من هم أصحاب ثورة الشباب؟ أصحاب ثورة الشباب هم الشباب الذي لم يعرف اللون السياسي، والثورة ثورة شباب ضاقت بهم السبل، بحث بعضهم عن حرية، وبحث البعض الآخر عن حياة كريمة، ضاقوا بالقيود وضجروا من الوعود وفاض بهم الكيل فخرجوا لا يبتغون شيئا إلا تحقيق مطالبهم المشروعة. كان من الممكن أن يذهب الشباب إلي الأحزاب إن كانت هناك أحزاب، كان من الممكن أن يلوذ الشباب بالجماعات ولكن لم تكن للجماعات رؤية وطنية صائبة ولم ينجحوا في التعاطي مع الشباب فانصرف عنهم الشباب (شبابهم)، فكان الملجأ إلي حزب الشباب "الفيس بوك" ومن خلاله تحاور الشباب وتكلموا وعبّروا ورفضوا ، ثم تداعوا إلي الميدان. يقينا كان الشباب إذن هم من حرّكوا الأحزاب، وهم من جرّوا خلفهم جماعة الإخوان، لا فضل لحزبي أو إخواني علي الثورة، لهث الجميع خلف الثورة السلمية حتي تقطعت أنفاسهم، سمع الجميع من الشباب الهتاف الشهير "يا أهالينا انضموا إلينا" فاندّسوا بين الشباب الثائر الفائر في انتظار لحظة ما يخرجون من تحت إبط الشباب رافعين شعاراتهم ويظهرون علي الشاشة بوجوههم علي أمل أن يسجلوا ظهورا في الصورة، يمكنهم من بعض ثمار الثورة، مثل الثعالب الصغيرة، لعل ثورة الشباب تُصلح مفاسدهم وتُكَمِّل نقصهم ولكن هل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟. كان القناص الأكبر الذي ينتظر أن يقفز علي الثورة هو جماعة الإخوان، في البداية أخذت الجماعة موقف الترقب والحذر، أصدرت قبلها عدة تصريحات من خلال قادتها حيث قالوا إن أحدا لم يقم بدعوتهم إلي هذه التظاهرة وإنهم لا يعرفون ما الجهة التي دعت لهذا الموقف الاحتجاجي، خرجت تصريحات من عضو بمكتب الإرشاد قال فيها لن نشارك في أمر مجهول، وعندما سمعت جماعة الإخوان أن بعض القوي والحركات الاحتجاجية ستشارك بشكل أو بآخر خافت الجماعة أن تغيب عن الأحداث فقررت أن تشارك مشاركة رمزية ببعض رموزها يعدون علي أصابع اليد الواحدة ،إلا أنها أمرت شباب الجماعة بعدم المشاركة، ولكن عددا من شبابهم تمرّد علي قرارهم. تمرد شباب الإخوان الذين تعودوا علي ارتياد الفيس بوك والذين تفاعلوا مع باقي الشباب المصري، لم تستوعب عقولهم أن يتم حجبهم عن المشاركة لمجرد أن الجماعة رأت أن تتحسس الطريق أولا وتُجري حساباتها فتنظر إلي مصالحها الخاصة قبل أن تنظر إلي مصلحة الوطن، كان الانفصال بين الجيل القديم من الجماعة والجيل الجديد قد وصل مداه، كان جيل شباب الإخوان من المدونين و"الفيس بوكيين" مصدر قلق للجماعة. خرج العشرات من شباب الإخوان إلي ميدان التحريرغير آبه برغبة قياداتهم في المكوث بالمنازل، إلا أن هؤلاء الشباب لم يبدأوا في الانضمام إلا بعد مغرب يوم 25 يناير، ثم بدأت أعدادهم في التزايد في اليوم التالي بعد أن تشجع من حبستهم في المنازل أوامر القيادات، وبعد حين وحين أدركت الجماعة أنها أمام غضبة مصرية شبابية غير مسبوقة آنذاك قررت أن تظهر في الصورة وأدلت بعض القيادات بتصريحات قالت فيها إنهم سيشاركون في جمعة الغضب! وفي الجمعة ظهرت جماعة الإخوان بشكل واضح إلا أنها آثرت ألا ترفع شعاراتها أو تتمايز علي باقي المشاركين، لم يكن هذا من باب "ويؤثرون علي أنفسهم" ولكنه كان من باب استمرار الحذر والرغبة في الترقب فإن نجحت الغضبة وآتت ثمارها قال الإخوان كنا فيها ولكننا لم نرفع شعاراتنا رغبة منا في تقديم مصلحة مصر علي مصلحتنا، فإن لم تكن للغضبة ثمار فحتما كان سيكون لها تبعات أمنية حينئذ بوسع الإخوان أن يقولوا لم نشارك ولم نتشارك مع شباب الغضبة وإنّا كنا في بيوتنا ماكثين. كان يوم جمعة الغضب يوما فارقا في هذا الحدث إذ إن مواجهته بالقوة لا بالسياسة كان نذير خطراً، كانت رعونة وزير الداخلية السابق واستهتاره عاملا حاسما في تأجيج الغضبة وتحويلها إلي ثورة حقيقية، كانت دماء الشهداء هي الإعلان الرسمي للثورة. وحين أصبح الغضب ثورة كانت أوامر الإخوان هي الاستنفار التام داخل الجماعة وصدرت الأوامر لكل أخ أن يذهب إلي اعتصام التحرير وأن يصطحب معه زوجته وأولاده وجيرانه وبعض أقاربه إن استطاع إلي ذلك سبيلا، وهنا رأي شباب المعتصمين الآلاف من الإخوان ينقضّون علي المكان.. أهلا وسهلا فميدان التحرير يتسع للجميع... ميدان التحرير أصبح هو "الهايد بارك المصري" واحة الحرية وليس ملكا لأحد، وفي المحافظات كلها ظهرت مظاهرات الإخوان التي كان الكل يستطيع تمييزها عن غيرها وحدثت مناوشات ومحاولات لفرض السيطرة علي المشهد الثوري حتي إن الإخوان في الإسكندرية اضطروا يوم جمعة الغضب إلي الانزواء في صلاة جمعة خاصة بهم بعيدا عن الخطبة الرئيسية فكانت هناك جمعتان في مكان واحد رغم عدم جواز ذلك شرعيا!. وحين عادت شبكة الانترنت بدأ الإخوان في التلميح إلي أنهم هم أصحاب الثورة دون غيرهم! ففي موقع إخوان كفر الشيخ علي شبكة الإنترنت كتب بعضهم أن جماعة الإخوان هي صاحبة الثورة منذ اللحظات الأولي لها وأنهم هم من أعدوا لها ورتبوا لأحداثها، وفي بعض مواقعهم علي الإنترنت تكررت مثل هذه الترهات، ولتأكيد هذا الزعم بدأ الإخوان في ترتيب لجان نظام منهم ولجان لمقاومة البلطجية ولجان للإعاشة. حسنا فعلوا ولكن ليس هذا معناه أبدا أنهم هم أصحاب هذه الثورة، أصحاب الثورة هم شباب مصر، هم من سقط منهم الشهداء، لم يكن أي شهيد هو ابن للإخوان ولكنهم كلهم كانوا أبناء مصر، إلا أن هذه اللجان كانت هي دعاية الإخوان لأنفسهم وكأنها تكرر ما فعله تاجر الساعات اليهودي الذي نعي أباه فكتب في النعي "حاييم ينعي أباه ويصلح ساعات"! أما الإخوان فكتبوا في مواقعهم وملتقياتهم ومدوناتهم "الإخوان لم يرفعوا شعاراتهم من باب التجرد ولكنهم هم الذين قاموا بالثورة"!