تراجعت مؤشرات أداء الاقتصاد المصري بدرجة كبيرة بعد ثورة 25 يناير، متأثرة بضعف الإنتاج، وتزايد حالات الانفلات الأمني، ورغم حالة التفاؤل التي كست وجوه المصريين بعد سقوط نظام الرئيس السابق "حسني مبارك" إلا أن الأحوال المعيشية والاجتماعية لم يطرأ عليها التحسن المأمول على الواقع الاقتصادي، بل العكس هو ما تحقق، حيث تراجع احتياطي النقد الأجنبي، وزاد العجز بميزان المدفوعات، وانكمشت تعاملات البورصة، وارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ، لكن يرى خبراء اقتصاديون مصريون أن الصورة السلبية للاقتصاد المصري والتي أدت إلى هروب المستثمرين العرب والأجانب، جاهزة للانطلاق وتحتاج فقط إلى استكمال بنية النظام السياسي والتفاعل مع الشارع وتحقيق العدالة الاجتماعية. كما أن صندوق النقد الدولي ينظر بكل ثقة إلى اقتصاديات المنطقة العربية بشكل عام على أنها مناطق نمو كبرى، وينظر إلى دول الربيع العربي مثل: "مصر، وتونس بشكل خاص"، كذلك الدول التي من المتوقع أن تلحق بها الظروف نفسها على أنها مناطق تشهد إصلاحات سياسية كبيرة، يترتب عليها إصلاح اقتصادي ينعكس على الأفراد ويتيح لهم الاستفادة من ثمار النمو. وبدوره توقع د. حمدي عبد العظيم، الخبير الاقتصادي، في حالة عودة الاستقرار السياسي، أن تحدث طفرة كبيرة في الاستثمار المشترك بين قطاع الأعمال العام والقطاع الخاص، وأن تزداد فرص العمل نتيجة هذا الاستثمار وبالتالي ينخفض معدل البطالة، كذلك عودة السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر والصادرات إلى معدلاتها الطبيعية، موضحًا أن المخاوف من تراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي والتشكيك في حزمة الحوافز المالية للاقتصاد الأمريكي أدى إلى تراجع أسواق الأسهم الأمريكية والتي انعكست بدورها على أداء البورصات العالمية، ومن ثم البورصة المصرية التي تشهد فترة حرجة في تاريخها المالي؛ نتيجة للأوضاع السياسية المضطربة، فضلًا عن توقف الشراء من قبل الصناديق الاستثمارية، والبنوك والمؤسسات، وشرائح من المستثمرين، الأمر الذي أدى إلى عجز في ضخ استثمارات جديدة بالسوق المالي ما أدى إلى أزمة واضحة في السيولة، مؤكدًا أن تأثير الأحداث وحالات التوتر على البورصة ستكون وقتية، فهي ليست المرة الأولى التي تشهد فيها مثل هذه الاضطرابات منذ اندلاع الثورة. وأكدت دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تأثر عديد من القطاعات الاقتصادية الكبرى بالاضطرابات التي تقع بين الحين والآخر، على رأسها قناة السويس التي تعتبر المصدر الرئيس للنقد الأجنبي كذلك الاحتياطي النقدي في البنك المركزي وتحويلات المغتربين، فقناة السويس تعبرها آلاف السفن شهريًّا وتدر دخلًا سنويًّا كبيرًا، ولو حدث أي تهديد لهذه السفن فسوف تغير مسارها إلى اتجاه آخر، وهو ما ينذر بخسائر اقتصادية ضخمة، وتشير أيضًا إلى زيادة الأزمة خطورة مع وجود 12 منطقة صناعية في مصر تضم حوالي 717 مصنعًا تعتمد في تصريف منتجاتها على السوق الأمريكي "حسب اتفاقية الكويز" إلا أن هذه الاتفاقية تشترط أن يكون 10.5% من منتجات هذه المصانع من إسرائيل حتى يتم تصديرها إلى أمريكا. وأشارت الدراسة إلى أن قيمة إجمالي الصادرات المصرية إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية قد بلغت 1968.4 مليون دولار، منها 1966.2 مليون دولار قيمة الصادرات من المنسوجات والملابس الجاهزة وحدها بما يمثل 99.9% من إجمالي الصادرات في إطار اتفاقية الكويز. ولفتت إلى أن عدد المناطق الصناعية المؤهلة بلغ 20 منطقة تضم 717 مصنعًا، ويحظى إقليمالقاهرة الكبرى بأكبر عدد من المناطق الصناعية المؤهلة، حيث بلغ عددها 12 منطقة صناعية بها 415 مصنعًا بنسبة 57.9% من إجمالي عدد المصانع، ثم إقليمالإسكندرية ويضم 172 مصنعًا بنسبة 24% من الإجمالي، ويليه إقليم القناة فيوجد به ثلاث مناطق صناعية بها 82 مصنعًا بنسبة 11.4% من الإجمالي، وأخيرًا إقليم وسط الدلتا ويضم 4 مناطق صناعية بها 48 مصنعًا بنسبة 6.7% من إجمالي عدد المصانع، ومن أهم الأنشطة الإنتاجية داخل هذه المناطق وهي أنشطة الصناعات النسيجية، حيث بلغ عدد المصانع التي تنتج المنسوجات والملابس الجاهزة 570 مصنعًا بنسبة 79.5% من إجمالي عدد المصانع بهذه المناطق، وذلك لما تتمتع به مصر من مزايا نسبية في مجال صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة لتوفر المواد الخام والأيدي العاملة الرخيصة، وأيضًا مصادر الطاقة الرخيصة. ما زال "استثنائيًّا" ومن جانبه أوضح د. رشاد عبده الخبير الاقتصادي، أن اقتصاد ما بعد الثورة ما زال "استثنائيًّا"، وبعيدًا عن آليات السوق العالمي؛ بسبب توقف بعض القطاعات الاقتصادية، وخسائر البورصة التي لا تنتهي، وعدم وضوح الأوضاع السياسية غير المستقرة في البلاد بعد صعود الرئيس "محمد مرسي" لحكم البلاد، مؤكدًا أن ضياع وعدم تحديد هوية الاقتصاد المصري في الدستور سواء كان إسلاميًّا أو رأسماليًّا يقوم على تدخل الدولة، وعدم وجود قوانين تسمح للدولة بالتدخل لمواجهة ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، أدى إلى شعور المواطن بأن الأداء الحكومي بعد الثورة لا يختلف كثيرًا عن النظام السابق، مشددًا على ضرورة الاهتمام بالأمن والغذاء كخطوة أولى لتدفق الاستثمارات، وتلبية المطالب الفئوية التي يصطدم بها الرئيس، وضرورة خلق بيئة تنافسية للاستثمار الأجنبي وإلغاء المعوقات التي تجعل المستثمر يهرب قبل أن يقرأ شروط الاستثمار في مصر. وأضاف محمد المصري، وكيل اتحاد الغرف التجارية المصرية، أن غياب العدالة الاجتماعية أضاع على الدولة فرصة النهوض بالاقتصاد المصري بعد الإطاحة بالنظام السابق، وتمادي المجلس العسكري السابق والحكومات المتعاقبة في مماطلة المطالب والتظاهرات الفئوية، حيث كان الاقتصاد وقتها أفضل بكثير من بعد صعود الرئيس "محمد مرسي" للحكم، موضحًا أن نجاح اقتصاد مصر يعتمد على تحقيق أهم مطالب الثورة، وهو "العدالة الاجتماعية"، والتي لابد أن تتم ولن يستطيع المسئولون التهرب منها أو التنصل من المواطنين، ولإقرارها لابد أن يتم على مرحلتين، أولًا: تلبية مطالب محدودي الدخل وتوفير فرص عمل للعاطلين، ثانيًا: توفير قروض للشباب وتشجيع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، ثالثًا: لا يمكن تحقيق ما سبق إلا بوجود زيادة حقيقية في معدلات الإنتاج، لتحقيق العدالة الاجتماعية. ويرى د. أكرم بسطاوي، الخبير الاقتصادي بوزارة التجارة والصناعة السابق، أن الثورة المضادة تجد في افتعال الأزمات السياسية مجالًا خصبًا لإعاقة انطلاق الاقتصاد المصري، ومواجهة أية إصلاحات في منظومة الخبز المدعم، أو أسطوانات البوتجاز، أو رفع الدعم عن الطاقة، بالإضافة إلى رغبة المواطن المقهور منذ عقود في تعديل وضعه المادي أدى إلى رفع سقف مطالب العمال، وكأن الحكومة تملك عصا سحرية لحل هذه المشكلات المتراكمة، مشيرًا إلى أن وضع هوية اقتصادية للبلاد يسمح بالتحرك العاجل لنهضة الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة، بسبب انقسام المصريين حول البنوك الإسلامية والبنوك العادية بعد صعود أبناء التيار الإسلامي للسلطة، والعالم الخارجي لا يعرف للمصريين طبيعة اقتصادية؛ نظرًا للتشتت الواضح في السياسية المصرية ومدى اللجوء إلى النظام الرأسمالي، أو الاقتصاد الحر، أو الاقتصاد المبني على تدخل الدولة، أو الاقتصاد الإسلامي، مشددًا على ضرورة عدم الابتعاد الحكومي عن دور رجال الأعمال في مصر والتحاور معهم قبل فرض سياسات وقوانين اقتصادية جديدة في الدستور القادم قد تدفع برجال الأعمال إلى نقل استثماراتهم للخارج هربًا من الضغط الحكومي. توجه إسلامي ! في حين أكد د. درويش مرعي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة العمالية، أن ما حدث من قبل بعض وزراء حكومة د. عصام شرف، رئيس الوزراء الأسبق، بعد نجاح الثورة مباشرة لمواجهة غضب العاملين، من حيث رفع معدلات الحوافز للعاملين بالدولة دون النظر إلى ما ستتكبده الموازنة العامة للدولة من جراء هذه التصرفات، حتى وإن كانت دخولهم مميزة ؛ إلا أنهم يتظاهرون لمجرد أن غيرهم من الوزارة الأخرى حصل على حافز لم يحصلوا عليه، لافتًا إلى أن الإسلاميين في مصر يرون أن البنوك العادية وتعاملاتها المالية "حرام"؛ بسبب فوائدها الربوية - من وجهة نظرهم - ويريدون إنشاء نظام اقتصادي إسلامي يقضي بإنشاء عدة بنوك إسلامية، وفي هذه الحالة لابد من التنسيق بين جميع البنوك المصرية العادية والإسلامية لتكوين اقتصاد متزن، بعيدًا عن القوانين الاقتصادية سيئة السمعة، وسن قوانين جديدة تسمح للدولة بالتدخل لمواجهة ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والاحتكارية وعدم تركها للقطاع الخاص لحماية المستهلك. وشدد د. حسن هريدي الخبير الاقتصادي، على ضرورة إلغاء دعم الطاقة على المصانع الكثيفة الاستهلاك، لتحسين بيئة الاقتصاد المصري المترهل؛ بسبب الأوضاع السياسية التي تشهدها البلاد، مما سيوفر لخزينة الدولة نحو 15 مليار جنيه، مؤكدًا أن النهوض بالاقتصاد في هذه المرحلة الحرجة من حكم الرئيس مرسي سيكون على حساب الشعب المصري، وعليه أن يتحمل زيادة الأسعار وفرض مزيد من الضرائب، لمواجهة عجز الموازنة العامة، وارتفاع الدين المحلي الذي يعوق الدولة عن القيام بمهامها، مطالبًا بطرح سندات للمصريين يتم الاكتتاب فيها لمدة 5 سنوات دون فوائد لدعم الموازنة العامة، مع ضرورة فرض ضريبة تصاعدية على الأثرياء، بالإضافة إلى تفعيل الضريبة العقارية، رافضًا إرضاء الحكومة لمطالب الشارع الفئوية في الوقت الحالي؛ لأن ميزانية الدولة لم تعد تحتمل مصروفات زائدة، وفي حال رضوخ الحكومة فإن عجز الموازنة سوف يرتفع إلى مستويات لا يمكن تحملها، ويبقى الحل الأمثل في ضرورة جذب وتأمين الاستثمارات الخارجية، حتى لا يبقى الاقتصاد ضعيفًا مع مستوى لا يمكن تحمله من الإنفاق العام ونظام اقتصادي لم يتم إصلاحه بعد الثورة.