45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 15 نوفمبر 2025    84 دولار مكاسب الأوقية ببورصة الذهب العالمية خلال أسبوع    الجيش السوري يعلن نتائج التحقيقات الأولية بانفجار دمشق وإسرائيل تدخل على الخط    اتحاد الكرة يسحب اليوم قرعة دور ال32 لبطولة كأس مصر    ضبط المتهم بصفع مهندس بالمعاش والتسبب في مصرعه بالهرم    مصطفى كامل يطمئن جمهور أحمد سعد بعد تعرضه لحادث    زمالة العمل أو الدراسة قد تتحول لصداقة ضارة.. استشارية توضح    نجوم الفن يضيئون ليلة زفاف ابنة عمرو عرفة... وأحمد سعد يشعل الأجواء بالغناء    محمد موسى يكشف سجل أزمات محمد رمضان: «ضجيج بلا مضمون»    الاتجار في أدوية التأمين الصحي «جريمة»    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    حكم شراء سيارة بالتقسيط.. الإفتاء تُجيب    اليابان تدرس حزمة تحفيز اقتصادية بقيمة 17 تريليون ين بقيادة ساناي تاكايتشي    تفاصيل عن مشروع قرار أممي قدمته روسيا للسلام في غزة بديلا عن آخر أمريكى    فلسطين.. جيش الاحتلال يعتقل 3 فلسطينيين من مخيم عسكر القديم    ترامب: سنجري اختبارات على أسلحة نووية مثل دول أخرى    العنف المدرسى    ترامب: أشعر بالحزن لرؤية ما حدث في أوروبا بسبب الهجرة    انفراد ل«آخرساعة» من قلب وادي السيليكون بأمريكا.. قناع ذكي يتحكم في أحلامك!    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    تفاصيل مشروعات السكنية والخدمية بحدائق أكتوبر    قتلى ومصابون باقتحام حافلة لمحطة ركاب في إستكهولم بالسويد (فيديو)    عضو جمهوري: الإغلاق الحكومي يُعد الأطول في تاريخ الولايات المتحدة    أموال المصريين غنيمة للعسكر .. غرق مطروح بالأمطار الموسمية يفضح إهدار 2.4 مليار جنيه في كورنيش 2 كم!    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    طقس غير مستقر وشبورة كثيفة.. الأرصاد تكشف توقعات السبت 15 نوفمبر 2025    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    ترامب يعلن نيته اتخاذ إجراء قضائي ضد "بي بي سي" ويعلق على الرسوم الجمركية    نانسي عجرم: شائعات الطلاق لا تتوقف منذ زواجي.. ولا أقبل أن أعيش غير سعيدة    هولندا تضع قدما في المونديال بالتعادل مع بولندا    مستشار الرئيس الفلسطيني: الطريق نحو السلام الحقيقي يمر عبر إقامة الدولة الفلسطينية    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    إلى موقعة الحسم.. ألمانيا تهزم لوكسمبورج قبل مواجهة سلوفاكيا على بطاقة التأهل    إبراهيم صلاح ل في الجول: أفضل اللعب أمام الأهلي عن الزمالك.. ونريد الوصول بعيدا في كأس مصر    سيارة طائشة تدهس 3 طلاب أعلى طريق المقطم    عصام صفي الدين: السلوكيات السلبية بالمتاحف نتاج عقود من غياب التربية المتحفية    أحمد كرارة لليوم السابع: أجريت عملية تغيير شرايين في الفخذ والبطن وأعيش فترة نقاهة    فرنسا: 5 منصات تجارية تبيع منتجات غير مشروعة    شتيجن يطرق باب الرحيل.. ضغوط ألمانية تدفع حارس برشلونة نحو الرحيل في يناير    صدمة في ريال مدريد.. فلورنتينو بيريز يتجه للتنحي    اليوم.. أولى جلسات استئناف المتهمين في حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية    حسام حسن: هناك بعض الإيجابيات من الهزيمة أمام أوزبكستان    زعيم الثغر يحسم تأهله لنهائي دوري المرتبط لكرة السلة    اليوم.. انقطاع الكهرباء عن 31 قرية وتوابعها بكفر الشيخ لصيانة 19 مغذيا    رئيس قناة السويس: تحسن ملحوظ في حركة الملاحة بالقناة    إخماد حريق في مخبز وسوبر ماركت بالسويس    بيان من مستشفى الحسينية المركزي بالشرقية للرد على مزاعم حالات الوفيات الجماعية    رئيس الطب الوقائى: نوفر جميع التطعيمات حتى للاجئين فى منافذ الدخول لمصر    آخر تطورات الحالة الصحية لطبيب قنا المصاب بطلق ناري طائش    الباز: العزوف تحت شعار "القايمة واحدة" عوار يتحمله الجميع    تربية عين شمس تحتفي بالطلاب الوافدين    «الصحة» تنظم جلسة حول تمكين الشباب في صحة المجتمع    انطلاق برنامج دولة التلاوة عبر الفضائيات بالتعاون بين الأوقاف والمتحدة في تمام التاسعة    تكافؤ الفرص بالشرقية تنفذ 9 ندوات توعوية لمناهضة العنف ضد المرأة    الائتلاف المصري لحقوق الإنسان: صعود المستقلين وتراجع المرأة في المرحلة الأولى لانتخابات النواب    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تناقش النظام الغذائي ونمط الحياة الصحي    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزيه أبو عفش: خوّنت لأنني بقيتُ ما كنتُه
نشر في صوت البلد يوم 24 - 02 - 2018

كسر الشاعر نزيه أبو عفش (1949) عزلته ليأتي من بيته في مرمريتا (60 كلم عن مدينة حمص) من أجل لقاء مفتوح معه في دمشق. واللقاء الذي نظمته جمعية «عين الفنون» جمع نخبة من المثقفين والفنانين وفتح الجدل واسعاً حول حال البلاد بعد سبع سنين من الحرب. أبو عفش افتتح اللقاء بقراءات من دواوين عدة، ثم افتتح الحضور النقاش مع صاحب «هكذا أتيت هكذا أمضي» وأجاب في مستهل كلامه: «في هذه الحرب لم أكتب الشعر، بل كتبتُ ما أسميته «يوميات ناقصة» ويبدو أنها ستظل ناقصة إلى وقت طويل. منذ فترة كتبتُ نصاً عنوانه «سورية التي كانت» وهي في الحقيقة ومنذ أربعين عاماً كان اسمها «سورية التي كانت» فما بالكم اليوم؟ الحلم مثل الأمل هو زوادة اليائسين والخاسرين الذين يحلمون والأمل لا يلزم إلا هؤلاء».
الحوار مع أبو عفش بحث في معنى الهزيمة الثقافية وتجلياتها على الأرض السورية: «عدم الاستسلام سهل، هذا أسميه «تيسنة»... لن أستسلم ولا أريد أن أستسلم، نعرف بعضنا أننا تيوس، المشكلة أننا نعرف أننا لن نستسلم، لكن المشكلة بأن نعرف بأننا انتهينا. قبل أن نفتح هذا الحوار كنت أتكلم مع الأصدقاء عن هذا الشيء الصغير على الخارطة الذي اسمه سورية. وكانت أنطاكية وفلسطين ولبنان والجولان في سورية الكبرى. كما كانت إدلب والقامشلي أيضاً في سورية! بعد قليل نقول لن نستسلم، الله يشفينا بأننا لا نريد أن نستسلم! هنا لا أتكلم عن الجغرافيا، هل أكشف لكم سراً: إنني ومنذ أن بدأت الأحداث في سورية ألتزم الحذر الشديد عندما أصعد على سلّم البناء الذي أسكن فيه بدمشق؟ هذا الحذر ليس جغرافياً».
وجهة نظر إنسان
«كم من البلاد أيتها الحرية» ليست نبوءة، يجيب الشاعر مؤكداً قناعاته القديمة في العدالة والحرية: «لقد كان هذا الكتاب مجرد وجهة نظر إنسان وليس الشاعر فقط كما يصفه البعض بأنه يستشرف ويتنبأ. الشاعر هو من يرى، وأنا كأي إنسان رأيتُ ما يحدث اليوم قبل سنوات، كما أنني أرى في هذه اللحظة سورية عام 2040، أراها الآن بكل وضوح. على العكس لم أغير قناعاتي القديمة، وما زلت حتى الآن أكتب «كم من البلاد أيتها الحرية؟» حتى الآن أكتب: «تعالوا نعرّف هذا اليأس» و «ما ليس شيئاً». إنني بهذا المعنى أعيدُ كتابةَ ما كتبتُه منذ عقود. أقلّدُ نفسي، وأعيد وأكرر نفسي، لكنني لم أقل أن ما يحدث اليوم هو ثمن الحرية، ما يحدث اليوم هو ورطة أوقعنا فيها من ظنوا أن الطريق إلى الحرية لا يكون إلا على هذا النحو. لماذا لم ينتبه أحد إلى أنني كتبتُ وفي الصفحة الأولى من كتاب «كم من البلاد أيتها الحرية» وبعد العنوان مباشرة: «وأما أنا فأرى أن الحرية قضيةٌ عظمى تستحق أن يعفى الإنسان من الموت في سبيلها. لم أتغير أيها الأصدقاء، فهذه ديانتي من الأساس».
وأضاف في ردوده على الأسئلة: «لقد نسيتُ هذه الصناعة التي يسمونها الشعر، فبدأت بكتابة «يوميات ناقصة» تحديداً منذ أواخر آذار (مارس) من عام 2011. وقتها لم تكن قد بدأت ما تسمى الثورة السورية، ولم تكن قد بدأت أيضاً الحرب على سورية، لكنني شممتُ الرائحة في تونس وليبيا، وصادف ذلك موعد أمسية شعرية لي في مسرح المدينة في بيروت، فاعتذرتُ من الحضور وقتذاك، وقلتُ لهم بأنني لن أقرأ لكم شعراً، بل سأقرأ لكم من اليوميات التي أكتبها هذه الأيام، وفعلاً وأنا أقرأ قلتُ لهم أن النسخة الثانية من السيناريو الليبي هو ما يحدث اليوم في بلادي. عاتبوني وقتذاك بأنني تنكرتُ للثورة وتنكرتُ لكلامي وقصائدي عن الحرية والعدالة. لقد رأيتُ وشممتُ دماً، ليس لأنني تنبأتُ، بل لأنني شممتُ الرائحة بقراءة بسيطة للغاية، فالأميركيون الذين يصنعون الأسلحة والأوبئة والأمراض والإيدز لن يسمحوا لنا نحن السوريين بأن ننال حريتنا. هل تعلمون أنه لو استطعنا أن ننال حريتنا ماذا كانت ستفعل أميركا بنا؟ كانت ستقتلعنا من جذورنا، لماذا؟ لأنه ممنوع علينا ذلك. بكيتُ عندها في مسرح المدينة وبحضور أصدقائي غسان مطر وسماح إدريس ووزير الدفاع الحالي في لبنان يعقوب الصراف. ونلت حقي من الشتائم والتخوين وأكثر من هذا، فقط لأني بقيتُ ما كنتُه. كل شيء كتبته وقتها: «ليتها لا تحدث هذه الحرية». لقد رأيتُها في تونس ورأيتُها أكثر في ليبيا، لتبدأ ألاعيب الفيس بوك فكتبت: «البيت على وشك الانهيار، دعونا نوقف الاقتتال على من يحمل المفتاح»، ليرد عليَّ شخص هو ابن رئيس جمهورية سورية السابق وابن من أبناء الحزب الحاكم ليقول لي: هذا ليس بيتاً! حسناً! ليس بيتاً...إنه كوخ! ولكن هل نسمح أن ينهار فوق رأسي ورأسك ورأس الجميع؟ وأنت وسواك يعرفون أنه سوف ينهار. من وقتها حتى الآن».
ليتها لم تحدث
ومما قال: «العام الفائت صديقي وحبيبي منذر مصري كتب «ليتها لم تحدث»، صفقوا له، أما أنا فعندما كتبت: «ليتها لا تحدث» شتموني وأنا من قلتها قبل ست سنوات مثلما قلتها لمحمد ملص. اليوم إذا جلبنا جثث الأموات الذين سقطوا في هذه الحرب الحرة العظيمة ألن يكون المشهد أهم من مشهد تحرير لينينغراد؟ لكنّ الذين ماتوا فيها، هؤلاء الذين رأيناهم على الشاشة هم أموات فعلاً، وأُمَّهاتهم حتى الآن يغصصن كلما تذكّرنهُم. أعرف أمهات يمكن أن يبكين لمجرد ان يسمعن أغنيةً لفيروز، هؤلاء ألا يوضعن في الحسبان؟ هؤلاء الكذا مئة ألف رجل وامرأة وطفل الذين ماتوا في هذه الحرب إذا وضعناهم في نسق طولاني، ألا يشكلون طريق ذهاب وإياب من دمشق إلى القامشلي؟ هؤلاء ألم يفكر بهم أحد؟ هؤلاء أليس لهم أمهات وآباء وأبناء؟ هذه الحرية أليس لي نصيب منها بأن لا يشهّر بي لهذه الدرجة؟ ألا تظلمني الحرية الى هذه الدرجة؟ ألا تهدر دمي؟ بعد لقائي مع منذر مصري كتبت: «اليوم الثلثاء في 28/9/2017/ استعدتُ صديقاً. بالنسبة لي اليوم انتهت الحرب».
«قبّح الله الحرية، أنا أخاف من هذه الحرية، يضيف أبو عفش ويعقب. أحتاج اليوم نظاماً، أريد ستالين، أريد القيصر إيفان الرهيب؟ زادوا الهجوم علي، كل ما سجلوه على ستالين من فاتورة القتلى لا يعادل من تقتلهم أميركا في ساعات على مستوى العالم. الخوف أن تطرق بابي هذه الحرية ليلاً وتستجوبني. لن أغش، أنا في السنوات الأخيرة لم أعد أعرف ما هو الشعر من سواه؟ صدقاً لم أعد أعرف أين يقع الشعر؟ لدرجة أنه في كثير من الأوقات صرت أقرأ أشعاراً لامرئ القيس ولمالك ابن الريب والصعاليك، فأقول لنفسي هل يكون الشعر كما يكتب هؤلاء؟ وأعود واقرأ لواحد من النكرات الذين لم يمض على كتابتهم للشِّعر سوى أيام، فأرسل له تحيات على الملأ، وأفرح لهذا النص الذي يولد. أتساءل اليوم: يا ترى فيما لو تعافيت كإنسان، ولو لم تمر عليّ هذه السنوات السبع العظيمة كيف كان ممكنا أن أكتب الشعر؟ وكيف كان لنصي أن ينمو أو يتغير؟ لا أعرف؟ لكن أظن أنني لن أكتب كما أكتب الآن. فالآن أكتب الغصّة بصيغتها الخام، أما الشعر فأكيد سوف أكتبه في شكل آخر. اليوم أحن إلى قصائدي التي كتبتها من مثل :ساعة الذئب، كاليغولا، القلعة، نوتردام... أحن إلى هذه القصائد، لكن العافية العصبية والروحية لا تساعدني على كتابة مثلها، لقد كان حلمي أن أبقى هناك مع تلك القصائد، ولكن من يسمح لك اليوم أن تبقى مع أحلامك؟ يبدو أن هذا ليس من حقك، الآن أعيش مع الكوابيس».
كسر الشاعر نزيه أبو عفش (1949) عزلته ليأتي من بيته في مرمريتا (60 كلم عن مدينة حمص) من أجل لقاء مفتوح معه في دمشق. واللقاء الذي نظمته جمعية «عين الفنون» جمع نخبة من المثقفين والفنانين وفتح الجدل واسعاً حول حال البلاد بعد سبع سنين من الحرب. أبو عفش افتتح اللقاء بقراءات من دواوين عدة، ثم افتتح الحضور النقاش مع صاحب «هكذا أتيت هكذا أمضي» وأجاب في مستهل كلامه: «في هذه الحرب لم أكتب الشعر، بل كتبتُ ما أسميته «يوميات ناقصة» ويبدو أنها ستظل ناقصة إلى وقت طويل. منذ فترة كتبتُ نصاً عنوانه «سورية التي كانت» وهي في الحقيقة ومنذ أربعين عاماً كان اسمها «سورية التي كانت» فما بالكم اليوم؟ الحلم مثل الأمل هو زوادة اليائسين والخاسرين الذين يحلمون والأمل لا يلزم إلا هؤلاء».
الحوار مع أبو عفش بحث في معنى الهزيمة الثقافية وتجلياتها على الأرض السورية: «عدم الاستسلام سهل، هذا أسميه «تيسنة»... لن أستسلم ولا أريد أن أستسلم، نعرف بعضنا أننا تيوس، المشكلة أننا نعرف أننا لن نستسلم، لكن المشكلة بأن نعرف بأننا انتهينا. قبل أن نفتح هذا الحوار كنت أتكلم مع الأصدقاء عن هذا الشيء الصغير على الخارطة الذي اسمه سورية. وكانت أنطاكية وفلسطين ولبنان والجولان في سورية الكبرى. كما كانت إدلب والقامشلي أيضاً في سورية! بعد قليل نقول لن نستسلم، الله يشفينا بأننا لا نريد أن نستسلم! هنا لا أتكلم عن الجغرافيا، هل أكشف لكم سراً: إنني ومنذ أن بدأت الأحداث في سورية ألتزم الحذر الشديد عندما أصعد على سلّم البناء الذي أسكن فيه بدمشق؟ هذا الحذر ليس جغرافياً».
وجهة نظر إنسان
«كم من البلاد أيتها الحرية» ليست نبوءة، يجيب الشاعر مؤكداً قناعاته القديمة في العدالة والحرية: «لقد كان هذا الكتاب مجرد وجهة نظر إنسان وليس الشاعر فقط كما يصفه البعض بأنه يستشرف ويتنبأ. الشاعر هو من يرى، وأنا كأي إنسان رأيتُ ما يحدث اليوم قبل سنوات، كما أنني أرى في هذه اللحظة سورية عام 2040، أراها الآن بكل وضوح. على العكس لم أغير قناعاتي القديمة، وما زلت حتى الآن أكتب «كم من البلاد أيتها الحرية؟» حتى الآن أكتب: «تعالوا نعرّف هذا اليأس» و «ما ليس شيئاً». إنني بهذا المعنى أعيدُ كتابةَ ما كتبتُه منذ عقود. أقلّدُ نفسي، وأعيد وأكرر نفسي، لكنني لم أقل أن ما يحدث اليوم هو ثمن الحرية، ما يحدث اليوم هو ورطة أوقعنا فيها من ظنوا أن الطريق إلى الحرية لا يكون إلا على هذا النحو. لماذا لم ينتبه أحد إلى أنني كتبتُ وفي الصفحة الأولى من كتاب «كم من البلاد أيتها الحرية» وبعد العنوان مباشرة: «وأما أنا فأرى أن الحرية قضيةٌ عظمى تستحق أن يعفى الإنسان من الموت في سبيلها. لم أتغير أيها الأصدقاء، فهذه ديانتي من الأساس».
وأضاف في ردوده على الأسئلة: «لقد نسيتُ هذه الصناعة التي يسمونها الشعر، فبدأت بكتابة «يوميات ناقصة» تحديداً منذ أواخر آذار (مارس) من عام 2011. وقتها لم تكن قد بدأت ما تسمى الثورة السورية، ولم تكن قد بدأت أيضاً الحرب على سورية، لكنني شممتُ الرائحة في تونس وليبيا، وصادف ذلك موعد أمسية شعرية لي في مسرح المدينة في بيروت، فاعتذرتُ من الحضور وقتذاك، وقلتُ لهم بأنني لن أقرأ لكم شعراً، بل سأقرأ لكم من اليوميات التي أكتبها هذه الأيام، وفعلاً وأنا أقرأ قلتُ لهم أن النسخة الثانية من السيناريو الليبي هو ما يحدث اليوم في بلادي. عاتبوني وقتذاك بأنني تنكرتُ للثورة وتنكرتُ لكلامي وقصائدي عن الحرية والعدالة. لقد رأيتُ وشممتُ دماً، ليس لأنني تنبأتُ، بل لأنني شممتُ الرائحة بقراءة بسيطة للغاية، فالأميركيون الذين يصنعون الأسلحة والأوبئة والأمراض والإيدز لن يسمحوا لنا نحن السوريين بأن ننال حريتنا. هل تعلمون أنه لو استطعنا أن ننال حريتنا ماذا كانت ستفعل أميركا بنا؟ كانت ستقتلعنا من جذورنا، لماذا؟ لأنه ممنوع علينا ذلك. بكيتُ عندها في مسرح المدينة وبحضور أصدقائي غسان مطر وسماح إدريس ووزير الدفاع الحالي في لبنان يعقوب الصراف. ونلت حقي من الشتائم والتخوين وأكثر من هذا، فقط لأني بقيتُ ما كنتُه. كل شيء كتبته وقتها: «ليتها لا تحدث هذه الحرية». لقد رأيتُها في تونس ورأيتُها أكثر في ليبيا، لتبدأ ألاعيب الفيس بوك فكتبت: «البيت على وشك الانهيار، دعونا نوقف الاقتتال على من يحمل المفتاح»، ليرد عليَّ شخص هو ابن رئيس جمهورية سورية السابق وابن من أبناء الحزب الحاكم ليقول لي: هذا ليس بيتاً! حسناً! ليس بيتاً...إنه كوخ! ولكن هل نسمح أن ينهار فوق رأسي ورأسك ورأس الجميع؟ وأنت وسواك يعرفون أنه سوف ينهار. من وقتها حتى الآن».
ليتها لم تحدث
ومما قال: «العام الفائت صديقي وحبيبي منذر مصري كتب «ليتها لم تحدث»، صفقوا له، أما أنا فعندما كتبت: «ليتها لا تحدث» شتموني وأنا من قلتها قبل ست سنوات مثلما قلتها لمحمد ملص. اليوم إذا جلبنا جثث الأموات الذين سقطوا في هذه الحرب الحرة العظيمة ألن يكون المشهد أهم من مشهد تحرير لينينغراد؟ لكنّ الذين ماتوا فيها، هؤلاء الذين رأيناهم على الشاشة هم أموات فعلاً، وأُمَّهاتهم حتى الآن يغصصن كلما تذكّرنهُم. أعرف أمهات يمكن أن يبكين لمجرد ان يسمعن أغنيةً لفيروز، هؤلاء ألا يوضعن في الحسبان؟ هؤلاء الكذا مئة ألف رجل وامرأة وطفل الذين ماتوا في هذه الحرب إذا وضعناهم في نسق طولاني، ألا يشكلون طريق ذهاب وإياب من دمشق إلى القامشلي؟ هؤلاء ألم يفكر بهم أحد؟ هؤلاء أليس لهم أمهات وآباء وأبناء؟ هذه الحرية أليس لي نصيب منها بأن لا يشهّر بي لهذه الدرجة؟ ألا تظلمني الحرية الى هذه الدرجة؟ ألا تهدر دمي؟ بعد لقائي مع منذر مصري كتبت: «اليوم الثلثاء في 28/9/2017/ استعدتُ صديقاً. بالنسبة لي اليوم انتهت الحرب».
«قبّح الله الحرية، أنا أخاف من هذه الحرية، يضيف أبو عفش ويعقب. أحتاج اليوم نظاماً، أريد ستالين، أريد القيصر إيفان الرهيب؟ زادوا الهجوم علي، كل ما سجلوه على ستالين من فاتورة القتلى لا يعادل من تقتلهم أميركا في ساعات على مستوى العالم. الخوف أن تطرق بابي هذه الحرية ليلاً وتستجوبني. لن أغش، أنا في السنوات الأخيرة لم أعد أعرف ما هو الشعر من سواه؟ صدقاً لم أعد أعرف أين يقع الشعر؟ لدرجة أنه في كثير من الأوقات صرت أقرأ أشعاراً لامرئ القيس ولمالك ابن الريب والصعاليك، فأقول لنفسي هل يكون الشعر كما يكتب هؤلاء؟ وأعود واقرأ لواحد من النكرات الذين لم يمض على كتابتهم للشِّعر سوى أيام، فأرسل له تحيات على الملأ، وأفرح لهذا النص الذي يولد. أتساءل اليوم: يا ترى فيما لو تعافيت كإنسان، ولو لم تمر عليّ هذه السنوات السبع العظيمة كيف كان ممكنا أن أكتب الشعر؟ وكيف كان لنصي أن ينمو أو يتغير؟ لا أعرف؟ لكن أظن أنني لن أكتب كما أكتب الآن. فالآن أكتب الغصّة بصيغتها الخام، أما الشعر فأكيد سوف أكتبه في شكل آخر. اليوم أحن إلى قصائدي التي كتبتها من مثل :ساعة الذئب، كاليغولا، القلعة، نوتردام... أحن إلى هذه القصائد، لكن العافية العصبية والروحية لا تساعدني على كتابة مثلها، لقد كان حلمي أن أبقى هناك مع تلك القصائد، ولكن من يسمح لك اليوم أن تبقى مع أحلامك؟ يبدو أن هذا ليس من حقك، الآن أعيش مع الكوابيس».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.