ناس كتير بتعمل ناصحة وتوفّر على قد ما تقدر في الفطار، لكن يا دوب ييجي عليها السحور وتدفع باليمين كل اللي وفّرْته بالشمال، خصوصا لو "اتهفّيت" في عقلك وعزمت قرايبك على السحور بره البيت، عشان توفّر حق عزومتهم على الفطار!. لو خدتهم وطلعت على محلات "جاد" بتاع الفول والطعمية بكل فروعها اللي في وسط البلد، والمهندسين، ومدينة نصر، والجيزة، وافترضنا إن أنت وضيفك اللي عازمه هو وأسرته بتسمعوا كلام الحكومة وخِلْفتكم في العيال قليلة، قل عندك ولد وبنت والمدام بتاعتك بس، وضيفك كمان زيك بالظبط، يعني كُلكم كده على بعضكم يا دوب 8 أنفار بس، ساعتها بقى سيادتك هتنادي بقلب جامد على الجرسون وتقول له ينزل 8 طلبات فول وطعمية والسلطة بتاعتهم وبس.. يبدأ الجرسون "يتمحلس" ويجرّ رجلك: "طب يا افندم عندنا بيض زي العسل"، ترد عليه بتناكة :"لأ ما بنحبوش عشان بيعمل انتفاخ".. يجيلك من ناحية تانية: "طب هتتسحر إزاي من غير بطاطس؟".. تطلع أنت أصيع منه وتقول: "أصلها نشويات وبترفع الكوليسترول"، يدوّر على مدخل جديد: "طب يا افندم..." فتردّ عليه مقاطعاً: "مفيش طب.. أجري روح هات اللي قلت لك عليه من غير ما تزوّد.. أنت هتوكّلنا على مزاجك ولا إيه؟!". يمشي الجرسون وهو عمال يبرطم في سره: "إخص عليكم زباين قيحة.. زباين آخر زمن"، وينزل الطلبات اللي شكلها يفتح النفس، وتملأ السلطات الترابيزة اللي قدامك، وتنزل أنت وضيوفك على الأكل "حتتك بتتك"، وتمسحوا الأطباق وأنت عمال تبصّ لضيوفك بابتسامة واثقة :" كلوا يا جماعة..عايزكم ما تسيبوش حاجة.. دي حاجة كده مش قدّ المقام"، وقال يعني خلاص اتحسبت عليهم عزومة رخيصة، وفاكر نفسك طلعت ناصح، وفي عز الأكل يجيلك الجرسون بنظرة ساخرة، وشوية شوية هيطلّع لك لسانه، وهو بيقدم لك الفاتورة اللي قيمتها "99.99 بس!". ساعتها أوعى تنادي له أو تراجعه في الحساب وأنت فاكر إنه جاب لك فاتورة واحد تاني.. الفاتورة مظبوطة يا افندم ويا الدفع يا الحبس، وهيبقى شكلك وحش أوي قدام ضيوفك.. ادفع وأنت ساكت زي الشاطر وسكّ ع الزبادي.. لما الضيوف تروّح، يبقوا يشتروا من اللبان اللي جنبهم.. واحمد ربنا إنك ما طلبتش بطاطس أو بيض.. واحمد ربنا أكتر إنك كنت محدّد النسل أنت وضيوفك.. وده درس ليك عشان ما تفتكرش إن السحور بره البيت حاجة رخيصة عشان يعني فول وطعمية!. نيجي بقى لمحلات "التابعي" بكل فروعها في المهندسين ومدينة نصر ووسط البلد.. هناك هيتكرر معاك نفس السيناريو بالتفصيل الممل، بس ممكن تدفع أكتر حبتين، مع مراعاة إن الضغط هناك جامد أوي وممكن الطلب يتأخر شوية، ومش بعيد الفجر يأذّن عليك وأنت لسه ما اتسحّرتش!، ونفس الحال في محل "آخر ساعة" في وسط البلد. سيبنا بقى من كل ده ويلّا بينا على سيدنا الحسين، و"شي الله" يا أهل البيت، اعمل حسابك مبدئيا قبل ما تقعد إن "الكان" هناك ب7 جنيه، يعني لو طلبت 8 "كانز"، يبقى هتدفع 56 جنيه حاجة ساقعة (واحتمال يبقوا 60 بالبقشيش) من غير ما نتكلم عن الفول، والطعمية، والزبادي، والسلطات، والبيض اللي بيعمل انتفاخ، والبطاطس اللي بترفع الكوليسترول.. تخيّل بقى لو طلبت كل ده هناك هتدفع قد إيه؟ أكيد لازم تكون وارث، أو واحد غني مش عارف يودي فلوسه فين، أو نِفسك تتحبس ومش لاقي جريمة تعملها، وكله كوم ونظرات الحرمان اللي هتشوفها في عيون الأطفال الغلابة اللي هناك وأهاليهم الفلاحين والصعايدة اللي نايمين جنب مسجد الحسين مش لاقيين ياكلوا كوم تاني.. يا سبحان الله المنظر هناك عامل زي اللسان اللي بيفصل بين مية البحر المالحة ومية النيل العذبة في راس البر، من غير ما يختلطوا ببعض!، في الحسين برضه هتلاقي الشارع اللي قدام الجامع بيفصل بين الفقراء اللي مش لاقيين ياكلوا ومنتظرين اللي يبعته ربنا، وبين الأغنياء اللي قاعدين ياكلوا شوية فول وطعمية ومية معدنية وكانز ب200 أو 300 جنيه.. عموما أحسن حاجة بدل ما تروح تدفع شيء وشويات على شوية فول وطعمية، وتضيّع كل اللي وفرته في الفطار، وبدل ما تتعقّد من نظرات الحرمان في عيون الغلابة، اقعد في بيتكم واشتري كيس فول باتنين جنيه بس، أو اشتري كيلو فول ناشف وخلي أم العيال تدمّسه وهيكفي معاكم يومين تلاتة، بلا فشخرة كدّابة، ومصاريف قدّ كده، على شوية فول لا راحوا ولا جُم.. بس ساعتها ممكن تدفع فلوس للمسحراتي اللي هينادي عليك، ويجعله عامر يا مصر، يا اللي ماحدش فيكي ما يقدرش ما يدفعش، سواء قعد في بيتهم أو خرج مع الضيوف.