فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية لدخول كلية الحقوق والرابط الرسمي    نادية مصطفى لفيتو: احنا مش متطرفين ومصطفى كامل بيخاف على البلد (فيديو)    «زي النهارده» فى ‌‌30‌‌ يوليو ‌‌2011.. وفاة أول وزيرة مصرية    رغم إعلان حل الأزمة، استمرار انقطاع الكهرباء عن بعض مدن الجيزة لليوم الخامس على التوالي    ترامب يحذر من تسونامي في هاواي وألاسكا ويدعو الأمريكيين إلى الحيطة    وزير الخارجية يلتقي السيناتور ليندسى جراهام بمجلس الشيوخ الأمريكي    الاتحاد الإفريقي يصدم "الدعم السريع" بعد تشكيل حكومة موازية بالسودان ويوجه رسالة للمجتمع الدولي    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة، أبرزها ليفربول ضد يوكوهاما    ثروت سويلم: لن يتكرر إلغاء الهبوط في الدوري المصري.. وخصم 6 نقاط فوري للمنسحبين    انهيار جزئي لعقار مكون من 7 طوابق في الدقي    من "ترند" الألبومات إلى "ترند" التكت، أسعار تذاكر حفل عمرو دياب بالعلمين مقارنة بتامر حسني    طريقة عمل الأرز باللبن، تحلية سريعة التحضير ولذيذة    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    عبداللطيف حجازي يكتب: الرهان المزدوج.. اتجاهات أردوغان لهندسة المشهد التركي عبر الأكراد والمعارضة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    السيد أمين شلبي يقدم «كبسولة فكرية» في الأدب والسياسة    ليلى علوي تسترجع ذكريات «حب البنات» بصور من الكواليس: «كل الحب»    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين الحكومي والخاص    ترفع الرغبة الجنسية وتعزز المناعة.. 8 أطعمة ترفع هرمون الذكورة بشكل طبيعي    لا تتبع الوزارة.. البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب منصة جنوب شرق الحمد    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    4 أرغفة ب دينار.. تسعيرة الخبز الجديدة تغضب أصحاب المخابز في ليبيا    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    تنسيق الجامعات 2025| كل ما تريد معرفته عن بكالوريوس إدارة وتشغيل الفنادق "ماريوت"    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    إخماد حريق في محول كهرباء في «أبو النمرس» بالجيزة    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    ناشط فلسطيني: دور مصر مشرف وإسرائيل تتحمل انتشار المجاعة في غزة.. فيديو    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    ترامب: الهند ستواجه تعريفة جمركية تتراوح بين 20% و25% على الأرجح    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عباس العقاد والدراسات الأدبية والنقدية
نشر في صوت البلد يوم 29 - 10 - 2016

تعددت إسهامات العقاد‏، بين فنون الأدب والقول‏، تعددا ندر أن وجدنا مثيلا له في الحياة الأدبية‏، وهو إلى جانب هذا التعدد العام‏، يحيرك حين تقصر الحديث عنه في مجال خاص محدد‏، وهو الدراسات الأدبية والنقدية‏، نظرا لتنوع عطائه الثقافي تنوعا محيرا في حياته وبعد رحيله‏. الأمر الذي يثير التساؤل‏:‏ هل ندرسه من باب النقاد الشعراء‏، أو الشعراء النقاد؟‏ وقد أصدر أحد عشر ديوانا‏، وعشرات الدراسات‏، والكتب المتنوعة؟ أم ندرسه من حيث كونه ناقدا‏، وحينئذ نتساءل عن موقفه النقدي؟‏:‏ هل هو من الموضوعيين؟ أم من الانفعاليين العاطفيين؟‏ وهي حيرة‏، بلا جدال‏، تؤكد فردية هذا الرجل‏، وخصوصيته في مسيرته الطويلة منذ مولده في‏1964/3/12‏ حتى رحيله في‏1989/6/18‏ عبر خمسة وسبعين عاما‏، لم يكف فيها عن قراءة في مكتبة خاصة‏، تضم أربعين ألف مجلد‏، ولم ينصرف عن كتابة‏، أو عراك متنوع الجوانب والتخصصات‏.‏
ومحاولة الوقوف على منهجه في الدرس الأدبي والنقدي مرتبطة ارتباطا كبيرا بمراحل حياته‏، وأطوار إنتاجه‏، وتقلبات مزاجه‏، وفي عام‏1926، وفي خضم معركة‏ (الشعر الجاهلي‏)‏ لطه حسين‏، وجلبة المحتجين والمناهضين والثائرين‏، وقف العقاد معارضا‏، ودافع عن حرية الفكر والبحث العلمي‏، وكان ذلك استمرارا لموقف سابق له مع محمد فريد وجدي حول‏ (دائرة معارف القرن العشرين‏)، وحول الدين‏، ومستمدا من رأيه في العلاقة المتينة بين العلوم التي يرتبها على النحو التالي‏:‏ الأدبية‏، فالفلسفية‏، فالعلمية‏، وعلي النحو المتصل باستشرافه المستقبل حين كتب في هلال ديسمير‏1962‏ عن أسلوب الكتابة في المستقبل فتنبه إلى سمة السرعة في العصر القادم‏، ومرتبط بما صرح به عن حرصه على نظرة الشمول‏، والبحث عن المعاني الباطنية‏، التي كشف الحجاب عنها عثمان أمين في حديث عن الجوانية عنده‏. وقد نعجب حين نري تعدد وجهة نظر الدارسين فيه بين من يراه صاحب اتجاه علمي فلسفي‏، ومن يراه صاحب اتجاه نفسي‏، ومن يراه تأثريا‏، ومن يراه‏، من الفلاسفة‏، صاحب فلسفة جوانية متابعا كانط‏، ومن يراه‏، من المؤرخين‏، صاحب منهج تاريخي في عبقرياته وتفسيره للتاريخ‏، ومن يراه انفعاليا في كتابة التاريخ والسير الغيرية‏، وبخاصة حين يتحدث عمن يعاديه من معاصريه‏، بعكس حديثه عمن بعد العهد بينه وبينهم‏، ولعل هذا ما يتفق مع ما صنعه أمين الخولي في مقدمتي كتابيه‏ (‏مالك بن أنس‏:‏ ترجمة محررة‏، ومالك‏:‏ تجارب حياة‏)، مشيرا إلى منهج العقاد في العبقريات‏، وغيرها من السير الغيرية‏، وبعد أن يعرض الخولي لمراحل كتابة السير‏، تتضح مخالفته منهج العقاد‏، ومع ما لخصه محمد مندور في كتابه‏ (النقد والنقاد المعاصرون‏)‏ مركزا على فردية العقاد‏، وغلوه ومنها قوله‏:‏ العقاد من أولئك النفر القليل الذي يصح أن يقال فيهم مثلما قيل في المتنبي‏:‏ من أنه ملأ الدنيا وشغل الناس وأثار الصداقات والعداوات‏، وخاض المعارك في شجاعة وصلابة‏…
وإذا مضينا مع نماذج من خطوات البحث الأدبي عند العقاد وجدناه كما يهتم بمضمون أبيات شوقي في رثاء محمد فريد وبموازنته مع المعري ينعطف نحو الشعور والعاطفة والنفس‏، والتصوير‏، ويقول قولته الشهيرة‏:‏ فاعلم أيها الشاعر العظيم أن الشاعر من يشعر بجوهر الأشياء لا من بعددها ويحصي أشكالها وألوانها‏….، ويبحث عن روح الشاعر في كتابه‏ (اللغة الشاعرة‏.. مزايا الفن والتعبير في اللغة العربية‏)، كما نقف على المقدمة المهمة التي تصدرت كتابه‏ (ابن الرومي حياته من شعره‏)، وفيه يتجلى دور الدراسة الخارجية للأدب بربط العمل بسيرة صاحبه‏، وكونه مرآة صادقة لها‏، وبخاصة في الفصل الثالث المعنون‏ (حياة ابن الرومي كما تؤخذ من معارضة أخباره على أشعاره‏)، باحثا عما أسماه المزية التي لا غني عنها‏. والحق أن العقاد متنوع المنهج‏، لا تكاد تسلك طريقته في البحث الأدبي والنقدي في منهج واحد ذي طبيعة محددة‏، وذلك بسبب من التنوع الثقافي في قراءاته‏، كما يقرر‏، وكما هو الواقع‏، وكما يتجلى في إنتاجه منذ كتابه الأول‏ (‏خلاصة اليومية‏)‏ الذي صدر سنة 1912‏ في 112‏ صفحة‏، هذا التنوع المرتبط بنزعته الموسوعية حتى عد ظاهرة فكرية وثقافية حقاً.
عاقه التنوع‏، من ناحية‏، والغلو‏، من ناحية ثانية‏، عن التمسك بمنهج فني محدد في دراساته الأدبية‏، متفقين مع ما ذهب إليه مندور في تعليقه على موقف العقاد من شوقي‏، وعده‏:‏ جزءا من حملته العامة العنيفة على شوقي باسم التاريخ تارة‏، وباستخدام الأسماء التاريخية تارة‏، والناحية اللغوية تارة أخرى‏، حتى قال عنه‏:‏ إن هذا النقد قد جاء أبعد ما يكون عن أصول هذا الفن‏، التي يلوح أن الأستاذ العقاد لم يعن بدراستها دراسة مستفيضة‏،‏ لأنه لو كان معنياً بفن الأدب التمثيلي لوقع على عيوب فنية بالمسرحية‏، منتهيا إلى وصف نقده هذا‏، بقوله‏:‏ نقد العقاد الهدام‏. ونقف عند كتابه المشترك مع المازني‏ (الديوان في الأدب والنقد‏)‏ الصادر في يناير‏، وفبراير من سنة‏1921، وإعادة طباعة الجزأين بعد شهرين من صدورهما‏، دون وفاء بالوعد المسطور في المقدمة القصيرة باستكمال السلسلة الموعودة منهما في عشرة أجزاء‏!!!!، ونرجع إلى ما سبقه من تعليق العقاد الحاد على قصيدة شوقي في بطرس غالي في‏ (خلاصة اليومية‏)1912، م ظهور‏ (الديوان‏)‏ في شكل هجوم عنيف على أعلام من أدباء العصر يهمنا منهم الآن شوقي‏، الذي آخذه على غياب الوحدة العضوية‏، وقاس شعره بمقاييس فرعية بلاغية قديمة كالإحالة‏، والتقليد‏، ونقد مسرحية‏ (قمبيز‏)‏ دون إلمام بذلك الفن‏، وأشار العقاد سهامه لشوقي‏، ثم للرافعي‏، وسدد المازني نصاله إلى شكري والمنفلوطي‏.
استغرق الهجوم على شوقي‏، ، بعد المقدمة التي استغرقت صفحتين‏، الصفحات‏ (5‏ 56) أي‏51‏ صفحة في الجزء الأول‏، وكان الهجوم على شوقي في الجزء الثاني في‏54‏ صفحة بين‏ (115‏ و‏169)، ونال الرافعي ما في الصفحات‏ (170‏ 176)، وكان ذلك تحقيقا لهدف العقاد وزميله في تحطيم الأصنام‏، دون تحقيق لهدف نقدي نافع في مرحلة هي مرحلة التأسيس المهمة في العصر الحديث‏، هكذا غلب طابع المعارك‏، وما فيها من حدة‏، وما صاحب ذلك من انفراط عقد الجماعة المنتسبة إلى (الديوان‏)‏ الحامل للأسهم والنصال‏، والأفكار والخصال‏. وتلك الحدة في‏ (الديوان‏..)‏ نجدها في‏ (شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي‏)، حيث منازلة كل من‏:‏ حافظ إبراهيم‏، وحفني ناصف‏، وإسماعيل صبري‏، ومحمد عبد المطلب‏، والسيد توفيق البكري‏، وعبد الله فكري‏، وعبد الله نديم‏، والليثي‏، ومحمود سامي البارودي‏، وعائشة التيمورية‏، وشوقي‏، الذي رأي خلو شعره من الشخصية والنفس الممتازة‏، حتى عالي‏، فرأي أن بيتا واحدا من البحتري في الربيع ليساوي كل ما نظم شوقي في ربيعياته وريحانياته ومناظر النيل والبحور‏، كما ينكر تأثر الجيل التالي لشوقي به‏. بل يري تأثره بهم‏.
وإذا ما غادرنا غلو العقاد‏، وإسرافه في حنقه تجاه شوقي وجدناه أعظم أثرا‏، وأكثر جدوي‏، وأعم نفعا في سائر كتبه‏، وبخاصة فيما كتب من مقدمات دواوينه‏، ودواوين غيره‏، وخواتيمها‏، حيث أسس لفكر الديوانيين النقدي‏، وغيرها مما نصرف النظر عن رصده منعا للإطالة‏، كما أن ثقافته النقدية تحت جناح الرومانتيكية الإنجليزية‏، وبخاصة ما يتصل بالخيال‏، وتأثره ب كولردج‏، ووردزورث‏، وهازلت‏، وأضرابهما من الخمسة العظام فيما سماهم باورا‏، في إطار اتجاه مدرسة الديوان‏، مع ما يضفيه العقاد من تنوعه الثقافي الغزير‏، ذلك كله كان الوجه الحقيقي لإسهام العقاد في الدراسات الأدبية والنقدية فيما أصدر من أعمال يضيق المقام عن حصرها‏، وعرضها‏، وتحليلها‏، وفيها نجد الطابع الحقيقي للإسهام النقدي الجاد للعقاد ضمن كوكبة مدرسة‏ (الديوان‏)، من الاهتمام بآليات من المنهج النفسي‏، والتاريخي‏، والتحليلي‏، واللغوي‏، وهو ما أفاض في الحديث عنه كثير من الباحثين‏، ومنهم‏، على سبيل المثال‏:‏ محمد مندور فيما سبق‏، ومصطفي عبد اللطيف السحرتي في‏ (الشعر المصري المعاصر‏)، ورمزي مفتاح في‏ (رسائل النقد‏)، ومصطفي صادق الرافعي في‏ (علي السفود‏)، ومحمد غنيمي هلال في‏ (النقد الأدبي الحديث‏)، ومحمود الربيعي‏ (في نقد الشعر‏)، ومحمد خليفة التونسي في‏ (‏فصول من النقد عند العقاد‏)، وعبد القادر القط في‏ (الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر‏)، وأحمد هيكل في‏ (تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلى قيام الحرب الكبرى الثانية‏)، وعبد الحي دياب في دراساته عنه‏، وحلمي مرزوق في‏ (تطور النقد والتفكير الأدبي الحديث في مصر في الربع الأول من القرن العشرين‏)، ولدي غيرهم‏. وفي ذلك كله نري‏، على المستوى التطبيقي والنظري شعره‏، عدم التطابق بين الجانبين النظري والتطبيقي في نقده وشعره معاً‏، وذلك جانب آخر من الدراسة‏.
تعددت إسهامات العقاد‏، بين فنون الأدب والقول‏، تعددا ندر أن وجدنا مثيلا له في الحياة الأدبية‏، وهو إلى جانب هذا التعدد العام‏، يحيرك حين تقصر الحديث عنه في مجال خاص محدد‏، وهو الدراسات الأدبية والنقدية‏، نظرا لتنوع عطائه الثقافي تنوعا محيرا في حياته وبعد رحيله‏. الأمر الذي يثير التساؤل‏:‏ هل ندرسه من باب النقاد الشعراء‏، أو الشعراء النقاد؟‏ وقد أصدر أحد عشر ديوانا‏، وعشرات الدراسات‏، والكتب المتنوعة؟ أم ندرسه من حيث كونه ناقدا‏، وحينئذ نتساءل عن موقفه النقدي؟‏:‏ هل هو من الموضوعيين؟ أم من الانفعاليين العاطفيين؟‏ وهي حيرة‏، بلا جدال‏، تؤكد فردية هذا الرجل‏، وخصوصيته في مسيرته الطويلة منذ مولده في‏1964/3/12‏ حتى رحيله في‏1989/6/18‏ عبر خمسة وسبعين عاما‏، لم يكف فيها عن قراءة في مكتبة خاصة‏، تضم أربعين ألف مجلد‏، ولم ينصرف عن كتابة‏، أو عراك متنوع الجوانب والتخصصات‏.‏
ومحاولة الوقوف على منهجه في الدرس الأدبي والنقدي مرتبطة ارتباطا كبيرا بمراحل حياته‏، وأطوار إنتاجه‏، وتقلبات مزاجه‏، وفي عام‏1926، وفي خضم معركة‏ (الشعر الجاهلي‏)‏ لطه حسين‏، وجلبة المحتجين والمناهضين والثائرين‏، وقف العقاد معارضا‏، ودافع عن حرية الفكر والبحث العلمي‏، وكان ذلك استمرارا لموقف سابق له مع محمد فريد وجدي حول‏ (دائرة معارف القرن العشرين‏)، وحول الدين‏، ومستمدا من رأيه في العلاقة المتينة بين العلوم التي يرتبها على النحو التالي‏:‏ الأدبية‏، فالفلسفية‏، فالعلمية‏، وعلي النحو المتصل باستشرافه المستقبل حين كتب في هلال ديسمير‏1962‏ عن أسلوب الكتابة في المستقبل فتنبه إلى سمة السرعة في العصر القادم‏، ومرتبط بما صرح به عن حرصه على نظرة الشمول‏، والبحث عن المعاني الباطنية‏، التي كشف الحجاب عنها عثمان أمين في حديث عن الجوانية عنده‏. وقد نعجب حين نري تعدد وجهة نظر الدارسين فيه بين من يراه صاحب اتجاه علمي فلسفي‏، ومن يراه صاحب اتجاه نفسي‏، ومن يراه تأثريا‏، ومن يراه‏، من الفلاسفة‏، صاحب فلسفة جوانية متابعا كانط‏، ومن يراه‏، من المؤرخين‏، صاحب منهج تاريخي في عبقرياته وتفسيره للتاريخ‏، ومن يراه انفعاليا في كتابة التاريخ والسير الغيرية‏، وبخاصة حين يتحدث عمن يعاديه من معاصريه‏، بعكس حديثه عمن بعد العهد بينه وبينهم‏، ولعل هذا ما يتفق مع ما صنعه أمين الخولي في مقدمتي كتابيه‏ (‏مالك بن أنس‏:‏ ترجمة محررة‏، ومالك‏:‏ تجارب حياة‏)، مشيرا إلى منهج العقاد في العبقريات‏، وغيرها من السير الغيرية‏، وبعد أن يعرض الخولي لمراحل كتابة السير‏، تتضح مخالفته منهج العقاد‏، ومع ما لخصه محمد مندور في كتابه‏ (النقد والنقاد المعاصرون‏)‏ مركزا على فردية العقاد‏، وغلوه ومنها قوله‏:‏ العقاد من أولئك النفر القليل الذي يصح أن يقال فيهم مثلما قيل في المتنبي‏:‏ من أنه ملأ الدنيا وشغل الناس وأثار الصداقات والعداوات‏، وخاض المعارك في شجاعة وصلابة‏…
وإذا مضينا مع نماذج من خطوات البحث الأدبي عند العقاد وجدناه كما يهتم بمضمون أبيات شوقي في رثاء محمد فريد وبموازنته مع المعري ينعطف نحو الشعور والعاطفة والنفس‏، والتصوير‏، ويقول قولته الشهيرة‏:‏ فاعلم أيها الشاعر العظيم أن الشاعر من يشعر بجوهر الأشياء لا من بعددها ويحصي أشكالها وألوانها‏….، ويبحث عن روح الشاعر في كتابه‏ (اللغة الشاعرة‏.. مزايا الفن والتعبير في اللغة العربية‏)، كما نقف على المقدمة المهمة التي تصدرت كتابه‏ (ابن الرومي حياته من شعره‏)، وفيه يتجلى دور الدراسة الخارجية للأدب بربط العمل بسيرة صاحبه‏، وكونه مرآة صادقة لها‏، وبخاصة في الفصل الثالث المعنون‏ (حياة ابن الرومي كما تؤخذ من معارضة أخباره على أشعاره‏)، باحثا عما أسماه المزية التي لا غني عنها‏. والحق أن العقاد متنوع المنهج‏، لا تكاد تسلك طريقته في البحث الأدبي والنقدي في منهج واحد ذي طبيعة محددة‏، وذلك بسبب من التنوع الثقافي في قراءاته‏، كما يقرر‏، وكما هو الواقع‏، وكما يتجلى في إنتاجه منذ كتابه الأول‏ (‏خلاصة اليومية‏)‏ الذي صدر سنة 1912‏ في 112‏ صفحة‏، هذا التنوع المرتبط بنزعته الموسوعية حتى عد ظاهرة فكرية وثقافية حقاً.
عاقه التنوع‏، من ناحية‏، والغلو‏، من ناحية ثانية‏، عن التمسك بمنهج فني محدد في دراساته الأدبية‏، متفقين مع ما ذهب إليه مندور في تعليقه على موقف العقاد من شوقي‏، وعده‏:‏ جزءا من حملته العامة العنيفة على شوقي باسم التاريخ تارة‏، وباستخدام الأسماء التاريخية تارة‏، والناحية اللغوية تارة أخرى‏، حتى قال عنه‏:‏ إن هذا النقد قد جاء أبعد ما يكون عن أصول هذا الفن‏، التي يلوح أن الأستاذ العقاد لم يعن بدراستها دراسة مستفيضة‏،‏ لأنه لو كان معنياً بفن الأدب التمثيلي لوقع على عيوب فنية بالمسرحية‏، منتهيا إلى وصف نقده هذا‏، بقوله‏:‏ نقد العقاد الهدام‏. ونقف عند كتابه المشترك مع المازني‏ (الديوان في الأدب والنقد‏)‏ الصادر في يناير‏، وفبراير من سنة‏1921، وإعادة طباعة الجزأين بعد شهرين من صدورهما‏، دون وفاء بالوعد المسطور في المقدمة القصيرة باستكمال السلسلة الموعودة منهما في عشرة أجزاء‏!!!!، ونرجع إلى ما سبقه من تعليق العقاد الحاد على قصيدة شوقي في بطرس غالي في‏ (خلاصة اليومية‏)1912، م ظهور‏ (الديوان‏)‏ في شكل هجوم عنيف على أعلام من أدباء العصر يهمنا منهم الآن شوقي‏، الذي آخذه على غياب الوحدة العضوية‏، وقاس شعره بمقاييس فرعية بلاغية قديمة كالإحالة‏، والتقليد‏، ونقد مسرحية‏ (قمبيز‏)‏ دون إلمام بذلك الفن‏، وأشار العقاد سهامه لشوقي‏، ثم للرافعي‏، وسدد المازني نصاله إلى شكري والمنفلوطي‏.
استغرق الهجوم على شوقي‏، ، بعد المقدمة التي استغرقت صفحتين‏، الصفحات‏ (5‏ 56) أي‏51‏ صفحة في الجزء الأول‏، وكان الهجوم على شوقي في الجزء الثاني في‏54‏ صفحة بين‏ (115‏ و‏169)، ونال الرافعي ما في الصفحات‏ (170‏ 176)، وكان ذلك تحقيقا لهدف العقاد وزميله في تحطيم الأصنام‏، دون تحقيق لهدف نقدي نافع في مرحلة هي مرحلة التأسيس المهمة في العصر الحديث‏، هكذا غلب طابع المعارك‏، وما فيها من حدة‏، وما صاحب ذلك من انفراط عقد الجماعة المنتسبة إلى (الديوان‏)‏ الحامل للأسهم والنصال‏، والأفكار والخصال‏. وتلك الحدة في‏ (الديوان‏..)‏ نجدها في‏ (شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي‏)، حيث منازلة كل من‏:‏ حافظ إبراهيم‏، وحفني ناصف‏، وإسماعيل صبري‏، ومحمد عبد المطلب‏، والسيد توفيق البكري‏، وعبد الله فكري‏، وعبد الله نديم‏، والليثي‏، ومحمود سامي البارودي‏، وعائشة التيمورية‏، وشوقي‏، الذي رأي خلو شعره من الشخصية والنفس الممتازة‏، حتى عالي‏، فرأي أن بيتا واحدا من البحتري في الربيع ليساوي كل ما نظم شوقي في ربيعياته وريحانياته ومناظر النيل والبحور‏، كما ينكر تأثر الجيل التالي لشوقي به‏. بل يري تأثره بهم‏.
وإذا ما غادرنا غلو العقاد‏، وإسرافه في حنقه تجاه شوقي وجدناه أعظم أثرا‏، وأكثر جدوي‏، وأعم نفعا في سائر كتبه‏، وبخاصة فيما كتب من مقدمات دواوينه‏، ودواوين غيره‏، وخواتيمها‏، حيث أسس لفكر الديوانيين النقدي‏، وغيرها مما نصرف النظر عن رصده منعا للإطالة‏، كما أن ثقافته النقدية تحت جناح الرومانتيكية الإنجليزية‏، وبخاصة ما يتصل بالخيال‏، وتأثره ب كولردج‏، ووردزورث‏، وهازلت‏، وأضرابهما من الخمسة العظام فيما سماهم باورا‏، في إطار اتجاه مدرسة الديوان‏، مع ما يضفيه العقاد من تنوعه الثقافي الغزير‏، ذلك كله كان الوجه الحقيقي لإسهام العقاد في الدراسات الأدبية والنقدية فيما أصدر من أعمال يضيق المقام عن حصرها‏، وعرضها‏، وتحليلها‏، وفيها نجد الطابع الحقيقي للإسهام النقدي الجاد للعقاد ضمن كوكبة مدرسة‏ (الديوان‏)، من الاهتمام بآليات من المنهج النفسي‏، والتاريخي‏، والتحليلي‏، واللغوي‏، وهو ما أفاض في الحديث عنه كثير من الباحثين‏، ومنهم‏، على سبيل المثال‏:‏ محمد مندور فيما سبق‏، ومصطفي عبد اللطيف السحرتي في‏ (الشعر المصري المعاصر‏)، ورمزي مفتاح في‏ (رسائل النقد‏)، ومصطفي صادق الرافعي في‏ (علي السفود‏)، ومحمد غنيمي هلال في‏ (النقد الأدبي الحديث‏)، ومحمود الربيعي‏ (في نقد الشعر‏)، ومحمد خليفة التونسي في‏ (‏فصول من النقد عند العقاد‏)، وعبد القادر القط في‏ (الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر‏)، وأحمد هيكل في‏ (تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلى قيام الحرب الكبرى الثانية‏)، وعبد الحي دياب في دراساته عنه‏، وحلمي مرزوق في‏ (تطور النقد والتفكير الأدبي الحديث في مصر في الربع الأول من القرن العشرين‏)، ولدي غيرهم‏. وفي ذلك كله نري‏، على المستوى التطبيقي والنظري شعره‏، عدم التطابق بين الجانبين النظري والتطبيقي في نقده وشعره معاً‏، وذلك جانب آخر من الدراسة‏.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.