مرت أمس الاثنين، الذكرى ال62 على وفاة رائد الأدب الساخر فى مصر والشاعر والروائى إبراهيم عبد القادر المازنى، والذى توفى عام أول أغسطس عام 1949 وولد بالقاهرة 1890. يعتبر المازنى رائداً لأدب السخرية فى الكتابة العربية الحديثة، ولكن لا يمكن بحال من الأحوال أن نشبه سخرية "المازنى" بما يعرف الآن بالأدب الساخر، فسخرية المازنى نابعة من مأساته الكبيرة، والتى لا تتوقف عند العيوب الخلقية والإعاقات التى بلاها به الله وسخر منها هو نفسه، ولكنه وهو الشاعر الرومانسى الذى اطلع على الآداب والفلسفات الغربية كان يشعر بمأساة الإنسان، خصوصاً فى بداية القرن ال19، ونظره الدائم فى مصير الكائن الإنسانى الذى ينتهى بالفناء دائما، وكان المازنى يسكن قريباً من صحراء الإمام، وكان يمر على المقابر يوميا، وتعرض فى أحد المواقف لسقوطه فى أحد هذه القبور وظل بها أياما، وهو ما أثر فى حياته وفى كتاباته، ولا عجب أيضا إن كان المازنى هو الوريث الشرعى والأول لأدب الشاعر العربى الكبير والمتشائم والساخر الأكبر ابن الرومى، والذى كتب المازنى عنه مجموعة من المقالات التى تعد أفضل ما تماس مع معاناة ابن الرومى، فبعيداً عن التحليل النفسى للعقاد عنه، توصل المازنى لما يجمعه بالشاعر العربى وجلاه فى كتابه "حصاد الهشيم". ارتبطت بداية المازنى الأدبية ببداية كال من رفيقيه عباس محمود العقاد وعبد الرحمن شكرى، الذين أسسوا مدرسة "الديوان"، والتى تعتبر رافداً كبيراً للتطور الشعرى العربى، خاصة كتاب "الديوان فى الأدب والنقد" الذى ألفه المازنى والعقاد، وأسسا فيه لمذهبهم الأدبى الجديد والذى يقوم على الكتابة الذاتية، وشنا فيه هجوماً شديداً ولاذعاً وساخراً على الشاعر المصرى الكبير أحمد شوقى وزميله حافظ إبراهيم رموز مدرسة "الإحياء والبعث"، وكذلك شنوا هجوماً شديداً على كتابات المنفلوطى والرافعى، ولا عجب أيضاً أن تنال سخرية المازنى من زميله فى مدرسة الديوان الشاعر الكبير عبد الرحمن شكرى، والذى اتهم المازنى بأنه يسرق شعره من الشعر الأوروبى، وإن كان فى اتهام شكرى للمازنى به الكثير من الصحة، إلا أن المازنى شن هجومه على شكرى وعلى شعره، مما جعله يكتئب وأدخلته فى عزلة كبيرة بعد ذلك. يعتبر المازنى من أوائل من كتبوا قصيدة التفعيلة على المستوى العربى، وهو المعروف عنه التصرف فى الأوزان الخليلية المعروفة، حيث تعتبر قصيدة "أين أمك" من أول النصوص التى كتبت بهذا الشكل الجديد فى هذا الوقت، ولكن الشعر لم يكن لينصف المازنى فاتجه للكتابة النثرية، والتى كان له فيها إسهام مهم جدا فى الرواية والقصة القصيرة، فهو صاحب روايتى "إبراهيم الكاتب" و"إبراهيم الثانى" واللتين التى تعدان من أول الروايات العربية المكتملة. من أهم كتب المازنى: "ديوان المازنى" و"قبض الريح" و"صندوق الدنيا" و"خيوط العنكبوت" و"فى الطريق" و"حصاد الهشيم". فى إحدى ترجمات المازنى التى كان يصوغها شعراً يقول: أيها الزائر قبرى اتل ما خطَّ أمامك ها هنا سكنت عظامى ليتها كانت عظامك ومن قصيدة "لم يدع لى البلا إلا كما" يقول: كنت للهو قد صرت وما أنت إلا طيف أيام العذاب أوصدوا الأبواب بالله ولا تدعوا العين ترى فعل البلى وامنعوا دار الهوى أن تبذلا إن للدار علينا ذمما وقبيح خونها بعد الخراب