حجر رشيد.. سُمي بهذا الاسم لاكتشافه في مدينة رشيد الواقعة في دلتا النيل، ونقش الحجر في عام 196 ق.م تخليداً لذكرى الملك بطليموس الخامس، من خلال نقش محضر تنصيب الكهنة الملك بطليموس الخامس، وتعريف العالم بتأسيس حكم الملوك البطالمة، والاعتراف ببطليموس ملكاً على مصر. وتظهر على الحجر نقوش ثلاثة نصوص: النص العلوي يحتوي على اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة، واللغة الديموطيقية في الجزء الأوسط. وفي الأسفل اللغة اليونانية القديمة (الإغريقية). ويقدم النقش نفس المعنى في جميع النصوص الثلاثة مع بعض الاختلافات الطفيفة بينهم. وكان تفسير نقوش الحجر مفتاحاً لفهم الكتابة الهيروغليفية والتاريخ المصري القديم. ويحتوي الحجر على 36 سطراً من النص الهيروغليفي، و73 من النص الديموطيقي، و74 من اليوناني، ويبلغ طول حجر رشيد 112,3 سم و75,7 سم عرضاً، ويزن حوالي 760 كجم. ويعتبره بعض العلماء جزءًا من مسلة أكبر لم يتم العثور على بقاياها. ويقدّر الخبراء طول الحجر فعلياً بحوالي 149 سم، لا سيما أن هناك 14 خطاً من النص الهيروغليفي مفقود الأجزاء. كما أن النص اليوناني يحتوي على 54 خطاً: أول 27 خطاً بحالة جيدة، والباقي مجزأ على نحو متزايد بسبب انقطاع قطري في أسفل اليمين من الحجر. وتمّ اكتشاف حجر من الجرانيت الأسود في عام 1799م على يد ضابط فرنسي يُدعى «بيير فرانسوا بوشار»، وكان ضمن الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت، وكان وقتها يمثّل لغزاً كبيراً لدى العلماء، لعدم قدرتهم على فك رموز اللغة القديمة، وبالتالي تمّ تداول الحجر بين المتاحف والعلماء الأوروبيين. وفي عام 1801م هزمت القوات البريطانية القوات الفرنسية في مصر، واستولت بريطانيا على الحجر الأصلي ونُقل إلى لندن، وتمّ عرضه على الملأ في المتحف البريطاني منذ عام 1802م، ويُعدّ هذا الحجر من أكثر الآثار زيارة في المتحف البريطاني. وكانت دراسة الحجر جارية، وكان أول ترجمة كاملة من النص اليوناني ظهرت في عام 1803، لكنها لم تكن كاملة حتى استطاع عالم المصريات الفرنسي «جان فرانسو شاملبيون» فك رموز الحجر في باريس عام 1822م، واستغرق مع فريق البحث وقتاً طويلاً قبل قراءة النقوش المصرية القديمة بثقة العلماء، وبهذا الكشف أصبح حجر رشيد مفتاحاً رئيسياً لفهم الأدب والحضارة المصرية القديمة. وعند دخول القوات البريطانية مصر وهزيمة الجيش الفرنسي، نشأ خلاف بين البلدين حول مصير الاكتشافات الأثرية والعلمية الفرنسية في مصر، بما في ذلك مجموعة من القطع الأثرية والعيّنات البيولوجية والملاحظات والخطط والرسومات التي تمّ جمعها من قِبَل أعضاء البعثة العلمية الفرنسية، ورفضت بريطانيا تماماً خروج أي قطعة أثرية مصرية مع القوات الفرنسية، وهو ما دفع باريس إلى التهديد بحرق كل ما لديهم من اكتشافات، وهو ما دفع لندن إلى الموافقة على خروج بعض العيّنات الأثرية المصرية فقط، وحاولت فرنسا ادعاء ملكيتها لحجر رشيد. ولكن في نهاية المطاف تمّ التوصل إلى اتفاق وقعه ممثلون عن القوات البريطانية والفرنسية والعثمانية حول كيفية إدارة الآثار المصرية. ولكن بطريقة أو بأخرى نجحت بريطانيا في الحصول على الحجر وتهريبه إلى لندن. ويقول د. وائل عبدالله، خبير علم المصريات: إنه قبل اكتشاف حجر رشيد وفك الرموز، لم يكن هناك فهم اللغة المصرية القديمة والكتابة منذ ما قبل سقوط الإمبراطورية الرومانية. وتابع: بحلول القرن الرابع الميلادي كانت هناك فئة قليلة من المصريين قادرة على قراءة الكتابة الهيروغليفية، نظرًا إلى أنّ استخدام الكتابة الهيروغليفية توقّف بعد إغلاق جميع المعابد غير المسيحية في عام 391م من قِبَل الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول، ولذلك وجد العلماء صعوبة كبيرة عند اكتشاف الحجر في تفسير النقوش المكتوبة عليه. ويوضح أن النص اليوناني على حجر رشيد كان نقطة البداية لدى العلماء الأوروبيين، وخاصة أن اليونانية القديمة كانت تُستخدم على نطاق واسع بين العلماء، ولكن تفاصيل اللغة في الفترة الهلنستية كلغة الحكومة في مصر البطلمية لم تكن مألوفة، وبالتالي فإنّ ترجمة النص اليوناني على الحجر كانت بشكل أقرب للمصطلحات الإدارية والدينية. ويستكمل قائلاً: بالنسبة للغة الديموطيقية على الحجر فإنها كانت متشابهة إلى اللغة القبطية القديمة. وحاول العلماء بالمقارنة بالنص اليوناني تحديد وتفسير الأسطر الديموطيقية على حجر رشيد. في المقابل، كانت اللغة الهيروغليفية في تناقض حاد مع نظيرتها اليونانية والأبجدية اللاتينية، وكانت اللغة المصرية القديمة عائقاً أمام العلماء لفك طلاسم الرموز. لكن تمّ اكتشافها تدريجياً من خلال سلسلة من العلماء، وكان في مقدمتهم شامبليون الذي يُعدّ أول مَنْ طوّر قواعد اللغة المصرية القديمة وقاموس الهيروغليفية. ويؤكد أن مصر طالبت بريطانيا مرارًا وتكرارًا بعودة حجر رشيد إلى مصر، لأنه رمز الهوية والتاريخ المصري القديم والحديث، بالإضافة إلى أن الحجر يُعدّ واحدا من عدة عناصر رئيسية تنتمي إلى التراث الثقافي المصري الذي نهبه الغرب خلال فترات الاستعمار، مثل: تمثال الملكة نفرتيتي الموجود في المتحف المصري في برلين، وتمثال لمهندس الهرم الأكبر «حم إيونو» الموجود في متحف «رومر أوند بليزايوس» في هيلدسهايم بألمانيا، بالإضافة إلى قطع أثرية في متحف اللوفر في باريس. وأضاف: في عام 2005 قدّمت بريطانيا لمصر نسخة طبق الأصل لحجر رشيد، من حيث النقوش الموجودة وطول وعرض وسُمك الحجر.