"قصة تبحث عن تعليق" باب جديد ينضم إلى الورشة.. سننشر فيه القصص بدون تعليق د. سيد البحراوي، وسننتظر منك أن تعلق برأيك على القصة.. وفي نهاية الأسبوع سننشر تعليقك بجوار د. سيد البحراوي؛ حتى يستفيد كاتب القصة من آراء المتخصصين والمتذوقين للقصة القصيرة على حد سواء.. في انتظارك. "الباشا" السيد / ............ النائب العام بجمهورية مصر العربية.. تحية طيبة وبعد.. مقدمه لسيادتكم الصول / رؤوف طه البغدادى.. قسم شرطة(....) بالقاهرة. أكتب إليكم وأنا مختبىء بأحد الأماكن المجهولة فى القاهرة والتى لا يعلم عنها سوانا من رجال الشرطة العتيدين. إن وقتكم الثمين لا يسمح لى بالإستطراد أكثر من اللازم,خاصة وأنا أعلم مدى احتياج قضيتى الشائكة الى كل دقيقة من وقتكم الكريم..لذا سأبدأ مباشرة وأقص على مسامعكم كل ما حدث ..بصدق وبمنتهى الدقة. بدأ الأمر فى تلك الليلة السوداء من ليالى الصيف شديدة الحرارة,وبدا الجو مقبضا بسبب الحر والملل,فليلة كهذه لم يكن العمل فيها كثيرا , بالأحرى لم يكن فيها من عمل أصلا,ولربما هذا فقط ما خلق تلك الأحداث ..الملل ولا شىء سواه..الملل الذى جعل رئيسى المقدم(زين) يستدعينى قائلا: - ماهذا الجو يا رؤوف؟!..أنا لم أعتد هذا..تصرف. أحنيت رأسى وأنا أقول فى احترام: - أوامر سعادتك يا فندم. لم يكن للجملة من معنى ..فليس بإمكانى أن أضغط زرا لأجعل الجو أكثر متعة له,ولكنه أسلوب الاستعباد الذى ابتدعه العرب وبقى فى نفوسنا جميعا حتى بعد أن قضى عليه الاسلام. أما هو فقد بقى فى جلسته تلك ,مغمضا عينيه ,وباعثا الرجفة فى أوصالى بشدة..أنا أعرفه وأحفظه جيدا..صمته وسكونه هذا لا ينجبان سوى الكوارث ,والله وحده يعلم ما هى المصيبة القادمة الآن. ولكنه فجأة تحرك,فهب من مقعده والتقط مفاتيح حجرة الاستراحة الخاصة به من على سطح المكتب ,قبل أن يلقيها إلى قائلا دون أن ينظر إلى حتى: - الفتاة التى قبضنا عليها بالأمس..احضرها الى حجرتى بالأعلى ...حالا. امتقع وجهى بشدة وترددت طويلا قبل أن أتسائل بتلعثم واضح: - لماذا؟!.. ماذا ستفعل بها يا سيدى؟! استدار محدقا الى فى استغراب وهو يستنكر اعتراضى المفاجىء ولأول مرة لأمر من أوامره,فى حين هرعت ناحيته وأنا أضيف فى جزع: -ياسيدى..إن لى فتيات فى مثل سنها بالضبط ..فكيف ترضى لى أن أقبل بهذا؟!..قد نفعل أى شىء ولكن ليس الزنا بالطبع..أرجوك. ابتسم (زين)كاشفا عن أسنانه الصفراء,وقال فى دهشة مصطنعة: -زنا؟!..ماذا تظن أنى قد أفعل أيها العجوز؟!..أنا لا أغضب الله أبدا يا رجل. ثم اكتسى وجه بالجدية فجأة وهو يقول بالصرامة: -والآن يكفى هراءا وافعل ما أمرتك به..هيا. قالها واستدار مغادرا الحجرة, ولم تمض عشر دقائق بالفعل حتى كنت أصطحب الفتاة الى أعلى ...الى مصير لا يعلمه سوى الله وحده. وما أن دخلت الحجرة حتى وجدته ينهض من على السرير الصغير وهو يبتسم لنا ابتسامته المقيته تلك,قبل أن يلقى إلى بهاتفه الجوال قائلا بلهجة آمرة: (رؤوف)..لقد ضبطت الهاتف على نظام مسجل الفيديو...قف فى هذا الركن هناك وابدأ التصوير فحسب. تساءلت الفتاة فى حذر خافت: - ماذا هناك يا باشا؟!..ما الذى يحدث بالضبط؟! قبض (زين)على معصمها فى قوة وهو يقول: - ليس هذا من شأنك أيتها العاهرة..فقط توقفى عن الثرثرة و... ومال بوجهه ناحيتها وهو يكمل: -واخلعى ملابسك. اتسعت عيناى فى ارتياع وكاد قلبى أن يتوقف عن الخفقان وأنا أقف متسمرا فى مكانى لا أجسر على النطق حتى,بينما انهمرت الدموع أمطارا من الفتاة المسكينة وهى تصرخ: -لا..أرجوك ياباشا..أرجوك ..لا تفعل بى هذا..ارحمنى. صفعها (زين) بمنتهى القسوة وهو يهتف بها: - توقفى عن الصراخ أيتها اللعينة وإلا قطعت لسانك..ونفذى ما أمرتك به فحسب..هيا وضعت الفتاة يدها على فمها فى ذعر بالغ وعيناها لا تتوقفان عن البكاء بحرارة,بينما جسدها الضئيل يرتجف فى عنف ليس له مثيل وهى تخشى أن تصدر صوتا فيعاقبها (زين)بلا رحمة.. وفى ألم مدت يدها المرتجفة لتخلع سترتها,بينما تتابعها نظرات (زين) الشهوانية الوقحة..وكادت تشرع فى باقى ملابسها لولا أن دخل المقدم (سعد) , الحجرة بغتة وهو يدندن بلحن شعبى مشهور ولكنه ما أن رآنا حتى تجمد عند الباب مبهوتا مما يرى. ولثوان تجمد الموقف تماما ونحن نتطلع الى بعضنا البعض فى جمود قبل أن يشق (زين) الصمت ,فقال فى ارتباك واضح: - (سعد)..صديقى القديم..أى رياح ألقت بك إلينا اليوم؟! لم ينطق (سعد)بكلمة وإنما قلب بصره بيننا فى شك وقد بدأ يفهم ما يجرى بالضبط خاصة مع رؤيتى وأنا أقف ممسكا بالهاتف لألتقط كل مايجرى فى الحجرة...ومن بين أسنانه خرجت الكلمات مصحوبة بالمقت الشديد : -أيها الحقراء..كيف سولت لكم أنفسكم فعل هذا بفتاة لاذنب لها؟ لوح (زين) بذراعه هاتفا فى استنكار: - لا ذنب لها؟!!...إنها عاهرة ..عاهرة..ألا تدرك هذا؟! هتف (سعد)فى غضب: حتى وإن كانت كذلك..فلا تستحق أبدا أن نعاملها هكذا...أهذا ما أمر الله به؟!..أن نذل المذنب ونهينه؟!..ألم نقسم على حماية الضعيف وألا نستعبد أحدا قط؟!..أخبرنى. أشاح(زين) وجهه بعيدا فى استخفاف دون أن يعلق بشىء,فى حين التفت (سعد) الى الفتاة قائلا فى صرامة: -حقك لن يذهب هباءا يا فتاة..جريمتك سيعاقبك عليها القانون,بالضبط كما سيعاقبهم على جريمتهم فى حقك...هيا..فسترحلين معى الآن. أسرع (زين) يتعلق بمعصم الفتاة وهو يهتف فى ثورة: - مستحيل..لن أدعك تدمر مستقبلى من أجل فتاة لعينة كهذه...لن يحدث هذا إلا على جثتى...أفهمت؟!! أخرج (سعد) مسدسه من غمده وهو يقول فى صرامة لم أعهدها فيه من قبل: -اتركها يا(زين)..وإلا ستعبر فوق جثتك كما قلت. فى تلك اللحظة يا سيدى ,أدركت أن سمعتى وسمعة أولادى ستدمر تماما إن سمحنا ل(سعد) بتنفيذ كلامه..وأن الأمر لن يستغرق طويلا قبل أن أجد نفسى معزولا من رتبتى التى طالما تفاخرت بها أمام الناس,بل وقد أتشارك فى احدى الزنزانات مع رئيسى(زين)..لكل هذا وجدت نفسى يا سيدى وبدون وعى ألقى بالهاتف الذى لم أدر لم واصلت التصوير به كل تلك المدة,وأضرب (سعد)على مؤخرة رأسه دون أن ينتبه بكل ما أوتيت من قوة. كانت الضربة شديدة بالفعل لدرجة جعلت (سعد)يترنح لحظات كانت كافية كى يأخذ(زين)المسدس منه ثم يتراجع للخلف وهو يضحك ساخرا ويقول: -يا للشرفاء..يبدأون دوما بشعارات فارغة وينتهون جميعا نهاية واحدة. استند (سعد)الى الجدار وهو يقاوم دوار رأسه بشدة قبل أن يقول: -قتلى هى الطريقة الوحيدة لتجعلنى أصمت يا(زين)..لم ترد للفتاة أن تغادر؟!..حسنا هى معك..ولكنك لن تقدر على منعى الآن..لن تقدر. قالها ثم أدار ظهره متجها الى الباب فى حزم,جاعلا (زين)يهتف: -توقف يا (سعد) والا قتلتك..توقف. لم يعيره أدنى اهتمام وهو يكمل مترنحا نحو الباب..وهنا حدث بالضبط ماتوقعته وما رأيته فى عينى (زين) وهو يرفع المسدس ليصوبه اليه ويصرخ فى جنون: - أنت أجبرتنى على هذا يا (سعد). كان (زين) -والحق يقال- بارعا فى التصويب وخاصة على هدف قريب ومرأى مثل (سعد) ...لولا هى....هى فقط من تدخل. الفتاة التى نسيها الجميع وسط هذا الصراع وجدناها تقف حائلة بين الرصاصة وبين جسد(سعد). نفس الجسد الذى باعته بأى ثمن ولأى انسان,استخدمته للمرة الاولى والاخيرة فى عمل نبيل كهذا..وقفت فى بسالة لتزود عمن حمى جسدها من الانتهاك ,بينما عيناها لا تقول سوى شىء واحد: - إنه أقل ثمن أقدمه لك .. يا باشا. سقط جسدها صريعا بين يدى (سعد) الذى التقطها و جلس على ركبتيه ليرقدها أرضا فى حنو بالغ....وبينما يحدق (زين) إليهما فى ارتياع وكأنما لا يصدق ما ارتكبته يداه,رفع(سعد) عينيه إليه وقد امتلأتا بالدموع ليقول فى مقت شديد: -أيها اللعين..انظر لما فعلته بنا جميعا...سأقضى عليك. قالها وهو ينهض بغتة لينقض عليه محاولا انتزاع المسدس منه..كانا يتقاتلان فى عنف وشراسة وكلاهما يجاهد للامساك بالمسدس من الاخر. لم أقدر على التدخل فى هذا الصراع..فقط تراجعت الى الوراء وأنا مازلت ممسكا بالهاتف وألتقط كل مايحدث فى هذا الجنون. أمسك (سعد) بالمسدس بكلتا يديه محاولا انتزاعه من يدى (زين) والذى كان قابضا عليه فى استماتة..كان هذا حين دوت الرصاصة الثانية..رصاصة لم أدرك من وجهها إلى من,وقد انحشر المسدس بين جسديهما..تسمر الاثنان والذهول يملأ وجهيهما لحظات قبل أن يسقط أحدهما أرضا والدماء تنزف منه بغزارة بينما يشى وجهه بوضوح أنه قد فارق الحياة. وحين اعتدل (زين) فى وقفته ممسكا بالمسدس والارتياع يغزو قسماته,ادركت الكارثة التى وضعنا فيها وأدركت أيضا أنه فى ليلة واحدة ارتكب جريمتين بشعتين دون أدنى ذنب للضحيتين فيها. أما أنا فقد حاولت التماسك قدر الامكان..ليس عن شجاعة منى أو جرأة ولكن لعلمى بما سيحدث لاحقا..كنت أعلم أن (زين)سيفيق..يجب أن يفيق..شخصية شيطانية مثله قد تصاب بالشلل لحظات ولكنها لا تفقد صوابها كثيرا..كنت أعلم أنه سيكتشف كون المسدس فى يده هو فى الاصل ملكا ل(سعد)..كنت أعلم أنه سينظفه جيدا من بصماته قبل أن يضعه فى يد صاحبه ثم يملأ الدنيا صراخا عن صديق عمره الذى جلب فتاة الى حجرة الاستراحة لغرض لايعلمه سوى الله ولكنه اكتشف الجريمة بالصدفة البحتة وحدث ما حدث ..لن يحاسبه أحد..وربما منحوه حتى وسام شجاعة ما..المهم أنه بعدها سيكتشف أن شاهد الاثبات الوحيد فى الموضوع قد اختفى ومعه دليل الاتهام له..سيبحث عنى فى كل مكان لإسكاتى او حتى لقتلى وحرق كل ماصورته تلك الليلة ..ولكنه لن يجدنى ,فلن أغادر سوى مع أحد رجالك يا سيدى النائب,فأنا لم ولن أطلع مخلوقا على مكانى سواك. قد تتعجب مما حكيت,خاصة وهو يديننى كما يدين (زين) ولكن ينبغى أن تعلم أنى لست بمغتصب ولا بقاتل , إنما أنا مجرد عبد لعين للسيد المطاع..عبد أجرم فى حق نفسه وفى حق الله عز وجل... أتوسل إليك يا سيدى النائب أن تشنقونى..تعدمونى..تقتلوا فى الصمت والخضوع..تقتلوا فى الشيطان الأخرس الذى رفض (سعد) أن يكونه..ولكن أرجوكم ألا تبقونى لحظة واحدة فى هذا البلد.. البلد الذى لا يحيا فيه بشر ولا يحكمه انسان... بل يحيا فيه عبيد..ويحكمه فقط... الباشا... حسام عادل التعليق: قدرة الكاتب على القص بديعة ولغته ممتازة، ولكن يصعب أن تكون هذه لغة صول بوليس، كما أن مكان الأحداث أكبر بكثير من تجربة القصة القصيرة. ومع ذلك فهي قصة جيدة. د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة ملحوظة: ينشر الموقع القصص كما وردت من أصحابها، أي دون تدخل بالمراجعة، وذلك لأن الجوانب الإملائية واللغوية والتنسيقية يُعتد بها في تقييم النص. لذا وجب التنبيه، وشكرًا.