ترك الحرية الفردية لأعضاء الحزب بالنزول للشارع ثم يعود للمشاركة بكل قوته.
ولكن الآن هم جميعاً في واجهة الصورة، يتحدثون باسم شباب لا يمثلونهم، ويحتفلون بنصر لم ينتزعوه بجهدهم، كل يسعى لمطالب فئوية، كل يلهث بعين على الثورة وعين على مناصب وزارية.
فيا أهل الأحزاب هؤلاء الشباب كانو أذكى من أن تمتطوهم، فحذار من أن ينفضوكم من فوق ظهوركم فتسقطوا صرعى، إن كنتم تنوون أن تكونوا جزء منهم فليكن وإن لم يكن فلتعودوا من حيث جئتم صياما عن الحركة سكاتا عن الحق.
أن تكون رئيس ديليفري جميع وسائل الإعلام بحثت دون ضجر يوم 25 يناير عن السيد البرادعي إلا أنها لم تجده واكتشفت فيما بعد أنه بالخارج بحجة أنه لا يريد سرقة الأضواء من الشباب.
والسؤال الآن: وماذا فعلت يا سيدي الفاضل خلال الفترة الماضية.. ألم تسرق الأضواء بما تفعله وحديثك باسم الشعب وباسم الأمة وكأن ناصراً قد بعث من جديد، وحديثك مع السفيرة مارجريت سكوبي ورفضك أن تقول لشعبك عما دار في هذا الحديث، وإلقاء كلمات فيها من الميوعة وعدم الوضوح حول مسألة ترشحك للرئاسة، وكأنم تأنف المنصب ولكن مجبرا عليه، وكأنك يخاطب عقولا سازجة.
سيدي البرادعي افعل ما تشاء ولكن لا تستخف وتستهن بذكاء شباب الثورة، فهم أدرى بمن كان معهم ومن كان عليهم، هم أدرى بمن كان يقف بجوارهم ومن كان يقف خلفهم، هم أدرى بمن كان يقودهم ومن كان يسعى لركوب ظهورهم، كي يكون رئيساً ديليفري معلب.
الشباب غير التاريخ وصنع المستقبل ثورة التحرير سيدة قرارها الثورة الآن مصيرها في يد الشباب ولا أحد غيرهم، شباب 25 يناير على كل طوائفهم، وعلى كل أشكالهم وألوانهم هم قلب الثورة ، هم لسانها الذي تكلم، هم ذراعها الذي تحرك وغير، وهم أيضاً وحدهم من سيمنع الذباب المتطفل الذي يهف حول الفاكهة كي يفسد محصولهم الذي زرعوه ولم يحصدوا ثماره بعد، مصر أولا والمطامع الشخصية ثانياً، وحدوا مطالبكم ولا تشتتوا جهدكم، لا تستعجلوا تصور ما بعد إسقاط النظام وليكن التركيز أولاً على إتمام إسقاط النظام والاحتفال بهذا النصر.
لقد فعلتم ما لم تفعله أجيال مضت، لقد أضرمتم النار في الظلم والفساد، لقد أزحتم نظام أصابه الانتفاخ من مص دماء المصريين على مدار سنوات وعقود، إن هذه اللحظة لحظتكم، إن هذا الانتصار غنيمتكم، فهنيئاً بأسمائكم التي ستُسطّر في كتب التاريخ بحروف من نور، هنيئاً للقب "ثوار" الذي استحققتموه عن جدارة، لقد أثبتم للعالم أجمع أنكم لستم مجرد "شباب فيسبوك"، لقد أثبتم أنكم رجال أنجبتهم مصر في لحظة عزة وكرامة، لقد أثبتم أنكم أرجل من كل من أهانوكم وقللوا من شأنكم بعد أن أعدتم لنا مصر التي اختطفت منا طوال 30 عاما مضت.
هذا المكان اليوم ملككم، تماما كما كان ميدان التحرير، افعلوا به ما تريدون، قولوا ما تشائون، اوصفوا أحاسيسكم كما ترغبون، هي بلد حرة وشبابها حر وكل ما فيها حر.