دخل مصطلح ميثاق الشرف مفردات قاموس حياتنا ومعاملاتنا ومناقشاتنا الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والسلوكية أكثر من أي وقت مضي. وتحديدا منذ صدور دستورنا الدائم(1971) بما أورده في نص المادة(56) بإلزام النقابات والاتحادات بمساءلة أعضائها عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم وفق مواثيق شرف اخلاقية. وأضاف التعديل الدستوري( الذي جري في مارس2007) بإلزام النقابات والاتحادات أيضا بالدفاع عن الحقوق والحريات المقررة قانونا لاعضائها. هكذا تلازمت الحقوق والواجبات معا بما يعني أن مواثيق الشرف هي بحث الوجه الآخر لحقوق الإنسان, وكلاهما وجهان لعملة تاريخية واحدة. ويمكن القول هنا ان مواثيق الشرف قد سبقت مواثيق حقوق الإنسان في سياق التراث الإنساني المشترك منذ مئات وآلاف السنين حيث نجد قواعد مكتوبة وعرفية لأخلاقيات عدد من المهن الكبري, وليس خافيا لأن المصريين والعرب قد شاركوا طوال مختلف العصور في صياغة مثل تلك القواعد الأخلاقية وتركوا بصمات فكرهم عليها ونذكر علي سبيل المثال إسهام أطباء مصر القديمة في وضع قواعد أخلاقية للمهنة قبل أن يولد ابقراط بعدة قرون وهو الطبيب اليوناني الذي عاش في آسيا الصغري حوالي القرن الرابع قبل الميلاد والذي يتحدث عنه المؤرخون الغربيون دائما كأول مؤلف لعهد الأطباء أو ميثاقهم, بينما كان الطب في مصر القديمة رسالة التزم فيها أطباء مصر بتقاليد أخلاقية راقية نظمت العلاقة بين الطبيب والمريض ومن هذه التقاليد إحسان معاملة المرضي بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية والإخلاص في العمل, مهما كان الخطر الذي يهدد حياتهم. ولا عجب أن يكون مثل هذا الميثاق الطبي القديم لا يزال ساريا حتي عصرنا الحالي علي أيدي رموز الطب المصري أصحاب المبادرات الخلاقة ويجدد الإشارة هنا إلي مبادرة أ.د. ابراهيم بدران بصياغة ميثاق شرف طبي تحت عنوان( المنظور الاخلاقي في حقوق المريض الصحية وتكوين الطبيب قدمها الي المؤتمر الرابع للإصلاح العربي المعقود بمكتبة الإسكندرية في مارس عام2006 وفي سياق هذا الميثاق يحدد العلاقة بين الصحة وحقوق الإنسان ويري أنها تتمثل في أبعاد ثلاثة معقدة التركيب ولكنها تتحكم في مستوي الحياة وهي: (أ) مؤشرات محددة للعلاقة( ب) متطلبات وقواعد حاكمة( ج) مؤشرات سلبية تنتهك حقوق الإنسان. وأدرج د. ابراهيم بدران عشرين مؤشرا تحت الأبعاد الثلاثة المشار اليها ويهمنا هنا ما يتعلق بحقوق الإنسان مباشرة وفي مقدمتها المؤشرات أو المتطلبات التالية: أن التخطيط السليم وتنفيذ البرامج والسياسات الصحية تتفاعل إيجابا وسلبا مع أوضاع حقوق الإنسان. ان التنازلات في حقوق الإنسان لابد وأن تنتهي الي تدهور ملحوظ في حياة الإنسان. الحق في توفير متطلبات السلامة الصحية من غذاء وتغذية, مياه صالحة للشرب, بيئة نظيفة, مسكن وكساء مناسبين. الحق في توفير متطلبات الأمان الاجتماعي والتأمين الصحي. حق الانتفاع من التقدم العلمي العالمي والإفادة من الوسائل المتقدمة بحيث لا يحرم أي فرد من عوائد البحث العلمي. الحق في التعلم وأهمية توفير حق التعلم للحصول علي المعلومات الصحية الأساسية للأطفال, خاصة فيما يتعلق بالمرض والحوارات. توفير الخصوصية حيث لا يحق الاعتداء علي الخصوصيات لأي فرد إلا بموافقته. وفضلا عن تلك المؤشرات والمتطلبات فقد أدرج د. ابراهيم بدران الضوابط الحاكمة لمنظومة الخدمات الصحية لإعمال الحقوق الصحية في مقدمتها: أولا: قضايا التأكيد علي ربط حقوق الإنسان بحقه في الحصول علي رعاية صحية سليمة وتأكيد وديمقراطية التعامل فيها وتوفير حرية الفرد في اختيار أساليب الرعاية. ثانيا: التركيز علي قضية التنمية البشرية لجميع العاملين في المهنة. ثالثا: مستوي إدارة الأداء الصحي المرتكز علي أسس وبرامج فاعلة. رابعا: الأطر التنظيمية في اعداد استراتيجيات وخطط وأهداف وبرامج في أولويات يحكمها العدل والمساواة ومسايرة التطور والمتغيرات. وفي سياق المنظور العالمي للحقوق الصحية يدعو د. ابراهيم بدران في مبادرته إلي وضع سياسات وخطط لازمة لتوفير الخدمة المطلوبة والمعقولة والمقبولة واللازمة, وجعلها في متناول الجميع مع توفيرها في أقصر وقت ممكن. ويؤكد د. بدران أن هذا تكليف كفلته المؤسسات العالمية لحقوق الإنسان مع التأكيد علي حق الفئات المهمشة في توفير متطلباتها دون تفرقة في الجنس أو اللون أو العنصر أو الدين, وبعدل دون تفرقة لأسباب اجتماعية أو مدنية أو سياسية. ويواصل د. بدران مبادرته بالحديث عن الثوابت المطلوبة وتكوين الطبيب ليكون أهلا لخدمة المريض وذلك تحت عنوان( مهنة الطب من المنظور السلوكي والأخلاقي في إطار حقوق الإنسان). {{{ وأخيرا فإن مبادرة د. ابراهيم بدران هي بمثابة ميثاق شرف طبي من الأهمية تعميمه ومناقشته في محافلنا الفكرية والاجتماعية في سياق المبادرات المماثلة التي تعزز مواثيق شرف نقابات واتحادات المجتمع المدني, وتعمل علي تعبئة رأي عام مستنير يدرك حقوقه وهو يمارس آداء واجباته.