في وقت تمثل فيه قضية البطالة التحدي الاكبر للدولة وتشير الاحصائيات الرسمية إلي وجود ما يقرب من3 ملايين عاطل في مصر. وفي وقت تعلو فيه الأصوات المطالبة بضرورة رفع الحد الأدني لأجور الموظفين إلي1200 جنيه شهريا باعتبار أن هذا المبلغ يمثل الحد الأدني لضمان حياة كريمة للمواطن في ظل الغلاء الفاحش الذي يضرب كل شيء. وسط هذا الجدل تأتي قضية رواتب المستشارين بمختلف الوزارات وقطاعات الدولة لتثير الكثير من العجب وعلامات الاستفهام, لاسيما أن رواتب البعض منهم تصل إلي250 ألف جنيه أي أن المستشار الواحد يتقاضي شهريا ما يعادل راتب ألف خريج أو يزيد إذا افترضنا جدلا أن هذا الخريج يحصل علي250 جنيها شهريا عند بداية تعيينه. إهدار المال العام النائب مصطفي بكري عضو مجلس الشعب يقول انه علي الرغم من تدني الأجور للموظفين العموميين بالدولة وكثرة المطالب التي تقدمت بها النخبة وذلك بهدف رفع الحد الأدني للأجور ليصل إلي1200 جنيه إلا أن ذلك أصبح صعب المنال في الوقت الذي يتقاضي فيه بعض المستشارين في الوزارات المختلفة مئات الآلاف من الجنيهات شهريا موضحا انه كشف عن وجود بعض المستشارين بوزارة المالية أثناء انعقاد جلسة مجلس الشعب تصل رواتب البعض منهم إلي250 ألف جنيه شهريا في حين انهم لم يقضوا من المدة الوظيفية إلا شهورا الأمر الذي يمثل إهدارا للمال العام موضحا أن الغريب في الأمر أنهم يتقاضون هذه الرواتب المبالغ فيها من قيمة المنح التي تقدم إلي وزارات محددة مثل المالية والاستثمار والبيئة وغيرها من الوزارات المختلفة. وقال بكري ان هذا الأمر يثير حالة من الاحتقان بين الرأي العام في وقت تعد فيه الرواتب المدنية متدنية ولاتكفي سد الرمق موضحا أن هناك من أمضوا سنوات عمرهم كموظفين عموميين ووصلوا إلي دون أن يحصلوا علي10% من هذا الراتب متسائلا هل يعقل أن راتب وكيل الوزارة لايتعدي850 جنيها شهريا في حين تحصل مستشارة إعلامية بإحدي الوزارات المهمة علي راتب250 ألف جنيه شهريا بالاضافة إلي أن المحافظ يحصل علي راتب شهري لايزيد علي ألفي جنيه ولايصل بالحوافز إلي أكثر من15 ألف جنيه بينما يحصل مستشار علي المعاش لوزير حالي علي ما يقرب من150 ألف جنيه شهريا وتساءل بكري عن الأسباب التي تجعل هؤلاء يتاقضون هذه الرواتب في حين أنهم لم يقدموا جديدا يذكر أو ابداعا فريدا وهو الذي ينطبق علي بعض الشخصيات المهمة في البورصة والتي تحصل علي رواتب شهرية بمبالغ كبيرة تجعل صغار وكبار الموظفين يتساءلون عن العدل الاجتماعي والحد الأدني أو الأقصي للأجور؟ خبرات معينة ويطالب الدكتور عاطف العوام نائب رئيس جامعة عين شمس بضرورة ايجاد تنوع في الموارد البشرية التي تقوم بتقديم الخدمات المختلفة داخل دولاب العمل بحيث لا يتم الاعتماد علي فئة واحدة من العاملين فمن الطبيعي أن يكون لدينا صغار الموظفين بجانب الادارتين الوسطي والعليا وفي الوقت نفسه هناك أعمال تتطلب توافر خبرات معينة تحتاج شخصا له طبيعة خاصة وهنا يبرز دور المستشارين فالمستشار بطبيعته شخص ذو خبرة عالية ومؤهل علميا لتقديم الرأي والمشورة للإدارة العليا موضحا أنه يجب مراعاة بعض الضوابط مثل عدم الاستعانة بالمستشارين في اعمال لا تتطلب وجودهم وإلا يعد ذلك إهدارا للمال العام فمثلا إذا ابلغ أحد العاملين السن القانونية ولديه خبرات عادية وطبيعة العمل لا تستدعي خبرات إضافية فيجب عدم الاحتفاظ به تحت مسمي مستشار ولفت العوام إلي ضرورة أن يتم اختيار المستشارين في ضوء مواصفات محددة بحيث لا تكون هذه العملية عبارة عن تعويض للبعض أو مكافأة نهاية خدمة لشخص لا يصلح للمهمة لان ذلك يمثل مالا سايب كما يجب عدم المبالغة في أعداد المستشارين بحيث لا تتحول هي الأخري إلي ما يشبه البطالة المقنعة كما يجب تحديد المقابل الذي يحصل عليه المستشارون بصورة متوافقة مع هيكل الأجور أي يجب عدم المبالغة بأي صورة من الصور في أتعاب هؤلاء المستشارين حتي لو كانت ممولة من اعتمادات خارجية لأنها تؤدي إلي نشر حالة من السخط بين العاملين المعينين خلل كبير ويؤكد الدكتور سلطان أبو علي وزير الاقتصاد الأسبق وجود خلل كبير بالنسبة لرواتب المستشارين حيث يتقاضون رواتب ومكافآت مبالغ فيها علي عكس الموظفين العاديين في ظل غياب التنظيم القانوني لهذه العملية وعدم وضع ضوابط محددة لهم مخذرا من تزايد هذه الظاهرة التي تعتبر بابا للفساد وإهدارا للمال العام دون داع كما أنهما تمثل عائقا أمام رفع رواتب الموظفين الآخرين وانخفاض الأجور حيث أن راتب المستشار الواحد يعادل راتب ألف موظف وأن انخفاض الأجور للموظفين يعني انخفاضا للأداء وإهدارا للإدارة الرشيدة مطالبا بإعادة النظر في سياسة الجهاز الحكومي وتأهيل الكوادر وتدريبهم للحد من الاستعانة بالمستشارين إلا في أضيق الحدود وبما لايخل ذلك بالهياكل التنظيمية. نوع من المجاملات ويقول الدكتور صلاح الدين فهمي رئيس قسم الاقتصاد كلية التجارة جامعة عين شمس إن كل وزير أو رئيس مصلحة له مطلق الحرية في إختيار مستشارين للاستفادة من خبراتهم في جميع المسائل الاستشارية المتخصصة بالاضافة إلي أن الكثير من الادارات الحكومية علي وجه الخصوص تلجأ إلي تعيين المستشار كنوع من المجاملات ليس إلا دون أن يملكوا الكفاءة والخبرة التي تؤهلهم لذلك وتكون مهمة هؤلاء المستشارين هي تلقي الاموال وبالتالي يمثلون عائقا أمام طريق إتاحة الفرصة أمام الموظفين الاكفاء للاستفادة من خبراتهم وعلي الدولة أن تقوم بإعداد وتدريب كوادر قادرة علي تحمل المسئولية لالغاء الاستعانة بالمستشارين وللحد من الفساد داخل الكثير من الوزارات نتيجة لذلك. ويضيف أن المستشارين تورطوا أيضا في قضايا فساد تحولت إلي عناوين رئيسة في الصحف بعضهم كانوا هم مرتكبوها والبعض الآخر قبلوا أن تنسب إليهم فداء لرؤسائهم موضحا أن منصب الاستشاري المرموق الذي لاغني عنه في جميع دول العالم الديمقراطي يواجه الكثير من العثرات لأسباب تتعلق بالخصوصية التي نتمتع بها في مصر والتي مازالت رهن حسابات أغلبها غير موضوعية إذا لا يمكن تجاهل التجاوزات التي تورط بها مستشارون لكن لا يمكن في الوقت نفسه تجاهل أهمية المنصب أو المطالبة بإلغائه إنها نحتاج إلي إعادة النظر وتعديل المسار لأنه لاخاب من استشار. قواعد غير مشروعة ويقول الدكتور جلال إبراهيم أستاذ ورئيس قسم القانون المدني كلية الحقوق جامعة حلوان إن الراتب الوظيفي في القطاع الحكومي يتم تحديده وفقا لاعتبارات معينة منها مدة الخبرة والشهادات العلمية والكفاءة الشخصية لكن في حالة انتداب مستشار من خارج الحكومة للعمل بداخلها لايخضع لمثل هذه الاعتبارات وغالبا لاتوجد قواعد لتحديد راتب المستشار فتخضع للعرض والطلب أو المساومة طالما تتوافر فيه الخبرات والمهارات اللازمة خاصة أنه في بعض الأحيان يتطلب الأمر وجود خبرة فنية لاتتوافر في موظفي الجهاز الحكومي وفي هذه الحالة ونتيجة لاعتبارات شخصية يتم إختيار المستشار علي سبيل المجاملة ووصف جلال ذلك بأنه أمر غير مشروع وشكل من اشكال إهدارالمال العام وإساءة استخدام السلطة. ويوضح أن الموظف يتم تعيينه في الحكومة الجهة الادارية أو شركات قطاع الأعمال وفقا لقانون الموظفين في الدولة رقم(48) لسنة1978 وله كادر خاص ومحدد في إجراءات الترقي لكن المستشار أو الخبير الذي تتم الأستعانة به من الخارج ليس له تعاقد إلا مع الجهة المنوط بها أو المتعاقد معها ولايخضع للكادر الحكومي أو لاجراءات الترقي ويكون راتبه10 أمثال مايحصل عليه الموظف الحكومي بالاضافة إلي أن هناك جهات خارجية ممثلة في بعض الحكومات أوصناديق الانماء الخارجية أوالجهات المانحة سواء دولية أو عالمية تقوم بإعطاء منح للدول الفقيرة أو النامية علي هيئة قروض ميسرة يكون الغرض منها تنمية الدولة ومساعدتها علي الخروج من أزماتها الاقتصادية مثل تطوير التعليم الفني في مصر عن طريق الاستعانة بمستشارين من الخارج وغيرها من المشروعات التي تستلزم أو تستدعي ضرورة الاستعانة بالمستشارين علما بأن مصر لاتستفيد من هذه المنح بقدر استفادة هؤلاء المستشارين منها مطالب بتكوين كوادر جديدة قادرة علي الابتكار والابداع. تحايل علي القانون ويثير الدكتور صلاح جودة مدير مركز الدراسات الاقتصادية إلي أن نظام المستشارين ظهر في مصر بعد ثورة1952 في جميع الوزارات والمصالح الحكومية والهيئات وكانت أعدادهم في ذلك الوقت قليلة ونظرا لما يتمتعون به من كفاءة وانضباط يتم تعيينهم مستشارين في الجهاز الاداري للحكومة خاصة وأن كل القرارات التي تم اتخاذها كانت ثورية ولكن بعد ازدياد الأمر أصبح كل من هو يجوز رضاء رؤسائه يتم التجديد له بعد بلوغه سن المعاش وتم اختراع عدد من الوظائف وهي مستشارا مندوبا أو خبيرا أو متدربا من الخارج أو غيرها من المسميات المستحدثة بمعرفة الجهاز الاداري الحكومة, ويضيف أن الأغرب من ذلك هو ماحدث في بعض شركات قطاع الأعمال القطاع العام سابقا وهي قيام شخص بالحصول علي إجازة بدون راتب لمدة معينة وتكون عاما ثم يقوم بالتعاقد مع المؤسسة أو الشركة أو الادارة بعقد خارجي بصفة خبيرا أومستشارا وذلك نظير أو مقابل مرتب يعادل علي الأقل50 ضعف وماكان يحصل عليه مع أنه يقوم بذات العمل الذي كان يقوم به مؤكدا أن الجهاز الحكومي بأكمله به حوالي7,5 مليون عامل وموظف يتقاضون حوالي85 مليار جنيه سنويا موضحا أنه يوجد حوالي ألف مستشار يعمل بالجهاز الحكومي والشركات ويتقاضي كل واحد منهم راتبا شهريا يبلغ مليون جنيه وبالتالي يصبح مايتقاضاه نسبة ال1000 مستشار سنويا عبارة عن12 مليار جنيه ناهيك عن النفقات الأخري غير المباشرة بالاضافة الي وصول أعدادهم الآن الي450 ألف مستشار في الجهاز الاداري للدولة( ويقول جودة إن مصر بها أكبر عدد من المستشارين يعملون في كل الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة وعادة مايكونون رؤساء أوكبار موظفي هذه الوزارات والهيئات ويتم اختيارهم بعد بلوغهم سن التقاعد القانوني ويكون ذلك بمثابة تحايل علي القانون. برنامج الإصلاح الإداري ويضيف الدكتور عبد المطلب عبد الحميد عميد مركز البحوث الاقتصادية ورئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات انه لاتوجد قواعد محددة لمكافآت المستشارين في جهات كثيرة موضحا أنه نظام بدأ مع التحول لآليات السوق خاصة مع تبني وزارة التنمية الادارية برنامج الاصلاح الاداري وهو ماساهم في انتشار ظاهرة المستشارين وتزايدهم نظرا لعدم توافر الكفاءات والقيادات اللازمة للتطوير في جهات كثيرة وقال أن بعض هؤلاء المستشارين مفيدون بالفعل لكن في الوقت نفسه هناك مجاملات شخصية خاصة إن وظيفة المستشار ليست ضرورية وأن الهدف منها هو التستر علي الفساد وتعتبر بابا خلفيا للتربح فمثلا إذا أرادات قيادة ما ممارسة الفساد داخل الوزارة التي تعمل بها تقوم بالاستعانة بمستشار لصد أي هجوم عليها أو لتمرير أي موضوع تريد القيادة تمريره. حالة فوضي ويري الدكتور شريف قاسم أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الادارية أن مايحدث هو حالة فوضي تشهدها الوزارات والهيئات الحكومية خلال السنوات الأخيرة وأهم ملامحها هؤلاء المستشارين الذين لايسأل أحد لماذا أتوا ولاماذا يفعلون وكم يتقاضون؟ ويضيف أن المنح والقروض التي تحصل عليها الدولة بهدف التطوير أصبحت وكأنها مال سايب بلاصاحب حيث بات الانفاق بيد الوزراء الذين أصبحوا يتعاملون مع تلك الأموال علي أنها ليست جزءا من أموال الدولة ووصف قاسم الأمر بالغرابة خاصة وأن كل هذه الأموال لها ثمن سواء كانت قروضا أو منحا تدفعها الدولة من ميزانياتها وتؤثر علي سياساتها وتوازناتها الدولية ويضيف أن حالة البذخ غير المتقن تتزايد كل يوم بلا ضابط علما بأن بعض المستشارين يتقاضون مئات الآلاف شهريا فلا يوجد سقف محدد لمكافأتهم ولاكوادر مالية يمكن محاسبتهم بناء عليها والاستنزاف مستمر والموظفون القدامي من أصحاب الخبرات في كل موقع لا أحد يلجأ إليهم والخبير أوالمستشار صار وكأنه الوحيد الذي يفهم مما تسبب في حالة إحباط شديد لدي المتخصصين وعموما فالادارة الرشيدة لاتلجأ إلي المستشارين إلا في التخصصات النادرة أوالمستحدثة ولكنها تعتبر مجرد منظرة ورغبة في مكافأة البعض بهدف الصداقة أو لكونه كان يعمل في جهة مهمة قبل إحالته للمعاش فهو أمر لاتعرفه سوي الادارة المصرية التي تنفق ببذخ لايتناسب علي الاطلاق مع وضعنا الاقتصادي. الوزارات الخدمية ويوضح الدكتور حمدي عبد العظيم أستاذ الاقتصاد الدولي والرئيس الأسبق لجامعة السادات للعلوم الادارية إن وظيفة المستشار تتلخص في المساعدة في إبداء الرأي مشددا علي ضرورة توافر مجموعة من المقومات في من يشغل هذا المنصب مثل امتلاك مهارات وقدرات لاتتوافر في مكان العمل ولا العاملين فالفتاوي القانونية للوزارة علي سبيل المثال تحتاج الي مستشار من مجلس الدولة والمهام الهندسية تحتاج الي أستاذ من كلية الهندسية وهذا لايحدث لدينا موضحا أن هذه الظاهرة تحولت إلي مجاملات لعدد كبير من المستشارين للحصول علي مكافآت دون عمل حقيقي خاصة أن الكثيرين منهم تقتصر مهمتهم علي الدردشة وشرب القهوة مع الوزير وهذا موجود بشكل مكثف في الوزارات الخدمية معتبرا أن العبء المالي لدردشة الوزير يكلف الدولة الملايين ولابد أن يحاسب الوزير علي ذلك ويضيف عبد العظيم أن بعض الوزراء يستفيدون من المستشارين لأغراض شخصية حيث يقوم الوزير باختيار اثنين من المستشارين في نفس التخصص أحدهما متشدد في آرائه والآخر متساهل بحيث يتم الاعتماد علي المستشار المتشدد في رفض قرار ليس علي هواه أو معترض عليه ويخشي أن يواجه الرأي العام برفضه به وإذا اراد تمرير مشروع أو قرار فالاعتماد هنا يكون علي المتساهل ووقتهايقول أنه أخذ رأي المستشار وبهذا يبعد الوزير المسئولية عن نفسه في أي قرار يتخذه. ظاهرة الفساد الإداري ويؤكد الدكتور عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق إن ظاهرة تعيين المستشارين للوزراء تدخل في إطار الفساد الاداري في مصر موضحا أن الدولة عندما حددت سن ال60 عاما للمعاش كان يجب الالتزام بهذه القواعد لاعطاء فرصة للأجيال المتعاقبة خاصة وأنه ليست هناك خبرة يستحيل الاستغناء عنها لذلك فإن تحديد الخدمة تحايلا علي القانون في صورة المستشار بالاضافة إلي أن وزارة التنمية الادارية قامت بنشر قوائم لآلاف المستشارين وخصصت لهم ميزانيات ضخمة في الوقت الذي تعد فيه الدولة التشريعات للإستغناء عن الموظفين عن طريق المعاش المبكر مؤكدا وجود تناقض بين الاستغناء عن الموظفين ومنح فرص إضافية للاستمرار في الخدمة لبعض الشخصيات من أصحاب الحظوة.