موسى: الإخوان كفروا «محمد سليم العوا» بسبب إشادته بالرئيس السيسي    طريقة استثمار 100 ألف جنيه فى الشهادات والذهب بعد انخفاض الأسعار    وزيرالمالية: تعزيزالجهود الدولية بتحويل التعهدات المناخية إلى خطوات عملية ملموسة    مصر وتشاد توقعان مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون بمجالات الاستثمار والكهرباء والطاقة    انعقاد اللجنة المصرية - التشادية المشتركة لبحث تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين    إفريقيا تزخر بمقومات وموارد وثروة بشرية هائلة نهدف لإطلاقها    إيطاليا ضد النرويج.. ريتيجي يتحدى هالاند في تشكيل تصفيات المونديال    زيلينسكي: أوكرانيا تعمل على استئناف تبادل الأسرى مع روسيا    فرنسا يحقق فوزًا سهلا على أذربيجان في ختام تصفيات مونديال 2026    دوري أبطال إفريقيا: طارق قنديل رئيسًا لبعثة الأهلي في المغرب    حسين لبيب وهشام نصر يقدمان واجب العزاء لأسرة الراحل محمد صبري    ضبط زيت طعام مجهول المصدر وملح مغشوش فى حملة بالإسكندرية    عودة الضوء    «دولة التلاوة» يشعل السوشيال ميديا    نساء على عرش مصر بقصر الأمير طاز    حماة الوطن: نخوض الانتخابات بخطة واسعة لعقد مؤتمرات جماهيرية حاشدة    هل التبسّم في الصلاة يبطلها؟ أمين الفتوى يجيب    خطوبتي مش بتتم وقالوا لي معمول سحر.. أمين الفتوى يجيب    أخبار السعودية اليوم.. معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة خلال زيارة ولي العهد لواشنطن    الداخلية تكشف ملابسات فيديو تحميل ركاب بمقابل مادي في محيط المتحف المصري بالتحرير    وزير الثقافة: مشروع أكاديمية الفنون في الإسكندرية ترجمة حقيقية لرؤية الدولة لنشر التعليم المتخصص    مسكن بحيوات كثيرة    رئيس مدينة مرسى مطروح يوجه بسرعة إنهاء ملفات التصالح بالمركز التكنولوجي    جابرييل يغيب عن أرسنال بسبب إصابة مع منتخب البرازيل    مصر تتجاوز مليار دولار في الأمن السيبراني وتستعد لقيادة الحماية الرقمية    أمين البحوث الإسلامية يتفقد منطقة وعظ أسيوط لمتابعة الأداء الدعوي    منتخب مصر بالقميص الأحمر والأسود أمام كاب فيردي غداً    "علوم" القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "أنت أقوى من المخدرات" غدا الإثنين.    ما حكم الامتناع عن الإنفاق على الزوجة والأولاد؟.. أمينة الفتوى تجيب    قضايا الدولة تفتتح مقرا جديدا لها بالوادي الجديد (صور)    توقيف أفراد من وزارتى الدفاع والداخلية السورية بعد تحقيق فى أحداث السويداء    حصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    طريقة عمل الدجاج المشوي المسحب بتتبيلة لا تقاوم    تعليم دمياط يواصل لقاءات مبادرة صوتك مسموع    نجل محمد صبري: والدي لم يكن يعاني من أي أمراض.. وطريقة لعبه تشبهه في كل شئ    الأهلي يستعد لتجديد عقد أحمد عابدين حال عدم تلقي عرض من فاماليكاو البرتغالي    وزارة التعليم الفلسطينية تشكر مصر على استيعاب عدد كبير من الطلبة الفلسطينيين    بعد 3 أسابيع.. مبيعات فيلم السادة الأفاضل تصل إلى 350 ألف تذكرة    انطلاق حملة التطعيم ضد الحصبة للأطفال حتى 12 سنة بأسوان.. صور    بسبب معاكسة فتاة.. التحقيق مع طرفي مشاجرة بشوارع المطرية    بتوجيهات شيخ الأزهر .. دخول قافلة «بيت الزكاة والصدقات» الإغاثية الثانية عشر إلى غزة    الطقس: استمرار تأثير المنخفض الجوي وزخات متفرقة من الأمطار في فلسطين    زراعة بنى سويف تعاين مزرعتى ماشية و4 للدواجن وتصدر 6 تراخيص لمحال أعلاف    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن متوسط أعمار المصريين    مواعيد وضوابط امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    جهاز مستقبل مصر يقود سوق القمح نحو الاكتفاء الذاتى عبر زيادة المساحات الزراعية    10 محظورات خلال الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب 2025.. تعرف عليها    القاهرة الإخبارية: الاحتلال يمنع عبور شاحنات المساعدات المحملة بالخيام والبطاطين إلى غزة    وزارة «التضامن» تقر قيد 5 جمعيات في 4 محافظات    جامعة قناة السويس تُطلق مؤتمر الجودة العالمي تحت شعار «اتحضّر للأخضر»    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة    منافسات التارجت سبرنت تشعل اليوم الحادي عشر ببطولة العالم للرماية    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    الفسطاط من تلال القمامة إلى قمم الجمال    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    30 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 16 نوفمبر    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مودلياني الدافئ في شتاء لندن
نشر في صوت البلد يوم 05 - 02 - 2018

معارض الفن لم تتكاسل في موسم شتاء لندن، لكني تكاسلت عن ملاحقتها، تحاشياً للبرد. معرض الفنان الإيطالي مودلياني Modigliani (1884 - 1920) في Tate Modern افتُتح منذ فترة، لكني عجزت عن حضور الافتتاح.
أول البارحة تحينت فرصة هدأة البرد، وخرجت إليه. أخذني "الأندرﮔراوند" إلى كاتدرائية St. Paul في قلب لندن، ومن هناك مشيتُ درباً لا يقل جمالاً وسكينة عن لوحة مودلياني التي أعرف، يقطع حديقة الكاتدرائية التي تتعالى على يمينك بفخامة تليق بلندن، ثم يوصلك إلى نهر "التّيْمس"، يقطعه بجسر صغير خاص بالمشاة، وكأنه أُعد خصيصاً لمتحف Tate Modern، لأنك ما إن تنتهي منه، حتى تواجهك عمارة المتحف، بمدخنتها الشامخة، تمتد واجهتها على ضفة النهر لمئتي متر. كانت محطة مولدات كهرباء منذ 1947، ثم هُجرت في 1981، وأُعيدت صياغتها كمتحف للفن في عام 2000.
لندن تحتفي بمودلياني على هذه الرحابة لأول مرة. 11 قاعة بمئة لوحة، ترعى تطور الفنان، منذ مجيئه من مدينته Livorno الإيطالية إلى باريس عام 1906، حتى وفاته المبكرة عام 1920. في الوهلة الأولى من المشاهدة أعجب من صفتين: اعتماده فن البورتريت في كل أعماله، والنساء العاريات ضمناً، ثم صفة التكرار في أسلوب التناول، تحسه حين تنظر للقاعات على مبعدة، حتى صارت مُحاكاة لوحته يسيرة على يد مقلدي اللوحات، لكن بصرك أمام كل لوحة يأخذك إلى مدى آخر لا مكانة للتكرار فيه. ثمة سكينة في اللوحة، لا تتناسب مع فوضى حياته التراجيدية؛ جسداً وروحاً. فقد جاء باريس ومرض السل كامن في جسده منذ صباه، وسط هيمنة كاثوليكية لا تنظر إلى اليهودي بعين الرضا، مع مشاعر المهاجر الإيطالي المشرَّد.
الكاتب الفرنسي جان كوكتو، وله بورتريت بين اللوحات، يقول: "إن البورتريت لا يُشبهني، لكنه يشبه مودلياني"، ولعله يعني العناصر البارزة التي تمثله، والتي يعتمدها مودلياني في لوحته: الوجوه الطويلة، البيضوية، والعيون التي بشكل اللوز، واللون الذي لا يغادر الوردي، الأزرق والكستنائي، والرقاب الأنبوبية المائلة أو المستقيمة، والأطراف المنحنية. عناصر شكلية توحي بمشاعر أقرب إلى الأسى.
على أن لوحته تنحو منحى اختزالياً، فهو يعتمد الخط المطواع في رسم الهيئة، إلى جانب تدرج الألوان، ولا يشغل نفسه بالتفاصيل. يقترح النقاد تأثره بسيزان في الميزة الأولى، وتأثره ببيكاسو، الذي كان صديقاً في باريس، في الثانية. ولعل حبه للنحت، مع قلة أعماله النحتية التي تحتل قاعة واحدة، يُسهم في ميله إلى الاختزال في لوحته التشكيلية.
جاء مودلياني من عائلة يهودية مهاجرة في الأصل إلى إيطاليا، انتفع منذ طفولته من أمه، المولعة بالأدب والفن والموسيقى. تعرف على أساليب الفنانين الكلاسيكيين في متاحف فلورنسا. قرأ نيتشه ولوتريامون وتأثر بهما. وحين جاء باريس تعرف على فنانيها، آنذاك، وعلى أساليبهم المختلفة، إلى أن حقق أسلوبه المحبب الخاص الذي نعرفه به اليوم. وأقول المحبب لأنه، وهو يعيش وسط التيارات الطليعية المتطرفة في نزعتها التعبيرية، لم يكن مثل النمساوي Egon Schiele في نسائه العاريات، ولا مثل بيكاسو في تحطيم المعايير السائدة. ورغم هذا، حين أقام معرضه الشخصي الوحيد عام 1917، هاجمته الشرطة، بسبب عارياته اللواتي تجرأ قليلاً في الكشف الحيي عن شيء من محرماتهن.
آخر سنة من الحرب العالمية الأولى خرج مودلياني، مع مَن خرج، إلى الجنوب الفرنسي، ثم عاد عند انتهائها. كانت معه جيني، التي استقر على العلاقة معها، والتي لم توافق عائلتها على زواجهما. تعرف عليها وهي في عمر 19، وكانت مُلهمة لوحات عديدة. أنجبت منه طفلة، وفي باريس حملت منه بوليد آخر. لكن مودلياني كان يلفظ آخر أنفاسه، بفعل اشتداد مرض السل. توفي بين يديها في 24 يناير، وفي اليوم الثاني ألقت بنفسها وبحملها من بيت أهلها في الطابق الخامس. ولم تُدفن إلى جانبه إلا عام 1930. بعد 85 سنة من لوحة التعاسات السوداء هذه بيعت واحدة من لوحاته العارية في "كرِستي/ نيويورك بمبلغ 170.000.000 دولار!
معارض الفن لم تتكاسل في موسم شتاء لندن، لكني تكاسلت عن ملاحقتها، تحاشياً للبرد. معرض الفنان الإيطالي مودلياني Modigliani (1884 - 1920) في Tate Modern افتُتح منذ فترة، لكني عجزت عن حضور الافتتاح.
أول البارحة تحينت فرصة هدأة البرد، وخرجت إليه. أخذني "الأندرﮔراوند" إلى كاتدرائية St. Paul في قلب لندن، ومن هناك مشيتُ درباً لا يقل جمالاً وسكينة عن لوحة مودلياني التي أعرف، يقطع حديقة الكاتدرائية التي تتعالى على يمينك بفخامة تليق بلندن، ثم يوصلك إلى نهر "التّيْمس"، يقطعه بجسر صغير خاص بالمشاة، وكأنه أُعد خصيصاً لمتحف Tate Modern، لأنك ما إن تنتهي منه، حتى تواجهك عمارة المتحف، بمدخنتها الشامخة، تمتد واجهتها على ضفة النهر لمئتي متر. كانت محطة مولدات كهرباء منذ 1947، ثم هُجرت في 1981، وأُعيدت صياغتها كمتحف للفن في عام 2000.
لندن تحتفي بمودلياني على هذه الرحابة لأول مرة. 11 قاعة بمئة لوحة، ترعى تطور الفنان، منذ مجيئه من مدينته Livorno الإيطالية إلى باريس عام 1906، حتى وفاته المبكرة عام 1920. في الوهلة الأولى من المشاهدة أعجب من صفتين: اعتماده فن البورتريت في كل أعماله، والنساء العاريات ضمناً، ثم صفة التكرار في أسلوب التناول، تحسه حين تنظر للقاعات على مبعدة، حتى صارت مُحاكاة لوحته يسيرة على يد مقلدي اللوحات، لكن بصرك أمام كل لوحة يأخذك إلى مدى آخر لا مكانة للتكرار فيه. ثمة سكينة في اللوحة، لا تتناسب مع فوضى حياته التراجيدية؛ جسداً وروحاً. فقد جاء باريس ومرض السل كامن في جسده منذ صباه، وسط هيمنة كاثوليكية لا تنظر إلى اليهودي بعين الرضا، مع مشاعر المهاجر الإيطالي المشرَّد.
الكاتب الفرنسي جان كوكتو، وله بورتريت بين اللوحات، يقول: "إن البورتريت لا يُشبهني، لكنه يشبه مودلياني"، ولعله يعني العناصر البارزة التي تمثله، والتي يعتمدها مودلياني في لوحته: الوجوه الطويلة، البيضوية، والعيون التي بشكل اللوز، واللون الذي لا يغادر الوردي، الأزرق والكستنائي، والرقاب الأنبوبية المائلة أو المستقيمة، والأطراف المنحنية. عناصر شكلية توحي بمشاعر أقرب إلى الأسى.
على أن لوحته تنحو منحى اختزالياً، فهو يعتمد الخط المطواع في رسم الهيئة، إلى جانب تدرج الألوان، ولا يشغل نفسه بالتفاصيل. يقترح النقاد تأثره بسيزان في الميزة الأولى، وتأثره ببيكاسو، الذي كان صديقاً في باريس، في الثانية. ولعل حبه للنحت، مع قلة أعماله النحتية التي تحتل قاعة واحدة، يُسهم في ميله إلى الاختزال في لوحته التشكيلية.
جاء مودلياني من عائلة يهودية مهاجرة في الأصل إلى إيطاليا، انتفع منذ طفولته من أمه، المولعة بالأدب والفن والموسيقى. تعرف على أساليب الفنانين الكلاسيكيين في متاحف فلورنسا. قرأ نيتشه ولوتريامون وتأثر بهما. وحين جاء باريس تعرف على فنانيها، آنذاك، وعلى أساليبهم المختلفة، إلى أن حقق أسلوبه المحبب الخاص الذي نعرفه به اليوم. وأقول المحبب لأنه، وهو يعيش وسط التيارات الطليعية المتطرفة في نزعتها التعبيرية، لم يكن مثل النمساوي Egon Schiele في نسائه العاريات، ولا مثل بيكاسو في تحطيم المعايير السائدة. ورغم هذا، حين أقام معرضه الشخصي الوحيد عام 1917، هاجمته الشرطة، بسبب عارياته اللواتي تجرأ قليلاً في الكشف الحيي عن شيء من محرماتهن.
آخر سنة من الحرب العالمية الأولى خرج مودلياني، مع مَن خرج، إلى الجنوب الفرنسي، ثم عاد عند انتهائها. كانت معه جيني، التي استقر على العلاقة معها، والتي لم توافق عائلتها على زواجهما. تعرف عليها وهي في عمر 19، وكانت مُلهمة لوحات عديدة. أنجبت منه طفلة، وفي باريس حملت منه بوليد آخر. لكن مودلياني كان يلفظ آخر أنفاسه، بفعل اشتداد مرض السل. توفي بين يديها في 24 يناير، وفي اليوم الثاني ألقت بنفسها وبحملها من بيت أهلها في الطابق الخامس. ولم تُدفن إلى جانبه إلا عام 1930. بعد 85 سنة من لوحة التعاسات السوداء هذه بيعت واحدة من لوحاته العارية في "كرِستي/ نيويورك بمبلغ 170.000.000 دولار!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.