أولا شكرا على الباب ده؛ لأني بجد كنت محتاجة إني أتكلم مع حد عن مشاكلي.. أنا بجد حاسة إني عندي مشاكل كتير أوي أوي أهمها التناقض؛ يعني أوقات أحسّني خايفة وأوقات مطمّنة.. أوقات ضعيفة وباتظاهر بالقوة.. وأوقات أقول حاجة غير اللي أنا عليها فعلا.. أوقات باتصنّع الغباء مع إني مش كده.. كتير باتبارد أي نعم مش بحب العصبية بس مش باردة زي ما كتير بيشوفوا.. بحب جدا إني أكون مش متسلط عليّ الأضواء بس مش مهملة مشاعري.. مش بابيّن منها غير قدر معين أوي، يعني بابيّن مشاعري على حسب ما أنا عايزة اللي قدامي يفهمها.. أحيانا باكون هاموت وأقول لأصحابي إني محتاجة لهم بس مش باقول؛ باحسّها ضعف.. أوقات هاموت وأبكي بس لأني مقتنعة إن الدموع ضعف مش بابكي.. كتير بيكون نفسي أجري على أمي وأرتمي في حضنها وأقول لها ضميني محتاجة لك أوي، ومش باعمل كده؛ باحسّه ضعف مني، مع إني متأكدة إني غلط باقول إن الحب ضعف، ومش هاحب بس باتمنى إني أعيش قصة حب زي أي بنت.. نفسي أحب وأتحب.. بس بالرغم من كل التناقضات اللي فيّ دي عمري ما فكرت أجرح حد بحبه مع إن اللي بحبهم بيتفننوا إنهم يجرحوني. عمري ما فكرت إني أخون مع إن الناس اللي باقرّبهم مني أوي بيبقوا أول حد يجرحني.. عمري ما اتخليت عن حد وباحس بأصحابي بجد، ومش فيهم اللي بيحس بيّ.. أوقات باقول لنفسي إني محتاجة اهتمام من اللي حواليا بس ده مش السبب، بس أي نعم ممكن في البيت مش بيكون فيه اهتمام بالدرجة اللي أنا عايزاها، بس وسط أصحابي الكل بيهتم، وأنا عندهم حاجة جامدة أوي. مش عارفة نفسي.. بجد أنا ضعيفة ولّا قوية؟ ماعنديش قلب ولّا رومانسية؟ صح ولّا غلط؟؟ نفسي أفهم.. e صديقتي العزيزة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: تعالي نعتبر في رسالتك أن هناك ثلاثة أشخاص بداخلك (طفل -شخص وصي عليك - شخص ناضج أو يافع) ونرى كيف يتصرفون: 1- طفل بيقول: أوقات أحسّني خايفة - أوقات ضعيفة وباتظاهر بالقوة - اللي بحبهم بيتفننوا إنهم يجرحوني - محتاجة اهتمام من اللي حواليا - في البيت مش بيكون فيه اهتمام بالدرجة اللي أنا عايزاها، بس وسط أصحابي الكل بيهتم، وأنا عندهم حاجة جامدة أوي... 2- شخص وصي عليك بيقول: عندي مشاكل كتير أوي أوي أهمها التناقض - هاموت وأقول لأصحابي إني محتاجة لهم بس مش باقول؛ باحسّها ضعف.. أوقات هاموت وأبكي بس لأني مقتنعة إن الدموع ضعف مش بابكي - كتير بيكون نفسي أجري على أمي وأرتمي في حضنها وأقول لها ضميني محتاجة لك أوي ومش باعمل كده؛ باحسّه ضعف مني - الحب ضعف ومش هاحب. 3- شخص ناضج أو يافع: مش بحب العصبية - بحب جدا إني أكون مش متسلط عليّ الأضواء بس مش مهملة مشاعري - باتمنى إني أعيش قصة حب زي أي بنت نفسي أحب وأتحب. والنتيجة هي ما أنت عليه الآن.. أنا مين في دول؟ والحقيقة يا عزيزتي أنت كل دول، والموضوع أبسط مما تتصورين لو فهمناه، وأفضل طريقة نفهم بها الموضوع هي النظرية الجميلة الرائعة لتشريح النفس البشرية "نظرية تعدّد الذوات" ل"إريك برن"؛ تلك النظرية التي تقدّم لنا أفضل السبل لفهم ذواتنا من أجل تطويرها وإنمائها وتحسين طرق التواصل مع الآخر من خلال الفهم الواعي للشخصية.. وهذه النظرية تنصّ على أنه بداخل كل منا ثلاث ذوات أساسية وهي: 1- الذات الوالدية: وهي تظهر في شكل أفكار وسلوكيات ومشاعر مستمدّة من الوالدين، وهي في الظروف السوية تعني الضمير والقيم، أما إذا تمكّنت بمفردها من الشخصية وحالت دون ظهور الذوات الأخرى فهي تعني الضمير السادي المعجز كثير اللوم على أبسط الأمور، والمتسلط الذي يقهر الطفل بداخلك، وهذا ما يُنتج الاكتئاب. 2- الذات الطفلية: أي الطفل الذي بداخلك وبداخلي وبداخل كل البشر، وهو ما يسعى للمرح والحب والسعادة المطلقة والرومانسية؛ فهو تلقائي بسيط بريء، يحتاج للرعاية ومشاعر الأمان. 3- الذات اليافعة أو الناضجة: وهي الذات التي ترى الناس والمواقف بشكل واقعي؛ فهي لا تتأثر بذكريات الماضي المؤلمة مثلاً ولا تحكم على الآخرين من خلال ركام القيم الوالدية، أي تتعامل مع الآخر بدون أي إسقاطات.. إنها تبحث عن المعلومات وتجمع بيانات بل وتلعب دور المنسّق بين الذات الطفلية والذات الوالدية. إذن هذه الذوات موجودة بداخلنا وتتبادل الظهور حسب الموقف، وهو ما يُعرف بالمرونة التي تحول دون طغيان إحدى الذوات على الأخرى، بحيث تلغي ظهورها تماماً، فالمرونة تعني هنا الحالة السوية، وهو ما أنت عليه إلى حد كبير.. لكن لماذا أنت قلقة؟ وماذا تفعلين؟ قلقك يا عزيزتي نتج من وعيك بنفسك، وهو أمر قد لا يتكرر كثيراً؛ فقد تظهر هذه الذوات وتتبادل الأدوار أو تطغى إحداها على الأخرى، ولا أحد يلاحظ أي شيء، لكن هنيئاً لك بالملاحظة؛ لأنها ستساعدك دوماً على رصد السلوك الصادر في أغلب المواقف، وأي من هذه الذوات كانت لها السيطرة، فتقيّمين ذاتك وتطورينها في عملية نمو مطّردة بإذن الله.. لكن ما أنصحك به الآن أن تجعلي الدفة دائماً في يد الذات اليافعة لتلعب دور الوسيط بين الطفل والذات الوالدية، وهو ما سيساعدك على النمو والتطور، بحيث تصلين إلى هذا المفهوم: (في البيت ما فيش اهتمام بالدرجة اللي أنا عايزاها - ده خلاني أحس أحياناً إني خايفة - بس لأني بافكر باحس إن الخوف مالوش مبرر باكون مطمئنة - وده خلاني أعمل إسقاطات وتعميم على العالم الخارجي، فحسيت إن الناس كلها بتجرحني وما حدش بيحسّ بي، بس ده صوت الطفل اللي جوايا اللي زعلان من البيت يبقى لازم أشوف الدنيا صح بعين واعية، واستنى أنت يا طفل خليك على جنب شوية؛ لأني محتاجة أشوف الناس بره البيت بعين واقعية غير العين الحزينة الزعلانة من أهلي - محتاجة أحب وأتحب: مشاعري طبيعية زي كل الناس بس كل شيء بأوان - محتاجة أظهر ضعفي أحياناً.. ممكن أمي ما تقدّرش إني عايزة أرتمي في حضنها لكن هذا لن ينفي مشاعر الضعف بداخلي وأنه في يوم ما قد أجد من يفهم ضعفي ويساعدني على أن أقوى - إلى أن يأتي وبعد أن يأتي ذلك الشخص فالله موجود سألوذ إليه وأشكو إليه ضعف قوتي وقلة حيلتي.. أنا ضعيفة أحياناً واعترافي بضعفي يعني أنني قوية.. أنا رومانسية حالمة لكن قلبي في يدي أسيطر عليه ولا أطلق له العنان رامحاً ليلعب بي ضعاف النفوس). عزيزتي.. اكتمال نضج الشخصية يتحقق بإذن الله باكتمال سيطرة الذات الناضجة الواقعية التي تحتوي على سمات الطفل أي المشاعر والرومانسية والتلقائية وليس الحزن والإسقاطات الناتجة عن ذكريات الماضي، وسمات الحكمة وليس الوصاية أو القهر للطفل بداخلك.. إن الوصول إلى هذه المرحلة سيحتاج للوعي والوقت والصبر من أجل أن تحققي التصالح بين هذه الذوات، وتنعمي بحياتك بإذن الله.. وشكراً لك أن فتحت هذا الباب.