دقيقة كاملة تقريباً، جلس "رشدي" يحدّق في وجه "حاتم"، الذي ابتسم في هدوء، وهو يقول: - ما الذي لم تفهمه بالضبط؟! هزّ "رشدي" رأسه، وتطلّع إلى ما حوله في توتر، قبل أن يقول، في عصبية عجز عن كتمانها: - كل شيء تقريباً. عقد الحارس الخاص ل"حاتم" حاجبيه دون تعليق، في حين ابتسم هذا الأخير، وهو يقول: - فلنبدأ بأكبر شيء. لم يكد "رشدي" يسمع السؤال، حتى اندفع يقول في عصبية: - أين نحن بالضبط؟! أجابه "حاتم" في هدوء: - داخل فقاعة زمكانية.. شيء ما، يفوق تكنولوجيا عصرك بنصف قرن، وهو منطقة بين الزمان والمكان، يستحيل رصدها، أو معرفتها. فَغَر "رشدي" فاه، وهو يقول: - تفوق عصري بنصف قرن؟! أومأ "حاتم" برأسه إيجاباً، وقال: - هذا أمر يطول شرحه يا صديقي؛ ولكن أعدك بأن يستوعبه أحفادك في يُسر.. المهم الآن أنك تمتلك كل ما يكفيك، لتفجير أكبر قنبلة في هذا الزمن.. تسجيلات حية بالصوت والصورة، لاتفاقيات المسئول الكبير، الذي دبّر حادث القطار؛ لاغتيال "أمين ضياء"، وكل ما يثبت تورّط عدد من القيادات الأمنية في هذا، وعلى رأسهم "هشام حمزة".. باختصار يا صديقي، ما لديك يكفي، لكي يفتح النائب العام ملف أضخم قضية فساد سياسي في القرن.. نظر "رشدي" في دهشة، إلى الأسطوانات التي يحملها في يده، فغمغم الحارس الخاص، في صوت أشبه بالزمجرة: - لا يمكنك أن تدرك كم عانينا، كي نحصل على أسطوانات بدائية كهذه، ونظام لتشغيلها. رفع "رشدي" عينيه إليه بنظرة حادة، ثم قال في عصبية: - كلها تسجيلات غير قانونية.. لم تحصل على موافقة النيابة، وهذا يُسقطها كدليل. ابتسم "حاتم"، وهو يقول: - لن يمكنهم إثبات هذا أبداً.. حدّق "رشدي" في وجهه، غير مستوعب لما قاله؛ فتابع "حاتم" في هدوء: - نصف القرن، الذي يفصلنا عن زمنكم، منحنا تكنولوجيا، يصعب على عقولكم حتى استيعاب نظرياتها؛ ولكن ثق أنك ستجد، في المستندات الرسمية، ما يُثبت حصولك على موافقة النيابة العامة، على إجراء هذه التسجيلات، وستجد من رجالها من تحوي ذاكرته، بوسيلة ما، أنك قد التقيت به من قبل، وحصلت منه على الموافقة.. بدا "رشدي" مبهوراً، وهو يقول: - ولكن كيف؟! زمجر الحارس الخاص مرة أخرى، وتمتم في خشونة: - أخبرك أنه سيصعب عليك استيعاب هذا. نقل "رشدي" بصره بينهما في دهشة بالغة، قبل أن يغمغم: - لست واثقاً. نهض "حاتم" وهو يقاطعه في حزم: - بل كن واثقاً. ثم وضع يده على كتفه، وابتسم، وهو يكمل: - واستعدّ لنيْل شرف الانتصار.. يا سيادة الوزير. وحتى في تلك اللحظة، لم يستوعب "رشدي".. أبداً..
* * * النائب العام للمسئول: أنت متهم بتدبير حادث القطار الأخير (رسوم: فواز) ارتجف جسد "هشام حمزة" ارتجافة واضحة، وهو يقف أمام ذلك المسئول الكبير، مغمغماً: - لست أدري كيف حدث هذا يا سيّدي.. لقد انسحقت السيارتان، اللتان كان من المفترض أن تسحقا "رشدي عبد الهادي"، وكل خبراء الوزارة لم يستوعبوا حتى كيف حدث هذا؟! هتف به المسئول الكبير في حدة: - هل جننت؟! انتفض جسد "هشام" أكثر، وهو يقول: - أقسم لك أن هذا ما حدث، ولقد.. قاطعه المسئول الكبير، في حدة أكثر: - هل جننت، حتى تأتي إلى مكتبي مباشرة؟! ألم يكن من المفترض ألا يعلم مخلوق واحد، بالعلاقة التي تربطني بك؟! حدّق "هشام" في وجهه بكل الدهشة، وهو يقول مستنكراً: - أهذا كل ما يُقلقك؟! صرخ فيه المسئول الكبير: - غادر مكتبي فوراً.. عد إلى مكتبك، قبل أن.. قاطعه هذه المرة رئيس طاقم أمنه، وهو يدخل مكتبه، في توتر بالغ، قائلاً بصوت مرتجف: - سيّدي.. النائب العام شخصياً هنا. التفت إليه "هشام" بكل الذعر، بينما حان دور المسئول الكبير، لينتفض جسده في عنف، وتتسع عيناه عن آخرهما، قائلاً: - شخصياً؟! أومأ رئيس طاقم الحراسة برأسه إيجاباً، فسأله المسئول الكبير، وهو يسقط جالساً على مقعده، وقد شحب صوته بشدة: - وماذا يريد؟! أجابه رئيس طاقم أمنه، في صوت مبحوح: - مقابلتك فوراً يا سيّدي. أشار "هشام" بيده، قائلاً: - سأعود إلى مكتبي، و.. قاطعه المسئول الكبير في حدة: - ابقَ هنا. ثم التقط نفساً عميقاً، في محاولة لتهدئة أعصابه الثائرة، قبل أن يشير إلى رئيس طاقم حراسته، قائلاً في توتر: - لا يجوز أن ينتظر النائب العام في الخارج.. دعه يدخل فوراً أيها الأحمق. تراجع رئيس طاقم حراسته في سرعة، ولم تمضِ دقيقة واحدة، أو ربما أقل، حتى دخل النائب العام شخصياً، وبصحبته "رشدي عبد الهادي"، الذي ما إن لمح "هشام" حتى قال مبتسماً: - "هشام حمزة" أيضاً.. هذا سيوفر الكثير من الوقت. امتقع وجه "هشام"، وحملته ساقاه في صعوبة، في حين بذل المسئول الكبير أقصى طاقته، ليغمغم في توتر بالغ: - لا يمكنني في الواقع فهم سبب الزيارة الكريمة. أشار إليه النائب العام، قائلاً: - الواقع أنها زيارة غير مألوفة، ولهذا قمت بها بنفسي، بعد استئذان السيد رئيس الجمهورية بالطبع. امتقع وجه المسئول الكبير، وشحب صوته بشدة، وهو يسأل: - ولماذا كل هذا؟! شدّ النائب العام قامته، وقال في حزم صارم: - بكل الأسف، أنت متهم بتدبير حادث القطار الأخير، كجزء من مؤامرة اغتيال زعيم المعارضة "أمين ضياء". صرخ المسئول الكبير: - كذب. أكمل النائب العام، بنفس الصرامة الحازمة، وكأنه لم يسمعه: - ولدينا كل التسجيلات، بالصوت والصورة، التي تُثبت المؤامرة، وأنها تمّت بناءً على أوامرك الشخصية. ردّد المسئول الكبير، في صوت، خفف انهياره من ارتفاعه: - كذب. تابع النائب العام بنفس اللهجة: - وكلها تسجيلات قانونية، تمت بعلم ومعرفة النيابة العامة. بدا المسئول الكبير منهاراً بضع لحظات، قبل أن يهتف فجأة: - ولكن لا يمكنك اعتقالي بهذا الأسلوب، هناك إجراءات خاصة؛ لاعتقال من في منصبي هذا. أجابه "رشدي" هذه المرة، في هدوء صارم:
- سيادة رئيس الجمهورية أصدر قراراً بإقالتك، قبل أن نأتي إلى هنا. ثم التفت إلى "هشام"، وأضاف: - وهذا ينطبق عليك أيضاً. انهار المسئول الكبير على مقعده، ودفن وجهه بين كفيه، وانفجر باكياً في ألم، في حين تراجع "هشام حمزة" بضع خطوات، ثم قال في حدة مفاجئة: - ليس بهذه السهولة. ثم استلّ مسدسه في سرعة، و.. أطلق النار.. مباشرة..