بدا الغضب واضح، على وجه رئيس الجمهورية، وهو يتابع تلك الأفلام والصور التي التقطتها كاميرات المخابرات العامة المصرية سراً، ومدير المخابرات إلى جواره، يقول: - ذلك الذي يسلّمهم الأسلحة، موظف في السفارة الأمريكية في (مصر)، ويحمل جواز سفر ديبلوماسي. غمغم الرئيس، وصوته مع لهجته يشفان عن ذلك الغضب في أعماقه: - كلهم كذلك. ثم اعتدل في مجلسه، وسأل مدير المخابرات في حزم: - هل تبيّنتم هدفهم؟!.. أومأ مدير المخابرات برأسه مجيباً: - بالتأكيد يا سيادة الرئيس. ثم اتخذ وقفة عسكرية، على نحو غريزي، اعتاده من عمله السابق، وهو يضيف في اهتمام: - إنهم يستهدفون ذلك الفضائي. انعقد حاجبا الرئيس في شدة، وهو يتساءل في توتر: - وكيف يمكنهم معرفة مكانه، أو حتى أنه على قيد الحياة؟!.. قال مدير المخابرات في سرعة: - الأمريكيون ليسوا هيّنين يا سيادة الرئيس. أومأ الرئيس برأسه، وغمغم في خفوت، شفَّ عن الاستغراق في التفكير: - نحن أيضاً لسنا كذلك. استغرق في التفكير بضع لحظات، لاذ خلالها مدير المخابرات بالصمت التام، ثم لم يلبث أن تمتم في حذر: - إننا نتابع خطواتهم، ونُحكم سيطرتنا عليهم، و... رفع الرئيس عينيه إليه فجأة، وهو يقول في حزم: - كلاّ. تراجع مدير المخابرات خطوة في دهشة، فمال الرئيس نحوه، مكملاً في حزم أكبر: - لن نسمح لهم بالعمل على أرضنا على هذا النحو. تردد مدير المخابرات، قبل أن يقول: - لابد لنا من أدلة كافية يا سيادة الرئيس، قبل أن نوقفهم، فكما يعلم سيادتكم، توجيه الاتهام إلى جهاز مخابرات، يعني توجيه الاتهام بالتبعية إلى دولة كاملة، يعمل جهاز المخابرات عبرها، واتهام دولي كهذا يحتاج إلى أدلة قوية حاسمة. سأله الرئيس: - وماذا عن حملهم أسلحة غير شرعية؟! تردد مدير المخابرات لحظة أخرى، ثم أجاب في حذر: - ليست بالتهمة الكافية. أشار الرئيس بسبَّابته، مجيباً: - يمكننا أن نعتبرها مجرَّد بداية. غمغم مدير المخابرات: - بداية؟! أجابه الرئيس في صرامة: - عندما يصبحون في قبضتنا، سأجري اتصالي بالرئيس الأمريكي. ثم انعقد حاجباه في شدة، وهو يضيف في صرامة، امتزجت بالكثير من الغضب: - وسيكون اتصالاً حاسماً... للغاية. واعتدل مدير المخابرات مرة أخرى... وتألقت عيناه... في شدة... لدقيقة كاملة أو يزيد، ران على تلك القاعة صمت رهيب، والرجال الثلاثة يحدّقون في ذلك الفضائي، بعيون اتسعت عن آخرها... عين تحمل ذلك المزيج العجيب من الدهشة... والفزع... والخوف... والتوتر... وبشدة... أما (موجال) نفسه، فقد بدا هادئاً أكثر مما ينبغي، وهو ينقل بصره بين ثلاثتهم في هدوء، كما لو أنه قد ألقى عبارة عادية للغاية... " إنه جاسوس... تماماً كما توقَّعت..." هتف رجل الأمن بالعبارة، وهو يلَّوح بمسدسه في وجه (موجال) في عصبية شديدة، فقال الروسي في توتر: - اخفض هذا السلاح... إنك تزيد من توتر الموقف كله. وهمّ (جو) بقول شيء ما، ولكن الفضائي أشار إلى رجل الأمن، وهو يقول عبارة أخرى صارمة، جعلت (جو) يبقي كلماته في حلقه، ويلتفت في لهفة إلى شاشات الأجهزة، وهو يقول في انفعال، مترجماً العبارة: - هكذا سيفنى كوكبكم. قال رجل الأمن في عصبية، وهو يواصل التلويح بمسدسه: - ماذا يقصد بقوله هذا؟!... ماذا؟!... لم يبال (جو)، وهو يسأل (موجال)، عبر الأجهزة: - ماذا تقصد بقولك هذا؟!.. بدا الفضائي صارماً، وهو يشير إلى رجل الأمن، قائلاً: - أمثاله أفنوا كوكبي. ثم التفت إلى (جو)، مستطرداً في لهجة، بدت مريرة للغاية: - وسيُفنون كوكبكم أيضاً. ترجم (جو) العبارات، فاتسعت عينا (تروتسكي) في انبهار، في حين قال رجل الأمن في عصبية: - ماذا يعني بأمثالنا؟!... ماذا يعني؟! غمغم (تروتسكي)، وصوته مازال يحمل ذلك الانبهار: - رجال الأمن. التفت إليه رجل الأمن بحركة حادة، وارتفع حاجباه في لحظة، ثم عادا ينخفضان مع مسدسه، وهو يتمتم، وقد انكسر صوته، على نحو ملحوظ: - نحن... نحن سنفني كوكبنا. تابع (موجال) حديثه في حزم عجيب، يمتزج برنة غضب، وراح (جو) يترجم كلماته في انفعال:
تابع (موجال) حديثه في حزم عجيب يمتزج برنة غضب - إنهم يبدءون بفكرة الحفاظ على الأمن، تماماً كما فعلوا في عالمي. ثم يصابون بعدها بحالة من الوسواس القهري، فيتعاملون مع كل ما حولهم باعتباره مسألة أمنية، ويبالغون في هذا المنظور رويداً رويداً، حتى يصابوا بلوثة أمنية، تجعلهم يسعون لمنع أي شيء وكل شيء، خشية أن يكون فيه خطر ما. ومع هذه اللوثة تتوقف كل معايير الحياة، أو تسير في بطء قاتل، حتى المشكلات الكبيرة، لا يتم حسمها بالسرعة الكافية؛ لأن الأمن يحكم كل شيء. صمت ليلتقط أنفاسه، ولهث (جو) بدوره، مع شدة انفعاله، في حين غمغم (تروتسكي)، وانبهاره يتصاعد: - رباه!... إنه صاحب فكر ثوري. أدار الفضائي عينيه إلى رجل الأمن في مقت، قبل أن يتابع: - على كوكبي، تفاقمت لوثتهم الأمنية يوماً بعد يوم، وصار كل شيء بالنسبة لهم عدواً، حتى الهواء الذي نتنفسه، حتى لم يعد قومي يحتملون هذه اللوثة، فبدأت الإضرابات والثورات والانقلابات، وأريقت الدماء أنهاراً، وسادت الفوضى العالم كله، وصار العدو الأول هو رجال الأمن، الذين لم يستوعبوا الموقف كعادتهم، وتعاملوا معه بنفس المنظور الأمني الهستيري، ثم انتبهوا، بعد فوات الأوان، إلى أنهم وفقاً للتعداد، أقلية، مهما كان لديها من وسائل القمع والبطش... وقبل أن يستوعبوا الدرس، كانوا قد انسحقوا وبادوا، وتصاعدت الفوضى إلى حد يستحيل قمعه أو السيطرة عليه، في غياب الأمن. صمت (موجال) لحظات أخرى، فهتف الروسي في حماس وانفعال: - إنه ثوري بحق... رباه!... يا لها من نظرية اجتماعية مدهشة. أما رجل الأمن، فلم ينطق بحرف واحد، وإن خفض يده أكثر، حتى صار مسدسه محاذياً لامتداد ذراعه وساقيه، وبدا مصدوماً، وهو يغمغم: - الأمن؟! بدا (جو) شديد الانفعال، وهو يواصل ترجمة كلمات (موجال)، الذي عاود حديثه، في مرارة واضحة: - من تبقُوا على كوكبي، أدركوا أنها النهاية، فموَّلوا هذه الرحلة، حتى يعثروا على كوكب آخر، يمكن الحياة على سطحه، وخاصة بعد أن بدأ الفوضويون في استخدام أسلحة شاملة، تدَّمر كل شيء. سأله (تروتسكي) في انفعال: - وهل كان هذا الكوكب قريباً؟!.. زفر الفضائي في توتر، عندما ترجم له (جو) العبارة، وأجاب في مرارة شديدة: - كان المفترض أنه أقرب كوكب إلينا، ولم تنشأ الحياة عليه بعد، وكان المفترض أن نصل إليه خلال شهور قليلة... كنا سبع مركبات، وفور خروجنا من كوكبي، شاهدنا انفجارات رهيبة على سطحه... وخفض عينيه، وحمل صوته كل مرارة الدنيا، وهو يتابع: - انفجارات تكفي لإفناء الحياة على سطحه تماماً. ران على الجميع صمت مهيب بعد أن ترجم (جو) العبارة الأخيرة، وعلى عكس كل التوقعات، كان رجل الأمن هو أوَّل من تحدّث، متمتماً في صوت كسير وكأنما أصابته قصة الفضائي بطعنة مؤلمة: - ألم تجدوا ذلك الكوكب صالحاً للحياة؟!.. ترجم (جو) العبارة، فهز (موجال) رأسه، وأجاب في أسى: - لست أدري... لقد كانت مركبتنا الأخيرة في الركب، وذلك الانفجار أحدث ظاهرة عجيبة... راح يحَّرك كفيه وذراعيه على نحو انفعالي، وكأنه يصف أمراً مخيفاً، ويقول في انفعال شديد: - فقاعة كبيرة، بدت وكأنها تطارد الركب الفضائي، ولقد حاولنا الفرار منها، ولكنها أحاطت بنا، و... صمت، ولهث معه الجميع تقريباً، قبل أن يكمل في مرارة: - ووجدنا أنفسنا هنا... وأنتم تطاردوننا. غمغم (تروتسكي) في انبهار شديد: - فجوة زمنية مكانية. تمتم (جو): - أو فجوة بين الأبعاد. لم يستوعب رجل الأمن هذا أو ذاك، فنقل بصره بينهما، قبل أن يسأل في خفوت، لا يتناسب مع شخصيته: - ما تفسير ما قاله بالضبط؟! تمتم (تروتسكي) مبهوراً: - من الصعب حسم الأمر. وأضاف (جو): - إلا إذا اتخذنا خطوة حاسمة. سأله رجل الأمن في اهتمام: - وما هي؟! أجابه (جو) في حزم: - أحضر خريطة فلكية وفي هذه المرة، لم يعترض رجل الأمن... على الإطلاق. يتبع
لقراءة الأعداد السابقة من "أكشن" إضغط على لينك أكشن الموجود بجوار اسم د. نبيل فاروق