و"الاستغلال الجنسي والإكراه والترهيب الذي يتعرض له الموظفون الإنسانيون أو المستفيدون من المساعدات الإنسانية بهدف تحقيق مآرب سياسية أو اجتماعية أو تغيير نتائج تقييم معين أو تحويل عملية الاستهداف أو التسجيل لصالح مجموعة معينة أو تحويل المساعدات إلى مجموعات غير مستهدفة أصلا". الفساد أصله "تحول منفعة الشيء النافع إلى مضرة به أو بغيره"، وقد يطلق على وجود الشيء مشتملاً على مضرة وإن لم يكن فيه نفع من قبل، يقال: فسد الشيء بعد أن كان صالحاً. (1) إن ظاهرة الفساد العالمي تشكل إحدى أبرز العقبات التي تحول دون تقدم الشعوب وازدهارها، فضلا عن كونه اداة ملتوية يستخدمها ضعاف النفوس لسرقة الحقوق والمكتسبات للاخرين، واللافت في الامر ان الفساد تسلل الى العديد من الحكومات والمنظمات الدولية الانسانية، بعد ان تم خرق القوانين المكافحة لذلك، ويبقي الأمل معلقا علي المنظمات الرقابية والاعلامية التي تفضح هذه الظواهر وتساعد علي محاكمة مرتكبيها. وقد أفادت منظمة الشفافية الدولية، بأن جهود الإغاثة الإنسانية مهددة بخطر الفساد، وقامت مؤخراً بإصدار دليل يساعد منظمات الإغاثة على مكافحة الفساد خلال الاستجابة للكوارث الإنسانية. ويشير الدليل إلى مجموعة من الأمثلة على التأثير السلبي الذي يلحقه الفساد بالمتضررين بكارثة ما، بما في ذلك حصول موظفي الإغاثة على خدمات جنسية مقابل الطعام في غرب إفريقيا، وقيام زعماء القبائل بتحويل المساعدات الغذائية عن أكثر المحتاجين لها في الهند عام 2001 وفي الصومال وجنوب السودان.. وأشارت منظمة الشفافية الدولية إلى أن المساعدات الإنسانية معرضة للفساد بسبب التدفق المفاجئ للمال والبضائع وضرورة التعجيل بإرسال المساعدات وهشاشة المؤسسات في البلدان المعرضة للكوارث التي تتفاقم بعد الكارثة. ويقدم الدليل، الذي تم نشره في فبراير الماضي، لعمال الإغاثة توصيات حول طريقة محاربة الفساد بما فيها كيفية متابعة الموارد والكشف عن تحويل المساعدات ومواجهة الظلم.. وجاءت فكرة كتابته إثر تسونامي عام 2004 عندما أدركت منظمة الشفافية الدولية أن المنظمات الإنسانية لم تكن تملك أية استراتيجيات أو أبحاث لمواجهة الفساد، فمعظم منظمات الإغاثة كانت على وعي بمشكلة الفساد إلا أنها "لم تكن تعترف بها"، ورؤساء المنظات كان موضوع الفساد يحرم الحديث عنه. (2) وتحت عنوان "مكافحة الفساد في مجال المساعدات الإنسانية" صدر تقرير جديد عن منظمة الشفافية الدولية، ومركز فينستاين الدولي وجامعة تافتس ومجموعة السياسة الإنسانية بالمعهد البريطاني لتنمية ما وراء البحار.. وقد حث التقرير الوكالات الإنسانية على تكثيف الجهود والتعاون لتقليص مختلف أنواع الفساد الذي من شأنه عرقلة سير توصيل المساعدات الإنسانية وتشويه سمعة المؤسسات الإنسانية القائمة على هذه العملية. كما أشار هذا التقرير -الذي ارتكز على أبحاث شملت سبع منظمات غير حكومية دولية رئيسية- إلى أن هناك "القليل فقط من الإدراك بمدى الفساد المتفشي في مجال المساعدات الإنسانية وبالعواقب الناجمة عنه، والقليل فقط أيضا من المعلومات المشتركة حول طرق مكافحة الفساد في حالات الطوارئ باستثناء بعض الممارسات القياسية النادرة.. بالإضافة إلى اعتبار الحديث في هذا الموضوع من المحظورات والشعور بالإحراج في مواجهة هذه الظاهرة بشكل علني". إن الممارسات الفاسدة، على خلاف الاعتقاد السائد، تمتد إلى ما وراء الاختلاسات المالية لتشمل العديد من مظاهر "سوء استغلال النفوذ والسلطة" مثل المحاباة والمحسوبية و"الاستغلال الجنسي والإكراه والترهيب الذي يتعرض له الموظفون الإنسانيون أو المستفيدون من المساعدات الإنسانية بهدف تحقيق مآرب سياسية أو اجتماعية أو تغيير نتائج تقييم معين أو تحويل عملية الاستهداف أو التسجيل لصالح مجموعة معينة أو تحويل المساعدات إلى مجموعات غير مستهدفة أصلا". وأشار التقرير إلى أنه "قد يكون هناك في بعض الأحيان تغيير سريع ومتواصل للموظفين المسئولين عن الإشراف على سير العملية الإنسانية، بحيث لا يبقى منهم سوى القليل فقط الذي يستمر على الأرض لمدة كافية لتكوين فكرة واضحة وفعالة عن بيئة العمل تمكنهم من تخفيف بعض المخاطر المرتبطة بالفساد". كما أوصى التقرير ذاته الوكالات الإنسانية باتخاذ عدد من الإجراءات لمكافحة الفساد، تتمثل في: تشجيع الموظفين على مناقشة ظاهرة الفساد وتبليغهم عن حالات حدوثها، وإدراج موضوع الفساد في برامج التدريب واستراتيجيات الاستعداد للطوارئ وخفض الأخطار، وضمان تطبيق السياسات الخاصة بالفساد في المكاتب الميدانية وتكييفها مع بيئة الطوارئ، وتشجيع شفافية المعلومات ومراقبة البرامج والتعاون بين الوكالات. (3) من ناحية أخري قال تقرير داخلي بالأممالمتحدة: إن بعثات المنظمة الدولية في عدد من المناطق المضطربة في العالم، تجاهلت الإجراءات المالية وعدم الالتزام بالإجراءات المتبعة المتفق عليها وسوء التخطيط والإدارة غير الفعالة. وأظهر تقرير أعلنه مكتب خدمات الإشراف الداخلي، الذي يغطى عام 2009، وجود ثغرات في العمليات داخل سلسلة من الدول إلا أنه ركز على وجه الخصوص على السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية والعراق. فيما كشف تحقيق أجرته bbc أن ملايين الدولارات من مساعدات الدول الغربية لإثيوبيا إبان مجاعة 1984-1985 قد حوّلها المتمردون لحسابهم من أجل شراء الأسلحة.. ويراقب منتقدو المنظمة الدولية عن كثب تقارير سوء الادارة خاصة في الولاياتالمتحدة أكبر مساهم في ميزانية الاممالمتحدة والذين يقولون إن الإهدار والفساد يشيعان في المنظمة. وفي منطقة دارفور غرب السودان، التي تشيع بها الفوضى انتقد التقرير -الذي أمرت الجمعية العامة التابعة للامم المتحدة باعداده- يوناميد لدفعها 4.7 مليون دولار إضافية لمتعاقد للوقود بسبب عدم التحقق من الفواتير بشكل ملائم. كما حقق مكتب خدمات الإشراف الداخلي في مزاعم عن ممارسات جنسية غير لائقة من جنود الأممالمتحدة من بلد لم يكشف عنه في الكونغو ووجد أدلة مبدئية على أن البعض استغل قصر جنسيا وأساءوا معاملتهم في عدد من مخيمات اللاجئين بين 2007 و2009. وفي العراق وجد مكتب خدمات الإشراف الداخلي أن بعثة الاممالمتحدة، التي تتكون من أفراد مدنيين فقط منحت عقدا قيمته ثلاثة ملايين دولار لتركيب وسائل حماية في مساكن العاملين بناء على عرض واحد.. وقال التقرير إن البعثة رفضت الحديث عن سبب عدم وجود عدة عروض متنافسة. وفي جمهورية إفريقيا الوسطى كانت هناك ثغرات في أشكال الرقابة الداخلية عرضت موارد الاممالمتحدة لمخاطر "الاحتيال والإهدار وسوء الإدارة". وأفاد التقرير ذاته الذي رُفع إلى مجلس الأمن الدولي بأن شركاء محليين فاسدين سرقوا قرابة نصف المساعدات التي توزعها المنظمة الدولية في الصومال، إلا أن مسئولاً في برنامج الغذاء العالمي نفى ذلك. وذكر التقرير الذي وضعته مجموعة المراقبة التابعة للأمم المتحدة حول الصومال "أن برنامج الأغذية العالمي هو المزود الرئيسي للغذاء إلى الصومال، مع موازنة بقيمة 485 مليون دولار، وينشط برنامج الأغذية العالمي منذ أكثر من عشرين سنة في الصومال، وفي بلد يعيش حربا أهلية شبه يومية منذ 1991 وحيث الوضع الإنساني مأساوي، يقوم برنامج الأغذية العالمي بتقديم مساعدة لحوالى 2,5 مليون شخص خصوصا في وسط -جنوب الصومال- حيث يسيطر المتمردون الإسلاميون حركة الشباب، وبسبب الفلتان الأمني السائد في هذه المنطقة، يتولى شركاء صوماليون محليا مهمة نقل وتوزيع هذه المساعدة الإنسانية، التي تمثل حوالى 200 مليون دولار. وبحسب مصادر عدة مشاركة في شبكة التوزيع، "فإن نظام العمل يتضمن عددا كبيرا من إمكانيات الاختلاس".. واعتبر خبراء دوليون أن قرابة "30% من المساعدة اختلسها شركاء محليون لبرنامج الاغذية العالمي والعاملون في الوكالة التابعة للامم المتحدة و10% اختلستها مجموعات مسلحة تسيطر على المنطقة، وأن الاختلاسات التي تنظم بفضل التواطؤ بين المسئولين عن وسائل النقل البرية وشركاء محليين في برنامج الأغذية العالمي هي أحد الأشكال العادية للاحتيال.. لا سيما عندما تكون وسائل النقل البرية هذه ومنظمات شريكة ملكا للاشخاص أنفسهم". ويتقاسم ثلاثة رجال أعمال صوماليون وحدهم 80% من 200 مليون دولار من عملية توزيع المساعدات، وهي شبكة يسيطرون عليها منذ 12 عاما "مع عائلاتهم ومقربين شركاء".. والرجال الثلاثة الذين يديرون ميليشيات مسلحة يسيطرون بحكم الأمر الواقع على مرفأين استراتيجيين في جنوب الصومال (آل مان ومركا جنوب وشمال مقديشو)، باتوا يعتبرون اليوم "من بين الأفراد الأكثر ثراء ونفوذا" في البلاد. ورفض برنامج الأغذية العالمي هذا الرقم، معتبرا أن المتعاقدين الثلاثة الرئيسيين من الباطن لم يستفيدوا في 2009 إلا من 41,4 مليون دولار، أي 22% من موازنة إجمالية بقيمة 187 مليون دولار. وقال زعماء التمرد المسلح السابقون لمصادر صحفية إنهم مثلوا دور تجار، خلال لقاءات مع عمال إغاثة من أجل الحصول على أموال الإعانة، لاستخدامها في قلب الحكومة الإثيوبية آنذاك.. وقدر أحد زعماء التمرد السابق ب95 مليون دولار المبالغ التي حصل عليها المتمردون من أموال الحكومات الغربية وجمعيات الإغاثة ومن بينها باند إيد. وقد زعمت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ال "سي آي إيه" في تقرير لها نشر عام 1985 أن مبالغ المساعدات قد أسيء استخدامها وأنه من المؤكد تقريبا أن تلك الأموال قد حولت لأغراض عسكرية. وعلى الرغم من أن الأموال التي انهمرت على البلاد أنقذت الملايين من ضحايا المجاعة إثيوبيا، فثمة براهين تشير إلى أن تلك الأموال لم تذهب إلى من هم في أمس الحاجة إليها، حينها كانت الحكومة تواجه تمردين في منطقتين شماليتين هما إريتريا وتيجاراي. وكان معظم مناطق البلاد خارجة عن سيطرة الحكومة المركزية، لهذا نقلت مساعدات الإغاثة عبر السودان المجاور، وبعض هذه المساعدات كان عبارة عن مواد غذائية، فيما كان الباقي أموالا كان الهدف إنفاقها لشراء حبوب من المزارعين الإثيوبيين ممن كان لديهم فائض. (4) من المؤكد أن كل هذا لا يعني فساد كل منظمات الإغاثة الدولية، بل بعضها، أو ممارسات البعض منها، في ظل غياب الشفافية والتستر علي الأخطاء لحماية سمعة تلك المؤسسات التي تقوم بأدوار حيوية وإنسانية خطيرة ومؤثرة. وفي رأينا أن هذا الفساد المستشري تحت واجهة المساعدات الإنسانية.. وتجاهل القائمين عليها للإجراءات والرقابة المالية هو رافد حقيقي لجماعات العنف والأرهاب.. بدلا من اجتثاثها.. ثم بعد ذلك نسأل: من الذي يمول المسلحين والارهابيين؟