الزواج رباط مقدس بين روحين وبين أسرتين في كل مكان في العالم، ولأهمية هذه اللحظة من عمر الإنسان، ولأنه يغادر حياة عاش بها وحيداً فرداً، ليدخل حياة جديدة؛ سيكون بها جزءاً من كُلّ؛ فإن الزواج غالباً ما يزخر بتقاليد وعادات لدى كل فئة من البشر على حدة. وبالطبع فإن اليهود على وجه التحديد يجب أن تكون لديهم مجموعة معقدة من العادات والتقاليد التي تتم في الزواج؛ نظرًا لأن لهم أفكارًا ومعتقدات دينية يلتزمونها بشدة باعتبارها مقدسة؛ لذا فعندما يتعلق الموضوع بالزواج -الذي تملك أغلب شعوب الأرض عادات خاصة فيه- فسيكون لليهود، وبالتالي للإسرائيليين، عادات خاصة جداً تنظّم الزواج. لا زواج من الأغيار على أرض إسرائيل بداية فإن إسرائيل لا تعترف بفكرة الزواج المدني؛ فأي زواج يتمّ على أرضها -التي ليست أرضها في الحقيقة- يجب أن يكون زواجاً دينياً. هناك بعض الطوائف الدينية التي تسمح بالزواج من الأغيار (غير اليهود)؛ ولكن هذا لا يتمّ في إسرائيل بطبيعة الحال، بل يُضطر الزوجان إلى السفر لخارج إسرائيل لعقد زواجهما كزواج مدني.. بعض الطوائف الأخرى تسمح بالزواج من غير اليهود؛ ولكن بشرط أن يتهوّد، أما غالبية الطوائف فإنها تصرّ أن يكون الزوجان من اليهود وكلاهما مولود لأم يهودية. حتى العلمانيون يتزوّجون دينياً الغريب أن المواطنين الإسرائيليين في الغالب ليسوا شديدي التدين كما قد يطوف بأذهاننا؛ بل أغلبهم علمانيون وغير متدينين ولا يؤمنون كثيراً بكلام الحاخامات؛ إلا فيما يتعلق بالاحتلال والاستيطان، وأيضاً في الزواج؛ فحتى لو كان الإسرائيلي غير متدين؛ فإنه في الأغلب يحرص على إقامة حفل زفافه ومراسم زواجه تبعاً للتقاليد. كما نلاحظ أن عادات الزواج تختلف داخل إسرائيل بين الأشكيناز (اليهود الغربيين)، والسفارديم (يهود الشرق)؛ ولكن هذه الاختلافات عادة ما تكون بسيطة، ولا تمسّ أساس التقاليد المتعارف عليها. الحد الأدنى لزواج الشاب 13 سنة وللفتاة 3 سنوات والشاب لا يستطيع دينياً أن يتزوج قبل الوصول لسن البلوغ في اليهودية، وهو 13 سنة، أما الفتاة فكانت في السابق يمكن أن تتزوج إن وصلت لعمر ثلاث سنوات؛ إلا أن تعديلات حديثة أوصلت الحد الأدنى إلى سنّ 12 سنة؛ هذا بالطبع الأساس الديني، أما قوانين الدولة؛ فإنها تلتزم بأن يكون المتزوج أكبر من 17 عاماً ليتمّ توثيق الزواج قانوناً.
والآن دعونا نذهب في جولة مع حفل زفاف إسرائيلي؛ لنعرف كيف يتزوّج الإسرائيليون.. في يوم العُرس يرتدي العريس رداءً تقليدياً يُدعى "كيتيل" "يوم كيبور".. توبوا قبل الزواج بالتأكيد يعرف الكثيرون يوم كيبور باعتباره اليوم الذي قامت فيه حرب أكتوبر؛ ولكن الواقع أن يوم الغفران الذي نعنيه اليوم مختلف تماماً؛ فهو يوم الغفران للعروسين، وليس لإسرائيل؛ فكل زوجين شابين سيبدآن حياتهما الجديدة يُعتبر يوم زواجها يوماً للغفران لهما، يتوبان فيه عن ذنوبهما السابقة قبل الزواج، ليمتلّكا روحاً جديدة نقيّة في حياتهما الجديدة. لذلك يقوم كل من العروس والعريس بالصيام من فجر يوم الزواج وحتى انتهاء مراسم الزواج. في هذا اليوم يرتدي العريس رداءً تقليدياً يُدعى "كيتيل"، وهو عبارة عن روب أبيض؛ ولكن مراسم الصوم والكيتيل مقتصرة على الأشكيناز، ولا يقوم بها السفارديم. اكسر قبل الفرح طَبَقاً تبقى علاقة الزواج سليمة يودّع العروسان بعضهما قبل أسبوع من موعد الزواج، ولا يريان بعضهما إلا في لحظة إقامة الشعائر، والهدف من ذلك هو تأجيج العاطفة وأن يشتاق كل منهما إلى الآخر. في هذه الأثناء يقوم الأقرباء والأصدقاء بتقديم التهاني إلى العروسين بشكل منفصل، ومع بداية يوم الزواج تتلاقى والدة العروس ووالدة العريس سوياً، وتقومان بكسر طبق، ودلالة هذا، أن الزواج مثل هذا الطبق، إذا كُسِر لا يمكن إصلاحه ليعود كما كان ثانية، وهذا التقليد منحصر أيضاً في الأشكيناز دون السفارديم.
كشف الطرحة عن وجه العروس له دلالات دينية بعد فُرقة دامت أسبوعاً يلتقي العروس والعريس سوياً، وأول ما يفعله العريس هو رفع حجاب (طرحة) العروس عن وجهها، ولهذا الفعل دلالة اجتماعية ودينية؛ حيث يعبّر عن تواضع ونقاء العروس، كما يؤكد ارتباط الطرفين على أساس الروح والشخصية، وليس على أساس الجمال الجسدي. أما الدلالة الدينية؛ فهي الاقتداء بما فعله النبي إسحاق مع زوجته رفقة، عندما رفع خمارها عن وجهها عند الزواج، كما ورد في سفر التكوين في العقيدة اليهودية.
يجب أن تحدث مراسم الزواج تحت مظلة الزواج تحت المظلة للاقتداء بسيدنا إبراهيم وزوجته سارة لا يمكن للزواج أن يتمّ في العراء؛ بل يجب أن تحدث مراسم الزواج تحت مظلة، وعند الأشكيناز يجب أن يحدث في الهواء الطلق خارج المنزل، أما السفارديم فلا يتقيدون بهذا القيد؛ بل يكتفون بأن يكون تحت مظلة حتى لو كانت داخل المنزل. أهمية هذه المظلة هو رمزيتها لتوحّد العروسين أسفل منزلهما الذي سيبنيانه بنفسيهما سوياً، ويجب أن تكون المظلة مفتوحة من جميع الجوانب.. وهذا اقتداء بزواج سيدنا إبراهيم وزوجته سارة، اللذين تزوجا تحت خيمة مفتوحة الجوانب للترحيب بالضيوف الذين سيأتون من كل مكان. أما إصرار الأشكيناز على أن يكون الزواج في الهواء الطلق، حتى تتمّ جميع المراسم تحت النجوم؛ فهذا للدلالة على البركة التي أعطاها الله لسيدنا إبراهيم، بأن أبناءه سيصبحون "مثل النجوم في الجنة"؛ كما ورد في سفر التكوين. العروس تدور حول العريس سبع لفات.. لماذا؟ من أهم التقاليد التي يلتزم بها الأشكيناز عدم ارتداء أي مجوهرات تحت المظلة؛ وذلك ليؤكدوا أن الزواج قائم عليهم هم كأشخاص جيدين، وليس على أساس ما يمتلكونه من مال. وبمجرد الدخول تحت مظلة (خيمة) الزواج، تتبع العروس العريس، ثم تقوم بالدوران حوله سبع مرات، هذه الدورات للدلالة على خلق الله للكون في سبعة أيام وهكذا؛ فبهذه الدورات السبع التي تدورها العروس، تبني سبع جدران تخيُلية حول منزلها لتحفظه. كما أن رقم سبعة يرمز للاكتمال؛ حيث الأمنيات للزوجين بألا ينفصلا. بعد إتمام الدورات السبع تقوم العروس بالتعلّق بيد عريسها اليمنى؛ استعدادا لبدء مراسم الزواج.
في احتفالات الزواج يتمّ استخدام كأسين من النبيذ القدوشين.. قدّاس الخطبة يتمّ بالدعاء فوق كأس من النبيذ. في احتفالات الزواج يتمّ استخدام كأسين من النبيذ؛ الأول يُستخدم في مراسم الخطبة؛ حيث يقوم الحاخام بالتلاوة والدعاء فوقه، ثم يقوم العروسان بالشرب منه بعد ذلك. وتُعتبر الخمر رمزاً للسعادة والانشراح لدى اليهود، وهو يرتبط بصلاة القدوشين، وهي صلاة يتمّ تلاوتها في أيام الشبات (السبت)، وفي الاحتفالات والزواج. الخطوة الأهم إهداء دبلة الخطوبة للعروس أمام شاهدين في العقيدة اليهودية لا يقع الزواج إلا بعد أن يُهدي العريس عروسه شيئاً ما، وقد تعارف على أن يكون هذا الشيء دبلة، ويجب أن تكون دبلة لا خاتماً؛ ويجب ألا تكون دبلة الارتباط بينهما منقوشة أو تحوي أي أحجار أو زخارف؛ بل فقط دبلة من الذهب المسطّح، وهذا لتمنّي زواج بسيط هادئ. يقوم العريس برفع يد العروس أمام اثنين من الشهود على الأقل، ثم يقدّم لها الدبلة ويضعها في إصبعها السبابة في يدها اليمنى، وهو يقول لها: "ها أنت مخطوبة لي الآن بهذه الدبلة، وفقاً لشريعة موسى وإسرائيل"، وتعتبر هذه اللحظة هي اللحظة الرئيسية في الزواج.
يقوم الحاخام بقراءة الصلوات السبع عقد الزواج أن يكفل العريس للعروس المأكل والملبس والمسكن بعد هذه الخطوة يبدأ العريس في تلاوة عقد الزواج باللغة الآرامية، وهذا العقد يحدد الواجبات المفترضة على العريس؛ وهي أن يوفر لزوجته المأكل والمسكن والملبس، وأن يكون مراعياً لمشاعرها، ولاحتياجاتها العاطفية، ويقوم اثنان من الشهود بتوقيع العقد، ثم تقوم العروس بالاحتفاظ به، وهناك بعض الأسر التي تقوم بكتابة العقد على ورق مزخرف، ثم تبروزه وتُعلّقه في مسكن الزوجية. وهكذا بمجرد قراءة عقد الزواج؛ فقد تمّ إنهاء مراسم الخطبة والانتقال إلى مراسم الزواج. الصلوات السبع وصلنا الآن لكأس النبيذ الثانية؛ حيث يقوم الحاخام بقراءة الصلوات السبع فوق هذه الكأس، التي يتمنى بها وجود روابط روحية ومباركة بين العريس والعروس، في ظل إيمانهم بالله خالق الكون، كما يتمنى لهم السعادة والحب، ثم يقوم العروسان بالشرب من الكأس.
قيام الهيكل بالقدس يفوق أعلى لحظات سعادتي اكسر الكأس بقدمك لتتذكر هيكل سليمان ما دمنا نتكلم عن إسرائيل فمن الصعب فصل الحياة الإجتماعية عن السياسة، وهذه الخطوة الأخيرة وربما الأشهر في مراسم الزواج حيث يقوم العريس بكسر كوب او كأس من الزجاج بقدمة، وهو بهذا الفعل يعبر عن حزنه وغضبه من تدمير الهيكل في القدس (وفقاً للعقيدة اليهودية)، وبهذا الفعل فإن العريس يقوم بربط أسرته حديثة التكوين بمجمل الشعب اليهودي.. وهو بهذا الطقس يقول إنه حتى في أهم لحظة سعادة في حياته يبقى شعب إسرائيل هو الأهم.. ويؤكد أن "قيام الهيكل بالقدس يفوق أعلى لحظات سعادتي". هذه الخطوة يختلف بها أيضاً الأشكيناز عن السفرديم، إذ يقوم السفرديم بها في نهاية الاحتفالية بينما يقوم بها الأشكيناز قبل عقد الخطوبة. بعد هذا ينفصل العريس والعروس لثوانٍ، تعبيراً عن انفصالهم عن أسرهم وتكوينهم لأسرة جديدة، حيث يتناولان شيئًا من الطعام لينهوا صيامهم، ثم يخرجون ليحتفلون مع أصدقائهم وأقاربهم من جديد.