أنا عائلتي كبيرة وذات صيت رهيب ومراكز مرموقة جداً، ولأن والدي كان أصغر واحد فيهم قاموا بتطويعه في الجيش في سن 16 عام، وتعرّض لظلم كبير من إخوته؛ مع إن أخوه الكبير وصل لدرجة لواء أركان حرب، وهو كان عريف.. وفي توزيع الورث أعطوا له بعض الملاليم، وكل واحد فيهم أخد نصيب الأسد له ولأولاده؛ مع إن والدي ضحّى بكل شيء لإسعاد إخواته؛ حيث تركوا له والدته والاهتمام بها.. وحينما بدأ في تجهيز نفسه أخدوا منه كل شيء جابوا لنفسه، ووزّعوه عليهم.. ومع ذلك يحبهم أكتر من أولاده. الآن أنا باكرههم كره رهيب، وهم بيغيروا مني دايماً، ولا واحد فيهم ساعدني، ومش عايزينّا نكبر؛ لدرجة إن ابن عمتي ضابط شرطة، ولما قدّمت في كلية الشرطة، قال لي بالحرف الواحد "ابن الجنايني هيبقى ضابط" وضحك ضحكة كبرياء.. وفعلاً سقطت في امتحان الهيئة لأن والدي فقير. قررت أنتقم منهم كلهم، ودُست على نفسي واشتغلت وعمري 11 سنة، وكنت بادرس وأشتغل.. والحمد لله كنت بالبس أحسن لبس، وبدأت في الاهتمام بنفسي. هابتدي من أيام الطفولة.. اتربيت تربية كويسة والحمد لله؛ بس في منطقة شبه شعبية.. نزلت الشارع، ووالدتي من كتر خوفها عليّ كنت لما أرجع كانت تقعد تقول لي: حد عمل فيك حاجة؟ وتكشف عليّ بنفسها. المهم في المدرسة اتعرضت لحالة تحرش من زملائي المتشردين؛ بس مش اغتصاب، وطبعاً من الخوف مارضيتش أقول لوالدتي. المهم عديت المرحلة دي، وقررت أكمّل نفسي وبدأت في ممارسة كمال الأجسام؛ تعويضاً عن اللي حصل.. وكان فيه في الشارع ولد أصغر مني، عملت فيه زي ما اتعمل فيّ وزيادة، وفضلت أنا وهو على كده مدة 5 سنوات. المهم وصلت لمرحلة الثانوي والمدرسة كانت زبالة أوي، والكل كان بيحبّ يمارس الجنس ويتكلم فيه، وفعلاً قمت بيه وأنا في 2 ثانوي مع بنت جارتنا.. وفي الجامعة مارست الجنس مع بنت من الكلية، وامرأتين من التعارف الخارجي في عمر 19 سنة؛ بس هم اللي كانوا عايزينّي مش أنا، وهم اللي كانوا بيلفّوا ورايا.. وبعدها -والله- لم ألمس أي امرأة. وطبعاً كنت أرى كل شيء في الدنيا بالفلوس زي الرشوة في الدروس والنجاح.. وبعد ما اتخرّجت اتدمرت نفسياً لأني كنت باشوف الواسطة والكلام ده كله قدام عيني، وعرفت -مع الأسف- إن الفلوس بتعمل أي شيء. في الكلية اتصاحبت على واحد، وحبيته جداً، وكنت باصرف عليه! أيوة باصرف عليه؛ باعطي له هدومي، وكان بياخد مصروفي مني؛ ومع ذلك في آخر سنة عرفت إنه بتاع مصلحته، وكان على طول بيغير مني.. أنا نجحت في دور مايو، وهو دخل دور سبتمبر، وقال لي بالحرف الواحد: "إنت إزاي تنجح؟! أنا اللي كنت باساعدك، إزاي؟!!".. وقطع علاقته بيّ مع إنه كنت دايماً أنا اللي باحميه. وأثناء فترة الجامعة وبعدها والدتي كانت دايماً تحذرني من الارتباط؛ لأني ماحتكمش على شيء، وحرام أضحك على بنات الناس. وفعلاً لم أترك مجالاً للحب في قلبي. بقى كل اهتمامي هو تحسين وضعي؛ سواء في الكورسات أو اللبس أو المعيشة.. والحمد لله وصلت وبقى معايا كورسات كثيرة في الكمبيوتر وأتقنت اللغة الإنجليزية.. وأثناء الجامعة كنت شغال مع عمي في مجال عمله "شيّال!" أيوة شيّال؛ علشان قال لي إني مش هاستحمل الشغل؛ بس صبرت وخلصت دراسة. المهم بعد كده سافرت الخليج، وأنا الآن أعمل هناك، وطبعاً عائلتي الكريمة كانت بتستكتر عليّ هذا.. وهناك كنت أعمل 13 ساعة يومياً، دون يوم راحة.. والحمد لله عندي أمل في ربنا كبير، وعندي ثقة في نفسي كبيرة جداً جداً، ودايماً واثق إني فعلاً هاعمل شيء في حياتي، وإن مافيش حد أحسن من حد، ولكل مجتهد نصيب. المهم وجدت كل الناس اللي أنا أعمل معهم -مع الأسف- نصّابين، وبرغم إن راتبي قليل؛ مش بافكّر أعمل زيّهم. مش عارف أعمل إيه.. حاسس إن والدي مسئول مني، أنا عارف إني غلطت كتير في حياتي؛ بس ده من الضغوط، وعشان أثبت لنفسي إني إنسان طبيعي، والهفوات دي كانت بسبب الضعط وإن إحنا في بلد فيها كل شيء مباح. مش عارف أعمل إيه، أنا تقريباً مش بانام من التفكير.. عايز أعوّض والدي عن كل اللي شافه في حياته، وعايز أعوّض نفسي.. تقربياً أنا فقدت الأمل في الجواز؛ مع إن عمري 22 سنة، فقدت الإحساس بكل شيء. شكراً لكم.. أرجو الردّ بسرعة بجدّ، محتاج حدّ يكلمني. bos28bos لن أُخفيك سراً أن رسالتك أرهقتني للغاية؛ لأنك تنقلني من نقطة لنقطة بشكل مفاجئ أحياناً ودون ترتيب.. وهذا إن دلّ على شيء؛ فإنما يدلّ على أنك تعيش حالة مزاجية هي مزيج من القلق، والاكتئاب، ومشاعر الذنب، والحنق، والغضب، والندم.. وكلها مشاعر سلبية بلا شك، تؤثر على طريقتك في التفكير.. وربما تكون طريقتك في التفكير هي الأصل وهي التي تمخّضت عنها هذه المشاعر السلبية التي زادت من حدة الأفكار السلبية؛ بحيث دخلت في حلقة مفرغة لا نعرف من أين بدأت وأين تنتهي؛ لكنك أصبحت سجيناً فيها، ولا تعرف كيف تخرج. ولكي تخرج لا بد لك من مخرج آمن، والمخرج الآمن هو العقل، والعقل كل العقل أن ترى وتُدرك حقيقة أفكارك وطريقتك في تفسير الأمور من حولك، ثم تحاول أن تغيّر هذه الأفكار وتعدّلها؛ بحيث يتمّ تعديل الحالة المزاجية بشكل تلقائي؛ لذا فأنا أرى أن نقسّم أفكارك إلى قسمين حسب ما ورد من عبارات في رسالتك: أفكار سلبية وأفكار إيجابية.. وتعالَ معي نحدد الأفكار السلبية: 1- أفكار تحمل في طيّاتها نمط الافتراضات والمعتقدات المطلقة: "والدي تعرّض لظلم كبير"، "ولأنه كان أصغر واحد طوّعوه في الجيش"، "وأعطوه الملاليم في الميراث"، "ودايماً يكرهوا لنا الخير". ألست معي أنه من المحتمل أن والدك لم يكن مجتهداً في دراسته بما يكفي لأن يكون مثل إخوته؟ أليس من المحتمل أن قُدراته الذهنية لم تكن لتؤهله لأن يصل إلى مراحل متقدمة في التعليم مثلاً؟ ولماذا تعتبر أنه ظُلم وأخذ في الميراث ملاليم؟ وهل كان ذلك من خلال وصية وصّى بها الجد، أم كان من خلال بيع وشراء بين الجد وأعمامك؟ هل أنت متأكد أن مصدر ثروة أعمامك من الميراث، أم من جهدهم وعملهم؟ وهل تملك الدليل على ما تقول، أم إنه كلام سمعته من أسرتك وتُردّده، ولا تفكر في مدى صدقه وصحته؟ ولماذا تشعر أنهم يكرهون لكم الخير؟ ربما لا يحبونه لكم أو لايفكرون ولا يسعون في الخير لك؛ لكنهم في ذات الوقت لا يكرهون لك الخير؛ أقصد "إنك مش فارق معاهم أصلاً"، وأنت من تشغل عقلك بهم. هل ما أقوله احتمالات واردة في ذهنك؟ أم ترفض ما أقول؟ لو رفضتها بشكل قطعي؛ فنمطك في التفكير دفاعي دون أدنى شك، ولا تقوى على رؤية أفكارك، ولن تستطيع أن تغيّر أو تعدّل منها. 2- أفكار تشير إلى فرط التبرير، وهو نمط دفاعي يستدرجك لارتكاب الأخطاء: وهذا فيما أشرت إليه عن الطفل الصغير الذي رأيته في الشارع وفعلت به ما عللته ب"عملت فيه زي ما اتعمل فيّ". وكذلك تبريرك لارتكاب فاحشة الزنا مع بنت الجيران، وأنت في المرحلة الثانوية؛ وتبريرك بأن المدرسة كانت "زبالة، وأن الجميع يتكلم في الجنس ويمارسونه".. ثم ارتكاب الزنا مع بنت من الكلية وامرأتين من التعارف الخارجي؛ وتبريرك بأنهن من أردن ذلك، ولست أنت؛ وكأنك بلا إرادة.. فأين خشية الله فيما فعلت؟ 3- أفكار ربما تشير إلى الإسقاط: ربما لن تقبل ما سأقوله لك؛ لكن توقّف عنده بموضوعية مُعتبراً أننا نتكاتف معاً من أجل حلّ مشكلتك؛ فأنا تُقلقني دوماً عبارات: "بيغيروا مني"، "صاحبي كان بتاع مصلحته وبيغير مني"، "العائلة أغنياء وبيحسدوني". دقّق النظر في هذه العبارات، وحاول أن تعكسها وقُل لنفسك: هل أنا باغير منهم؟ هل نظرتُ لهم مرة بعين الحسد؟ ثم ماذا لو كانوا حقاً بيغيروا مني، هل سينقص ذلك من قدري أو نجاحي؟ وهل عين الحاسد قد تؤذيني مثلاً؟ فهل أنت مسلوب الإرادة وتشعر أن غيرتهم قد تؤذيك؟ وإلا فلنعترف بضعف الآخرين، وضعفنا مثلهم، وأننا نغار منهم أحياناً، ويغارون منا أحياناً أخرى، ولندع الله يطهّر نفوسنا ويقينا شرّ الحاسدين، ونتوكل عليه. أما الجانب الإيجابي -كما اتضح في رسالتك- فإنه يتمثل في حرصك على تطوير نفسك بالكورسات، وقدرتك على العمل لساعات طويلة، وشعاع التربية والأخلاق الذي لم ينطفأ بعدُ، ويظهر في وخز الضمير.. لذا عليك بما يلي: 1- استثمر كل قدراتك، واستمرّ في عملك، واحرص على التمسّك بالخُلق والدين، ودَعْكَ من النصّابين الذين تكلّمت عنهم. 2- عليك باللجوء لأحد المشايخ لتعرف تفصيلاً كيف تتحقّق لك التوبة من الزنا، وماذا تفعل. 3- الوحدة شعور سلبي لمن كان قلبه خاوياً من نور الإيمان بالله؛ فاقتلها بالتقرّب لله والعبادة، واستعن بالصبر والصلاة؛ حتى يرزقك الله الزوجة الصالحة.. وإنه لمن العجب أن تفقد الأمل بالزواج وأنت في الثانية والعشرين من العمر!! 4- لا بأس أن تشعر بأن لوالديك عليك حقاً، وأن برّهما واجب عليك؛ لكن كُفّ عن تغذية عقلك بالرسائل السلبية؛ بأنك يجب أن تعوّض والدك عن "كل اللي شافه".. فأنت بذلك تعزّز فكرة أنه ظُلم، وأنك ظُلمت، وتتمادى في مشاعر الحنق والكراهية لأقاربك، التي لن تُجدي نفعاً. 5- فكرة "كل اللي عِرِفتهم عرفوني علشان المصلحة" هي فكرة متكررة وشائعة، وتدلّ على نقص الخبرة والفهم الواعي للتعامل بين البشر؛ فالأصل في التعامل هو أن تنفعني وأنفعك؛ بغضّ النظر عن نوع المنفعة؛ فقد ينفعك صديق معنوياً بما لديه من قدرة على الاستماع والنصح لك، وأنت تنفعه مادياً بأنك تُقدّم له خدمات مثلاً؛ فلا أنت مستغنٍ عن نصحه لك، كما أنه يروق لخدماتك.. أو تكون المصلحة معنوية لكليكما، أو مادية لكليكما؛ وهكذا هي العلاقات بشرط أن يكون الطرفان متفقان ضمناً على ذلك. صديقي العزيز.. أعِد النظر بإمعانٍ فيما ناقشناه معاً.. وفّقك الله.