وحتي الآن تثبت الأيام أن أوراق اللعبة في الشرق الأوسط كلها في يد أمريكا سواءكانت الأوراق السلمية أو الحربية أو حتي الخداعية. ولكن يبقي السؤال الشائك: متي تضع واشنطن نهاية لهذه اللعبة التي أصبحت مملة ويزداد مللها كلما تعاقب علي كرسي الرئاسة في البيت رئيسا تلو الآخر. فلم يتمكن أي مبعوث أمريكي للشرق الأوسط من تحقيق أي اختراق لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المجمدة منذ نهاية 2008 بسبب تصلب وعناد الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بزعامة بنيامين نتانياهو وإصرارها علي فرض شروطها علي الجانب الفلسطيني لاسيما فيما يتعلق ب "يهودية إسرائيل" ورفض تجميد الاستيطان كليا وهو ما يرفضه الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" مؤكدا أنه لا استئناف للمفاوضات دون الوقف الكامل وليس الجزئي للاستيطان أو وضع الولاياتالمتحدة "نهاية للعبة" بمعني طرح رؤيتها لتسوية القضايا العالقة وفي مقدمتها القدس والحدود واللاجئون. ولم يخف أبو مازن قلقه من الغموض الذي يطبع الموقف الأمريكي لإدارة أوباما والتي لم تثبت علي مواقفها سواء فيما يتعلق بالتجميد الكامل للمستوطنات وهو ما رفضه نتنياهو.. أو حتي التهديد بتعليق المساعدات لإسرائيل وأكثر من هذا فقد عمدت إلي تخزين معدات عسكرية وأسلحة قيمتها 800 مليون دولار علي أراض إسرائيل تحسبا لمواجهة عسكرية محتملة ضد إيران علي خلفية برنامجها النووي المثير للجدل. والمؤسف أن الغموض الذي لفت نظر أبو مازن في الموقف الأمريكي لم يطل بنا الانتظار لفك طلاسمه فها هو مسئول رفيع بمكتب نتنياهو يسرب شفرته والتي كانت كالصاعقة عندما قال بالحرف الواحد إن جميع مناقصات البناء التي طرحتها الحكومة الإسرائيلية في القدسالشرقية تمت بعد التنسيق المباشر مع الإدارة الأمريكية مما يعني موافقتها عليه خلافا لموقفها المعلن الرافض لتوسيع المستوطنات علي الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عدوان 5 يونيو 1967 وأكثر من هذا قال المسئول الإسرائيلي الرفيع إن التنديد والإدانة التي يقوم بها مساعد أوباما بهذه المستوطنات هي من قبيل ذر الرماد في العيون أو علي حد قوله حرفيا لامتصاص غضب الفلسطينيين والعرب إنه صورة من صور التواطؤ الأمريكي مع الدولة العبرية في أبشع وأوضح صورة بما يسقط عنها قناع الراعي الرسمي للسلام أو المحرك للمفاوضات إذا ا ستثنينا أن يكون الهدف من وراء هذه المفاوضات تصفية ما تبقي من القضية الفلسطينية التي سقطت نتيجة لتناحر حماس وفتح علي كعكة السلطة الواهية. التسريب أو الاعتراف للمسئول الإسرائيلي هو طعن واتهام صريح لمصداقية أوباما الذي تعهد في خطابه الشهير للعالم الإسلامي بجامعة القاهرة بأن يتبني رؤية منصفة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي باعتباره مصلحة عليا تمس الأمن القومي الأمريكي ومصالح بلاده في الشرق الأوسط وحول العالم. ولم يعد من المقبول أن يمضي هذا الاتهام العلني الذي طيرته وكالة أنباء الشرق الأوسط دون أن نجد ردا تصحيحيا وتعليقا نافيا له من جانب أوباما أو مساعديه فيجب علي العرب والفلسطينيين ألا يأملوا خيرا في هذه أوباما مادامت بلاده قد ضبطت في حالة تلبس كاملة بجريمة البناء غير المشروع علي الأراضي المحتلة. ولحين غياب رد أمريكي علي اتهامات المسئول الإسرائيلي الرفيع فإن هذه الاتهامات تظل مصدقة من جانبنا كما أن هناك من يدعمها علي أرض الواقع فليس مهما للفلسطيني الذي يعاني اختلال المعايير في الضفة الغربية ولا الذي يتضور جوعا ومرضا بتأثير حصار غزة أن يأتي مبعوث سلام أمريكي إلي المنطقة أو لا يأتي الذي يعنيه هو إزالة هذه الحواجز ورفع الحصار الذي تحول إلي أداة عقاب جماعي لنحو 1.5 مليون فلسطيني يعيشون في سجن مفتوح علي مرأي ومسمع من العالم كما يقول تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية. إن حصيلة العام الماضي مع أوباما تشير بأن القضية الفلسطينية باتت مخدرا يستخدمه قادة العالم لتمرير سياساتهم في المنطقة ولخداع الأنظمة العربية فعندما خطط بوش الأبن لغزو العراق رفع شعاره "الطريق إلي القدس يمر من بغداد" ويبدو أن الشعار تحول مع أوباما إلي "الطريق إلي القدس يمر عبر طهران وكابول وصنعاء" والمعني أن أوباما أو غيره من الرؤساء الأمريكيين ليس معنيا بحل الصراع العربي الإسرائيلي إلا من زاوية تحقيق مصالح بلاده والتي تتركز الآن في احتواء التهديد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني علي مصالح واشنطن وإسرائيل في المنطقة وكذلك التهديد الذي تمثله إيران علي نفط الخليج والوجود العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان وبالتالي فإنه يكفي أن يرسل مبعوثه أو وزيرة خارجيته بين وقت وآخر إلي العواصم العربية وثيقة الصلة بالملف الفلسطيني لإعطاء بعض " المسكنات " وآخرها ما تسرب عن خطة من عامين لحل الصراع وإقامة دولة فلسطينية لضمان حشد العرب ودول الخليج تحديدا إلي جانبه في المواجهة مع إيران واليمن والعراق وبعدها يحلها الحلال تماما مثل بوش الأبن الذي تنصل من تنفيذ وعده بإقامة دولة فلسطينية كما كانت تنص خارطة الطريق ونقله إلي عام 2005 دون أن يضمن بقاءه في البيت الأبيض لأن أحدا لم يكن واثقا من فوزه بولاية ثانية علي حساب منافسه الديمقراطي جون كيري. وباستبعاد نظرية المؤامرة وبافتراض حسن النية فإن الكلام عن خطة زمنية مدتها عامان لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تبدو غير عملية لاعتبارات عديدة في مقدمتها غياب الضغط الأمريكي الفاعل علي الشريك الإسرائيلي ولسابق فشل مفاوضات عام كامل عقب مؤتمر أنابوليس في إحراز أي تقدم ولكون حالة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني لا تسمح بتسوية فلسطينية مشرفة ولأن كل المؤشرات تؤكد أنه يستحيل علي أي مفاوض فلسطيني أن يقبل ما سبق أن رفضه الزعيم الراحل ياسر عرفات من " كامب ديفيد2"، وفوق هذا كله تبدو "أجندة" أوباما مثقلة بملفات ليس في مقدمتها القضية الفلسطينية فهناك مستنقع أفغانستان وباكستان وقضية الانسحاب من العراق والضغط علي إيران وربما مواجهتها عسكريا.