اسعار اللحوم اليوم السبت 23-8-2025 في الدقهلية    أسعار الفراخ البيضاء اليوم السبت 23-8-2025 في الدقهلية    محافظ المنيا: إزالة 518 حالة تعدٍ على الأراضي وأملاك الدولة    23 شهيدًا جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ فجر اليوم    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    تفاصيل وأسباب تفتيش منزل مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق جون بولتون    لجنة الاستئناف تحكم بثبوت مخالفة الهلال بعد انسحابه من السوبر السعودي    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة غزل المحلة ومروان عطية يتابع تأهيله    الزمالك يتظلم من قرار سحب أرض النادي ب 6 أكتوبر ويؤكد صحة موقفه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    ضبط 124 ألف مخالفة متنوعة في حملات لتحقيق الانضباط المروري خلال 24 ساعة    ضبط 4 أطنان من الدقيق الأبيض والبلدي المدعم في حملات تموينية خلال 24 ساعة    مصرع وإصابة أربعة أشخاص إثر حادث تصادم بين سيارتين بأسيوط    دينا الشربيني تشارك روبي الغناء بحضور كريم محمود عبد العزيز وزوجته    شيرين عبد الوهاب: ياسر قنطوش لا يمثل أي شئ لي قانونيًا    زيارة مفاجئة لوكيل صحة أسيوط لعددا من المستشفيات بحى غرب    ضبط 90 طن أعلاف حيوانية فاسدة داخل مصنع بالقليوبية    إنفوجراف| أسعار الذهب اليوم السبت 23 أغسطس    1350 مجمعا استهلاكيا يطرح 15 سلعة بتخفيضات ضمن مبادرة خفض الأسعار    تفعيل المشاركة المجتمعية لتطوير وصيانة المدارس واستكمال التشجير بأسيوط    «صحح مفاهيمك».. مبادرة دعوية خارج المساجد بمشاركة 15 وزارة    ما أسباب استجابة الدعاء؟.. واعظة بالأزهر تجيب    مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يحيي ذكرى وفاة العالم الكبير الشيخ مصطفى المراغي    ثلاثة أفلام جديدة فى الطريق.. سلمى أبو ضيف تنتعش سينمائيا    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    طلاب الثانوية الأزهرية الدور الثانى يؤدون اليوم امتحان التاريخ والفيزياء    تجديد حبس عاطل وشقيقته بتهمة جلب 3000 قرص مخدر داخل طرد بريدي    ضبط لحوم وسلع غذائية فاسدة وتحرير 260 محضرًا في حملات تموينية بأسيوط    موعد مباراة النصر والأهلي والقنوات الناقلة بنهائي كأس السوبر السعودي    اليوم.. اجتماع الجمعية العمومية العادية للإسماعيلي لمنافشة الميزانية والحساب الختامي    شباب في خدمة الوطن.. أندية التطوع والجوالة يعبرون رفح ويقدمون المساعدات لقطاع غزة    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : إلى أين!?    تحقيق استقصائى يكتبه حافظ الشاعر عن : بين "الحصة" والبطالة.. تخبط وزارة التعليم المصرية في ملف تعيين المعلمين    "يونيسيف" تطالب إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها والسماح بدخول المساعدات بالكميات اللازمة لغزة    جامعة القاهرة تُطلق قافلة تنموية شاملة لمدينة الحوامدية بالجيزة    حملة «100 يوم صحة» تقدّم 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يومًا    الأمم المتحدة: نصف مليون شخص بغزة محاصرون فى مجاعة    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر ربيع الأول اليوم    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    وزارة الخارجية الروسية تكشف عدد المواطنين الروس المتبقين في غزة    وزارة التعليم تكشف تفاصيل تطوير منهج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات    اتحاد العمال: بدء إنتاج السيارات وتشغيل وحدة الحديد والصلب خطوات نحو عصر صناعي جديد    استشهاد 19 فلسطينيا إثر قصف إسرائيل خيام النازحين بخان يونس ومخيم المغازي    وزارة الصحة تقدم 3 نصائح هامة لشراء الألبان    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    سعر طن الحديد اليوم السبت 23-8-2025 في أسواق مواد البناء.. عز بكام النهارده؟    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصائد أعجبت غازي القصيبي
نشر في صوت البلد يوم 18 - 01 - 2017

الشاعر الفنان هو الذي يقف عند قصائد الآخرين ويتأملها ويتفاعل معها، ويقدم عنها تذوقه لقرائه الذين يحبهم ويحرص على تقديم أجود وأفضل قراءاته الشعرية لهم، والشاعر الفنان أيضا هو الذي لا تتضخم ذاته فلا يرى إلا نفسه ولا يستمع إلا لقصائده ولا يتذوق إلا شعره.
هكذا فعل الشاعر الفنان فاروق شوشة عندما انتقى "أحلى عشرين قصيدة حب في الشعر العربي" – من وجهة نظره – وقدمها معلقا عليها لمحبي ومتذوقي الشعر، ثم "أحلى عشرين قصيدة في الحب الإلهي"، وهكذا فعل الشاعر محمد إبراهيم أبوسنة في كتابه "قصائد لا تموت – مختارات ودراسات"، وهكذا فعل الشاعر علي أحمد سعيد (أدونيس) عندما قدم ديوان الشعر العربي عام 1964 وقبلهم قدم إبراهيم ناجي ترجمة رقيقة لبعض أشعار الشاعر الفرنسي شارل بودلير في "أزهار الشر".
وقد اختار الشاعر الفنان د. غازي القصيبي خمس قصائد أعجبته فقدمها في كتابه "قصائد أعجبتني" الذي أهداه إلى صديقه الشاعر البحريني إبراهيم العريض.
ولا يكتفي القصيبي باختياره للقصائد الخمس، وإنما حاول أن يعصرن بعض هذه القصائد، فيختار لها صفة ربما غير التي أرادها مبدعها، كأن يقول عن هذه القصيدة إنها القصيدة / المسرحية، أو تلك القصيدة إنها القصيدة / الفيلم، أو القصيدة / السيمفونية .. الخ.
إنه من خلال رؤيته أو تذوقه لهذه القصائد الخمس رأى أن العوالم الفنية الأخرى من السهل أو من الممكن تطبيقها على عوالم هذه القصائد التي قام باختيارها وانتقائها من وسط حدائق الشعر العربي قديمه وحديثه.
• القصيدة / المسرحية
القصيدة / المسرحية عند غازي القصيبي كانت قصيدة المتنبي الشهيرة "واحر قلباه" التي تمثل مواجهة بين المتنبي وسيف الدولة، والتي تعتبر في الوقت نفسه مسرحية درامية مثيرة.
يقول القصيبي: "لا يمكنكم أن تفهموا القصيدة ما لم تتصوروا الجو العام الذي أحاط بها، وظروف القائها".
ولنا أن نتصور خشبة المسرح وقد عُقد عليها مجلس سيف الدولة يحفّ به القواد والأعيان، ويزخر بأعداد كبيرة من النقاد والشعراء الذين كانوا يبغضون المتنبي، وكان بدوره يبغضهم، ثم نتصور المتنبي يلقي القصيدة / المسرحية التي يقول في بعض أبياتها:
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي ** فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً** أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ
وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ ** إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ
سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ
ومن خلال تذوق غازي القصيبي لهذه القصيدة يوجه لومه إلى النقاد الذين زعموا أن الشعر العربي لم يعرف وحدة القصيدة، وأن بإمكان القارئ أن يبدل الأبيات في مواضعها دون أن يختل شيء في كيان القصيدة.
ورغم أن د. غازي القصيبي قد اعتبر أن هذه القصيدة هي القصيدة / المسرحية، فإنه اعتبر البيت الأخير ملحمة مركزة حيث يلخص المتنبي حكاية القصيدة بأكملها في قوله:
هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ ** قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ
• القصيدة / الملحمة
أما القصيدة الملحمة عند القصيبي فقد كانت "الأطلال" للشاعر إبراهيم ناجي، والتي وقف عندها كثيرا وخصص لها حوالي أربعين صفحة من الكتاب الذي احتوى على 128 صفحة، أي خصص لها حوالي ثلث الكتاب.
ويعترف القصيبي بداية أن إبراهيم ناجي قد ظُلم من القراء والنقاد، ويبدو أنه حاول أن ينصفه من خلال الحديث – في ثلث الكتاب – عن رائعته "الأطلال" التي غنت أم كلثوم مقاطع منها، فأحسنت إليها، وأساءت في الوقت نفسه. "أحسنت لأنها عرَّفت عامة العرب بشاعر من أعظم شعرائهم، واختارت للغناء شعرا أصلح ما يكون للغناء، وأساءت إذ تصرفت في المقاطع، وانتقتها على غير هدى، وأدخلت في القصيدة ما ليس منها، فأباحت لنفسها أن تتصرف في عمل فني خالد، على نحو يخل بتماسكه وروعته".
ورغم أن "الأطلال" خالية من العناصر التي تحتوي عليها الملاحم، فلا ملوك ولا أبطال ولا معارك ولا أهوال ولا أساطير ولا خرافات، إلا أن القصيبي قد اختار لها هذه التسمية "الملحمة" لأنه اعتبرها قصيدة خالدة.
هذا ما تصوره الشاعر غازي القصيبي "فكل قصيدة خالدة هي ملحمة من حيث إنها تعبر عن تجارب إنسانية منوعة عميقة وصادقة، ومن حيث إنها تعبر عن مشاعر محتدمة مصطرعة مضطربة، ومن حيث إنها تكشف روح الشاعر، لا في بعد واحد أو بعدين، بل بكل أبعادها الإنسانية الشاسعة".
وينبهنا القصيبي إلى أمرين قبل الدخول إلى الملحمة؛ الأول أن لا نتوقع من الشاعر أن يتخذ موقفا واحدا طيلة الملحمة، فهو يناقض نفسه أكثر من مرة، بل أنه أحيانا يناقض نفسه داخل المقطع الواحد، وهذا يمثل قمة الصدق مع النفس ومع القارئ.
أما الأمر الثاني فهو أن الشاعر لا يتبع نهجا تاريخيا في الملحمة، فهو لا يبدأ حيث بدأت القصة، ولا ينتهي من حيث انتهت، ولكنه يتحرك بطريقة شبيهة بتداعي الأفكار متخطيا حواجز الزمن جيئة وذهابا.
• القصيدة / الرواية
القصيدة / الرواية التي قسمها القصيبي إلى تسعة فصول، كانت قصيدة "حديث دمية" للشاعر البحريني إبراهيم العريض، وقد اعتبرها القصيبي واحدة من أروع القصائد في شعرنا العربي الحديث. وقد اختار لها صفة الرواية، لأن الرواية "هي ذلك الضرب من ضروب الأدب الذي يصور الأشخاص كما يوجدون في الواقع، والأحداث كما تقع في الحياة عن طريق حبكة فنية ومخطط ينتظمها من أولها إلى آخرها".
ونحن في هذه القصيدة "أمام رواية متكاملة فيها كل ما في عناصر الرواية الناجحة، إلا أ نها رواية مضغوطة ومكتوبة بالشعر".
ويعلق القصيبي على أن هذه النزعة الروائية نفعت العريض وضرته في الوقت نفسه "نفعته إذ مكنته من أن يكتب لنا شعرا قصصيا يندر مثيله في الشعر العربي الحديث، وضرته لأنها حرمت شعره من ديناميكية اللحن والألفاظ والصور التي يتميز بها الشعر الغنائي العربي الجيد"، لذا نجد أن "المعجبين بشعر العريض في غالبيتهم العظمى من النقاد والباحثين، ويندر أن تجد له معجبين من القراء العاديين"، وعلى ذلك فقد نجح العريض "فنيا ولم ينجح جماهيريا".
• القصيدة / الفيلم
أما القصيدة / الفيلم، فكانت مرثية شاعر الصعاليك مالك بن الريب التي اعتبرها القصيبي أعظم القصائد في شعرنا العربي كله قديمه وحديثه. وقد اختار لها صفة "الفيلم" لأنها في رأيه "فيلم سينمائي متكامل فيه كل ما في الأفلام السينمائية من كاميرا تلاحق وتصور كل شيء، ومن مشاهد تنكشف فسيحة مبسوطة أمام الكاميرا، ومن مخرج يتابع كل التفاصيل، ومن ألوان وأنوار وظلال، ومن قدرة على الحركة السريعة.
إن هذه القصيدة تدور حول محاور ثلاثة: الماضي؛ حيث تأخذنا إلى الأيام الخالية، فتصور لنا من حياة الشاعر مشاهد نابضة بالبطولة والحب، والحاضر؛ حيث تصور لنا اللحظات الأخيرة من حياة الشاعر بروعة فنية غريبة، وبواقعية يقشعر لها جسد القارئ. والمستقبل؛ حيث تقفز بنا إلى المستقبل، فتحاول أن تتخيل العالم والكائنات بعد رحيل الشاعر.
• القصيدة السيمفونية
أما القصيدة الأخيرة – في رحلتنا مع كتاب "قصائد أعجبتني" – فهي القصيدة السيمفونية "أحلام الفارس القديم" لصلاح عبدالصبور، والتي تعتبر - من وجهة نظر القصيبي – من أجمل ما كتبه عبدالصبور على الإطلاق، كما اعتبرها واحدة من أجمل القصائد العربية التي كتبت خلال الربع الأخير من القرن العشرين، حيث نجح صلاح عبدالصبور نجاحا واضحا في كل ما أراد أن يحققه في شعره: "الجمع بين جدية المضمون وفنية الشكل، الجمع بين روح التراث ولغة العصر، المزاوجة بين القضايا الخاصة والقضايا العامة والموسيقى المتصاعدة المتفجرة".
ويضيف القصيبي "نحن هنا بإزاء سيمفونية حقيقية تتراوح كلماتها ومقاطعها وتتناغم في تآلف غريب تعشقه الأذن وترتاح إليه النفس، وأشهد أنني لم اقرأ هذه القصيدة إلا وتصورت حروفها أنغاما مجنحة في الفضاء تدور حولي وتنهمر شلالا جميلا من اللحون".
إن لغازي القصيبي رأيا في صلاح عبدالصبور، فهو يعتبره رائدا من أعظم رواد التجديد في شعرنا الحديث، ومع ذلك فلم يتلق ما تلقاه زملاؤه الرواد من التصفيق.
***
وهكذا يأخذنا الشاعر الفنان د. غازي القصيبي في رحلة مع كتابه "قصائد أعجبتني" لنعيش مع عالم الشعر الحقيقي من خلال هذه القصائد الخمس. وليت القارئ يرجع إلى الكتاب نفسه ليتضاعف ويتناغم إحساسه مع هذه القصائد، لأنه مهما يكن فإن هذا العرض السريع للكتاب لن يفي بهذا الغرض على الإطلاق.
الشاعر الفنان هو الذي يقف عند قصائد الآخرين ويتأملها ويتفاعل معها، ويقدم عنها تذوقه لقرائه الذين يحبهم ويحرص على تقديم أجود وأفضل قراءاته الشعرية لهم، والشاعر الفنان أيضا هو الذي لا تتضخم ذاته فلا يرى إلا نفسه ولا يستمع إلا لقصائده ولا يتذوق إلا شعره.
هكذا فعل الشاعر الفنان فاروق شوشة عندما انتقى "أحلى عشرين قصيدة حب في الشعر العربي" – من وجهة نظره – وقدمها معلقا عليها لمحبي ومتذوقي الشعر، ثم "أحلى عشرين قصيدة في الحب الإلهي"، وهكذا فعل الشاعر محمد إبراهيم أبوسنة في كتابه "قصائد لا تموت – مختارات ودراسات"، وهكذا فعل الشاعر علي أحمد سعيد (أدونيس) عندما قدم ديوان الشعر العربي عام 1964 وقبلهم قدم إبراهيم ناجي ترجمة رقيقة لبعض أشعار الشاعر الفرنسي شارل بودلير في "أزهار الشر".
وقد اختار الشاعر الفنان د. غازي القصيبي خمس قصائد أعجبته فقدمها في كتابه "قصائد أعجبتني" الذي أهداه إلى صديقه الشاعر البحريني إبراهيم العريض.
ولا يكتفي القصيبي باختياره للقصائد الخمس، وإنما حاول أن يعصرن بعض هذه القصائد، فيختار لها صفة ربما غير التي أرادها مبدعها، كأن يقول عن هذه القصيدة إنها القصيدة / المسرحية، أو تلك القصيدة إنها القصيدة / الفيلم، أو القصيدة / السيمفونية .. الخ.
إنه من خلال رؤيته أو تذوقه لهذه القصائد الخمس رأى أن العوالم الفنية الأخرى من السهل أو من الممكن تطبيقها على عوالم هذه القصائد التي قام باختيارها وانتقائها من وسط حدائق الشعر العربي قديمه وحديثه.
• القصيدة / المسرحية
القصيدة / المسرحية عند غازي القصيبي كانت قصيدة المتنبي الشهيرة "واحر قلباه" التي تمثل مواجهة بين المتنبي وسيف الدولة، والتي تعتبر في الوقت نفسه مسرحية درامية مثيرة.
يقول القصيبي: "لا يمكنكم أن تفهموا القصيدة ما لم تتصوروا الجو العام الذي أحاط بها، وظروف القائها".
ولنا أن نتصور خشبة المسرح وقد عُقد عليها مجلس سيف الدولة يحفّ به القواد والأعيان، ويزخر بأعداد كبيرة من النقاد والشعراء الذين كانوا يبغضون المتنبي، وكان بدوره يبغضهم، ثم نتصور المتنبي يلقي القصيدة / المسرحية التي يقول في بعض أبياتها:
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي ** فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً** أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ
وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ ** إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ
سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ
ومن خلال تذوق غازي القصيبي لهذه القصيدة يوجه لومه إلى النقاد الذين زعموا أن الشعر العربي لم يعرف وحدة القصيدة، وأن بإمكان القارئ أن يبدل الأبيات في مواضعها دون أن يختل شيء في كيان القصيدة.
ورغم أن د. غازي القصيبي قد اعتبر أن هذه القصيدة هي القصيدة / المسرحية، فإنه اعتبر البيت الأخير ملحمة مركزة حيث يلخص المتنبي حكاية القصيدة بأكملها في قوله:
هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ ** قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ
• القصيدة / الملحمة
أما القصيدة الملحمة عند القصيبي فقد كانت "الأطلال" للشاعر إبراهيم ناجي، والتي وقف عندها كثيرا وخصص لها حوالي أربعين صفحة من الكتاب الذي احتوى على 128 صفحة، أي خصص لها حوالي ثلث الكتاب.
ويعترف القصيبي بداية أن إبراهيم ناجي قد ظُلم من القراء والنقاد، ويبدو أنه حاول أن ينصفه من خلال الحديث – في ثلث الكتاب – عن رائعته "الأطلال" التي غنت أم كلثوم مقاطع منها، فأحسنت إليها، وأساءت في الوقت نفسه. "أحسنت لأنها عرَّفت عامة العرب بشاعر من أعظم شعرائهم، واختارت للغناء شعرا أصلح ما يكون للغناء، وأساءت إذ تصرفت في المقاطع، وانتقتها على غير هدى، وأدخلت في القصيدة ما ليس منها، فأباحت لنفسها أن تتصرف في عمل فني خالد، على نحو يخل بتماسكه وروعته".
ورغم أن "الأطلال" خالية من العناصر التي تحتوي عليها الملاحم، فلا ملوك ولا أبطال ولا معارك ولا أهوال ولا أساطير ولا خرافات، إلا أن القصيبي قد اختار لها هذه التسمية "الملحمة" لأنه اعتبرها قصيدة خالدة.
هذا ما تصوره الشاعر غازي القصيبي "فكل قصيدة خالدة هي ملحمة من حيث إنها تعبر عن تجارب إنسانية منوعة عميقة وصادقة، ومن حيث إنها تعبر عن مشاعر محتدمة مصطرعة مضطربة، ومن حيث إنها تكشف روح الشاعر، لا في بعد واحد أو بعدين، بل بكل أبعادها الإنسانية الشاسعة".
وينبهنا القصيبي إلى أمرين قبل الدخول إلى الملحمة؛ الأول أن لا نتوقع من الشاعر أن يتخذ موقفا واحدا طيلة الملحمة، فهو يناقض نفسه أكثر من مرة، بل أنه أحيانا يناقض نفسه داخل المقطع الواحد، وهذا يمثل قمة الصدق مع النفس ومع القارئ.
أما الأمر الثاني فهو أن الشاعر لا يتبع نهجا تاريخيا في الملحمة، فهو لا يبدأ حيث بدأت القصة، ولا ينتهي من حيث انتهت، ولكنه يتحرك بطريقة شبيهة بتداعي الأفكار متخطيا حواجز الزمن جيئة وذهابا.
• القصيدة / الرواية
القصيدة / الرواية التي قسمها القصيبي إلى تسعة فصول، كانت قصيدة "حديث دمية" للشاعر البحريني إبراهيم العريض، وقد اعتبرها القصيبي واحدة من أروع القصائد في شعرنا العربي الحديث. وقد اختار لها صفة الرواية، لأن الرواية "هي ذلك الضرب من ضروب الأدب الذي يصور الأشخاص كما يوجدون في الواقع، والأحداث كما تقع في الحياة عن طريق حبكة فنية ومخطط ينتظمها من أولها إلى آخرها".
ونحن في هذه القصيدة "أمام رواية متكاملة فيها كل ما في عناصر الرواية الناجحة، إلا أ نها رواية مضغوطة ومكتوبة بالشعر".
ويعلق القصيبي على أن هذه النزعة الروائية نفعت العريض وضرته في الوقت نفسه "نفعته إذ مكنته من أن يكتب لنا شعرا قصصيا يندر مثيله في الشعر العربي الحديث، وضرته لأنها حرمت شعره من ديناميكية اللحن والألفاظ والصور التي يتميز بها الشعر الغنائي العربي الجيد"، لذا نجد أن "المعجبين بشعر العريض في غالبيتهم العظمى من النقاد والباحثين، ويندر أن تجد له معجبين من القراء العاديين"، وعلى ذلك فقد نجح العريض "فنيا ولم ينجح جماهيريا".
• القصيدة / الفيلم
أما القصيدة / الفيلم، فكانت مرثية شاعر الصعاليك مالك بن الريب التي اعتبرها القصيبي أعظم القصائد في شعرنا العربي كله قديمه وحديثه. وقد اختار لها صفة "الفيلم" لأنها في رأيه "فيلم سينمائي متكامل فيه كل ما في الأفلام السينمائية من كاميرا تلاحق وتصور كل شيء، ومن مشاهد تنكشف فسيحة مبسوطة أمام الكاميرا، ومن مخرج يتابع كل التفاصيل، ومن ألوان وأنوار وظلال، ومن قدرة على الحركة السريعة.
إن هذه القصيدة تدور حول محاور ثلاثة: الماضي؛ حيث تأخذنا إلى الأيام الخالية، فتصور لنا من حياة الشاعر مشاهد نابضة بالبطولة والحب، والحاضر؛ حيث تصور لنا اللحظات الأخيرة من حياة الشاعر بروعة فنية غريبة، وبواقعية يقشعر لها جسد القارئ. والمستقبل؛ حيث تقفز بنا إلى المستقبل، فتحاول أن تتخيل العالم والكائنات بعد رحيل الشاعر.
• القصيدة السيمفونية
أما القصيدة الأخيرة – في رحلتنا مع كتاب "قصائد أعجبتني" – فهي القصيدة السيمفونية "أحلام الفارس القديم" لصلاح عبدالصبور، والتي تعتبر - من وجهة نظر القصيبي – من أجمل ما كتبه عبدالصبور على الإطلاق، كما اعتبرها واحدة من أجمل القصائد العربية التي كتبت خلال الربع الأخير من القرن العشرين، حيث نجح صلاح عبدالصبور نجاحا واضحا في كل ما أراد أن يحققه في شعره: "الجمع بين جدية المضمون وفنية الشكل، الجمع بين روح التراث ولغة العصر، المزاوجة بين القضايا الخاصة والقضايا العامة والموسيقى المتصاعدة المتفجرة".
ويضيف القصيبي "نحن هنا بإزاء سيمفونية حقيقية تتراوح كلماتها ومقاطعها وتتناغم في تآلف غريب تعشقه الأذن وترتاح إليه النفس، وأشهد أنني لم اقرأ هذه القصيدة إلا وتصورت حروفها أنغاما مجنحة في الفضاء تدور حولي وتنهمر شلالا جميلا من اللحون".
إن لغازي القصيبي رأيا في صلاح عبدالصبور، فهو يعتبره رائدا من أعظم رواد التجديد في شعرنا الحديث، ومع ذلك فلم يتلق ما تلقاه زملاؤه الرواد من التصفيق.
***
وهكذا يأخذنا الشاعر الفنان د. غازي القصيبي في رحلة مع كتابه "قصائد أعجبتني" لنعيش مع عالم الشعر الحقيقي من خلال هذه القصائد الخمس. وليت القارئ يرجع إلى الكتاب نفسه ليتضاعف ويتناغم إحساسه مع هذه القصائد، لأنه مهما يكن فإن هذا العرض السريع للكتاب لن يفي بهذا الغرض على الإطلاق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.