بكيت بقلبي قبل عيوني وأنا أرى شاباً يُدعى عمرو موسى (31 عاماً) يتخلص من حياته بربط عنقه بحبل ويعلّق نفسه بسور كوبري قصر النيل ليتدلى منه منتحرا، وذلك بسبب عدم قدرته على تدبير نفقات الزواج من حبيبته -منى- التي تمّت خطبته عليها منذ أكثر من عامين، والتي ترك لها خطابا في موقع الحادث قال فيه إنه يستطيع ترك الدنيا لكنه لا يستطيع الحياة بدونها. ومن قبل فوجئ المارة أمام معهد الأورام بمحافظة أسيوط بشاب (39 عاماً) يقوم ببتر عضو حساس في جسده بآلة حادة"، لنفس السبب تقريبا. يا لها من أيام عصيبة يعيشها شباب اليوم, فما بين جامعات تكتظّ بطلابها, وملايين ينضمّون سنويا لطوابير العاطلين تكون فرص تحقيق الذات مسألة صعبة المنال.
يُستثنى من ذلك أولاد علية القوم كبار الأطباء والمهندسين ولواءات الشرطة ووكلاء الوزارة وأساتذة الجامعة والتجار والمقاولين، ويكون الحل الأسهل هو الخروج إلى الشارع لمشاهدة مباريات كأس العالم، والتي دفع التليفزيون المصري في بعضها فقط 120 مليون جنيه. الحل بسيط وممكن، لكن يجب أن نسلط عليه الضوء قبل أن تنتقل أمتنا -لا قدر الله- من على مسرح التاريخ إلى كتبه، وهو الإسراع بقرار الوظيفة الواحدة لحل مشكلة البطالة، وذلك بمنع أي مواطن مصري أو غيره من الجمع بين وظيفتين مطلقاً مهما كانت الظروف، مع عدم جواز بقاء الموظف في أي منصب حكومي بعد بلوغه السن القانونية، فالأستاذ مرسي عطا الله بعد أن بلغ سن المعاش ظل في موقعه رغم أنف القانون، ومن قبله الأستاذ إبراهيم نافع ظل في الموقع ذاته سنوات وسنوات بعد بلوغ السن القانونية. فمنذ ما يقرب من سبعة عشر عاماً نشرت الصحف تقارير عن شخصية مصرية تولت خمسا وخمسين وظيفة مصرية في آن واحد -أكرّر 55 وظيفة- وأمامنا مثل حي يراه الجميع على أكثر من شاشة تليفزيونية في آن واحد، ويسمعه في الإذاعة، ويقرأ مقالاته في الجرائد والمواقع الإلكترونية، ويتابع جولاته بمجلس الشعب.. الكابتن والسيناتور أحمد شوبير! الأمر جد خطير؛ إذ يحتكر البعض لنفسه ولأهله الوظائف كما يفعل في الشقق والسيارات والفيلات -التي نراها بالطبع في مسلسلات رمضان- فالسيد الأستاذ الدكتور الوزير السيناتور كم منصب يتقلده أثناء ولايته، وكم منصب بعد تركه للوزارة؟ المحافظون ومن خرجوا منهم، أعضاء مجلس الشعب والشورى كم يجمعون من المناصب في آن واحد، ورؤساء الجامعات ونوابهم، بعض عمداء الكليات، رؤساء مجالس الإدارات خاصة رؤساء مجال إدارات المؤسسات الحكومية الإعلامية كالأهرام والتحرير، بعض رؤساء المحاكم، وبعض المستشارين بالقضاء... إلخ. هؤلاء جميعاً لا تقلّ أعدادهم عن ربع مليون شخص، يأتي على رأسهم أسطورتا مؤسسة الأهرام والتحرير الذي كان يتقاضى كل منهما من خلال المناصب التي تولاها معا في آن واحد أكثر من 3 مليون جنيه مصري فقط لا غير شهرياً بالحلال على الورق الحكومي المزيّن بشعار النسر، أي ما يكفي راتب 12 ألف موظف حكومي ميري محترم، راتب كل واحد منهم 250 جنيه، طبعا اللهم لا حسد، والقناعة كنز لا يفنى، وإنتم عارفين باقي الموشّح. وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر السيد الوزير محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق الذي عيّن بعد الوزارة رئيسا لشركة خدمات البترول البحرية بقرار من رئيس الوزراء -بمرتّب يكفي لتعيين ألفين أو ثلاثة آلاف عاطل- وهو قرار مخالف للدستور؛ حيث إن الوزير السابق عضو بمجلس الشعب ولا يحقّ له العمل بالحكومة، ثم استعان سيادته بسبعة من رجاله السابقين بالوزارة للعمل كمستشارين بالشركة، ليس هذا فحسب إنما أيضا أغلبهم قد تخطى سن المعاش، وعلى الشاب "عمرو" ورفاقه أن يبحثوا لرؤوسهم عن صخر جرانيتي كحائط السد العالي، هذا غير الباشا رئيس المحكمة بوزارة العدل، ومستشار لعدد من الوزارات طبعاً لأن البلد ليس فيها من يصلح لكل هذه المناصب سوى سيادته وحده. والجدير بالذكر أن التقارير شبه الرسمية تؤكد أن ما يربو على المائتي ألف من الذين يجمعون المناصب، يتولى الواحد منهم ما بين الوظيفتين إلى الخمس وخمسين وظيفة في آن واحد، فيكون المتوسط أكثر من خمس وعشرين وظيفة لكل منهم، لو ضربنا مجموع المائتي ألف في الخمسة وعشرين، لكان الناتج أكثر من خمسة ملايين وظيفة تكفي لتغطية كل العاطلين بمصر، ولو أضيف إليهم المستشارون الذين خرجوا على المعاش وهم لا يقلّون عن خمسين ألفاً، ووزعنا عائداتهم الاستثنائية على مليون عاطل لكفتهم، يضافون إلى الخمسة ملايين السابقة، فنكون قد حققنا وجمعنا ما يكفي لستة ملايين عاطل في قرار واحد في ساعة واحدة، هذه الملايين الستة موجودة بالفعل لكنها مُهدرة لصالح المحظوظين، ولو عادت لمستحقيها لن نجد صعيديا آخر -وأنتم تعلمون جيدا ما تمثله الرجولة للصعيدي- يفعل ذلك. صديقي الشاب.. لحين ينتبه المسئولون لهذا الحل، لا يجب أن تترك نفسك فريسة سهلة لغول اليأس، احفر في الصخر، اتعب، اعمل في أي شيء، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، أو اجلس أمام التليفزيون لتشاهد فيلم الفنان أحمد آدم "معلش إحنا بنتبهدل" فاسمه فقط يلخّص حالنا.