كتب: د. أحمد يوسف القرعي كان من الطبيعي أن تختار الشرطة المصرية لعيدها الوطني ذكرى يوم 25 يناير 1952 وهو يوم يتوّج أجندة أعيادنا الوطنية منذ 59 عاما؛ للاحتفال بذكرى صمود رجال الشرطة في الإسماعيلية؛ دفاعا عن مخفرهم الصغير، وتضامنا مع صمود مصر كلها في مواجهة صلف الاحتلال البريطاني وبطشه. وسجّل رجال الشرطة آنذاك صفحة مجيدة في ملحمة التحرير الوطني؛ بإصرارهم الشجاع على مقاومة العدوان وهم العزل إلا من بنادقهم العادية، في مواجهة قوات عسكرية إنجليزية مدجّجة بكل أنواع الأسلحة الثقيلة، ومع المقاومة في معركة غير متكافئة سقط خمسون شهيدا من رجال الشرطة. وكان من الطبيعي أن تختار الشرطة المصرية لعيدها هذا اليوم المجيد في تاريخ الوطنية المصرية؛ ترسيخا لمعنى العطاء والفداء, وتأكيدا على رسالة الشرطة المصرية على مر السنين من منطلق أن الشرطة جزء من نسيج هذا الشعب، ووظيفتها أن تحرس آماله وأمانيه، وتسهر على أمن كل مواطن, تحمي عرضه وحريته وماله، وترعى استقرار الوطن، وتحفظ للقانون احترامه وهيبته، وتكبح الظلم، وتغيث الملهوف، وتدفع عن المجتمع شرور الخارجين على القانون، وتحارب أكلة المال الحرام وتجار الموت والسموم والعابثين بمصالح الشعب والمتربّصين بأمن الوطن واستقراره. من منطلق مثل تلك المسئوليات الوطنية التي تتحملها الشرطة المصرية في تعاملها مع كل مواطن مصري, فإن الأمر يتطلب الآن وأكثر من أي وقت مضى ميثاقا شرفيا مكتوبا يربط الطرفين: رجل الشرطة والمواطن؛ تأكيدا للمسئولية الوطنية المشتركة والمتبادلة التي تجمعهما في عصر تتوالى فيه التحديات والمخططات التي تستهدف الوطنية في البداية والنهاية، قبل أن تستهدف رجل الشرطة أو المواطن, ومن هنا تبدو أهمية استحداث ميثاق شرف يؤكد ثوابت الوطنية المصرية بصفة عامة، وثوابت منظومة الحقوق والواجبات التي يتحلى بها كل من المواطن ورجل الشرطة. وثمة نص دستوري أوردته المادة 56 من دستور مصر الدائم منذ عام 1971 يلزم الاتحادات والنقابات والجمعيات... إلخ بصياغة مواثيق شرف التزاما بهذا النص الدستوري, وبادر عدد من النقابات والاتحادات والجمعيات المهنية والعمالية والتعاونية بصياغة مواثيق شرف؛ التزاما بهذا النص الدستوري مثل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر 1971 والعاملين باتحاد الإذاعة والتليفزيون 1974 ونقابة الصحفيين 1975 والجمعية المصرية للعاملين في الأوراق المالية 1997 إلخ. ولكن هناك العديد من المهن والاتحادات والتجمعات يترددون في اتخاذ تلك الخطوة رغم مرور 40 عاما على صدور الدستور. وما أحوجنا حاليا وأكثر من أي وقت مضى إلى استكمال صدور مواثيق الشرف لكل الاتحادات والنقابات والجمعيات؛ التزاما وتأكيدا لأخلاقيات العمل العام والخاص، ورقيبا على أعمال وسلوكيات كل إنسان عامل في خدمة الجماعة، أيا كان موقعه الوظيفي؛ لمواجهة ظواهر عامة الخوف كل الخوف أن تتفشى في دوائر أوسع على مستوى كل المهن والوظائف والأعمال والمسئوليات... إلخ. ومنها ظواهر التجاوزات الإدارية والمالية والانحرافات والكسب السريع والاختلاسات وتفشي الجشع والغش أو الذمم الخربة والتزويغ من العمل وإجازات التمارض أو الترويج للشهرة الكاذبة أو التجارة في الأعضاء البشرية، أو ممارسة التخريب أثناء التظاهر السلمي... إلخ. وتلك وغيرها أعراض سرطانية مختلفة تنخر في جسد المجتمع ككل، مع غياب الضمائر وسقوط أصحابها بعد أن تجرّدوا تماما من مبادئ وقيم المسئولية الاجتماعية. ومن هنا تبدو أهمية فتح ملف الدعوة إلى إحياء النص الدستوري الخاص بميثاق الشرف؛ ليشمل كل الوزارات والمهن والحرف والأعمال الحكومية أو الخاصة... إلخ. ومختلف النقابات والاتحادات المهنية أو الإنتاجية أو الاستهلاكية... إلخ. وإذا كان من السهل جدا أن يقوم كل اتحاد أو نقابة أو مهنة بتدبيج سطور في الأدب تحضّ على القيم النبيلة، فإن العبرة هنا لا تكون بالصياغة فحسب، وإنما بالممارسة فالخوف كل الخوف ألا تؤخذ مبادئ وقيم ومثل ميثاق الشرف مأخذ الجد والحزم من قبل النقابة، في حالة مخالفة العضو ميثاق الشرف, ومن ثم فمن الضروري أن يحتلّ الجزاء الأخلاقي مكانا واضحا في ميثاق الشرف, حيث يلاحَظ أن عددا من مواثيق الشرف جاءت خالية من أية ضوابط للجزاء الأخلاقي في حالة ارتكاب المخالفات وإشعال النيران، وترديد الهتافات غير المشروعة... إلخ. أثناء ممارسة الحقوق المشروعة في التظاهر السلمي. نُشِر بالأهرام بتاريخ 27/ 1/ 2011