انتهت اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس الشورى "الغرفة الثانية"، من مشروع قانون الصكوك الإسلامية، ومن أهم المحاور التي أقرتها المذكرة الإيضاحية، أن يكون قانونًا موحدًا وشاملًا لكافة الإصدارات الحكومية والخاصة، ويستهدف "الصك" سد جزء من الفجوة التمويلية داخل منظومة الاقتصاد الوطني من خلال المساهمة في تمويل المشروعات والأنشطة الاستثمارية المتعددة، بجانب إصدار الصك في شكل شهادة إلكترونية، ويحق لمالكها استخدامه في البيع والرهن والهبة، كما حظر القانون استخدام الأصول الثابتة المملوكة للدولة ملكية عامة أو منافعها لإصدار صكوك حكومية في مقابلها، إلا بقرار من مجلس الوزراء بناء على عرض من وزير المالية، ويجب تقييم الأصول الحكومية ومنافعها بمعرفة لجنة يصدر تشكيلها بقرار من رئيس مجلس الوزراء، وتعتمد توصياتها من المجلس نفسه، وتباينت ردود أفعال خبراء اقتصاديين مصريين حول إصدار قانون الصكوك، حيث يرى البعض أنه بمثابة رهن لأصول الدولة والمواطنين، وخطورته تكمن في وضع أصول مصر وملكيات الدولة على المحك لجهات خارجية قد يكون وراؤها أو من يمولها أعداء للوطن، ويرى آخرون أن القانون هدفه استقطاب المكتتبين داخليًّا وخارجيًّا للنهوض بالاقتصاد ومحاولة سد عجز الموازنة؛ نظرًا لأن السوق غير مؤهل لشراء أذونات بالعملة المحلية؛ بسبب المخاوف من استمرار انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية. د. أحمد السيد النجار الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية قال: إن إصرار الحكومة على طرح قانون الصكوك الإسلامية يعد بمثابة خصخصة القطاع العام للدولة من جهات داخلية وخارجية، قد تكون ممولة من أعداء الوطن سواء أكانت "دولًا أو شخصيات سياسية"، لافتًا إلى أن النظام الحالي وضع على كل قراراته السياسية والاقتصادية كلمة "إسلامي"؛ حتى يتم إقبال المواطنين على الشراء، رغم أن المضمون الحقيقي للقانون هو الخصخصة، كما أن القانون يسمح للمستثمر الأجنبي بجمع أموال المصريين عبر الصكوك لتمويل استثماراتهم في مصر، وقد يأتي المستثمر بدون أي "دولار" ويطرح شركته "الوهمية أو الحقيقية" أمام المصريين للشراء وسيحصل على أموالهم لتمويل استثماراتهم أو للهرب بها خارج البلاد، واصفًا الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين أنهم يحاولون استغلال الدين لتمرير اقتراضها عبر الصكوك، وسوف تكبل به الحكومات والأجيال المقبلة لسنوات قادمة. رأسمالي أم إسلامي ومن جانبه أوضح د. حمدي عبد العظيم أستاذ الاقتصاد السياسي ، أن القائمين على إدارة البلاد كان يجب عليهم منذ كتابة الدستور الجديد أن يضعوا تعريفًا محددًا للاقتصاد المصري سواء كان "رأسماليًّا أو إسلاميًّا"؛ حتى يعرف العالم الخارجي طبيعة السوق الذي يود الاستثمار داخله، موضحًا أن إصدار صكوك مصرية في البنوك العالمية من شأنه إنعاش الاقتصاد المصري بعد انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، وتعتبر ماليزيا أكبر سوق للصكوك الإسلامية على مستوى العالم، حيث تستأثر وحدها على حوالي 63% من السوق العالمي، تليها منطقة الخليج العربي بنسبة 32% من الإصدارات العالمية، مؤكدًا بأن الصك المصري الإسلامي سيدفع الحكومات الخليجية والعربية للشراء مثل الصناديق الإسلامية العربية والبنوك الإسلامية وصندوق النقد العربي، مما سيدفع الحكومة المصرية إلى تمويل المشروعات الكبرى داخليًّا، بشرط عدم استخدام عائدها في الإنفاق الاستهلاكي أو تمويل النفقات الجارية في الموازنة العامة للدولة، مشددًا على ضرورة عدم جواز تخصيص ملكية عامة للشعب لأي فئة لوجود إمكانية تكرار عملية بيع الصك ونقل الملكية إلى آخرين؛ مما يهدد الأمن القومي المصري، حتى لو سمح القانون بتشكيل لجنة من رئيس مجلس الوزراء أو وزير المالية. بينما أكد د. هاني سري الدين، رئيس هيئة سوق المال السابق، أن خطورة مشروع الصكوك الإسلامية هو ربط حق الانتفاع لجهات معينة بأصول عامة قائمة بالفعل وليس قصرها على المشروعات الجديدة التي يمكن للدولة الاستفادة بتمويلها عبر صكوك التمويل، ولذلك لا يجوز مطلقًا أن يتمتع أي مستثمر أجنبي بأصول الشعب العامة بأي شكل من الأشكال، ما يعد إخلالًا بقواعد ومبادئ القوانين العامة للدولة، واصفًا استخدام الغطاء الديني في الترويج لمشروع القانون بأنه خداع سياسي وتجارة باسم الدين ضد المصالح العامة، مطالبًا الدولة استخدام الصكوك على الوجه الأمثل من خلال طرحه كأداة استثمارية وليست أداة اقتراض حتى تتوافق مع الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى أن الحكومة ومجلس الشورى "الغرفة الثانية" كان يجب عليهما قصر إصدار الصكوك لتمويل المشروعات الجديدة المدرجة بالموازنة العامة للدولة، وتنمية خطط ومشاريع الحكومة في المرافق والبنية التحتية، كما أن تلويح الحكومة بقدرة الصكوك على جذب مليارات الجنيهات في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تشهدها البلاد نوع من العبث الاقتصادي؛ نظرًا لعدم إمكانية توافر العوامل الرئيسة لإنجاح تلك الأداة الاستثمارية وأهمها تقييم أصول الدولة الذي سيكون بأقل قيمتها السوقية؛ بسبب انخفاض التصنيف الائتماني للبلاد وبعض بنوك الدولة. وفي رأي ماجد شوقي رئيس البورصة المصرية الأسبق، أن المشروع لم يوضح كيفية التعامل مع المستثمر أو مصدر الصك في حال عدم التزامه بسداد من قاموا بشراء الصك، وهو ما يعني تعرض أصول الدولة للرهن أو تحول ملكيتها إلى طرف آخر قادر على سداد أصحاب الصكوك، وهو ما يهدد - فعليًّا - الأمن القومي المصري ويشكل تكلفة اقتصادية على المدى الطويل للأجيال القادمة، مشددًا على ضرورة إصدار صكوك حكومية للبنوك أو المستثمرين لتمويل مشروعات جديدة أو لتمويل عجز الموازنة وليس رهن أصول الدولة، وتكون هذه الصكوك الحكومية مضمونة من الدولة بقدر درجة التقييم المالي، وإذا لم تستطع الدولة سداد التزاماتها يكون للمستثمر حق الانتفاع بأحد مرافق الدولة، كما أن البنوك التي تقوم بشراء الإصدارات الحكومية من السندات أو الصكوك في حال تطبيق هذا المشروع ستستحوذ على أصول الدولة وتديرها لصالحها حال تخلف الدولة عن سداد التزاماتها، وهو ما يؤدي إلى ضمان العلاقة بين الطرفين تكاد لا تنتهي، متخوفًا من مشروع الصكوك الإخواني من أن ينتهي في يد مجموعة قليلة من رجال الأعمال ذوي القدرة المالية الكبيرة، وتصبح أصول الدولة ومرافقها تم خصخصتها بصورة غير مباشرة لصالح بعض المنتفعين والمقربين من الرئيس وجماعته. بينما أشار د. أحمد غنيم الخبير الاقتصادي، إلى أن مشروع الصكوك الإسلامية الاقتصادي لجماعة الإخوان المسلمين لا يختلف كثيرًا عن مشروع صكوك النظام السابق الذي طرحه للحوار المجتمعي وتراجع عنه بعد رفض الشارع والخبراء لفكرته، بينما إصرار وتعجل الإسلاميين في إصدار القانون يثير المخاوف من سيطرة الإخوان على أصول البلاد بالدستور والقانون، موضحًا أن رغبة أبناء التيار الإسلامي في وضع إستراتيجية لإنشاء بنوك إسلامية قد تساهم في خسائر للبنوك العادية، كما أن تطبيق الاقتصاد الإسلامي سوف يثير حفيظة المستثمرين على المدى الطويل، بالإضافة إلى أن رغبة الحكومة في طرح الصك الإسلامي بالعملة الأجنبية ستكون إحدى أدوات الاستدانة من الخارج بطريقة غير مباشرة، وفي حال عجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها سيحصل المستثمر على حق المنفعة بما يعني أن النظام الحالي يريد بيع مصر ومرافقها. وفي السياق ذاته أوضح د. يوسف إبراهيم مدير مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر، أن السوق المصري سوف يشهد سجالًا واسعًا بعد طرح الصكوك أمام المستثمرين فعليًّا؛ لأنها بديل حقيقي عن الاقتراض الخارجي والداخلي؛ نظرًا لأن الصكوك لا تضع مديونيات على الدولة، حيث تعتمد على فكرة المشاركة في الربح والخسارة وفقًا لعقد المضاربة، لافتًا إلى أن تطبيق الصكوك الإسلامية في السوق المصرية سوف يمكن الحكومة من تعبئة المدخرات، وسهولة تدفق الأموال للاستثمارات وتطوير المرافق، بجانب توسيع قاعدة سوق الأوراق المالية داخل وخارج البلاد، مؤكدًا أن مشروع الصكوك قد يكون بديلًا لقرض صندوق النقد الولي إذا نجحت الدولة في إدارته جيدًا وشارك فيها المصريون بشكل فعال للمساهمة في تنشيط السوق المالية في مصر، بشرط وجود أجهزة رقابية تمنع احتكار السوق لصالح رجال الأعمال من النظام الحالي أو السابق. ومن جانبه أكد د. محمد جودة، رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، أن الصك أداة ملكية محددة المدة، كما أن مجلس الشورى لم يقم بطرح مشروع الصكوك ليكون بديلًا عن الأسهم والسندات العادية نهائيًّا، ولكنه مجرد حل للنهوض بالاقتصاد وسد عجز الموازنة وتمويل بعض المشروعات التنموية في البلاد، موضحًا أن الحكومة حظرت من تصكيك أي أصول حكومية مملوكة للدولة أو التمليك للأجانب، حتى لا يتم وضع أصول الدولة تحت تصرف جهات خارجية غير معروف توجهاتها وانتماءاتها السياسية، بالإضافة إلى أن الحكومة الحالية قدمت أقصى ما لديها للإصلاح الاقتصادي ولم تنجح؛ بسبب الوضع السياسي المرتبك داخليًّا، ولذلك سيعمل الرئيس وفقًا للدستور على تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية؛ لكي تستطيع تنفيذ خطة الإصلاح النقدي والمالي في برنامج الرئيس "محمد مرسي"، مشددًا على ضرورة سعي حكومة د. هشام قنديل في إنهاء اتفاقية صندوق النقد الدولي؛ لإنعاش الاحتياطي النقدي، وسد جزء من عجز ميزان المدفوعات، وتخفيف الضغط على سعر صرف الجنيه المصري.