اسعار اللحوم اليوم السبت 23-8-2025 في الدقهلية    أسعار الفراخ البيضاء اليوم السبت 23-8-2025 في الدقهلية    محافظ المنيا: إزالة 518 حالة تعدٍ على الأراضي وأملاك الدولة    23 شهيدًا جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ فجر اليوم    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    تفاصيل وأسباب تفتيش منزل مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق جون بولتون    لجنة الاستئناف تحكم بثبوت مخالفة الهلال بعد انسحابه من السوبر السعودي    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة غزل المحلة ومروان عطية يتابع تأهيله    الزمالك يتظلم من قرار سحب أرض النادي ب 6 أكتوبر ويؤكد صحة موقفه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    ضبط 124 ألف مخالفة متنوعة في حملات لتحقيق الانضباط المروري خلال 24 ساعة    ضبط 4 أطنان من الدقيق الأبيض والبلدي المدعم في حملات تموينية خلال 24 ساعة    مصرع وإصابة أربعة أشخاص إثر حادث تصادم بين سيارتين بأسيوط    دينا الشربيني تشارك روبي الغناء بحضور كريم محمود عبد العزيز وزوجته    شيرين عبد الوهاب: ياسر قنطوش لا يمثل أي شئ لي قانونيًا    زيارة مفاجئة لوكيل صحة أسيوط لعددا من المستشفيات بحى غرب    ضبط 90 طن أعلاف حيوانية فاسدة داخل مصنع بالقليوبية    إنفوجراف| أسعار الذهب اليوم السبت 23 أغسطس    1350 مجمعا استهلاكيا يطرح 15 سلعة بتخفيضات ضمن مبادرة خفض الأسعار    تفعيل المشاركة المجتمعية لتطوير وصيانة المدارس واستكمال التشجير بأسيوط    «صحح مفاهيمك».. مبادرة دعوية خارج المساجد بمشاركة 15 وزارة    ما أسباب استجابة الدعاء؟.. واعظة بالأزهر تجيب    مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يحيي ذكرى وفاة العالم الكبير الشيخ مصطفى المراغي    ثلاثة أفلام جديدة فى الطريق.. سلمى أبو ضيف تنتعش سينمائيا    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    طلاب الثانوية الأزهرية الدور الثانى يؤدون اليوم امتحان التاريخ والفيزياء    تجديد حبس عاطل وشقيقته بتهمة جلب 3000 قرص مخدر داخل طرد بريدي    ضبط لحوم وسلع غذائية فاسدة وتحرير 260 محضرًا في حملات تموينية بأسيوط    موعد مباراة النصر والأهلي والقنوات الناقلة بنهائي كأس السوبر السعودي    اليوم.. اجتماع الجمعية العمومية العادية للإسماعيلي لمنافشة الميزانية والحساب الختامي    شباب في خدمة الوطن.. أندية التطوع والجوالة يعبرون رفح ويقدمون المساعدات لقطاع غزة    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : إلى أين!?    تحقيق استقصائى يكتبه حافظ الشاعر عن : بين "الحصة" والبطالة.. تخبط وزارة التعليم المصرية في ملف تعيين المعلمين    "يونيسيف" تطالب إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها والسماح بدخول المساعدات بالكميات اللازمة لغزة    جامعة القاهرة تُطلق قافلة تنموية شاملة لمدينة الحوامدية بالجيزة    حملة «100 يوم صحة» تقدّم 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يومًا    الأمم المتحدة: نصف مليون شخص بغزة محاصرون فى مجاعة    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر ربيع الأول اليوم    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    وزارة الخارجية الروسية تكشف عدد المواطنين الروس المتبقين في غزة    وزارة التعليم تكشف تفاصيل تطوير منهج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات    اتحاد العمال: بدء إنتاج السيارات وتشغيل وحدة الحديد والصلب خطوات نحو عصر صناعي جديد    استشهاد 19 فلسطينيا إثر قصف إسرائيل خيام النازحين بخان يونس ومخيم المغازي    وزارة الصحة تقدم 3 نصائح هامة لشراء الألبان    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    سعر طن الحديد اليوم السبت 23-8-2025 في أسواق مواد البناء.. عز بكام النهارده؟    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزيه أبو عفش: خوّنت لأنني بقيتُ ما كنتُه
نشر في صوت البلد يوم 24 - 02 - 2018

كسر الشاعر نزيه أبو عفش (1949) عزلته ليأتي من بيته في مرمريتا (60 كلم عن مدينة حمص) من أجل لقاء مفتوح معه في دمشق. واللقاء الذي نظمته جمعية «عين الفنون» جمع نخبة من المثقفين والفنانين وفتح الجدل واسعاً حول حال البلاد بعد سبع سنين من الحرب. أبو عفش افتتح اللقاء بقراءات من دواوين عدة، ثم افتتح الحضور النقاش مع صاحب «هكذا أتيت هكذا أمضي» وأجاب في مستهل كلامه: «في هذه الحرب لم أكتب الشعر، بل كتبتُ ما أسميته «يوميات ناقصة» ويبدو أنها ستظل ناقصة إلى وقت طويل. منذ فترة كتبتُ نصاً عنوانه «سورية التي كانت» وهي في الحقيقة ومنذ أربعين عاماً كان اسمها «سورية التي كانت» فما بالكم اليوم؟ الحلم مثل الأمل هو زوادة اليائسين والخاسرين الذين يحلمون والأمل لا يلزم إلا هؤلاء».
الحوار مع أبو عفش بحث في معنى الهزيمة الثقافية وتجلياتها على الأرض السورية: «عدم الاستسلام سهل، هذا أسميه «تيسنة»... لن أستسلم ولا أريد أن أستسلم، نعرف بعضنا أننا تيوس، المشكلة أننا نعرف أننا لن نستسلم، لكن المشكلة بأن نعرف بأننا انتهينا. قبل أن نفتح هذا الحوار كنت أتكلم مع الأصدقاء عن هذا الشيء الصغير على الخارطة الذي اسمه سورية. وكانت أنطاكية وفلسطين ولبنان والجولان في سورية الكبرى. كما كانت إدلب والقامشلي أيضاً في سورية! بعد قليل نقول لن نستسلم، الله يشفينا بأننا لا نريد أن نستسلم! هنا لا أتكلم عن الجغرافيا، هل أكشف لكم سراً: إنني ومنذ أن بدأت الأحداث في سورية ألتزم الحذر الشديد عندما أصعد على سلّم البناء الذي أسكن فيه بدمشق؟ هذا الحذر ليس جغرافياً».
وجهة نظر إنسان
«كم من البلاد أيتها الحرية» ليست نبوءة، يجيب الشاعر مؤكداً قناعاته القديمة في العدالة والحرية: «لقد كان هذا الكتاب مجرد وجهة نظر إنسان وليس الشاعر فقط كما يصفه البعض بأنه يستشرف ويتنبأ. الشاعر هو من يرى، وأنا كأي إنسان رأيتُ ما يحدث اليوم قبل سنوات، كما أنني أرى في هذه اللحظة سورية عام 2040، أراها الآن بكل وضوح. على العكس لم أغير قناعاتي القديمة، وما زلت حتى الآن أكتب «كم من البلاد أيتها الحرية؟» حتى الآن أكتب: «تعالوا نعرّف هذا اليأس» و «ما ليس شيئاً». إنني بهذا المعنى أعيدُ كتابةَ ما كتبتُه منذ عقود. أقلّدُ نفسي، وأعيد وأكرر نفسي، لكنني لم أقل أن ما يحدث اليوم هو ثمن الحرية، ما يحدث اليوم هو ورطة أوقعنا فيها من ظنوا أن الطريق إلى الحرية لا يكون إلا على هذا النحو. لماذا لم ينتبه أحد إلى أنني كتبتُ وفي الصفحة الأولى من كتاب «كم من البلاد أيتها الحرية» وبعد العنوان مباشرة: «وأما أنا فأرى أن الحرية قضيةٌ عظمى تستحق أن يعفى الإنسان من الموت في سبيلها. لم أتغير أيها الأصدقاء، فهذه ديانتي من الأساس».
وأضاف في ردوده على الأسئلة: «لقد نسيتُ هذه الصناعة التي يسمونها الشعر، فبدأت بكتابة «يوميات ناقصة» تحديداً منذ أواخر آذار (مارس) من عام 2011. وقتها لم تكن قد بدأت ما تسمى الثورة السورية، ولم تكن قد بدأت أيضاً الحرب على سورية، لكنني شممتُ الرائحة في تونس وليبيا، وصادف ذلك موعد أمسية شعرية لي في مسرح المدينة في بيروت، فاعتذرتُ من الحضور وقتذاك، وقلتُ لهم بأنني لن أقرأ لكم شعراً، بل سأقرأ لكم من اليوميات التي أكتبها هذه الأيام، وفعلاً وأنا أقرأ قلتُ لهم أن النسخة الثانية من السيناريو الليبي هو ما يحدث اليوم في بلادي. عاتبوني وقتذاك بأنني تنكرتُ للثورة وتنكرتُ لكلامي وقصائدي عن الحرية والعدالة. لقد رأيتُ وشممتُ دماً، ليس لأنني تنبأتُ، بل لأنني شممتُ الرائحة بقراءة بسيطة للغاية، فالأميركيون الذين يصنعون الأسلحة والأوبئة والأمراض والإيدز لن يسمحوا لنا نحن السوريين بأن ننال حريتنا. هل تعلمون أنه لو استطعنا أن ننال حريتنا ماذا كانت ستفعل أميركا بنا؟ كانت ستقتلعنا من جذورنا، لماذا؟ لأنه ممنوع علينا ذلك. بكيتُ عندها في مسرح المدينة وبحضور أصدقائي غسان مطر وسماح إدريس ووزير الدفاع الحالي في لبنان يعقوب الصراف. ونلت حقي من الشتائم والتخوين وأكثر من هذا، فقط لأني بقيتُ ما كنتُه. كل شيء كتبته وقتها: «ليتها لا تحدث هذه الحرية». لقد رأيتُها في تونس ورأيتُها أكثر في ليبيا، لتبدأ ألاعيب الفيس بوك فكتبت: «البيت على وشك الانهيار، دعونا نوقف الاقتتال على من يحمل المفتاح»، ليرد عليَّ شخص هو ابن رئيس جمهورية سورية السابق وابن من أبناء الحزب الحاكم ليقول لي: هذا ليس بيتاً! حسناً! ليس بيتاً...إنه كوخ! ولكن هل نسمح أن ينهار فوق رأسي ورأسك ورأس الجميع؟ وأنت وسواك يعرفون أنه سوف ينهار. من وقتها حتى الآن».
ليتها لم تحدث
ومما قال: «العام الفائت صديقي وحبيبي منذر مصري كتب «ليتها لم تحدث»، صفقوا له، أما أنا فعندما كتبت: «ليتها لا تحدث» شتموني وأنا من قلتها قبل ست سنوات مثلما قلتها لمحمد ملص. اليوم إذا جلبنا جثث الأموات الذين سقطوا في هذه الحرب الحرة العظيمة ألن يكون المشهد أهم من مشهد تحرير لينينغراد؟ لكنّ الذين ماتوا فيها، هؤلاء الذين رأيناهم على الشاشة هم أموات فعلاً، وأُمَّهاتهم حتى الآن يغصصن كلما تذكّرنهُم. أعرف أمهات يمكن أن يبكين لمجرد ان يسمعن أغنيةً لفيروز، هؤلاء ألا يوضعن في الحسبان؟ هؤلاء الكذا مئة ألف رجل وامرأة وطفل الذين ماتوا في هذه الحرب إذا وضعناهم في نسق طولاني، ألا يشكلون طريق ذهاب وإياب من دمشق إلى القامشلي؟ هؤلاء ألم يفكر بهم أحد؟ هؤلاء أليس لهم أمهات وآباء وأبناء؟ هذه الحرية أليس لي نصيب منها بأن لا يشهّر بي لهذه الدرجة؟ ألا تظلمني الحرية الى هذه الدرجة؟ ألا تهدر دمي؟ بعد لقائي مع منذر مصري كتبت: «اليوم الثلثاء في 28/9/2017/ استعدتُ صديقاً. بالنسبة لي اليوم انتهت الحرب».
«قبّح الله الحرية، أنا أخاف من هذه الحرية، يضيف أبو عفش ويعقب. أحتاج اليوم نظاماً، أريد ستالين، أريد القيصر إيفان الرهيب؟ زادوا الهجوم علي، كل ما سجلوه على ستالين من فاتورة القتلى لا يعادل من تقتلهم أميركا في ساعات على مستوى العالم. الخوف أن تطرق بابي هذه الحرية ليلاً وتستجوبني. لن أغش، أنا في السنوات الأخيرة لم أعد أعرف ما هو الشعر من سواه؟ صدقاً لم أعد أعرف أين يقع الشعر؟ لدرجة أنه في كثير من الأوقات صرت أقرأ أشعاراً لامرئ القيس ولمالك ابن الريب والصعاليك، فأقول لنفسي هل يكون الشعر كما يكتب هؤلاء؟ وأعود واقرأ لواحد من النكرات الذين لم يمض على كتابتهم للشِّعر سوى أيام، فأرسل له تحيات على الملأ، وأفرح لهذا النص الذي يولد. أتساءل اليوم: يا ترى فيما لو تعافيت كإنسان، ولو لم تمر عليّ هذه السنوات السبع العظيمة كيف كان ممكنا أن أكتب الشعر؟ وكيف كان لنصي أن ينمو أو يتغير؟ لا أعرف؟ لكن أظن أنني لن أكتب كما أكتب الآن. فالآن أكتب الغصّة بصيغتها الخام، أما الشعر فأكيد سوف أكتبه في شكل آخر. اليوم أحن إلى قصائدي التي كتبتها من مثل :ساعة الذئب، كاليغولا، القلعة، نوتردام... أحن إلى هذه القصائد، لكن العافية العصبية والروحية لا تساعدني على كتابة مثلها، لقد كان حلمي أن أبقى هناك مع تلك القصائد، ولكن من يسمح لك اليوم أن تبقى مع أحلامك؟ يبدو أن هذا ليس من حقك، الآن أعيش مع الكوابيس».
كسر الشاعر نزيه أبو عفش (1949) عزلته ليأتي من بيته في مرمريتا (60 كلم عن مدينة حمص) من أجل لقاء مفتوح معه في دمشق. واللقاء الذي نظمته جمعية «عين الفنون» جمع نخبة من المثقفين والفنانين وفتح الجدل واسعاً حول حال البلاد بعد سبع سنين من الحرب. أبو عفش افتتح اللقاء بقراءات من دواوين عدة، ثم افتتح الحضور النقاش مع صاحب «هكذا أتيت هكذا أمضي» وأجاب في مستهل كلامه: «في هذه الحرب لم أكتب الشعر، بل كتبتُ ما أسميته «يوميات ناقصة» ويبدو أنها ستظل ناقصة إلى وقت طويل. منذ فترة كتبتُ نصاً عنوانه «سورية التي كانت» وهي في الحقيقة ومنذ أربعين عاماً كان اسمها «سورية التي كانت» فما بالكم اليوم؟ الحلم مثل الأمل هو زوادة اليائسين والخاسرين الذين يحلمون والأمل لا يلزم إلا هؤلاء».
الحوار مع أبو عفش بحث في معنى الهزيمة الثقافية وتجلياتها على الأرض السورية: «عدم الاستسلام سهل، هذا أسميه «تيسنة»... لن أستسلم ولا أريد أن أستسلم، نعرف بعضنا أننا تيوس، المشكلة أننا نعرف أننا لن نستسلم، لكن المشكلة بأن نعرف بأننا انتهينا. قبل أن نفتح هذا الحوار كنت أتكلم مع الأصدقاء عن هذا الشيء الصغير على الخارطة الذي اسمه سورية. وكانت أنطاكية وفلسطين ولبنان والجولان في سورية الكبرى. كما كانت إدلب والقامشلي أيضاً في سورية! بعد قليل نقول لن نستسلم، الله يشفينا بأننا لا نريد أن نستسلم! هنا لا أتكلم عن الجغرافيا، هل أكشف لكم سراً: إنني ومنذ أن بدأت الأحداث في سورية ألتزم الحذر الشديد عندما أصعد على سلّم البناء الذي أسكن فيه بدمشق؟ هذا الحذر ليس جغرافياً».
وجهة نظر إنسان
«كم من البلاد أيتها الحرية» ليست نبوءة، يجيب الشاعر مؤكداً قناعاته القديمة في العدالة والحرية: «لقد كان هذا الكتاب مجرد وجهة نظر إنسان وليس الشاعر فقط كما يصفه البعض بأنه يستشرف ويتنبأ. الشاعر هو من يرى، وأنا كأي إنسان رأيتُ ما يحدث اليوم قبل سنوات، كما أنني أرى في هذه اللحظة سورية عام 2040، أراها الآن بكل وضوح. على العكس لم أغير قناعاتي القديمة، وما زلت حتى الآن أكتب «كم من البلاد أيتها الحرية؟» حتى الآن أكتب: «تعالوا نعرّف هذا اليأس» و «ما ليس شيئاً». إنني بهذا المعنى أعيدُ كتابةَ ما كتبتُه منذ عقود. أقلّدُ نفسي، وأعيد وأكرر نفسي، لكنني لم أقل أن ما يحدث اليوم هو ثمن الحرية، ما يحدث اليوم هو ورطة أوقعنا فيها من ظنوا أن الطريق إلى الحرية لا يكون إلا على هذا النحو. لماذا لم ينتبه أحد إلى أنني كتبتُ وفي الصفحة الأولى من كتاب «كم من البلاد أيتها الحرية» وبعد العنوان مباشرة: «وأما أنا فأرى أن الحرية قضيةٌ عظمى تستحق أن يعفى الإنسان من الموت في سبيلها. لم أتغير أيها الأصدقاء، فهذه ديانتي من الأساس».
وأضاف في ردوده على الأسئلة: «لقد نسيتُ هذه الصناعة التي يسمونها الشعر، فبدأت بكتابة «يوميات ناقصة» تحديداً منذ أواخر آذار (مارس) من عام 2011. وقتها لم تكن قد بدأت ما تسمى الثورة السورية، ولم تكن قد بدأت أيضاً الحرب على سورية، لكنني شممتُ الرائحة في تونس وليبيا، وصادف ذلك موعد أمسية شعرية لي في مسرح المدينة في بيروت، فاعتذرتُ من الحضور وقتذاك، وقلتُ لهم بأنني لن أقرأ لكم شعراً، بل سأقرأ لكم من اليوميات التي أكتبها هذه الأيام، وفعلاً وأنا أقرأ قلتُ لهم أن النسخة الثانية من السيناريو الليبي هو ما يحدث اليوم في بلادي. عاتبوني وقتذاك بأنني تنكرتُ للثورة وتنكرتُ لكلامي وقصائدي عن الحرية والعدالة. لقد رأيتُ وشممتُ دماً، ليس لأنني تنبأتُ، بل لأنني شممتُ الرائحة بقراءة بسيطة للغاية، فالأميركيون الذين يصنعون الأسلحة والأوبئة والأمراض والإيدز لن يسمحوا لنا نحن السوريين بأن ننال حريتنا. هل تعلمون أنه لو استطعنا أن ننال حريتنا ماذا كانت ستفعل أميركا بنا؟ كانت ستقتلعنا من جذورنا، لماذا؟ لأنه ممنوع علينا ذلك. بكيتُ عندها في مسرح المدينة وبحضور أصدقائي غسان مطر وسماح إدريس ووزير الدفاع الحالي في لبنان يعقوب الصراف. ونلت حقي من الشتائم والتخوين وأكثر من هذا، فقط لأني بقيتُ ما كنتُه. كل شيء كتبته وقتها: «ليتها لا تحدث هذه الحرية». لقد رأيتُها في تونس ورأيتُها أكثر في ليبيا، لتبدأ ألاعيب الفيس بوك فكتبت: «البيت على وشك الانهيار، دعونا نوقف الاقتتال على من يحمل المفتاح»، ليرد عليَّ شخص هو ابن رئيس جمهورية سورية السابق وابن من أبناء الحزب الحاكم ليقول لي: هذا ليس بيتاً! حسناً! ليس بيتاً...إنه كوخ! ولكن هل نسمح أن ينهار فوق رأسي ورأسك ورأس الجميع؟ وأنت وسواك يعرفون أنه سوف ينهار. من وقتها حتى الآن».
ليتها لم تحدث
ومما قال: «العام الفائت صديقي وحبيبي منذر مصري كتب «ليتها لم تحدث»، صفقوا له، أما أنا فعندما كتبت: «ليتها لا تحدث» شتموني وأنا من قلتها قبل ست سنوات مثلما قلتها لمحمد ملص. اليوم إذا جلبنا جثث الأموات الذين سقطوا في هذه الحرب الحرة العظيمة ألن يكون المشهد أهم من مشهد تحرير لينينغراد؟ لكنّ الذين ماتوا فيها، هؤلاء الذين رأيناهم على الشاشة هم أموات فعلاً، وأُمَّهاتهم حتى الآن يغصصن كلما تذكّرنهُم. أعرف أمهات يمكن أن يبكين لمجرد ان يسمعن أغنيةً لفيروز، هؤلاء ألا يوضعن في الحسبان؟ هؤلاء الكذا مئة ألف رجل وامرأة وطفل الذين ماتوا في هذه الحرب إذا وضعناهم في نسق طولاني، ألا يشكلون طريق ذهاب وإياب من دمشق إلى القامشلي؟ هؤلاء ألم يفكر بهم أحد؟ هؤلاء أليس لهم أمهات وآباء وأبناء؟ هذه الحرية أليس لي نصيب منها بأن لا يشهّر بي لهذه الدرجة؟ ألا تظلمني الحرية الى هذه الدرجة؟ ألا تهدر دمي؟ بعد لقائي مع منذر مصري كتبت: «اليوم الثلثاء في 28/9/2017/ استعدتُ صديقاً. بالنسبة لي اليوم انتهت الحرب».
«قبّح الله الحرية، أنا أخاف من هذه الحرية، يضيف أبو عفش ويعقب. أحتاج اليوم نظاماً، أريد ستالين، أريد القيصر إيفان الرهيب؟ زادوا الهجوم علي، كل ما سجلوه على ستالين من فاتورة القتلى لا يعادل من تقتلهم أميركا في ساعات على مستوى العالم. الخوف أن تطرق بابي هذه الحرية ليلاً وتستجوبني. لن أغش، أنا في السنوات الأخيرة لم أعد أعرف ما هو الشعر من سواه؟ صدقاً لم أعد أعرف أين يقع الشعر؟ لدرجة أنه في كثير من الأوقات صرت أقرأ أشعاراً لامرئ القيس ولمالك ابن الريب والصعاليك، فأقول لنفسي هل يكون الشعر كما يكتب هؤلاء؟ وأعود واقرأ لواحد من النكرات الذين لم يمض على كتابتهم للشِّعر سوى أيام، فأرسل له تحيات على الملأ، وأفرح لهذا النص الذي يولد. أتساءل اليوم: يا ترى فيما لو تعافيت كإنسان، ولو لم تمر عليّ هذه السنوات السبع العظيمة كيف كان ممكنا أن أكتب الشعر؟ وكيف كان لنصي أن ينمو أو يتغير؟ لا أعرف؟ لكن أظن أنني لن أكتب كما أكتب الآن. فالآن أكتب الغصّة بصيغتها الخام، أما الشعر فأكيد سوف أكتبه في شكل آخر. اليوم أحن إلى قصائدي التي كتبتها من مثل :ساعة الذئب، كاليغولا، القلعة، نوتردام... أحن إلى هذه القصائد، لكن العافية العصبية والروحية لا تساعدني على كتابة مثلها، لقد كان حلمي أن أبقى هناك مع تلك القصائد، ولكن من يسمح لك اليوم أن تبقى مع أحلامك؟ يبدو أن هذا ليس من حقك، الآن أعيش مع الكوابيس».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.