فى الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، والتى قامت من أجل العيش.. والحرية..والعدالة الاجتماعية، سادت حالة من الترقب يشوبها الحذر بين العديد من المحللين السياسيين والاقتصاديين نظرا للعديد من المعوقات الاقتصادية الخاصة بالقطاع المالى والمصرفى التى أثرت على البيئة الاستثمارية فى مصر خلال الفترة السابقة، مما انعكس على الاقتصاد المصري ومسيرته داخليًا وخارجيًا. واستعرض الخبراء الاقتصاديون المعوقات والمشكلات الاقتصادية التى تواجه مصر حاليًا والمتمثلة فى ارتفاع عجز الموازنة الذى من المتوقع أن يصل إلى 200 مليار جنيه، مما انعكس على معدلات التضخم التى وصل ارتفاعها إلى 4.4%. وقال الخبراء "إن انخفاض حجم الاحتياطات الأجنبية من مستوى 34 مليار دولار قبيل الثورة إلى 15 مليار دولار حاليًا كان له تأثير سلبى على انخفاض سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية الأخرى، مما أدى إلى ارتفاع كلفة سعر الدين الخارجى الذى بلغ 34.7 مليار دولار بجانب الدين الداخلى الذى يمثل كارثة حقيقة للاقتصاد المصرى، والذى بلغ 203 مليارات دولار". وأجمع الخبراء على أن الوضع السياسي وعدم الاستقرار هو ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة التى وصلت إلى 13%، كما ساهم هذا الوضع فى عزوف الأفواج السياحية على القدوم إلى مصر مما أثر على معدلات السياحة، والتى تمثل نسبة كبيرة من الدخل القومى للبلاد. وأكدوا ضرورة رسم سياسية اقتصادية جديدة واضحة المعالم ملائمة للوضع الحالى تناسب جميع احتياجات قوى الشعب المصرى، والتى قامت الثورة من أجلها. ومن جانبه، أكد المحلل الاقتصادى ومدير المحافظ بالبورصة أحمد حمدي سبح على أهمية معالجة المشكلات الخاصة بقطاع السياحة، والذى يعد مصدرا حيويا للدخل القومى بخاصة أن أكثر من 15% من إجمالى القوى العمالة فى مصر تعمل فى هذا القطاع الحيوى سواء بطريق مباشر أو غير مباشر. وأشار إلى ضرورة استغلال انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار لترويج المنتج السياحى المصرى، إلى جانب المشاركة فى المعارض السياحية الدولية، والتأكيد على كفالة الحريات للسياح داخل مصر بعد أن زادت المخاوف الخارجية من بعض التصريحات التى أدلت بها بعض القيادات السلفية. وقال المحلل الاقتصادى أحمد حمدى سبح "إن ارتفاع معدلات السياحة ستساهم بشكل كبير فى اجتذاب العديد من العملات الأجنبية لمصر مما يساعد على إعادة توازن سعر صرف الجنيه أمام باقى العملات الأجنبية الأخرى، مؤكدا أن ذلك له دور فعال فى تشجيع المستثمرين الأجانب على ضخ الاستثمارات داخل مصر، مما يدفع عجلة الانتاج ويساهم فى كل المشكلة الاقتصادية". وأضاف أنه من المتوقع حل جميع المشكلات الخاصة بالاستثمارات داخل مصر بتوفير بيئة اقتصادية قوية تتسم بالاستقرار السياسى، بالإضافة إلى فتح باب الاستثمار الأجنبى للمشروعات القومية الكبرى كشرق التفريعة، ومشروع تطوير قناة السويس، وتوشكى، ومنخفض القطارة، مع فرض شروط ومعايير محددة تراعى مصالح مصر القومية والاستيراتيجية. وأوضح سبح أنه من الضرورى فتح باب الاستثمار أمام شركات الاستثمار المباشر للاستثمار فى مشاريع البنية التحتية المختلفة مع اتباع نظام "التربل.بي"، والذى يساهم فى خلق فرص عمل جديدة تساهم فى حل مشكلة البطالة، إلى جانب التوسع فى إنشاء المناطق الصناعية المتخصصة، ومراعاة التوزيع الجغرافى المناسب خاصة فى إقليم الصعيد. وشدد على ضرورة الإصدار الفورى لقانون تحديد هوامش الربح بما يضمن مصلحة المنتج والمستهلك، وتحديد هوامش الربح لكافة المشروعات الانتاجية والتجارية ما بين 10% إلى 60%، وذلك وفقا لسرعة دورات رأس المال فى كل قطاع مع ألا يزيد هامش الربح فى الصناعات الاستيرادية الخاصة بالصناعات الغذائية ومواد البناء بمختلف أنواعها على 10%، لما تمثله هذه الصناعات من أهمية أساسية لدى المواطن. وأكد سبح على ضرورة إلزام مصلحة الضرائب بكافة المشروعات وبتقديم كافة المستندات الضريبية، لمعرفة مدى التزامه بهذا القانون، مع توقيع عقوبات رادعة، وتشديدها على المخالفين. ورأى الدكتور هشام إبراهيم أستاذ التمويل الدولى بجامعة القاهرة أن المشكلة الأساسية تتركز فى ضرورة تغيير الحكومة للنظام الخاص بالموازنة العامة للدولة، والذى كان متبعا عبر العقود الماضية، والذى ساهم فى خلق العديد من الكوارث الاقتصادية التى ظهر تأثيرها السلبى الآن. ولفت إلى ضرورة إعادة التنظيم الهيكلى الخاص بالنفقات والإيرادات الخاصة بالموازنة العامة، بخاصة أن هناك 3 بنود فى الموازنة العامة تلتهم 80% من الايرادات والمتمثلة فى بند الأجور الذى يصل إلى نسبة 30% من إجمالى الموازنة، بجانب مشكلة الدعم التى تلتهم أيضا نسبة كبيرة من الموازنة، وأخيرا مشكلة ارتفاع كلفة الدين التى تلتهم أكثر من 30% من الموازنة. وأكد إبراهيم على ضرورة خلق توازن بين النفقات والإيرادات الخاصة بالموازنة بطريقة دقيقة عن طريق خفض أسعار الفائدة، ووقف المزيد من الإستدانة من الخارج، مما يساهم فى حل مشكلة عجز الموازنة الذى من المتوقع أن يصل إلى 200 مليار جنيه. وشدد على ضرورة سعى الحكومة لوضع حلول عاجلة لمعالجة الخلل الخاص بالنظام الضريبى، مشيرا إلى أهمية تطبيق القواعد الخاصة بالضريبة التصاعدية والتى ستساهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية التى تعد إحدى المطالب الرئيسية للثورة، داعيا إلى إعادة النظر فى القواعد الخاصة بضريبة الدخل، حيث لا تزال كما هى رغم التعديلات التى أجرتها الحكومة مؤخرا لحل المشاكل الخاصة بضريبة الدخل. ونوه إبراهيم إلى ضرورة اتباع الحكومة لسياسات مالية منضبطة لحل مشكلة انخفاض سعر صرف العملة الوطنية إلى باقى العملات الأجنبية الأخرى، إلى جانب مبادارتها لمواجهة جشع التجار وفرض عقوبات خاصة لحماية المستهلك من تزايد الأسعار. وأوضح أن معدلات البطالة ستظل كما هى، وسترتفع إذا لم تأخذ الحكومة الوسيلة المناسبة لفتح أبواب الاستثمار وزيادة معدلاتها داخل مصر، مما يساهم فى خلق فرص عمل جديدة تساهم فى حل مشكلة البطالة. واتفق محمود عبدالحى مدير معهد التخطيط سابقا على ضرورة فتح باب الاستثمارات فى مصر، معتبرا ذلك هو الحل الأمثل للأزمة الاقتصادية التى تعانى منها البلاد، مع العمل على استغلال اتفاقيات التجارة الحرة التى أبرمتها مصر، والتى كانت أخرها اتفاقية التجارة الحرة مع دول "الميركوسور"، مما يساهم فى فتح أسواق خارجية لمصر، وزيادة حجم التبادل التجارى والاستثمارات المتبادلة بينها وبين دول التجمع الاقتصادى بأمريكا اللاتينية. وأكد على أهمية جذب الاستثمارات الأوروبية المهاجرة بعد الأزمة الاقتصادية التى يعانى منها الاتحاد الأوروبى، خاصة بعد إعلان بريطانيا انسحابها بحلول عام 2015 إذا استمر الوضع كما هو عليه، مما يستلزم ضرورة توفير البيئة الاستثمارية الصالحة لاستيعاب هذه الاستثمارات فى مصر. واستعرض أهمية تطوير العلاقات الاقتصادية مع جميع دول أفريقيا ودول شرق آسيا، والعمل على فتح أسواق جديدة، وتوثيق علاقات التبادل التجارى مع دول هذه المناطق، خاصة وأن هذه الدول تعتبر سوقا حيويا يمكن لمصر الاستثمار فيه. ونوه إلى ضرورة إعادة النظر فى السلع المستوردة والتى تستنفز جزء كبيرا من الدخل، خاصة السلع الكمالية الخاصة بالمواد الغذائية وغيرها من السلع الأخرى، مع اقتصار الاستيراد على السلع الضرورية والأساسية الخاصة بالصناعات التى تدر دخلا كبيرا للبلاد مما يساهم فى دفع عجلة الانتاج وزيادة الاستثمارات الحيوية فى مصر.